آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2
النتائج 21 إلى 34 من 34

الموضوع: رواية الباحث عن الحنان

  1. #21
    طبيب / أديب الصورة الرمزية د- صلاح الدين محمد ابوالرب
    تاريخ التسجيل
    13/10/2006
    العمر
    68
    المشاركات
    4,923
    معدل تقييم المستوى
    22

    افتراضي رد: رواية الباحث عن الحنان

    الباحث عن الحنان ج 21
    لم يسأل أحد مجدي عن رأيه ،حتى سالم لم يستشر مجدي من قبل .وضاع كل شيء وسط التبريكات والتهاني لسالم .ونسى الجميع أمر مجدي ،بل لم يتذكروه أصلا ؛أما هو فقد بقى جالساً مكانه ،يكتم غضبه الذي بدا واضحا على تصرفاته وفي عينيه .لم يلحظه أحد ، سوى سالم الذي استرق نظرة خاطفة لصديقه ،كأنه يريد أن يرى ردة فعله ؛وظهرت على شفتيه ابتسامة باهتة .

    في منزل مجدي دار نقاش حاد بين الصديقين بدأه مجدي :
    - ما هذه الطريقة في التعامل ؟ لماذا كل هذه الطرق المتلوية ؛أولاً تكذب عليهم وتخبرهم أنك مدرس ،ثم هذا المبلغ الذي وافقت عليه ،ثم حكاية الشقة ،من قال لك أنني سمسار شقق ؟ .
    قال سالم :
    - ردي علي أسئلتك لن يكون بمثل عصبيتك ،فأوله وثانيها أمر لا يهمك ،فكوني مدرس من عدمه لن يغير من الموضوع شيئاً ،إنه فقط لرفع قدري أمامهم ،وأنا أعتبر هذا من الأشياء المهمة في بداية الحياة أما عن المبلغ الذي تقول ،أنسيت أنني في بلادي لا أستطيع بهذا المبلغ أن أشتري ذهباً للعروس ،إن الآسيوية التي هربت كلفني سفرها أكثر من هذه الألف .أكمل جميلك معي وأبحث لي عن شقة ،ومن الأفضل أن تكون هنا في هذه العمارة ،لقد علمت أن الشقة المجاورة فارغة .
    لقد كانت ردوده ببرود وسرعة لم تتح الفرصة لمجدي أن يعترض ، وأكمل سالم كلامه وهو يهم بمغادرة الغرفة :
    - ثم أرجو أن تنتبه لأمر هام ، هذه البنت ستصبح زوجتي ،أي زوجة صاحبك ،فخفف من نظراتك إليها في المستقبل .
    وخـرج سالم من الغرفة تاركاً مجدي في ذهول من هذه القنبلة الأخيرة ،ماذا يقصد بها ؟ هل هو يعنيها حقاً ؟ أم خرجت منه هكذا ؟.

    دخل سالم غرفته وجلس في ظلمتها يفكر مع نفسه … ترى ماذا يدور في رأس مجدي ؟لماذا هو ينظر هكذا إلى ماجدة ؟ … هل ينوي خطف هذه البنت منه ؟ … هل هي الغيرة من نجاح سالم في هذا الموضوع كما كان يتفوق عليهم في السابق ؟ … لقد رأى إمارات الهزيمة والانفعال واضحة عليه في آخر زيارة لهم لمنزل العروس ، فهل ينوي ممارسة هوايته في تحطيم سالم ؟ إن مجدي كشخصية مفضل عليه لو تقدم لماجدة ،فهو أفضل منه مستقبلاً ،والأهم أفضل منه شكلاً .وأدار سالم في عقله كلمات بأنه من المستحيل أن يسمح لمجدي هذه الفرصة …
    - يجب أن أفوت عليه هذه الفرصة … يجب أن أفوز .
    وغرق في ظلام ونام وسيجارته في يده مشتعلة .

    **

    الدكتور صلاح الدين محمد ابوالرب
    طبيب-كاتب وباحث
    drosalah@hotmail.com

  2. #22
    طبيب / أديب الصورة الرمزية د- صلاح الدين محمد ابوالرب
    تاريخ التسجيل
    13/10/2006
    العمر
    68
    المشاركات
    4,923
    معدل تقييم المستوى
    22

    افتراضي رد: رواية الباحث عن الحنان

    الباحث عن الحنان ج 22


    رفضت أم عادل أن تقيس ماجدة السـوار الذي اشتراه لها سالم .لقد اعتبرته من الفأل السيئ أن تلبس العـروس السوار ثم تخلعه ،وتكفلت هي بتقدير حجم السوار والخاتم ،ودفع سالم النقود . لقد كانت جولة شاقة لسالم في السوق بين الفساتين والأحذية ومختلف الأغراض التي تم شراؤها للعروس والأم والأب والأخوة .وكان لابد من الراحة بعد هذا المجهود … صحبهم سالم إلى مطعم ليرتاحوا ويتناولوا طعام الغداء .ودخلت ماجدة وأمها مع سالم إلى ذلك المكان الذي لم يدخلوه في حياتهم ،بل ولم يحلموا أن يدخلوه .

    كان مجدي في المساء في استقبال سالم والقلق بادياً عليه ، فلقد خرج سالم صباحاً دون أن يخبر مجدي الذي أستيقظ من نومه فلم يجد صديقه في المنزل ،بل ولم يجد أي علامة تدله إلى أين ذهب ، ومتى سيعود ،لقد خشي عليه من المدينة … خشي أن يكون قد ضل طريقه بها ،فالمدينة الكبيرة غريبة على سالم ،وسالم غريب عنها ، ولم يهدأ بال مجدي حتى عرف حقيقة هذا الغياب ،عرف أن سالم أشترى لعروسه الذهب المطلوب ،لكنه لم يعرف لماذا أصر سالم على
    الذهاب منفرداً دون أن يصطحبه معه كالعادة .

    قال سالم مطمئنا صديقه :
    - لا عليك يا صديقي ،لا تقلق ،لقد أصبحت أعرف هذه المدينة بحث أستطيع أن أتدبر أمري ،أجلس لأحدثك عما جرى ،إنه فيلم سينمائي ، لقد ابتاعوا ما يريدون من أقمشة وأحذية ،لقد كانت الأم تعترض على كل شيء ؛فكل شيء تراه غالي الثمن ،حتى عندما دخلنا لنأكل كانت كمن يدخل أفخم القصور لأول مرة .
    قال مجدي :
    - هذا شيء طبيعي ومتوقع فمستواهم المادي لا يخفي عليك .
    رد سالم ضاحكاً :
    - لكن يا عزيزي أن تضع ما تبقى من أرز ولحم في حقيبة يدها فهذا هو الشيء الغريب .
    وبين ضحكاته قال مجدي :
    - ماذا … ؟! الأكل … قي حقيبتها .
    - أجل … وضعت ما تبقى من أرز ولحم في حقيبة يدها ولو كان باستطاعتها لو ضعت المرق أيضاً .

    وغرق الصديقان في الضحك وهما يتخيلان أم العروس تدس ما تبقى من طعام خلسة في حقيبة يدها الجديدة التي اشتراها لها سالم مع ما اشتراه من حاجيات للعروس ،تخيلاها وهي تتمتم بعبارات اللعنة على أصحاب هذا المطعم الذين يسرقون الأموال بتقديم هذه الأطعمة . وكأنها حين تأخذ ما تبقى من طعام تنتقم منهم على هذه فعلتهم .وقطع مجدي سلسلة الضحكات وهو يقول لصديقه :
    - هل أنفقت كثيراً من النقود في هذا اليوم ؟! لا تنسى أن ميزانيتك محدودة ،وما زال أمامك الكثير .

    فرد سالم :
    - لا عليك ،المهم ماذا فعلت أنت في موضوع الشقة ؟.
    قال مجدي :
    - استأجرت لك الشقة المجاورة لي .
    صمت سالم فجأة وبدأت تظهر عليه أمارات غريبة ،وهم بالكلام ، لكنه تراجع حين تذكر أن هذه الشقة هي من اختياره أصلاً .

    الدكتور صلاح الدين محمد ابوالرب
    طبيب-كاتب وباحث
    drosalah@hotmail.com

  3. #23
    طبيب / أديب الصورة الرمزية د- صلاح الدين محمد ابوالرب
    تاريخ التسجيل
    13/10/2006
    العمر
    68
    المشاركات
    4,923
    معدل تقييم المستوى
    22

    افتراضي رد: رواية الباحث عن الحنان

    الباحث عن الحنان ج 23


    في يوم الاثنين ،اليوم المحدد لقراءة الفاتحة وإتمام الخطوبة رسمياً ،اشترى مجدي بعض الزهور والحلوى وذهب مع سالم ،لقد أصبح سالم خبيراً بمكان البيت ،فقد حضر كثيراً إلى هذا المنزل .

