بقلم الأستاذ أحمد العربي بوعبدالله
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
سبيلك إلى التحرر من أسر الخجل؟


بما أنك اخترت قراءة هذا الموضوع باهتمام فهذا يعني أنك قد تكون مثلي خجولا, لا تهتم -عزيزي القارئ- فمعرفة المرء داءه هو أول مراحل العلاج, وإذا عانيت مثلما عانيت من حصاد الخجل المدمر وآثاره المأسوية مثل (الشعور بالدونية وعدم الاستحقاق,عدم الرضا عن الذات, النظر بعين الريبة للآخرين, الحساسية المفرطة, سرعة التأثر, عدم القدرة على التعبير, تضخيم الأمور, العجز عن التأقلم مع المتغيرات, الخطأ في التحليل ومجانبة الصواب في الحكم, ......الخ), فقد بت مدركا بكل تأكيد لخطورته على كل الأصعدة, وأصبحت عازما على التحرر من سجونه و الإنعتاق من أسواره,أليس كذلك؟ فإن كان الأمر كذلك, يمكنك أن تحضر ورقة وقلما(تمرين)وبالأصالة عن نفسك وبحكم معرفتك السابقة بالخجل ومعاشرتك الطويلة له, عرّف لنا الخجل وحدثنا عن تأثيراته النفسية والفسيولوجية في بضعة أسطر فإنني أراك مؤهلا لذلك. ثم تفحص إجابتك جيدا,ماذا ترى؟ هل تعتقد أن إجابتك صحيحة؟ وهل تعتقد أنّ ما دونته عن الخجل يتناول مجامع التعريف ؟مهما كانت الإجابة ب"نعم"أو لا, يظهر على سطح التفكير سؤال آخر مفاده:- هل هذا الخجل قرينك منذ الولادة؟ أم هو وليد ظروف نفسية واجتماعية؟. لا أريد منك الإجابة على هذا السؤال الأخير بقدر ما أريد منك التفكير فيه.

أسباب ظهور الخجل كمرض نفسي:-
يمكن تلخيص جميع الأسباب التي أسهمت في ظهور الخجل كمرض نفسي سلوكي إلى عاملين اثنين:-


1)- العامل الاجتماعي:- وله ثلاثة محاور رئيسة (التربية العائلية, التربية المدرسية, الموقف من الجنس الآخر).
أ)-التربية العائلية الخاطئة:- الأبوان العنيدان اللذان يربيان الطفل بطريقة استبدادية خشنة "افعل, لاتفعل" دونما مناقشة, قد تضطر الطفل إلى الطاعة مكرها دون أن تتاح له فرصة الفهم لصحة أوامر الأبوين.
التعامل القاسي مع ميول ورغبات الأطفال قد تكبح وتكبت الانفعالات في أعماقهم مع مخاطرها إلى حين ظهورها كأمراض نفسية عصابية.
طفل يحاول الظفر بقبلة من أمه فتصده بعنف وتردعه بقسوة بدل تلبية حاجته العاطفية,.....إلى آخر ما هنالك من الجرائم التربوية التي تصنع العقد النفسية وتنتج الاضطرابات الانفعالية و تنشأ الأمراض السلوكية.
ب)-التربية المدرسية القاصرة:- كأن يتعامل المعلم مع خطأ تلميذ وقع في" الكذب" مثلا, على أنه "خطيئة" يقيم لها أهوال القيامة ويدخله جهنم والهاوية فينعته بنعوت مخزية ويتلفظ بأقوال رهيبة ويستعمل معه كل أنواع العنف اللفظي و غير اللفظي (شرير, سارق, سينتهي بك الأمر إلى السجن,إلى المشنقة يا...........الخ). ماذا يفعل الطفل المسكين بعد أن يتلقى هذه العبارات المثقلة بالعواقب,إلا أن تتآكله المشاعر المخزية, والأمر كله لا يحتاج إلا لحوار ذكي يعالج المشكل ويطمئن الطفل, فالأطفال بحق يحتاجون إلى الأمان المدرسي.
أيضا أساليب ( الاستهزاء, التهديد, الوعيد,..........) التي ترعب الطفل أو تتركه فريسة السخرية.......إلى آخر الجرائم التي يضيق المقام عن ذكرها.
ج)- الموقف من الجنس الآخر(عقدة أوديب):- والتربية الجنسية من القضايا التي "عمت بها البلوى وكثرت إليها الحاجة" على حد تعبير علماء الأصول, وهي قضية يحتاج إليها الكبار قبل غيرهم,والتفريط فيها يعد من أسباب الخجل ولعلنا نتناولها منفردة وفق ضوابط العلم والشرع والله المستعان.

