أشـرف والعـفـريـت
في إحدى ليالي رمضان كان عائداً إلى المنزل يترنح من أثر سهرة أُنس كان يقضيها مع أحد تجار السموم (المخدرات), بالطبع كان هذا الأمر بالنسبة له إعتيادياً, فقد كان محامياً دنيئاً بارعاً, وكان يمكنك أيامها أن تبيع أي نوع من المخدرات وبأي كمية تريد ثم تبلغ الشرطة عن نفسك وتعترف بالأدلة على فعلتك وبعد هذا كله فهو قادر على إنقاذك من الحكم بالسجن وتبرئة ساحتك وإظهارك بمظهر الطفل البريء حتى انه قد يستطيع أن يعرض رسومات بإسمك في متحف سوزان مبارك للطفل...
هكذا كانت مبالغاته و (حكاويه), ونعود إلى تلك الليلة التي غيرت مسار حياته مائة وثمانون درجة, أين توقفنا بالضبط ؟
آه, كان عائداً إلى المنزل يترنح من أثر سهرة أُنس كان يقضيها مع أحد تجار السموم, وبالرغم من أن شهر القرآن كان يظله وبالرغم من تدين (الحاجة) والدته وبالرغم من أن الظروف تدفع أغلب الناس على المواظبة على الصلاة والإقبال على مختلف العبادات والبعد عن المعاصي وإن كان هذا صوريا في بعض الحالات وفي رمضان بالذات, ولكنه كان قد تعلم أنه ليعلو (مالا ونفوذا) فلابد له من أن ينحدر, وليشتهر فلابد له أن ينحط, وهكذا نراه عائداً إلى المنزل يترنح من أثر سهرة أُنس كان يقضيها مع أحد تجار السموم, وكان قد أنقذ هذا التاجر من أحكام تكفي لحبسه مائة مرة (كما قال هو)..
يسمع اذان الصبح يدوي والناس تهرع إلى المساجد ليلبوا نداء الله ولكنه يسير بغير يسر ولكن بتصميم إلى الدار وحيث أن (الحاجة) لم تكن بالمنزل – ولم نجرؤ على سؤاله أين كانت بالضبط – فقد كان مطمئناً أنها لن تراه على هذا الحال فتوبخه (وتطير الحجرين من دماغه و تعكنن مزاجه), فقط كان عليه أن يسرع حتى يهرب من صوت الأذان المدوي المؤنب الموبخ (للعاصي) والذي (يطير الحجرين من دماغه), كما أنه أيضاً كان يبغي الوصول إلى الحمام بأسرع ما يمكن حتى يمكنه إفراغ مثانته مما شرب في سهرته..
يحكي: كنت أصعد درجات السلم بعينين لا تريان وساقاي تترنحان حتى كدت أقع ألف مرة وكأنني أصعد جبلاً, لا أدري كيف أولجت المفتاح في القفل ولكني في النهاية أصبحت في المنزل..
كان المنزل مظلماً ففتحت النور وجريت إلى الحمام أفرغ مثانتي وبعدها دخلت إلى المطبخ وفتحت (الثلاجة) لأبحث عن شيء أتبلغ به ليزيل ارتباك معدتي بعد الكؤوس التي دخلتها ولأزيل أثر الدخان المسموم في جوفي, وفتحت المذياع لأسمع ما يسليني وأنا أتناول وجبتي هذه فكانت محطة (إذاعة القرآن الكريم) ولما كنت منتشياً وفي حالة لا تتطلب ولا ترتضي إلا (المزاج) فقد أسرعت بتغيير المحطة حتى أسمع أغنية ما أو برنامجاً تافهاً مما يذاع وبعد أن وجدت ضالتي وما ان التفت لكي أضع الطعام على المائدة حتى رأيت أمامي رجلاً عملاقاً مهيباً يلبس جلباباً أبيض ناصع البياض وذقنه بيضاء من غير سؤ – الرجل طبعاً لا الجلباب- وقد كان الرجل ينظر لي شذرا مما أوقع قلبي في قدمي وأصابني الرعب الشديد...
وهنا لم أستطع السكوت فسالته متشككاً ساخراً – سخرية تخفى عليه لجهله - وهل تعرفت الرجل يا عم (أشرف) ؟!!!
