فضيحة في جامعة دمشق
سامي أحمد
سبق أن نشرت في أحد المواقع الإلكترونية السورية منذ حوالي السنة تفاصيل فضيحة سرقة بحث ماجستير لأحد طلاب الدراسات العليا مؤكدة بالوثائق والصور، ولكني فوجئت بعد عودتي بأن شيئاً لم يتغير، ولم تتخذ الجامعة أي إجراء على الإطلاق على الرَّغْمِ من أن الفضيحة تامة المواصفات ودلائل السرقة لا لبس فيها، ورغم من أن الجامعة كلها عرفت بالفضيحة، وتمت المطابقة بين بحث الطالب والنصوص التي سرق منها. وقد حاولت إعادة إثارة هذه المشكلة ولكن معظم المواقع الإلكترونية السورية لم تنشر الموضوع، ولذلك أعيد نشره في أبرز المواقع وأهمها لوضع المشكلة أمام وزير التعليم العالي لسؤاله عن السبب في عدم اتخاذ أي إجراء أمام فضيحة تهز مكانة الجامعة تقلل من قيمتها ومصداقيتها.
لا أريد أن أطيل في الشرح والتفصيل رغم ما في ذلك من تفاصيل مثيرة. حضرت سيميناراً لتسجيل أطروحة دكتوراه للطالب حسان بيطار فأحببت أن أعرف بحثه في الماجستير، فذهب إلى مكتبة الدراسات العليا فوجدت بحثه الذي حمل عنوان (الأخلاق عند نيتشه)، وعندما رحت أقلب الرسالة فوجئت بكلام قرأته سابقاً فعدت بذاكرتي إلى ما قرأت ورحت أقارن فوجدت أن الطالب قد سرق سرقة حرفية من كتاب يسري إبراهيم (نيتشه عدو المسيح)، وكلما تقدمت أكثر فوجئت بمزيد التطابق من العنوان إلى الفاصلة والنقطة والشاهد. كان هذا الكلام في الفصل الثاني من رسالة الطالب حسان بيطار. فقلت في نفسي من يسرق بهذه الطريقة لا يؤمن أن يكون قد سرق الفصول الأخرى فرحت أقلب بين الكتب التي تتحدث عن نيتشه كتاباً كتاباً حتى أعياني البحث ولم أجد شيئاً، لولا أني اهتديت إلى أن أرجع إلى الرسائل الجامعية الأخرى فوجدت رسالة للطالبة رواء نحاس تحمل عنوان (فلسفة نيتشه وأثرها في الفكر العربي المعاصر)، نوقشت بإشراف الدكتور طيب تيزيني في عام 1997، أي قبل خمسة أعوام من مناقشة الطالب حسان بيطار رسالته، وقبل سنوات من تسجيله بحثه وتخرجه من الجامعة، ووجدت عند الطالبة رواء نحاس ما كنت أبحث عنه، فاكتملت الدائرة: لقد سرق الطالب نصف بحثه من يسري إبراهيم، ونصفه الآخر من رواء نحاس؛ من الكلمة الأولى في الفصل الأولى إلى الكلمة الأخيرة في الخاتمة. المقدمة وحدها هي التي أعيتني في أن أجد من أين سرقها ولكني لم أجد، ومع ذلك أشكُّ في أن يكون هو قد كتب مثيراً منها، على الرغم من أن بعضها عرض لما في الفصول التالية.
على الرغم من أنَّ مفاتيح المقارنة صارت معلومة ويمكن لأيِّ واحد أن يقارن بين ما هو في رسالة الطالب حسان بيطار والأصول التي سرقت منها فإنَّ الضرورة تتطلب أن نبين التسلسل الذي تمت به السرقات حتى لا يتعب من يريد المقارنة، وحتى لا تبقى حجة لمن يريد التحجج بأن السرقة غير واضحة، وحتى تكون الجامعة أمام مسؤوليتها. والوثائق هي:
1 ـ رسالة الطالب حسان بيطار لنيل درجة الماجستير من جامعة دمشق بعنوان: الأخلاق عند نيتشه ـ نوقشت في جامعة دمشق عام 2001 بإشراف الدكتور حامد خليل وعضوية كل من الدكتور صادق جلال العظم والدكتور يوسف سلامة.
2 ـ رسالة الطالبة رواء نحاس لنيل درجة الماجستير من جامعة دمشق بعنوان: فلسفة نيتشة وأثرها في الفكر العربي ـ نوقشت في جامعة دمشق عام 1997 بإشراف الدكتور طيب تيزيني وعضوية كل من الدكتور صادق جلال العظم والدكتور حامد خليل.
3 ـ كتاب يسري إبراهيم الذي يحمل عنوان: نيتشه عدو المسيح الصادر عن سينا للنشر في القاهرة عام 1990. والكتاب موجود في مكتبات الجامعة ومكتبة الأسد بدمشق.