    دخل سالم متقدماً وسط الزغاريد ،ثم تبعه مجدي ،مروا بين عدد من السيدات اللاتي جلسن هنا وهناك في بهو المنزل ،بينما توزع حشد من الأطفال في البهو ليتفرجوا .ودخلوا الغرفة … سالم في المقدمة ثم مجدي محملاً بالزهور والحلوى التي سرعان ما طارت من يديه ،لا يدري من اختطفها !ولا إلى أين ذهبت … ؟! ،لم يجد مجدي له في المكان متسع إلا في طرف الغرفة … وفي صدر الغرفة كان سالم ، وبجواره أبو عادل وشقيقه اللذان كانا في لباس جديد يبدو أنه قد تم شراؤه حديثاً ،أما الغرفة فقد بدا عليها بعض من بركات سالم ؛فهنا قطعة قماش وضعت كستار يحجب الخزانة ،وهناك مفرش جديد وضع على السرير ،وآخر على الكرسي الطويل .
    ووسط التبريكات صاح عبد الله :
    - الفاتحة يا شباب .
    ورفع الجميع أيديهم وقرأوا الفاتحة ،وهدأ الجميع في الخارج ،وما أن رأوا الرجال قد بدؤوا بمسح وجوههم بأيديهم إيذاناً بانتهاء قراءة الفاتحة حتى انطلقت الزغاريد من كل ناحية ،وبدأت معزوفة من الأغاني الشعبية والرقصات في تجمع النساء اللواتي كن ينتظرن هذه اللحظة في الخارج ،ولم يكن الوضع في الداخل بأقل من الوضع في الخارج … التبريكات والقبلات انهالت على سالم من كل الموجودين في الغرفة … من رجال رآهم من قبل أو لم يرهم … يعرفهم أو لا يعرفهم .

    وحان موعد تلبيس الذهب للعروس ،دخلت أم عادل وبيدها ابنتها العروس بلباسها الزاهي الجديد لتجلسها بجوار سالم ،وما أن دخلت العروس حتى بدأ سالم يسترق النظر إلى الزاوية البعيدة التي يجلس فيها مجدي ،ووقعت نظرات مجدي على سالم ، وخطر في بال مجدي فوراً جملة سالم أن يكف عن التحديق بماجدة ،فأبعد نظره بعيداً.

    مر الخاتم بإصبع ماجدة بسهولة ،لكن السوار امتنع عن الدخول ،اصفر وجه الأم ورفضت أن تسحب السوار بل أصرت على حشره بيد ماجدة ،ثم هبت واقفة وهرولت للخارج لتعود والصابون يعلو يدها ،مسحت يد ابنتها بالصابون وأجبرت السوار على الدخول بيد العروس رُغماً ،وهكذا كسر الشر الذي اعتقدت أم عادل أنه يحوم حول العروسان ،وعادت الزغاريد تعلو من جديد ،والرقصات والأغاني في الخارج ،ومرة أخرى أيضاً هب الرجال معانقين العريس ووالد العروس ،وبعضهم البعض ،حتى أصبح الناظر إليهم لا يدري من يبارك لمن !! .

    ودخلت صينية الشراب ،افتتحها سالم الذي شرب الكأس بجرعة واحدة ،ثم ماجدة التي لم تستطع أن تكمل الجرعة الأولى ؛ثم استأذنت وخرجت .لم يهتم أحد من الجالسين لخروج العروس ،أو كيف خرجت ،ولم ينتبه أحد للعلامات التي ظهرت على وجهها . واشغل الرجال بشرب العصير ،بينما انشغلت النساء بإكمال الأغاني والرقصات ،واستمر الحفل فترة ليست بقصيرة ،وقبل أن ينفض الجمع جاءت اللحظة الحاسمة ،تحديد الموعد الذي سيتلاقى فيه الطرفان في المحكمة لعقد القران .

    وكان الاتفاق …وكان الموعد الذي سيتم فيه إنهاء الموضوع بشكل رسمي … إنها اللحظة الحاسمة التي يجب أن يتصرف فيها سالم بلباقة وذكاء ،فهو سيدفع المهر … وأمواله قد قاربت على النهاية ولن يستطيع دفع المبلغ … وانزوى سالم بوالد العروس وهمس بأذنه بأن المال الذي كان ينتظر وصوله من بلده قد تأخر بالوصول وإنه في يوم عقد القران سيدفع نصف المبلغ فقط ،على وعد أن يقدم المتبقي حال وصوله … كان يتحتم عليه خلق مثل هذا العذر مع أنه يعلم بأنه لا مال سيصل إليه ،ولأنه كان واثقاً بأن الأب لن يتراجع عن موقفه بعد أن وصل الأمر إلى ما وصل إليه ،وفعلاً لم يعترض أبو عادل ، ولماذا سيعترض …؟! إن هذا النصف بالنسبة له مبلغ كبير ،بل كبير جداً ،ثم يكفيه ما أنفقه سالم من مال حتى هذه اللحظة ، لقد اشترى للجميع ملابس وهدايا غمرتهم جميعاً حتى نسوا ابنتهم في وسط الذهول والفرح .

    الدكتور صلاح الدين محمد ابوالرب
    طبيب-كاتب وباحث
    drosalah@hotmail.com

  4. #24
    طبيب / أديب الصورة الرمزية د- صلاح الدين محمد ابوالرب
    تاريخ التسجيل
    13/10/2006
    العمر
    68
    المشاركات
    4,923
    معدل تقييم المستوى
    22

    افتراضي رد: رواية الباحث عن الحنان

    الباحث عن الحنان ج 24

    تلاقى الجميع في اليوم المحدد لعقد القران ،وتمت الأمور برتابة ،وأصبحت ماجدة رسمياً زوجة لسالم ؛ساعتها خرجت دموع ماجدة رغماً عنها .لاحظ القاضي ذلك وخاطبها صراحة ،أخبرها أن هذا الموضوع على درجة من الأهمية والخطورة فإن كانت مرغمة على هذا الزواج بإمكانها أن ترفض وتعترض ،ولكنها بعد أن نظرت لوالدتها التي كانت تتلمس ثوبها الجديد ،ومنظر والدها بلباس العمل وهـو يضم بيده المـال الذي استلمه من سالم ؛ودون أن تنظر للعريس … وافقت ،وتم كل شيء كما رسمه سالم وأم عادل وأبو عادل … والفلوس .

    في ذلك الوقت كان مجدي منهمكاً في إعداد منزل العريس ، لقد أحضر بعض الورود وبطاقات التهنئة ووزعها في المنزل .كان البيت يلاصق بيته ،حتى أن الحمام والمطبخ متجاورين بشكل كبير ولا يفصلهما إلا ممر تهوية ضيق ،رتب مجدي البيت ثم جلس ينتظر موكب العرس ،لقد كان ذلك حسب رغبة سالم ؛أو بالأحرى حسب تعليمات سالم ،حيث أصر على مجدي أن يبقى ينتظر في البيت ولا يحضر إلى حفلة العرس .لقد بات واضحاً أن سالم لم يعد يستسيغ وجود صديقه في ما تبقى من أمور ،لقد استغنى عنه وعن خدماته . فهو من ناحية لا يريد أن يقارَنَ بمجدي بأية صورة من الصور ،ومن ناحية أخرى لا يريد أن يُقرَن - خاصة في هذا الزواج- بأحد ، وخاصة مجدي زميل الصبا ، مع أنه بقرارة نفسه يعرف تماماً ماذا فعل مجدي معه لإتمام هذا الزواج ،فحتى نقود المهر أتمها منه ومن أصحابه .ولكن الأمر الأهم هو أن الشكوك بدأت تغزو قلبه من ناحية صديقه … !! .

    جـلس مجدي ينتظر موكب العروس ،لا يعلم ما يخبئه له القدر .وهناك في الطرف الآخر من المدينة جلس العريس في البيت القديم فرحاً بنفسه وسط أهل العروس ،ولم لا .. ؟! ،فهذا يومه … يوم زفافه على الفتاة التي اختارها ،يعرف أهلها جيداً ،فلن تستطيع الهرب منه ،وجواز سفرها الذي استخرجته في جيبه ،وهو لن يسلمه لها أبداً .

    لم يختلف الأمر كثيراً في يوم الزفاف عن يوم الخطبة ،نفس التشكيلة من الوجوه داخل الغرفة وخارجها .وفي الغرفة الثانية من المنزل كانت صديقة ماجدة تمشطها وتساعدها في ارتداء ثوب الزفاف وتحاول أن تهدئ من روعها ؛تمسح عن خدودها الدموع التي بدأت تغزوها ،وتطلب منها أن تتقبل الواقع كما هو ،فقد انتهى وقت الاعتراض ،وترجوها أن تنسى الماضي ، بكل ما فيه .وبين دموعها قالت ماجدة :
    - لكن يا صديقي هل تستطيعين أنت نسيان الماضي ؟ كيف تريدينني أن أنسى سنوات عمري ،كيف تريديني أن أنسى …
    قطع عليهم الحديث دخول أم العروس تستعجل ماجدة ،فقد وصل العريس وأكتمل تقريباً وصول المدعوين ،ولمحت الأم دموع ابنتها فأقبلت عليها تضمها إلى صدرها ،وقالت بصوت فيه بحة واضحة :
    - لا يا ابنتي ،لا تفضحينا ،دعي الأمور تمر بسلام هذا اليوم ، ارحمي أباك … وارحميني .

    وخرجت الأم وهي تغالب دموعها وبقيت ماجدة مع صديقتها في الغرفة ،ثم جرت ثوب زفافها الأبيض الطويل ووقفت تنظر من خلال فتحات شباك غرفتها المقفل … كأنها كانت تريد أن ترى شيئاً ، ورغم الصخب الكبير الذي يلف الحي فقد كان كل شيء بنظرها ميت.
    ابتدأ موكب الزفاف الذي سينقلهم إلى شقة العريس ،كانت السيارات تشارك الطبول والزغاريد بعزفها المميز وهي تغادر الحي القديم ،صوب الحي الراقي بعماراته الشاهقة ومنازله الجميلة وشـوارعه النظيفة .ودعت ماجدة بنظراتها حيها الذي ولدت وشبت فيه ،ودعته وودعت الماضي ..