قال, لقد رأيته تارة وكأنه أبي وتارة أخرى كأنه أنا – ولكن بالطبع من دون الكرش- وكنت أراه كأنه كله أبيضاً يشع (كاللمبة النايلون)...
ضحكت أنا ومن معي من الأصدقاء على هذا وما خفي ضحكنا عليه ولكننا كنا نحاول أن يبدو ضحكنا وكأنه تفاعلا مع موقف (الخضة) الذي حدث له والذي أطار (الدماغ) وقلبها بعد كل هذا الحرص على الهرب من الأذان ومن االاستماع إلى (إذاعة القرآن الكريم), وتعجبنا حين رأيناه منتشياً وكأنه قد آمن أننا بالفعل صدقناه وإن كنت لا أخفي عليكم فقد أثار فضولي وأصحابي فأردنا أن نشجعه على الاسترسال وما كنا بحاجة إلى هذا..
فقد بادر قائلاً: فنظرت إلى الرجل نظرة رعب متسائلاً "مـمـ مم... من أنـننن أنت" وفجأة هوى بكف كالمطرقة على (قفاي) وصرخ في قائلاً (يا ابن الكلب قوم اتوضا وصلي).. أسرع مهرولاً إلى الحمام ليتوضأ ويصلي الصبح وقطع على نفسه عهداً منذ ذلك اليوم ألا يقرب المنكرات أبداً وأن يتوقف عن هذه المهنة القذرة – الدفاع عن الآثمين – وألا يفطر في نهار رمضان أبداً وأن يؤدي حقوق الله والعباد ما استطاع...
يحكي لنا كل هذا قاطعاً الحكي ماطاً شفتيه أو متنهداً وتارة مطأطئ الرأس حتى لتعتقد أنه يبكي متأثراً... باختصار كان ممثلاً رديئاً وكان (يبلف) كعادته..
وهكذا انتهت إحدى حلقات (أشرف) وأرى أن بعضكم قد يتسائل (ما هذه القصة السخيفة ؟ ومن هذا (الأشرف) الأفاق المدعي ؟ وهل هو شخصية حقيقية أم وهمية افتعلتها ؟ وما الحكمة من ذكر هذه الحكاية الساذجة أصلاً ؟)
أسئلة وأسئلة والمزيد من الأسئلة, ولكني أجيبكم بأن ماذكرت لكم ماهو إلا إعادة سرد لما سمعت على لسان أحد الأشخاص, وهو شخص مدعي (يقول أنه محام ومستشار ومأمور ضرائب وأحياناً هو أحد رجال الدولة الخطرين الذين لا يمكنهم الإفصاح عن جهة عملهم مع التلميح بأن الإخفاء لأسباب أمنية), ولكن إن كان بيدي فأنا لا أعطيه أكثر من وظيفة (مشعوذ دجال).
ولا أخفي عليكم أنني أشعر بلذة خاصة حين أتابع ما أسرده عليكم متذكراً هذه الأيام وهذا لأنني والله كنت أضحك حتى تدمع عيناي من حكاياته..
أما عن الحكمة التي تتضمنها الحكاية, فأقتبس كلمات الدكتور العبقري والكاتب الرائع والساخر الكبير, الدكتور: أحمد خالد توفيق.. أكره لي أعناق القصة للحصول على موعظة ما.. وإلا كان المقال أكثر فاعلية.. لكن - مادمتم تصرون – سأحاول:
1- ابتعد عن السهرات المشبوهة وخاصة في ليالي رمضان.
2- لا تدخل البيت وأنت (سكران) مالم تكن (الحاجة) بالمنزل.
3- من الخير لك أن تصلي قبل أن يظهر لك العفريت الأبيض ويصفعك على (قفاك) ثم يصرخ فيك قائلاً (يا ابن الكلب قوم اتوضا وصلي).
أتقبل أسئلتكم ونقدكم أو اقتراحاتكم.. وفي النهاية فهي مجرد كلمات تسخر من أنماط تعيش بيننا حقيقة... وهناك المزيد..
مع خالص تحياتي وشكري لمنتدى wata وأعضائه الكرام..