لن أقف عند الإهداء رغم أنه أهدى (بحثه) إلى أستاذه المشرف حامد خليل مثلما فعلت الباحثة رواء نحاس التي أهدت بحثها إلى الدكتور حامد خليل واللجنة المناقشة، ولا أدري لماذا لم يهد (بحثه) أيضاً إلى اللجنة المناقشة.
الفصل الأول في بحث الطالبة رواء نحاس حمل عنوان (منظومة نيتشه الفكرية في تكوّنها التاريخي)، وقد حمله حسان بيطار مثلما هو تماماً تماماً عنواناً للفصل الأول في (بحثه)، وكما حمل عنوان الفصل الأول حمل الفصل كله كلمة كلمة، الفاصلة بالفاصلة، والنقطة بالنقطة، وكذلك شواهد الفصل وتوثيقاته التي بلغت خمساً وعشرين توثيقاً نقلها مثلما هي، وقد أرفقت صورة عن الصفحتين الأولى والأخيرة من الفصل الأول عند حسان وعند رواء لتبيان التطابق.
أما الفصل الثاني في (بحث) الطالب حسان بيطار فقد كان فصل طويلاً بلغ خمسين صفحة، خلاف الفصل الأول الذي لم يزد عن عشر صفحات مع الإحالات. ولكنه لم ينقش الفصل كله عن فصل واحد من كتاب يسري إبراهيم وإنما نقش عدة فصول من كتاب يسري إبراهيم (نيتشه عدو المسيح) بعدما راح يسقط بعض الفقرات كلما ملَّ أو تعب من التصوير الحرفي، فقد بدأ الفصل الثاني عند الطالب حسان بالصفحة 18 وانتهى بالصفحة 70. عنوان الفقرة الأولى في الفصل الثاني عند حسان بيطار هي (مكانة الأخلاق عند نيتشه) وقد نقشها نقشاً حرفياً من عند يسري إبراهيم من الفصل الأول الذي حمل عنوان (فلسفة نيتشه ومكانة الأخلاق فيها) ـ بدأ النقش من بداية الفصل في الصفحة 36 حتى آخر الفقرة الأولى في الصفحة 38، فترك تتمة الفقرة وأتبع بالفقرة التالية، ثم انتقل ليتابع من بداية الصفحة أربعين حتى الفقرة الأخيرة من الفصل.
يترك الطالب حسان بيطار خمسين صفحة من كتاب يسري إبراهيم ويتابع فقرته الثانية التي حملت عنوان (التمييز بين عالم ظاهر وآخر حقيقي) من الفصل الثالث عند يسري إبراهيم الذي حمل عنوان (التمييز بين عالم ظاهر وآخر حقيقي) في الصفحة 92، ويتابع إلى الصفحة 110 بعد أن يسقط بعض الشواهد والاقتباسات. ويبدأ فقرته الثالثة التي حملت عنوان (فكرة "الإله" كأساس لفكرة "العالم الآخر") في الصفحة /28/ التي سرقها حرفيًّا عن يسري إبراهيم وقد حملت عند الأخير عنوان (فكرة «الإله» كأساس لفكرة» العالم الآخر) في الصفحة /111/، وأنا أثبت الأقواس الداخلية ملثما هي تماماً عند كليهما. ولكن حسان اجتهد هنا فحذف كلمة الواقع التي بدأ بها يسري إبراهيم الفصل ويتابع حرفياً حتى الصفحة /114/ حيث ذهب ليستريح من تعبه فيما أظن، وعندما عاد ليتابع لم يتذكر أين وصل فتابع من الصفحة /115/ حتى قوله (بلا معنى) في الصفحة /117/، فيسقط الفقرة التالية ويتابع من الفقرة التي بعدها التي حملت (حقيقة الإله الذي ينكره نيتشه) فنقشها نقشاً حرفيا أيضاً، بدأت عنده في الصفحة /33/، وعند يسري إبراهيم في الصفحة /119/، وقد تعب مرة أخرى أيضاً أو مل فتجاوز ورقتين دون نقل وتابع في الصفحة /124/ من الزاوية التي توقف عندها تماماً في الصفحة /120/ ثم ترك عشرة أسطر ليتابع إلى نهاية الفصل، الذي هو نهاية الفقرة الثالثة عنده.