    وصل الركب إلى منزل العريس ،وكان مجدي باستقباله بكل ترحاب وتباريك .وقادهم عبر المصعد إلى باب الشقة وفتحه لهم ،ثم دخل خلفهم ليبارك للعروسين … لكن سالم وقف أمامه بطريقة عدوانية لم يعهدها منه من قبل ،صده عند الباب وودعه بجفاء :
    - أشكرك كثيراً تصبح على خير ،أعطني المفتاح .

    خرج مجدي لا يدري ما الذي حدث لصاحبه .لم يدر بخلده أن صاحبه يعاني من سكرات غيرة جعلته يصد صاحبه ويقفل الباب خلفه بطريقة غير مقبولة ؛خصوصاً في مثل هذه المناسبات .وعاد مجدي إلى بيته الذي لا يبعد عن باب شقة العريس سوى أقل من مترين ، وأقفل على نفسه باب منزله وغير هندامه واستعد لكي ينام ،بعد أن يقرأ قليلاً .

    أما سـالم فقد نسى ما فعله بصاحبه .وعاد يشعر بزهو المنتصر ،فقد حقق ما أراد ،وهاهو يتلقى التهاني من أهل عروسه ، ويشرب معهم شراب الأفراح البارد الذي جهزه مجدي .وبدأ الجمع يتناقص ،يغادر الواحد منهم تلو الآخر ،وكانت آخر المغادرين أم العروس التي ودعت ابنتها ببكاء ونحيب ،ثم غادرت .






    هجم سالم على الباب وأقفله بالمفتاح والمتاريس كأنه لا يريد حتى للهواء أن يدخل دون علمه ،ثم عاد لعروسه التي جلست على كرسيها لا تتحرك … وبدأ يداعبها بكلامه وهي كلوح الثلج … بلا حراك ، أمسك بيدها … وأنهضها من كرسيها … وقادها إلى غرفة النوم … وهي تسير معه كأنها تحمل عل كاهلها أطناناً وأطناناً … أجلسها على الفراش … تقدم منها ،فقامت بحركة فجائية وقد امتلأت عيناها بنظـرات الخوف والفزع :من هذا الشخص ..؟‍‍‍! ،إنه سالم … عريسها … الذي بدا لها واضحاً وكأنها تراه لأول مرة ،وشاهد سالم الخوف في عيني عروسه ،هدأها بكلمات قليلة ،وأخرج من جيبه مصحفاً صغيراً قدمه لها هدية ؛أخذته بحركة لا إرادية ووضعته على الفـراش ثم تكورت في جزء من الفراش بلباس عرسها .تقدم منها سالم .كانت تراه كجزار قادم لذبيحة ،رأته وحشاً كاسراً متقدماً لافتراس الضحية .تكورت حول نفسها أكثر ،ثم هبت واقفة على السرير وقالت بفزع وعصبية :
    - أريد الحمام .. أين الحمام .. ؟ .
    وقبل أن تسمع الجواب كانت في الخارج تتعثر في مشيتها تبحث عن الحمام .


    الدكتور صلاح الدين محمد ابوالرب
    طبيب-كاتب وباحث
    drosalah@hotmail.com

  5. #25
    طبيب / أديب الصورة الرمزية د- صلاح الدين محمد ابوالرب
    تاريخ التسجيل
    13/10/2006
    العمر
    68
    المشاركات
    4,923
    معدل تقييم المستوى
    22

    افتراضي رد: رواية الباحث عن الحنان

    الباحث عن الحنان ج25

    لم يستوعب سالم الموقف جيداً ،لعله خجل العذارى ،أو هكذا دار بذهنه .جلس على السرير العريض ،وسرح بفكره ،وشريط حياته يمر أمامه وهو يشعر بزهو وفخر … لقد استطاع أن يهزم أيامه … أن يهزم آلامه … استطاع أن يهزم محنته .أنهي سيجارته وأشعل الأخرى وهو ما يزال على طرف الفراش يضحك على مصاعب الزمن التي استطاع أن يسرق منها سعادته ،وهاهو الآن على فراش العرس ينتظر عروسه .وهنا انتبه إلى ساعته ،لقد مضت أكثر من ساعة وهو في شرود وعروسه في الحمام … خرج يستحثها أن تعجل فلقد قارب الفجر أن يبزغ ،ناداها فلم تجب ،طرق باب الحمام على من بالداخل ،هذه التي ترى نفسها ذبيحة قتلتها الحاجة والعوز ،بل هي التي قتلت نفسها بالموافقة على سالم … وهاهي تدفع الثمن ،لم تكن تحسب أن هذه الساعة ستأتي ،وبهذه السرعة .اختلت بنفسها في زاوية من الحمام ،تبكي … تلطم خدها … تذكر أهلها … تنادي أمها بسرها لتأتي وتنقذها … تناجي الذكريات أن توقظها مما هي فيه من حلم مزعج … من كابوس شاركت هي بحياكة خيوطه من حولها ،تخنقها عبراتها ،والدموع تترقرق من عينيها … بصمت .

    سمعت ماجدة طرقات سالم على باب الحمام يستحثها للخروج. وضعت يدها عل فمها خشية أن يسمع زفراتها .ولكن سالم ألح بالطرق … انزوت أكثر في ركن الحمام البعيد ،والخوف والرعب يملآن عينيها اللتين اتسعت حدقتاهما .وكلما سمعت سـالم يطرق الباب … يناديها … يريد منها الخروج ،كلما انزوت على نفسها أكثر وأكثر .الطرق يزداد … ويزداد اختناقها وانزوائها وتكورها .ثم خرج منها صوت لم تستطع أن تكتمه ،خرج كانفجار ،صرخت وهي تبكي مستغيثة :
    - إلحقوني …‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!!
    فزع سالم من صراخها ،وبدوره علا صوته :
    - ماجدة ، ماذا بك …؟ ، ماذا حدث …؟ افتحي الباب .
    ردت عليه وهي تبكي :
    - لا … لا … أرجوك ابتعد عني … أرجوك أقبل قدميك .
    - ماذا حدث … ؟ هل أخطأت معك في شيء ؟.
    فأجابت وهي تبكي :
    - لا … لم تخطيء ،أنا الخاطئة … أنا الخاطئة …
    بهت سالم من هذه الكلمات … "الخطيئة" … ليس من السهل أن تنطق بها أي فتاة … ماذا تقصد ماجدة …؟ ،ودارت في نفسه الشكوك ،لكنه تغالب على نفسه ،فهو لا يريد فضيحة لنفسه ،لا يريد أن يهزم من جديد :
    - ماذا تقولي يا ماجدة …؟‍ ،افتحي الباب ولا تخافي ،إن كنت قد أخطأت في السابق سأسترك ،فقط افتحي الباب أرجوك.
    انهارت ماجدة على الأرض من كلمات سالم ،وعلا صوت نحيبها وهي ترد على سالم :
    - أرجوك … افهمني … أنا لست كما تظن … أنا أخطأت بزاوجي منك … أرجوك ارحمني … ارحم ضعفي .
    وبدأت أعصاب سالم تفلت ،وازدادت الشكوك ،وزاد الطرق :
    - لا تخدعيني … كلمة ألحق قد سبقت وخرجت … قولي من هو … وأنا سأحطم رأسه … من هو … أهو مجدي …؟‍

    وتكورت العروس بثوب زفافها على الأرض ،تتناثر أطرافه على أرضية الحمام ،فينتشر لونه الأبيض على الأرض بنية اللون :
    - أيها المجنون … ألا تريد أن تفهمني … إن أردت التأكد من شرفي حطم ستار الشرف … ولكن بيدك فقط … ثم دعني أحمل منديل شرفي وأرحل … أرجوك … طلقني .

    وثار البركان الغاضب في نفس سالم وهو يسمع كلماتها ، ويتذكر صورة مجدي وهو يبتسم ،وازداد انفعال سالم وبدأ يحاول تحطيم الباب :
    - افتحي الباب … افتحي الباب وإلا سأحطمه .

    كانت الطرقات هذه المرة قوية مجنونة ،أفزعت ماجدة أكثر فهبت من الأرض تبحث حولها ،فوجدت أمامها الغسالة ،حركتها بقوتها المتبقية وأوصدت بها الباب … ثم هجمت على شباك الحمام … وفتحته وهي تصرخ :
    - إلحقوني … أمي … أبي … إلحقوني يا ناس .
    ويزداد الطرق قوة …
    - إلحقوني … مجدي … أرجوك … مجدي … مجدي .
    تعالى صراخها بأول اسم خطر على بالها .كانت تعلم أنه بالجوار لكنها لم تكن تعلم أنها تزيد النار اشتعالاً .لقد بدأت الشكوك في رأس سالم تتأكد ،لماذا تصرخ باسمه … لماذا تناديه … ؟ ،وبدأ بريق غريب يغزو عيني سالم وهو يصرخ أمام باب الحمام وماجدة تصرخ خلف الباب .

