جلس الجميع في صمت مهيب ينتظرون وليّ الأمر، طال الانتظار وتفتت أعصابهم وعصفت في رؤوسهم رياح الظنون والأوهام ، وأخيرًا جاء يمشي بخطىً ثقيلة يجر ثوبه بحركات مريبة ، جلس على مقعده بعزة وكبرياء ثمّ قال:
- لقد نظرت في طلبكم وبعد أخذ ورد مع صاحبة الشأن قررنا أن هذا الأمر لن يكتب له النجاح إلا إذا توفرت جملة من الشروط والتفاهمات .
رد عميد القوم قائلاً :
- قل يا سيدي ونحن كلنا آذان صاغية .
- عليكم أن تقدموا لنا كشفًا بأسماء أقربائكم وصفاتهم ودرجاتهم ومدى قربهم أو بعدهم ومن يدور في فلككم ويتبنى قناعاتكم ، ونريد أن نعرف فيما إذا كان له أخٌ من الرضاعة أو شقيق من أيام الطيش والصياعة ، ولن أقبل منه غدًا أن يقول لي حق أمي وأبي ولا عمي ولا خالتي و يمنع منعًا باتًا تدخل الجيران لا من قريب ولا من بعيد ، و نريد " حق النقض الفيتو" لنحفظ حقوقنا ويضمن لنا عدم تجاوزكم وتسلطكم – لا قدر الله – لذلك فقد ارتأينا أن نضع رقمًا عن يمينه سبعة أصفار يكون حارسًا عليكم في الليل والنهار ، على أن يكون تصريف الأمور الداخلية من نصيبنا ، والخارجية من صلاحياتنا والاقتصاد سيدار من جانبنا ، وتعليم الصغار لا شأن لكم به ، ولا بأس أن تكون العصمة في أيديكم و العمل تحت إشرافكم ، فنحن لا نريد أن نبدو كمن يضع العصي في الدواليب ، ويفرق بين المحبين ، فهذه فتنة خبيثة – لعن الله من أيقظها -تنفر منها العقول الرزينة وتأباها فطرتنا السليمة .
انتهى البيان وأصاب الذهول المكان ، فقام عميد القوم وقال :
-أرى أن تعطونا مهلة للتفكير ، لنراجع فيها أمورنا ونشاور حلفاءنا ، فنحن لا نقطع أمرًا من دونهم ولا نقرر ..
لكن الفتى المجروح قاطعه بهدوء وهو يقول :
- أنا صاحب الحاجة وأنا أولى منك بالرد على هذا الفجور ، يا سيدي أرى أن تنظر في عقلك فربما أصابته لوثة شيطان أو نقص فهم وتجبر وطغيان ربما يكون سببها أنفلونزا الطيور ، أو هذا البقر المجنون ، فأنا طالب القرب بالحلال، دخلت من الباب ولم أقفز من فوق السور والشباك ، وها أنت تضع شروطًًا مستحيلة ، مرفوضة جملة وتفصيلا ، حتى لو أنجبت لي فتىً سيحرر الأقصى ، ويعيد مجدنا الغابر على حساب حظي العاثر ، يا سيدي ملعون أبو الفضائيات والساسة وكل السياسات ، ومن أجل حبي لها فلن أزيد حرفًا ، كي لا أجرح شعورها وأتسبب في كسر قلبها ، فبلغها عني السلام ولعنة الله عليك إلى يوم الختام .