الفقرة الرابعة عند حسان بيطار التي تبدأ في الصفحة /35/ تحت عنوان (نقد الأخلاق التقليدية) فهي ذاتها عنوان الفصل الرابع عند يسري إبراهيم الذي يبدأ في الصفحة /129/ فيلطشه من أوله حرفيًّا، ليسقط سطرين من آخر الفقرة الثانية في الصفحة الأولى /131/، ثم يسقط بعض الأسطر من الفقرة الثانية في الصفحة التالية /132/ ويتابع من آخر الصفحة ذاتها إلى منتصف الصفحة التالية، ويتابع من الفقرة الأخيرة في هذه الصفحة /133/ بهمة وحماس ونشاط حتى الصفحة /140/ لا يترك سطراً ولا كلمة، ومنها فقرته الخامسة (نقد الأخلاق الفلسفية ص140 عنده، ص139 عند يسري)، ثم يستبد به التعب والملل فيبدأ بالتقطيش فيترك فقرة ونصف فقرة بين الصفحة والأخرى حتى نهاية فصل يسري في الصفحة /146/، وهي الصفحة /46/ في (بحث)، ليبدأ فقرته السادسة بالفصل التالي ليسري التي حملت عند الاثنين عنوان (نقد الأخلاق المسيحية باعتبارها أخلاقاً للعبيد صفحة 46 عند حسان، وصفحة 147 عند يسري) وهنا يبدو أنه صار يظن أنه يعرف كيف يسرق فراح يسقط أو يغير الكلمة أو الكلمتين بين الفقرة والأخرى، ولا أدري إن كان ذلك قصداً أو سهوا، ويستمر كذلك حتى نهاية الفصل. وقد أرفقت أنموذجاً للصفحة /46/ من (بحث) حسان بيطار، والصفحتان 146 و147 من كتاب يسري إبراهيم.
يعود الطالب حسان بيطار في الفصل الثالث (من الصفحة 71 حتى 125) إلى الطالبة رواء نحاس في بحثها السابق ذاته، ولكن في حين كان عنوان الباب عند رواء هو (المفاهيم المركزية في المنظومة النيتشوية من الصفحة 69 حتى 118) فإن حسان جعل الباب فصلاً واحداً عنوانه (تأسيس أخلاق جديدة)، ولكن تغييره العنوان لم يدفعه لتغيير كلمة في الباب الذي نقشه نقشاً حرفياً بالكلمة والحرف والفاصلة والنقطة والشَّاهد أيضاً، ما عدا فقرة أسقطها من باب رواء نحاس عنوانها (حاصل القول) من الصفحة /53 ـ 58/.
لا أريد أن أتحدث عن الأخطاء التي وقع فيها أثناء النسخ مثل استبداله الشذرة بالشارة ظنا منه أن يسرى قد أخطأ، واستبداله وفق بفوق ظناً منه أن المؤلف قد أخطأ... ولكن لا بد من أن أقول إنَّ الجرأة بلغت بالطالب حسان بيطار أنه لم ينسخ كلمة بقلمه من كتاب يسري ورسالة رواء وإنما أعطى المنضد الكتاب والرسالة لينضدهما مباشرة، والدليل على ذلك هو التطابق التام بالفاصلة والنقطة والخطأ بالخطأ، حتى التصويبين السابقين لم يكونا من عنده كما أعتقد وإنما من عند المنضد ولم يستطيع هو الانتباه لذلك.
وأخيراً:
قبل التوجه إلى رئاسة الجامعة والمسؤولين المختصين في وزارة التعليم العالي والجهات المعنية في الدولة لاتخاذ الإجراء اللازم... أنا أدعو الطالب حسان بيطار ذاته ليكذب هذا الكلام، أدعوه ليبين الفقرة أو الفكر أو العبارة أو الجملة التي لم يسرقها عن البحثين الذين أشرنا إليهما، ما عدا الإهداء وربما المقدمة.
وبعد، لأنَّ هذا الطالب لن يستطيع الدفاع عن نفسه بأية طريقة من الطرق، لأنه مدان من دون أي شك أو لبس، أسأل رئيس الجامعة وأعضاء لجنة الحكم وكلية الآداب وقسم الفلسفة: ما الذي سيفعلونه تجاه مثل الشخص الذي أساء لنفسه، وخدع مشرفه، واستغفل اللجنة التي ناقشته... بل كيف فات المشرف الدكتور حامد خليل والدكتور صادق بالخصوص هذه السرقة وقد قرأا بحث رواء نحاس وناقشاه قبل سنوات قليلة جداً.
والسؤال الذي يفرض ذاته هنا هو: هل ينطبق عليه قانون حقوق المؤلف فيغرم ويسجن أم سيكافئ على جرأته الغريبة العجيبة؟
إذا لم تتخذ الجامعة أي تصرف، وهذا هو المتوقع، وتابع الطالب (بحثه) لنيل الدكتوراه فأنا أسأل:
ـ من أين سيسرق بحثه الآن إذا سمحت له الجامعة المحترمة بالمتابعة؟
ـ وهل ستعجز لجنة الدكتوراه أيضاً عن اكتشاف سرقته، مثلما يحدث في بعض الرسائل الأخرى؟
ـ وعندما يصير دكتوراً يشرف على الطلاب هل سيحاسب طلابه على سرقة أبحاثهم أم سيفرض عليهم سرقة الأبحاث؟
نحن أمام مشكلة ليست سهلة ولا صغيرة تنتظر الإجابة من وزارة التعليم العالي إن لم تجب جامعة دمشق فهل سنصل إلى إجابة أم ستموت وتصبح السرقة في العلم موضة يكافئ صاحبها عليها.