    كسر سكون الظلام المحيط بشقة مجدي صراخ مكبوت وسمع اسمه خافتاً ،وبدأ يتشكك فيما سمع … أهو حقيقة …؟ أم أنه مجرد وهم …؟ ،تحرك من سريره وخرج من الغرفة ،وسار في ممر المنزل والصـراخ يعلو كلما تقدم … إنه حقيقة … إن عروس سالم تستغيث به .لم يكن مجدي يستطيع أن يتخيل الذي يحدث في الشقة المجاورة . وعندما ازداد الصراخ والاستغاثة هجم على باب منزله وفتحه وهم بالخروج لكنه تذكر كلمات سالم ونظراته ،خشي التقدم أكثر ،فقد يخسر صديقه ،وأقفل الباب مرة أخرى وهو يقول في نفسه :
    - إنها زوجته الآن فليتصرف كما يحلو له ،وهي قد وافقت على الـزواج ،فلتتصرف كما يحلو لها ،أما أنا ففعلت ما يمليه علي ضميري ؛نصحته ألا يفعل وعندما أصر وقفت إلى جواره ،لقد انتهى دوري الآن ،انتهى دوري الآن .
    وكرر مجدي كلماته الأخيرة ،كأنه كان يريد أن يقنع نفسه بها ،أو أن يبعد عن أذنيه أصوات الطرق والاستغاثة .وأقفل الأبواب حتى يكتم الأصوات القادمة إليه من الناحية الأخرى ،وأطفأ النور ،وحاول أن يغمض عينيه

    الدكتور صلاح الدين محمد ابوالرب
    طبيب-كاتب وباحث
    drosalah@hotmail.com

  6. #26
    طبيب / أديب الصورة الرمزية د- صلاح الدين محمد ابوالرب
    تاريخ التسجيل
    13/10/2006
    العمر
    68
    المشاركات
    4,923
    معدل تقييم المستوى
    22

    افتراضي رد: رواية الباحث عن الحنان

    الباحث عن الحنان ج26

    لم يكن مجدي وحده يجاهد النوم ،ففي الطرف الآخر من المدينة كانت أم العروس جالسة على فراش نومها وقد جفاها النوم ، دموعها تنهمر من عينيها ،تبحث عن ابنتها .وما أن هلت تباشير الصباح ،حتى قامت تعد العدة لإفطار الصباح الدسم لابنتها العروس وعريسها ،أعدته بسرعة وأيقظت زوجها وجاراتها للذهاب للعرسين للمباركة والاطمئنان على ابنتها .وقاومت تهدئة الجماعة لها ،فالوقت مازال باكراً جداً ،وأخيراً تحرك ركب المباركين لشقة العروسين ..

    أمضى العرسان ليلتهما على طرفي باب الحمام ،سالم في الخارج وماجدة في داخل الحمام .لم تجد لها مكانا سوى حوض الاستحمام ،تكورت على نفسها داخله ،تحتل جزءاً بسيطاً من ثوب الزفاف الذي انسدلت أطرافه من حواف الحوض ،يغطي الجسد المتهـالك ،الذي يتنفس بحشرجة يتضح من قوتها أن صـاحبته قـد

    أغمضت جفنيها مجبرة بسبب الإنهاك الشديد ،بعد ليلة طويلة أمضتها بالبكاء والصراخ ،وانتفخت عيناها وسال كحلها يخط بخطوطه السوداء على وجنتيها ليختلط باللون الوردي الذي وضع على وجنتيها. أما سالم فهو الآخر قد تكور خلف باب الحمام وأغمض عينيه مجبراً بعد إجهاد الليل الطويل ،ويده مازالت ممسكة بشدة على مقبض الباب، والطرق الشديد على الباب ترك علامات واضحة على الباب وعلى قبضة يد سالم .يتضح من شكله ومن رأسه المائل على باب الحمام أنه أمضى ليلته يرتجف … يبكي … حتى خارت قواه وانهار … وغاب عن وعي هذا العالم .

    شد سالم من غيبوبته الضغط المتواصل على جرس الباب . قام مفزوعاً ينظر حوله لا يصدق ماذا حدث ،نظر إلى الساعة … إنها الثامنة صباحاً ،جر رجليه مترنحاً ناحية الباب -كأنه شيخ فوق الثمانين أو شاب ثمل إلى أقصي درجات الثمالة- فتح الباب وفوراً انطلقت زغرودة كبيرة من القادمين وهجمت عليه أم العروس مباركة بصوت عال :
    - صباح مبار … آه…!!
    ولم تتم جملتها حين نظرت إلي سالم بهذا الشكل … الثياب رثة … الوجه متورم … الجسد يرتجف ،صرخت مرة أخرى :
    - ماجدة … ماجدة … أين ماجدة ؟ ماذا فعلت بابنتي … ؟!
    ودخلت مسرعة دون أن تنتظر الجواب تنادي ابنتها المتهالكة في الحمام ،التي نزل عليها صوت والدتها كطوق نجاة لغريق يجهل فن السباحة .
    هجمت ماجدة على الباب ،وخرجت من الحمام وارتمت في أحضان أمها تبكي بصوت عال تستغيث :
    - أمي … أنقذيني … ارحميني من هذا الوحش … مـن هذا المجنون … كدت أموت ،لقد ناديت عليك كثيرا يا أمي .

    كان منظر الفتاة مخيفا خاصة لأمها ،التي راحت تهيل السباب على سالم دون أن تعرف سبب ما حدث .ولم يرد عليها سالم فقد شلت الأحداث لسانه .لم يكن يستطيع أن يفعل شيئاً إلا أن يفتح فاه ويحرك يديه كأنه يريد أن يقول شيئاً ولا يدري ماذا يريد أن يقول ؛خصوصاً وهو يسمع كلمات السباب تنهال عليه من أم العروس :
    - أيها الجبان ماذا فعلت بابنتي …؟ لعن الله اليوم الذي دخلت علينا به. لعن الله الزواج ومن يريده ،لعن الله الحاجة .
    وضمت إليها ابنتها تكفكف دموعها ،وهي بحاجة لمن يكفكف لها دموعها ،وأدخلتها الغرفة .

    وقف سالم مكانه ،يتلقى الشتائم والسباب من أهل العروس ؛ وهجم العم عبد الله عليه ممسكاً بجسده الرث المتهالك ،وبقيت شفتا سالم عاجزة عن النطق إلا ببعض الكلمات :
    - أنا … هي … هناك … لكن … هي …
    كان يحرك يديه مشيراً إلى الغرفة تارة وإلى الحمام تارة أخرى ،ولم يستطع أحد أن يفهم منه شيئاً أما والد العروس فقد ارتمى على أول كرسي ممسكاً رأسه بيديه ،أما أبو عيسى فلم يجد شيئاً يفعله إلا أن يستنجد بشقة مجدي ،أليس هو من حضر مع سالم منذ البداية ؟! إنه يمثل أهله في هذا البلد .
    طرق أبو عيسى باب شقة مجدي ،وخرج مجدي يغالب النوم فهو الآخر أمضى ليلته يغالب نفسه حتى يستطيع أن يبعد عن عقله ما يدور في الشقة المجاورة ،فتح الباب ليجد أبو عيسى يسأله عن الذي حدث من صاحبه ،وقبل أن يجيب مجدي كان عبد الله قد اقتحم المنزل ممسكاً بسالم الذي انقاد بسهولة شديدة ،وصرخ عبد الله :
    - أنظر يا سيد مجدي ماذا جلبت لنا ،أنظر لهذا الوحش ماذا فعل بالأمانة التي أودعناه إياها …
    خلص مجدي صاحبه من يد عبد الله ،وأجلسه على كرسي ،ثم حاول الاستفسار عما حدث ،لكن سالم كان ما يزال في شرود يردد كلماته :
    - أنا … هي … لكن … هناك … أنا … أنا … هي …
    ومع أن مجدي أو أي أحد من الحضور لم يفهم من سالم أي كلمة ،إلا أن عبد الله تدخل مهدداً متوعداً طالباً من مجدي أن يذهب ليرى العروس فيعرف من منظرها ما يخفيه صاحبه .وهدد بأنه لن يترك الموضوع يمر سلام ؛بل سيجعل الموضوع قضية تتدخل بها الشرطة لتعاقب هذا الوحش ،الذي لا يعلم أحد منهم ماذا فعل…!!

    حاول مجدي أن يهدئ عبد الله الثائر الغاضب ،لكنه أصر على أن يأخذ مجدي للبيت المجاور ليريه آثار جريمة سالم ،لكن أم عادل لم تمهلهم ليتموا حديثاً لم يبدأ ،فقد خرجت عليهم وهي تخبئ ابنتها بأحضانها ،وزوجها وبقية الجمع من ورائها وهي تواصل كيل الشتائم والسباب ،تقود الجميع وتدعوهم إلى مغادرة هذا المكان إلى مكانهم الآمن الخالي من الوحوش .وتدخل أبو عيسى محاولاً تهدئة الوضع :
    - مهلاً يا أم عادل ،لا تتعجلي الأمور ،لا تخربي البيوت قبل أن تبدأ.
    وتولى أبو العروس الرد عليه بعبارات يملؤها الغضب‎:
    - أبو عيسى … الأمور أخطر بكثير مما تتصور ،ولا يمكن أن تحل بسهولة ،الأفضل أن نأخذ البنت إلى دارها ثم بعد ذلك نتفاهم ،كُلٌ في مكانه .وتحرك نعش العروس ،لقد كانوا في حالة لا تسمح لهم بالجلوس للتفاهم .
    أسقط في يد مجدي الذي وجد صاحبه وعلامات الانهيار باتت واضحة المعالم عليه .وخرج عبد الله ،ومن ثم لحقه أبو عيسى ليلحقوا بالركب العائد بالعروس في أول صباح لها في بيت زوجها ،بثياب زفافها كما أحضروها بالأمس .لكن شتان ما بين الأمس واليوم ،كل هذا وسالم زائغ النظرات لا يقوى على النطق بكلمة مفهومة .