خجل نابليون
هل تصدق-أخي القارئ- أن نابليون بونابرت ذلك القائد الجسور الذي أرعب الدنيا وهزم الجيوش وجندل الكتائب وهز العالم بصولاته ودك الحصون بجولاته وملء سجل التاريخ ببطولاته, ذلك الذي لا يهاب المدافع ولا يخشى القنابل,ذاك الأمبراطور الذي تكفل الدهر بتخليد أمجاده ومغازيه......هو نفسه من يتلعثم و يتصبب عرقا ويرتعد فرقا إذا شعر أن امرأة تحدق فيه, بل ربما فضل أن يكون عرضة لمرمى النيران والمدافع على أن تطاله نظرة مركزة من الجنس اللطيف, بل لقد كان يضطرب إلى حد الإغماء لمجرد وجود امرأة غريبة بمجلسه لعلك -أخي القارئ-أكثر حظا وأوسع حيلة من نابليون فبادر إلى تأسيس الثقة وبناء الجرأة وتشييد القوة في شخصيتك.
2)العامل الشخصي:-
ونحصره في شقين(الجسمي, النفسي).
1) الشق الجسمي:- فعندما يبتلى الإنسان بعيب ظاهر أو وجود عاهة جسمية أو طول فاحش أو قصر شديد أو بدانة مفرطة أو هزال مخزي.....أو أي شيء آخر يقدح في كمال أو جمال الهيئة مما يفضي إلى حساسية مبالغ فيها تؤدي إلى الخجل.
2)- الشق النفسي:- وهو تولد الخجل لأسباب نفسية مثل( الخوف من عدم التقدير, شدة الحساسية, المبالغة في حفظ الكرامة,.......الخ).

الخجل مرض نفسي و اجتماعي ولكن...
مهما كانت الأسباب الاجتماعية و النفسية المتسببة في ظهور الخجل كمرض نفسي سلوكي فإننا نقول للإنسان الخجول بمنتهى الصراحة ومع كل أسف:- أنت المسئول عن الخجل والمتسبب فيه حقيقة وواقعا. ولا يوجد في الأرض ولن يوجد فيها من يستطيع أن يشعرك بالدونية إلا بموافقتك.
الخجل نتيجة أنت سببها:-الخجل عبارة عن ردّة فعل نفسية وانفعالية تجاه الآخرين أو تصرفاتهم يعني أن الخجل «استجابة" من استجابات كثيرة يمكنك اختيار أحدها فهناك أيضا "الغضب,اللامبالاة, الثبات,تبسيط الأمر, مواجهة الموقف...." فما الذي جعلك تختار الخجل يا ترى؟ هل هو الشعور بالنقص والدونية؟ هل هو العجز عن التحكم في انفعالاتك وإدارة ذاتك؟ أم تراك ألفت الخجل كأسلوب انهزامي و نهج هروبي من مواجهة الواقع؟. توقف عن اعتبار نفسك مركز الكون و كل ألأنظار مصوبة نحوك.
تأكد- عزيزي القارئ- أن الخجل"صناعة ذاتية" وأن لك كل الحق و القدرة والحرية في اختيار سلوك آخر يليق بك كإنسان كرمه الله سبحانه. فاستبدل الذي هو خير بالذي هو أدنى.

عقدة الخجل ومراحل تكوينها
حتى يصبح الخجل عقدة يمر بثلاثة أطوار وفي الطور الأخير يتسلم المرء شهادة خجول مع مرتبة الشرف الأولى, سنذكرها على عجل:
1) الخجل البسيط:- وكلنا يتعرض له في مواقف قلية متفرقة في لحظات ضعف"التحكم في الذات وضبط الانفعال" .
2)الخجل الشديد:- حيث تنقص الثقة بالنفس على نحو ملحوظ ويتدنى الشعر باحترام الذات ويستفحل العجز على اتخاذ القرار وحل المعضلات ويستمر الناقد الداخلي في اللوم والتأنيب والنقد وإبراز المخبوءات من النقائص وإخفاقات الماضي و إشعار بالدونية وعدم الاستحقاق........الخ.
3) مركب الخجل:- وهي صورة الخجل في طوره الأخير مزيج من الخوف والقلق والكآبة والنقص وربما العدوانية والشذوذ و....
ومركب الخجل هذا ينتهي بالخجول إما إلى المهانة وهي ما يعرف ب"الرق السلوكي" وهي الصورة الشائعة عند ذوي الخجل وإما إلى الطغيان وهي ما يعرف ب"الدكتاتورية السلوكية".

