القصة القصيرة جنس أدبي متجدد ، و متفرد باشتقاقه من فني السرد و الشعر ، و بما يحمله من مميزاتهمت معآ ، و بما خطاه من خطوات واسعة / قفزات ؛ لينبض بإيقاع عصر ، و تشظي إنسانه المحمل بهمومه و المتدثر بها .
تحمل القصة سمات ميزتها ، و قفزت بها ؛ لتأخذ أشكالآ مختلفة مبدعة لا تقبل القولبة أو التنميط ، و لا تمثل بلأى حال من الأحوال هذا الشكل القديم لمعنى القصة المسرودة كحدوتة ،التي ربما تصل في بعض الأحيان إلى مستوى الاستخفاف بقارئها ، و كبداية لابد لها من نهاية ، و إن كانت خالية من أية جماليات فنية و لغوية . و هي بقديمها ـ في اعتقاد المتقولبين ـ جُل الفن القصصي و عماد بنائه الذي لا يقبل تطويره أو تغييره أو ( العبث ) به !
لا شك أن هذه القفزات السريعة لفن القصة ( الحقيقي ) و اقترابه بشدة من عالم الشعر ، أو عالم الإحساس المعبر عن معاناة إنسان المرحلة و تأزماته و تعقداته ، و ثورتها على جمود الفكر و قصور النظرة الإبداعية المستسلمة لسهولة الطرح و المعالجة ، قد أوقعت القصة فريسة مضطهدة في أيدي حماة ( الأصالة ) التي تقف على أعتاب حقب زمانية فائتة توقف عندها فكر المواكبة ، حتى كاد بحر الإبداع المستند إليها يجف على هذه المشاهد القديمة ، و حدود الرؤية الذي لا يلائم كل الأزمنة و لا العقول الطامحة إلى الإبداع و محاولة التجديد ، و لا يصلح لمعالجة قضايا و هموم الإنسان في عصر يتغير فيه كل شىء سريعآ .
حقيقة ضاق الحصار على هذا الفن الذي يحاول خلع رداء التقليدية ، و تمزيقه ، رغم المقاومة الشرسة من حماتها ، و تعددت عناصر حصاره
* المساحة الصغيرة المتاحة لنشر هذا الفن ، حتى في الوسائط الورقية التي تعنى بالأدب بصفة عامة و بمحدودية ، ربما وصلت إلى حد التآكل في صفحات الجرائد ـ التي قيل أنها كانت السبب في ذيوع فن القصة القصيرة كوسيط أدبي سهل إدراجه في أقل حيز ممكن ـ إلى درجة عدم الاكتراث بجودة ما ينشر ، غالبآ ،إذ أن القصة صغيرة الحجم و الشأن ـ في نظرهم تتواءم مع مقتضيات الحال بشغلها لهذا الحيز الصغير ، هذا إن فرغ و سمح لها . و إن حازت النشر ربما نشرت مشوهة تنقصها المراجعة و الدقة اللغوية ، و ربما بُتِر اسم صاحبها أو شوه .
* الدورية الوحيدة المتخصصة لا تصدر بانتظام ، و بالطبع لا تفي بمتطلبات نشر أعمال أغلب كتاب القصة المجيدين حتى من أعضاء النادي العريق الذي تحمل اسمه . بينما ينصب العبء على دوريات أدبية معدودة لا تنهض ـ بالطبع ـ بعبء نشر ما يكفي من نصوص قصصية كما ينبغي و إن حاولت .
ناهيك عن اختفاء الأعداد و الملفات الخاصة عن القصة إلا فيما ندر
* المؤتمرات الأدبية المتخصصة ، تعقد على شرف الرواية و الشعر ، تقريبآ بشبه انتظام ، بينما لا تتاح للقصة مؤتمرات ـ ربما محاور فيما ندر ـ لمناقشة قضاياها و تطوراتها و حاجتها الملحة للمواكبة .
بينما تتاح فقط الفرصة فقط لمن يعطي نفسه حق التشدق بأن ( مدارس ) القصة تقف عند حدود و طريقة فلان و فلان من مؤسسى حركة الإبداع القصصي في أوروبا بالقرن التاسع عشر و أوائل القرن العشرين .
بديهي جدا أن تسلب القصة أحقيتها في بلوغ مكانتها اللائقة في مناخ ثقافي لا يعترف بأهميتها ، و لا بمعاناة كاتبها ، و إن كانت معاناته ـ في نظر بعض المنظرين ـ معاناة من الدرجة الثانية أو الثالثة ، فهى في نظر الكثيرين " فن النفس القصير " ، و لا يحق لمبدعها في أن يجرب ويبدع . لا نقول ( يجدد ) ، و إنما يحاول التجديد ، و لا بمحاولة ضخ دماء جديدة في شرايين الحياة الأدبية ، و النقدية المواكبة ، التى مازال جُل تناول بعض رموزها للمسألة الإبداعية جامدآ عند حدود معينة لا يجوز تجاوزها .
هى بلا شك محنة لفن القصة الذي يصارع من أجل وجود مجهض ، لكنه موجود بمبدعيه الجادين يقاوم ، و المحنة محنته ، و ربما كانت أكبر حجمآ من حجب أى ثمرة من ثمرات الابداع المتميز عن مبدعيه إلا من رُحِم