    حمل مجدي صديقه المتهالك وقاده إلى غرفة النوم وأرقده على السرير ،ثم أشربه حبوباً مهدئة عله ينام ،وجلس بجواره يفكر بما حدث وأسبابه ،وبما سيحدث .لقد كانت صرخات الليل بالفعل صرخات استغاثة واستنجاد .لقد كانت ماجدة تستنجد به ،لكنه لم يلب الاستغاثة . ترى ماذا فعل هذا الإنسان المليء بالمشاعر المتناقضة ؟،هذا الجسد المطعون بالكثير من الطعنات .لقد كان مجدي يخاطب نفسه وهو يقول لسالم :
    - ماذا جرى لك يا صديقي ؟!،لماذا لم تسمع كلمات نصحي في مشروعك المجنون هذا ،ماذا فعلت بنفسك … وبالبنت … وبي ؟!، ماذا سيحل بنا بعد الآن ؟!‍ سامحك الله ،وشفاك من هموم نفسك .
    مد مجدي جسده بجوار جسد صاحبه وغلبه النعاس … ونام .

    ***

    الدكتور صلاح الدين محمد ابوالرب
    طبيب-كاتب وباحث
    drosalah@hotmail.com

  7. #27
    طبيب / أديب الصورة الرمزية د- صلاح الدين محمد ابوالرب
    تاريخ التسجيل
    13/10/2006
    العمر
    68
    المشاركات
    4,923
    معدل تقييم المستوى
    22

    افتراضي رد: رواية الباحث عن الحنان


    الباحث عن الحنان ج 27

    وصلت شمس الظهيرة الحارقة إلى وجه مجدي فانتشلته من أحلامه المزعجة .فتح عينيه ،تذكر ماذا حدث في الصباح ،مد بصره ليطمئن على صاحبه ولكنه لم يجده في مكانه حيث تركه قبل أن ينام . فتح فاه لينادي عليه لكنه توقف حين لمح دخان سيجارة سالم ينطلق من الشرفة .قام إليه وحياه ولكن سالم لم يجب على تحية صديقه . ونظر إليه نظرات زائغة ،كأنه لا ينظر إلى شيء وقال بصوت يملؤه حزن وألم شديدين :
    - مجدي ... أنت تعرفني منذ زمن ليس بالقصير ،ومنذ أيام أخبرتك كيف كنت أنت وصحبك عاملاً مهماً في حياتي سلباً وإيجاباً .من هذا المنطلق أريد منك إجابة صريحة ومحددة ... هل هناك أي علاقة بأي صورة بينك وبين ماجدة ...؟!.
    نزل السؤال المفاجئ على مجدي نزول الصاعقة ،والتفت لصاحبه بحدة وقال :
    - ماذا ...؟! هل أنا أسمعك جيداً ... ؟! أعد السؤال ...
    رد سالم :
    - مجدي ... كلامي كان واضحاً ،هل هناك علاقة بينك وبينها ...؟.
    صرخ مجدي بعصيبة في وجه سالم وأمسك بكتفه وهزه بشدة وهو يقول :
    - سالم ... هل تعقل ما تقول ... ؟ أنسيت أنك أنت من أخذني إليهم أول مـرة ؟!* ،أنسيت أنك منذ ذلك الوقت وأنت إما معي أو معها ...

    خاطبني بالعقل ... بالمنطق ... كيف سيكون بيني وبينها علاقة من أي نوع ؟.
    هز سالم رأسه بنوع من الاستخفاف ،فهو لا يستطيع أن يصدق كلمات صديقه ولا يستطيع في نفس الوقت أن يصدق ظنونه .وأجابه من بين تنهدات تخرج من أعماقه :
    - بأي منطق تريدني أن أخاطبك ؟!،بمنطق أهلي الذين قتلوني بهذا المنطق ،أم منطق الغرباء الذين كانوا ومازالوا يطعنوني كلما سنحت لهم الفرصة ؟!* بأي عقل تريدني أن أناقشك ؛بعقلي هذا الذي قادني لمستشفى الأمراض العقلية ؟! أنا يا صديقي لا عقل ولا منطق لدي . لدي سـؤال واحد فقط يحتاج لجواب :هل هناك علاقة بينك وبين ماجدة ؟.
    زاد الحديث من عصبية مجدي خصوصا إصرار سالم على سؤاله فقال :
    - أتشك أن هناك علاقة بيني وبين عروسك بعد كل هذا ...؟ بعد كل الذي فعلته من أجلك ...؟ ثم كيف توصلت لهذه الظنون ...؟ ما هي الدلائل التي دلتك على ذلك ؟!.
    - الموضوع ليس بحاجة إلى دلائل ،فأنا من أنا وأنت من أنت ،أظن أنك تفهم قصدي فأنا لست فارس أحلام أي فتاة .ثم هناك ما حدث في الأمس ...
    هنا صرخ مجدي :
    -الأمس ... أريد أن أعرف ماذا حدث في الأمس..

    لم يكن سالم يريد أن يخوض من جديد في حادثة البارحة ، لأنه لا يوجد أي تفسير لما حدث ،فلم يجب على استفسار صديقه وتصنع الهدوء وطلب من صديقه أن يعد لهم كوبا من الشاي .ولم يتردد مجدي فخرج بحركات رتيبة وبدأ يعد الشاي ،وفي يده ارتجافة تزيد من عصبيته كلما أسقط من يده كوباً من الأكواب .

    قـدم مجدي الشاي لسالم وجلسا يحتسيان ما لا طعم ولا لون له ،كل منهم ينظر إلى الأمام ،فلا يرى سوى كلمات غريبة وأحداث أغرب .وعاد مجدي من جديد يحاول أن يستفسر عن حادثة الأمس فقد بدأ كل شيء طبيعياً حتى آخر اللحظات ،كان كل شيء يسير كما تم التخطيط له ؛ولا بد أن يكون قد جد جديد قلب كل الأمور رأسا على عقب حتى انتهى بمثل ما انتهى عليه .وحاول سالم الإفلات من هذه الذكرى وقال لصديقة :
    - لقد كان الأمس كابوساً ،ليتني أصحو منه ،كان طعنة كبيرة تركتني قتيلاً ،مع أنني مازلت أمامك أتكلم فقد قتلت في الأمس ... كانت طعنة أكبر وأشد من كل الطعنات .
    ثم سكت سالم عن مواصلة الحديث لكن كلمات الموت والطعنات تركت مجدي في حيرة :
    - هل تعني أن ماجدة ...؟!
    قاطعه سالم :
    - غير عذراء ... أهذا ما تقصد ...؟ ،ليتني عرفت ذلك لكنت سمعت منها وغفرت لها ،صديقي ... لقد نام العرسان ليلة عرسهما وبينهما حائط كبير لقد فرت العروس واختبأت في الحمام ،رأيت عليها أمارات لم أفهمها في البداية ،وعندما دخلت الحمام اعتقدته خجلاً ولم أكن أعلم بأنها لن تخرج منه ثانية ... في البداية كنت قلقاً عليها ،ثم جننت عندما بدأت تصرخ وتنادي ،وعلى من يا صديقي ...؟ ،ما رأيك بعروس في ثوب زفافها في الحمام تنادي صديق عريسها .
    وقبل أن يتم سالم حديثه قاطعه مجدي مستفسراً لعله فعل بالفتاة شيئاً جعلها تقوم بما قامت به ،فلا تفسير لما فعلته ماجدة ،إلا أن يكون رداً على فعل قام به سالم .ومع إصرار سالم ببراءة موقفة لم يكن هناك تفسير لدى مجدي ،ولم يكن لدى سالم سوى تفسير واحد هو الذي شغل فكره .
    وقرر مجدي وسالم أن لا يقوما بزيارة أهل ماجدة إلا بعد انقضاء فترة من الوقت ترتاح فيها الأنفس قليلاً .ولم يناقش سالم هذا الأمر ،لقد كان مسلوب الإرادة ،مشتت الأفكار ،فترك الأمر بيد صديقه مرة ثانية ،ولكن في هذه المرة للخلاص من هذه الزيجة .

    وكانت الأيام التالية تمر على سالم بتثاقل كبير .بدأ يتصرف بطرق غير مقبولة ؛أعصابه منهارة باستمرار ،يطفئ سيجارته في أي مكان في البيت .وانتقلت العدوى لصديقه مجدي الذي بدأت أعصابه هو الآخر بالتوتر وأهمل كل شيء ليراقب صاحبه ،فقد تسول له نفسه القيام بفعل طـائش لا تحمد عقباه .لقد أصبح البيت في وضـع يرثى له ... الفوضى تعم المكان ... الأواني ملقاة بإهمال ،ولم يكن الصديقان يفعلان أي شيء إلا الجلوس والحديث .
    لم يحتمل مجدي هذا الوضع وكان لابد من حل .والحل الوحيد أن يذهبا لزيارة عائلة ماجدة ،الذين بدورهم أهملوا هذا الموضوع ، كأنهم يريدون أن ينسوا ما حدث أصلاً .

    الدكتور صلاح الدين محمد ابوالرب
    طبيب-كاتب وباحث
    drosalah@hotmail.com

  8. #28
    طبيب / أديب الصورة الرمزية د- صلاح الدين محمد ابوالرب
    تاريخ التسجيل
    13/10/2006
    العمر
    68
    المشاركات
    4,923
    معدل تقييم المستوى
    22

    افتراضي رد: رواية الباحث عن الحنان

    \الباحث عن الحنان ج 28


    جلس الجميع في منزل عبد الله ،والصمت الشديد يخيم على الجلسة التي كانت أشبه بجلسات المآتم ،لا يكسر صمتها إلا صوت أكواب الشاي ترشف ثم ترتطم بعصبية على الطاولة ،الجميع بانتظار ماجدة .وصلت العروس الهاربة ،جلست بجوار والدها وعيناها تنظران إلى الأرض دون أن تكلم ،وبدأت أم عادل بالحديث :
    - أستاذ سالم ؛كما بدأنا بالمعروف ،ننتهي بالمعروف .