خطوات على طريق التحرر من ربقة الخجل:---
أول خطوة هي كلمة أطلقها الفيلسوف العظيم أرسطو ودفع حياته ثمنا لها وكيف لا يكون عظيما وقد رتب له تلامذته ومحبوه طريقة محكمة للفرار من تنفيذ حكم الإعدام, فرفض بكل إباء وكأنه أراد أن تعرف الإنسانية مغزى وأهمية هذه الكلمة "اعرف نفسك".
1)- معرفة نفسك:- وهنا أدعوك بكل حزم, أن تعبأ بطاقة معلومات ضرورية عن شخصيتك فيما يتعلق بالخجل:-
-(ما هو الخجل, ما هو خجلك, درجة خجلك على المستوى الشخصي وعلى مستوى علاقاتك بالغير, الأسباب الزائفة التى تعتقد أنها سبب خجلك,الأسباب الحقيقية,التأثيرات الفسيولوجية,التأثيرات النفسية لخجلك,التأثيرات الصحية, تصرفك كخجول).
راسلنا على البريد الإلكتروني المثبت أسفل الصفحة ونحن نوافيك بالاستبيانات اللازمة لتعبئة بطاقتك الشخصية فيما يتعلق بخجلك .
وأنا أطلب منك هذا العمل النزيه وبقلمك شخصيا بأسلوبك وبنات أفكارك أتوقع منك الوعي والذكاء لأن الأحمق الغافل يعمى عن رؤية الحقيقة في نفسه.
2)- تسلح بإرادة التحسّن والتغيير:- بعد أن تحصلت على البطاقة الشخصية لخجلك تكون أكثر وعيا وإدراكا و يتولد لديك شعور بأهمية التغيير وإطلاق قدراتك النفسية والسلوكية في الاتجاه الإيجابي.
3)- ارفع معامل ثقتك بنفسك:- ورفع معامل الثقة يعني (احترام نفسك وتقدير جهودها,تأثر أقل بآراء الآخرين,رؤية أوسع وإدراك أعمق, تحمل المسئولية بكفاءة, شعر باستحقاق السعادة والنجاح,....).
4)- تحمل مسئولية خجلك:- استعن بمعلوماتك الشخصية حول خجلك وآثاره النفسية والفسيولوجية عليك وغيرها, ثم انبذ الخجل وتمرد عليه, وخذ قرارك بالتغيير وضعه في الفعل كخطة عملية لمدة محددة, تصرف كقائد حكيم مصّر على تحقيق الفوز تعلم مهارة التحكم في انفعالاتك فالخجل "اضطراب انفعالي" قبل أن يكون "اضطراب سلوكي" وسجل التغييرات التي تظهر بين الحين والآخر فهي ما يحفزك على مواصلة الرقي البشري.

ليس صحيحا
هذه نموذج من أفكار خاطئة ومفاهيم مغلوطة يجدر بنا غسل عقولنا منها بماء الوعي وثلج الإدراك وبرد اليقين:-
1)- تفادي تحديات الحياة ومسئولياتها أسهل من مواجهتها. لأن الواقع يؤكد على أننا نصنع مشاكل إضافية وعلى رأسها المشاكل النفسية (الإحباط, الاكتئاب, الشعور بالذنب,...).
2)- أن الخجل صديق الطفولة ورفيق المراهقة ونديم الشباب ولا يمكننا التخلص من إرث الماضي فهو ما يحدد الحاضر ويرسم المستقبل.
وهذه فكرة بالية لأن الأقوى أن نقول أن التطور والنمو والتغيير ما يمثل جوهر الحياة وناموس الكون وسنة الإله سبحانه. ومهما يكون لركام الماضي من تأثير فإننا أقدر على تغيير عاداتنا وسلوكياتنا في أي وقت نشاء.
3)- أنه نمط تربينا عليه ولا يمكننا الخلاص منه. وهذا ليس صحيحا فالخجل ليس بصمة وراثية بل هو عادة سلوكية بنسبة99بالمائة مقابل 1بالمائة كرموزوم .
ahmedelmohib@yahoo.fr
دالله



سبيلك إلى التحرر
من أسر الخجل