    كانت البداية هي كلمات النهاية .لم يحتمل سالم هذه الكلمات التي كان يريد أن يقولها هو ،لا أن تقال له .واحتد النقاش بين الطرفين ،وتعالى الصراخ بين سالم وأم العروس ،فهو لا يريد أن يقر بالهزيمة بعد أن خسر هذه الأموال .وأتهم ماجدة وأهلها بتأليف هذه القصة .وكان رد أم ماجدة ،بأن الخدعة كانت من سالم ،وأن أخلاقه لم تكن كما يجب ،هنا صرخ سالم :
    - بأي حق تتكلمين عن أخلاقي ... ؟ ماذا رأيت مني ...؟
    - نحن لم نرى ابنتنا هي التي رأت .
    وتدخل عبد الله مقاطعاً :
    - اهدئي يا أم عادل ... نحن هنا ليس لفتح جبهات قتال ،نحن نريد أن ننتهي من هذه المسألة ،أستاذ مجدي أتريد أن تبقى ساكتاً ... ؟ تكلم .
    قال مجدي :
    - المهم أولاً أن نسمع جميعنا ماذا حدث !!،ونريد أن يكون ذلك من فمها هي ،هيا يا ست ماجدة أخبري الجميع ماذا حدث في تلك الليلة .
    وأنتظر الجميع ماجدة وهي ترفع بصرها إلى مجدي تنظر إليه ... ولا تتحدث ،حاولت فتح شفتيها لكنها فشلت في النطق بحرف واحد . كانت تحاول أن تقول شيئاً ،ولكنها اكتفت بالنظر إلى مجدي .ولم يفهم منها مجدي أي شيء ،قطعت أمها صمتها وقالت :
    - هيا يا ابنتي أخبريه ماذا فعل ؛بل أخبريه ماذا كان يحاول أن يفعل لك .أستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم ،أستغفر الله من كل ذنب عظيم ، أستغفر الله ...
    وقاطعها مجدي محاولاً إيقاف السيل المنهار من الاستغفار ،ومحاولاً أن يفهم أي شيء مما حدث ،أو مما تريد أن تقوله ماجدة .ونظر إليها محاولاً أن يجعلها تتكلم ،وعندما فشل تدخلت مرة أخرى أم عادل :
    - ماذا تريد أن تعرف ... حسناً سأخبرك أنا ،لقد حاول صديقك هذا في ليلة عرسه ... حاول أن يأتي ابنتي من حيث لا الدين ولا الأخلاق يقبلان ،إن صديقك شاذ ..!!.
    وتدخل عبد الله ليكمل الحديث :
    - ما رأيك بهذا الكلام يا سيد مجدي ...؟!
    لقد أهمل الجميع مراقبة سالم ،لقد كان متوتراً يهتز بشدة ،ويزداد جسده اهتزازاً كلما أستمر الحديث أكثر .كان ينظر إلى ماجدة ،وبدأت عينيه تلمع من جديد ،وأخذ يعض على شفتيه كأنه يريد أن يقتص منهما ... وعندما وصل الحديث إلى ما وصل إليه ،فقد سيطرته حتى على أسنانه .فلم يعد قادراً أن يعض على شفتيه ،وحاول إخراج لسانه من فمه ليتكلم لكن لسانه كان يعود لفمه مرة أخرى ... لاحظ مجدي ذلك وعرف أن صديقه على حافة الانهيار ،إن لم يكن قد أنهار أصلاً. ضغط على فخذ صديقه محاولاً تهدئته ،ووجه الحديث لماجدة بينما كان جو الغرفة يزداد اشتعالاً ... وأبو العروس يكاد أن يأكل سيجارته من شدة عصبيته ، قال مجدي :
    - أريد أسألك سؤالاً واحداً لقد علمت أن سالم قد أهداك شيئاً وأنت على الفراش ،ما هو هذا الشيء ؟.

    الدكتور صلاح الدين محمد ابوالرب
    طبيب-كاتب وباحث
    drosalah@hotmail.com

  9. #29
    طبيب / أديب الصورة الرمزية د- صلاح الدين محمد ابوالرب
    تاريخ التسجيل
    13/10/2006
    العمر
    68
    المشاركات
    4,923
    معدل تقييم المستوى
    22

    افتراضي رد: رواية الباحث عن الحنان

    الباحث عن الحنان 29

    ولم تنكر ماجدة ،أقرت بأن سالماً قد أهداها مصحفاً ،ولم تنظر إلى أي أحد بل اكتفت باللعب بخاتم الزواج .وأعتبر مجدي كلمتها اعتراف ودليل على كذبها ،فهل يعقل أن من يهدي زوجته مصحفاً يراودها في نفس الوقت بشيء يخالف تعاليم هذا الدين .واجه ماجدة بهذا الكلام وكان ردها بالبكاء والنحيب ثم صرخت وهي تبكي :
    - ارحموني ... حرام عليكم ... خلصوني ولكم ما شئتم .
    وخلعت خاتمها من إصبعها ورمته أمام الجميع وهربت من الغرفة وبكاءها يعلو ... ويعلو ...

    كان أبو ماجدة صامتاً ... يلعن ذلك اليوم الذي مد فيه يده لشخص غريب ... لا يعرفه هو أو أي من أهل بلدته ... ويرمي أبنته هكذا ... ليصل الحال إلى ما هو عليه ... لعن العوز والحاجة التي جعلته يبيع ابنته لأول طارق يحمل الثمن ... وكان لابد أن يتكلم :
    - أيها السادة ، إن الحل الوحيد أن يطلقها ،اعتبرنا يا أستاذ سالم مخطئين واغفر لنا ، ارحمني وارحمنا جميعاً ،طلقها عسى الله أن يرزقك بخير منها .

    وعاد سالم يشعر بنوع من القوة تدب فيه بعد مساندة صديقه ومحاولاته التي تبدو أنها نجحت في إثبات كذب ماجدة ،بدليل رد فعلها المفاجئ وكلمات والدها ... عادت تدور في قلبه رغبة الانتقام .رفض طلبات أبو ماجدة ،خصوصاً بعدما بان أن أمها تعتقد بأن خاتم الزواج هو كل شيء ،لكن سالم اشترط أن يسترد حقوقه كاملة .والغريب أن أم ماجدة طالبت بالخاتم الذي بيده ويحمل اسم ابنتها ،كانت هذه هي كـل الحقوق بنظر الأم .أما الذهب الذي اشتراه بماله ثمناً لهذه العـروس ،والمال الذي دفعه لوالد العروس والأموال التي أنفقها عليهم ،فهذه ليست حقوقه ؛إن أم ماجدة تعتبر كل ذلك من أموال العروس ولا يستطيع سالم أن يستلم منها شيئاً .وهكذا كانت بقية الجلسة حول الطلاق والحقوق ،والمتكلم الـوحيد دائماً هي أم ماجدة ،أما سالم فطلباته محدودة ،يريد أن يسترد أمواله كاملة ،حتى الملابس التي اشتراها ، وإلا اعتبرها سرقة .
    وانفض المجلس على لاشيء ... صراخ متبادل ،وتهديد ووعيد من سالم باستخدام القوة ،مما أثار عبد الله وجميع الرجال :
    - إن البنت وراءها رجال يحمونها .
    ***

    الدكتور صلاح الدين محمد ابوالرب
    طبيب-كاتب وباحث
    drosalah@hotmail.com

  10. #30
    طبيب / أديب الصورة الرمزية د- صلاح الدين محمد ابوالرب
    تاريخ التسجيل
    13/10/2006
    العمر
    68
    المشاركات
    4,923
    معدل تقييم المستوى
    22

    افتراضي رد: رواية الباحث عن الحنان



    الباحث عن الحنان ج30


    أتفق مجدي وسالم على أن يكون الرد على أهل ماجدة بعنف ، إنما كيف يكون ذلك العنف ؟فهذا الذي دار حوله حديث طويل .إن القانون المدني يستطيع أن يعتبر ماجدة زوجاً ناشزاً ،حتى مع روايتها التي ترويها ،والتي أصرت عليها وصدقها أهلها .وكانت فكرة مجدي أن الحل الأمثل هو اللجوء للسفارة لتحل هذه المشكلة .فإما أن تذهب ماجدة مع زوجها ،أو تعتبر هذه العائلة مجموعة من اللصوص لجأت لهذه الطريقة من النصب والاحتيال حتى تحصل على أموال سالم .
    أنهك هذه الموضوع قوى الصديقين ،خصوصاً سالم الذي هزه الأمر من الأعماق ،لكن عقله كان ما يزال يبحث عن إجابة لسؤاله : هل حقيقة كان السبب هو المال ..؟،إنه لا يعتقد ذلك ،فلو كان السبب هو المال فقط ،لكان بإمكانها أن تأخذ منه الكثير ،والكثير جداً ،لو استمـرت معه .واقتنع سالم بأن هناك سبباً آخر يسيطر على عقل ماجدة ،وبدأ يتمتم بكلمات وهو يتذكر اللحظات التي مرت كاملة :
    - مجدي ... هل رأيت نظرات ماجدة إليك ؟!.
    ولم ينتظر رد مجدي عليه وأتم سؤاله بصوت تائه :
    - مجدي هل هناك علاقة بينك وبين ماجدة ...؟!.
    ولم يجب مجدي ،فهو لا يجد جواباً على هذا السؤال .وترك سالم بدون رد على الموضوع الذي سيطر على فكره وكلما غاب عنه عاد ليظهر من جديد .
    ***

    الدكتور صلاح الدين محمد ابوالرب
    طبيب-كاتب وباحث
    drosalah@hotmail.com

  11. #31
    طبيب / أديب الصورة الرمزية د- صلاح الدين محمد ابوالرب
    تاريخ التسجيل
    13/10/2006
    العمر
    68
    المشاركات
    4,923
    معدل تقييم المستوى
    22

    افتراضي رد: رواية الباحث عن الحنان


    الباحث عن الحنان ج 31

    ما أقسى الأيام التي يكون فيها المرء في وسط مشكلة كبيرة ؛ تخيم على تفكيره ،ويفكر بـها ليل نهار .هذا إن كان المرء سليم التفكير ،فكيف بسالم ...؟! إنه يرى الدنيا سوداء كالحة ؛الكل يبتعد عنه ،الكل يخاف منه ،إن ماضيه الذي لم يشارك بضعفه ،يتحكم بتصرفات الناس من حوله .كان ينظر لنفسه كثيراً في المرآة ،يبحث عن لمحة جمال ؛لكن لا يجد إلا صورة ذلك الشخص الذي تشاءمت منه زوجة أخيه ،وخشيت أن يأتي ابنها بمثل صورته ،لا يرى إلا ذلك المطعون بكرامته ،حين استغلته من تحمل ابنه في أحشائها وهربت منه .لا يرى إلا فاشلاً ... محطماً ... لا يصلح للحياة .لم تكن هذه الأفكار تسيطر على عقل سـالم فقط ؛بل سيطرت على أفعاله أيضاً ؛ فـأصبح يثار لأتفه الأسباب وأحياناً بدون أسباب .يلجأ دائماً إلى صديقه ،ولا يشك إلا في صديقه .كانت تصرفاته تدل على أنه بدأ يفقد السيطرة على نفسه ،خصوصاً بعد الزيارة الثانية التي قام بها لوحده إلى أهل ماجدة ،والتي كاد أن يتعرض بها للضرب إن لم يكن للقتل . وزادته هذه الزيارة توتراً ،فقد أصر أهل ماجدة على عدم التهاون مع هذا الذي يرونه شاذاً ،مهما حاول أن يدافع عن نفسه بكلمات لم يصدقوها .وأصر سالم من ناحيته على أن زوجته يجب أن تعـود معه ،مع أنه كان يعلم في قرارة نفسه أن استمرار الحياة مع فتاة بدأت حياتها معه بهذه الفضيحة سيكون مستحيلاً .لكنه أضمر في نفسه أن يرغمها على السفر معه ،ثم يعيدها على أول طائرة بمجرد وصوله لبلده ،وأعتبر أن ذلك هو الحل الوحيد لرد اعتباره .لقد سيطر الانتقام على فكره ؛الانتقام من الجميع ،حتى من صديقه الذي بات مقتنعاً أن هناك علاقة ما بينه وبين زوجته .
    لكن سالم فشل ؛فشل في إرغام ماجدة على الرضوخ لطلباته ، وفشل في إقناع أهلها بأنه بريء من تهمة ابنتهم ،وفشل في إثبات العلاقة بين صديقه وعروسه .إن هذا الفشل المركب جعل ساعات أيامه جحيماً مستمراً له ولصديقه ،فحبس نفسه في غرفته ،ينزوي بها ساعات النهار ولا يفعل شيئا إلا السرحان والمزيد من السجائر ،ولا يستطيع حتى أن يفكر بشيء .

    حاول مجدي أن يخرج صديقه من عزلته ؛أن يحميه من الانهيار النفسي التام ،حتى بدأت تباشير رآها مجدي تدل على الخير. فقد بدأ سالم يخرج من عزلته ،ثم يخرج من المنزل .لم يحاول مجدي منعه ،أو حتى معرفة أين يذهب ،حتى عندما بدأ يتأخر في غيابه في الخارج .كان مجدي يكتفي بأن صديقه قد ترك النقاش والجدل ،فقد اعتقد من ناحية أن صاحبه قد عاد من جديد إلى دنيا الحقيقة ،وشعر من ناحية أخرى بالراحة والهدوء من انصراف سالم عنه .

    كان جل اهتمام سالم أن يجد ما ينسيه الحالة التي وقع بها . ارتاد بعض المناطق التي انقلب ليلها نهاراً ،تنتقل من جماعة لا يعرفها إلى جماعة أخرى لا يعرفها ؛جماعات لا يجمعها إلا محاولة النسيان ،لكن عقله كان في واد آخر ؛كان يفكر بطريقة يثبت بها شكوكه حول مجدي ؛كان يمضي الساعات يراقب مجدي ،ويتابعه في خطواته ،فقد يصادفه يوماً مع ماجدة ،أو يجد دليلاً على صدق ظنونه. كان يستغل الوقت الذي يكون فيه وحده في البيت ،فيبدأ بالتفتيش والبحث عله يجد ضالته ؛لكن فشله في مراقبة صاحبة في النهار جعله يضع همه في صحبة الليل .

    أما مجدي فقد ارتاح من متابعة مشاكل سالم وانشغل بأموره الخاصة ،ورغم إنه كان نادراً ما يلتقي بصديقه الذي يسكن معه ،إلا أنه كان يتوقع حدوث أمر غريب من سالم ،لكن ما هو هذا الأمر ؟!، ومتى سيحدث ..؟! من الأفضل أن لا يفكر بذلك .

    كانت المفاجأة أن سالم قد وجد طريقة للانتقام...سيتزوج ..! ، وستكون زيجة مضمونة ،ودون مساعدة من أحد ،سيتزوج من فتاة صادفها في جلساته الليلية ؛اختار فتاة بحاجة إليه ... بحاجة لماله ... بحاجة لاسمه ... فقيرة ... معدمة ... تمتهن أي شيء في سبيل أن تعيش ،لقد قابلها مرات عديدة في الشارع ... وفي منزلها ...!!

    ومما أذهل مجدي أكثر ؛أن سالم قد اتفق مع فتاته على زيارته في بيت مجدي ..!!.لم يتمالك مجدي نفسه حين سمع هذه الأمر ،إنه لم يكن يتوقع هـذا الانحراف في سلوك سالم ،ولم تقنعه تبريرات سالم بأن عدم العفة ليس فيما يفعله الإنسان مجبراً ،إنما فيما يفعله مختاراً ) .ولم يحاول سماع المزيد من هذه الكلمات .وكانت ردة فعله أن هذه الفتاة لن تدخل البيت ،ولن يسمح لسالم بفعل المزيد ،لن يسمح باستمرار هذه المهازل .ولم تجد تهديدات مجـدي لسالم أي آذان صاغية ،لقد أصر سالم على موقفه ؛سينتظر فتاته ويأخذها بعيداً ، وليفعل مجدي ما يحلو له .
    وقف مجدي في المنزل وحيداً بعد خروج سالم ،يدور حول نفسه على غير هدى ... ماذا سيفعل ...؟ ،وكيف ستنتهي هذه المشاكل التي يجرها سالم على نفسه وعليه ،وهل يطرده من المنزل وينهي هذه العلاقة ؟،ثم ليفعل سالم ما يريد .دارت الأفكار المتلاحقة في رأسه دون أن يستدل على الطريق السليم ؛فهو لا يقدر أن يطرد صديقه وزميله ،ولا يستطيع أن يجد طريقة ليحد من تصرفاته .
    ***

    الدكتور صلاح الدين محمد ابوالرب
    طبيب-كاتب وباحث
    drosalah@hotmail.com

  12. #32
    طبيب / أديب الصورة الرمزية د- صلاح الدين محمد ابوالرب
    تاريخ التسجيل
    13/10/2006
    العمر
    68
    المشاركات
    4,923
    معدل تقييم المستوى
    22

    افتراضي رد: رواية الباحث عن الحنان


    الباحث عن الحنان ج 32

    لم يكن مجدي يقصد أن يعبث بأوراق سالم حينما وقع نظره على ورقة كتبها سالم ؛لكن ما لفت نظره أن اسمه مكتوب عليها ، حمل الورقة فوجدها قد كتبت في أحد الأيام السابقة ،موجهة من سالم لسفير بلاده .كان ينوي إرسالها لكنه يبدو أن قد نسي تغليفها أو تعمد نسيانها ،أو قد تكون هذه مجرد مسودة لرسالة احتوت على كل مدار في ذهن سالم .فقد شرح فيها للسفير موضوع ماجدة بكل تفاصيله ولم ينس سالم أن يذكر صديقه ،وكيف كان معه منذ بداية هذا الموضوع ، ثم كانت كلمات كتبها سالم في نهاية رسالته :
    - الطامة الكبرى ،سيدي السفير ،في صديقي هذا الذي استضافني ، واستغل صداقتي في إقامة علاقة مع عروسي ،لقد عرف أنه لا حول لي ولا قوة في هذا البلد ،واعتقد أن القانون لن يصله .ومع أنني لا أملك حتى الآن دليلاً مادياً يدين هذا الشخص الانتهازي ،إلا أن استنجاد عروسي به في ليلة زفافها ومناداتها عليه طوال الليل ،أكد لي أنهما اتفقا على شيء ما ،أو أنها تخفي عني شيئاً له علاقة بهذا الصديق الذي أمنته على نفسي وعلى زوجتي ،بل لقد وصل الأمر بي أن أخذته معي إليها ليساعدني في خطبتها ؛فإذا به يستغل الفرصة ويقربها منه .لا أدري يا سيدي السفير إن كانت هذه العلاقة قديمة ،أم أنها حدثت بعدما رآها معي ؛ولكن كل ما أعرفه ومتأكد منه هو أنني قد وقعت ضحية مؤامرة لاستغلالي مادياً ،وعندما شعرت العروس بأنها بقيت وحيدة ؛بدأت تستنجد به لينقذها .ومع أنه كان بالبيت المجاور بحيث أنه يستحيل عليه عدم سماعها ،إلا أنه لم يأت لنجدتها وكأنه خشي أن يفتضح أمره .إن ما يؤكد ظنوني أنه في الفترة الأخيرة أهملني بشكل واضح ،وبدا عليه أنه يريد التخلص مني بأي طريقة ،ولعدم وجود مساند لي في هذه الغربة ،ولخشيتي على نفسي لم أجد حلاً سوى الالتجاء إليكم ؛لاتخاذ ما ترونه مناسباً لإنقاذي من هذه المشكلة بـأي طريقة ،لأخذ حقي من زوجتي ... ولمعاقبة هذا الصديق ...!!

    قـرأ مجدي هذه الكلمات ،التي كانت كطعنات وجهها سالم إليه ،ووقف مشدوها ،ماذا يفعل ...؟ ،إن لسالم في كل فترة مفاجأة ؛ لقد أصبح عبثاً ثقيلاً لا يستطيع تحمله .وبدأ يحاول استرجاع كلمات سالم عن نفسه في أول لقاء لهما ،عله يهتدي لطريقة ينهي بها هذا الموضوع .وتذكر كلام سالم عن شقيقه ؛إن الحل بيد شقيق سالم ،فقد تذكر مجدي أن سالم كان يذكر شقيقه في نهاية كل حديث له ،إن له تأثيراً خاصاً على سالم .

    وقرر مجدي أن يرسل في طلب هذا الشقيق ليتحمل هو مسئولية سالم ،ولكن كانت العقبة في عنوانه .جلس مجدي يعصر فكره محاولاً تذكر طبيعة عمل شقيق سالم ،ليستدل منه على عنوانه ، ويرسل له شارحاً الموضوع بأكمله .
    وبدأ مجدي يكتب الرسالة ....
    ***

    الدكتور صلاح الدين محمد ابوالرب
    طبيب-كاتب وباحث
    drosalah@hotmail.com

  13. #33
    طبيب / أديب الصورة الرمزية د- صلاح الدين محمد ابوالرب
    تاريخ التسجيل
    13/10/2006
    العمر
    68
    المشاركات
    4,923
    معدل تقييم المستوى
    22

    افتراضي رد: رواية الباحث عن الحنان




    البا حث عن الحنان ج 33

    هجم سالم على شقيقه يعانقه ... بين دموعه ... وحنينه . صحيح أنه فوجئ به حين رآه عند الباب حاملاً حقائبه ،ولكنه لم يسأله أو يستفسر منه ؛فقط اكتفى بالعناق .كان واضحاً أن هذا العناق هو أكثر من عناق أشقاء ؛أنه عناق غريق وجد أمامه طوق نجاة .تحرر سالم أمام شقيقه من كل ذرة تكبر ،وارتاح لشعوره بالضعف .

    جلس محمد مع شقيقه سالم يسمع القصة تفصيلاً .ثم سمعها من مجدي ثانية مفصلة .كان يود أن يعاتب مجدي ،لكنه تراجع عن العتاب ،فقد فهم الوضع الذي حدث ؛عرف أن ما حدث كان يجب أن يحدث ،وأن وجود هذا الصديق في طريق سالم لم يكن إلا من قبيل الصدفة .ولعل هذه الصدفة هي التي خففت قليلاً من تطور الأمور . كان محمد يتعمد الانفراد بمجدي ويتحدث إليه ،كان يبدو على الشقيق أنه يحاول أن يفهم نفسية شقيقه ،لكن الشقيقان كانا لا يتعاملان إلا بظاهر الأمور ،ولم يحاول محمد طيلة السنوات السابقة أن يدخل في أعماق سالم .لم يحاول أن يعرف ماذا يريد ،أو طريقة تفكيره ... لقد بدا ذلك واضحاً من تساؤلاته الكثيرة أمام مجدي :
    - لم كل هذا ...؟ ،ما الذي حدث ...؟! ، لقد كنت أعرفه جيداً ، وفجأة اختلف ،بدأ بتصرف بطريقة غير مفهومة ،لا أدري ما هو السبب ،حتى أن تعامله معي في البيت أصبح فظيعاً ... تزوج ... طلق ... لماذا ...؟،لا أدري .ثم تلك الآسيوية ... طالما حاولت قناعه بفشل هذا الزواج ،وأن المرأة التي تترك أهلها لا أمان لها ، لكنه كان عنيداً ورث العناد .لا أدري هل حدثك عن تلك الممرضة التي لا ندري عنها شيئاً ،وحاول إدخالها حياتنا رغماً عن كل المحاولات لمنعه ،ثم ماذا حدث ‍‍..‍‍‍‍‍‍‍!! ،اختفت من حياته فجأة .لقد أمضى معها فترة طويلة ،أياماً عديدة قبل أن نعلم ؛وبعد أن علمنا ... اختفت فجأة ، ولا ندري كم ابتزت منه من أموال .

    لقد كان واضحاً جداً أن الشقيقان لا يعرفان بعضهما البعض جيداً .كانا يعيشان سوياً ؛متعايشان يومياً ،لكن لا يوجد بينهما سوى كلمات التحية ،وصلة القربى .ومع ذلك كان محمد بالنسبة لسالم طوق النجاة الذي يتمناه أي غريق ،بدا ذلك واضحاً من نظرات الارتياح الشديد في نظرات سالم وهو يسمع شقيقه يتهدد ويتوعد العروس وأهلها ،ويهدد بأنه سينتقم لأخيه ،وسيطلب ماجدة بقوة القانون .وحتى لو استدعى الأمر أن يتدخل معارفه وأصدقائه ،ويجعل خارجية بلاده تتدخل في هذا الموضوع .لكنه حتى بين تهديداته وانفعالاته ،كان يسأل عـن العروس أسئلة لا معنى لها ... شكلها ... لون بشرتها ... عملها ... دراستها ‍‍‍!!.لم يكن قد استوعب بعد أن الجمع بين سالم وهذه الفتاة بعد هذه الفضائح أصبح مستحيلاً .

    انتقل محمد وشقيقه إلى مسكن منفصل ،وتركا مجدي يتابع هموم أيامه ليقوم محمد بحل هموم شقيقه سالم مع أهل عروسه .مرت أيام قبل أن يتوصل الطرفان إلى الحل الأمثل ... الحل الطبيعي ... الطلاق ...

    كانت نظرات العريس يوم الطلاق زائغة ... تائهة ،كما كانت زائغة يوم عقد القران ؛وشتان بين الحالتين ... انتصار.. و .. انهزام، لقد كتب بيده وثيقة جديدة في كتاب فشله ؛ورقة جديدة من أوراق الإحباط .لقد بكت ماجدة كثيراً بدموع صامته في هذه اللحظات .ولم يستطع أحد أن يعرف السبب .وارتجف سالم كثيراً وهو ينهي هذا الزواج .لم يكن في الجمع من يشعر بالانتصار إلا شقيق سالم ؛كانت ابتسامته بعرض وجهه وهو يربت على كتف شقيقه شاعراً بالزهو ، فلقد استطاع أن يعيد أغلب حقوقه .لقد كانت مقايضة عادلة ؛عاد كل واحد كما كان قبل أن يلتقيا .ولم يشعر محمد بالصراع داخل سالم وهو يجره من يده خارج المحكمة ؛لم يشعر أنه متسمر في مكانه يحملق في الحائط على شيء معلق عليه ... لقد كانت مرآة بانت فيها صورته .
    ***

    الدكتور صلاح الدين محمد ابوالرب
    طبيب-كاتب وباحث
    drosalah@hotmail.com

  14. #34
    طبيب / أديب الصورة الرمزية د- صلاح الدين محمد ابوالرب
    تاريخ التسجيل
    13/10/2006
    العمر
    68
    المشاركات
    4,923
    معدل تقييم المستوى
    22

    افتراضي رد: رواية الباحث عن الحنان



    البا حث عن الحنان ج 34

    ذهب مجدي مع سالم للمطار لوداعه ؛لقد كانت تلك الفترة كالحلم المزعج على الجميع .ولم يكن مجدي يفكر يوماً بأن يحدث معه ما حدث في تلك الأيام ،أو أن يعيش مثل تلك التجربة .شد على يدي محمد مودعاً ... وعانق سالم الذي كان متخشباً يحمل بيده سلة فواكه كأنه يحمل نعشه .وسار سالم خلف شقيقه نحو الطائرة ... وتركا مجدي خلفهما ينظر إليهما ... إلى شريط طويل من الذكريات يمر أمامه ؛منذ أن رأي سالم لأول مرة يسير في ممر الفصل ... طفلاُ غير طبيعي الشكل ... وهاهو الآن يرى سالم يدفع باب الخروج ... يتقدم بخطوات ثقيلة ... يبحث من جديد عن حياة جديدة ... عن عالم جديد ... عله يجد فيه الحنان الذي طالما بحث عنه ...
    وابتلعته أمواج المسافرين .




    النهــاية

    الدكتور صلاح الدين محمد ابوالرب
    طبيب-كاتب وباحث
    drosalah@hotmail.com

+ الرد على الموضوع
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •