أخوتي الأفاضل تحية طيبة وبعد.
لقد ترددت كثيرا قبل الخوض في هذا الموضوع... لا لأنه شائك كما يحلو للبعض أن يسميه بل لأنه يمثل الصراع الطبيعي والأبدي وعلى مدى العصور بين تيارين:
1-التيار المحافظ.
2-والتيار المجدد أو المحدث.
وكما هي حال الموسيقى والغناء والرسم والمسرح والسينما وكل الفنون الأخرى هو الأدب.
وإذا القينا نظرة بسيطة إلى الأدب العربي بشكل عام والشعر بشكل خاص ومنذ أن بدأت كتابته -بعد إن كان سمعيا- بعد اكتشاف واستخدام الأحرف في الكتابة حيث وصل ذروته في المسابقات والمساجلات الشعرية التي كانت تقام سنويا من خلال المعلقات.
نجد بان الشعر -وهو الغالب من الفنون الأدبية عند العرب- كان مشتقا وترجمة للمشاعر... لأي مشاعر -حسب رأيي المتواضع- وليست للمشاعر التي تتقن اللغة وقواعد التصريف النحوية وتشكيل الأحرف وتنقيطها لان كل هذه النظم والقوانين (البدع) جاءت بعد تأسيس الشعر العربي بمئات السنين (منها ما كان من تأليف مسلمين عجم) وبناء على ما جادت به قريحة ومواهب عرب الجاهلية وليس قبله!؟.
وكان القياس لهذه القواعد التي أسست هي لحن القصيدة وتأثيراها ونجاحها لتفوز بلقب المعلقة وعلى أساسها قامت بحور الشعر!؟.
ونظمت بناء على غالبية ما ورد منها ضمن بحور سبعة ثم ثمانية وقد يجيز "فطحل" (هذه الكلمة لم يقبلها القاموس فوضعتها بين نقطتين
) من فطاحل اللغة بحر أو اثنين لإرضاء شاعر (شيخ قبلة) من هنا أو شاعر (أمير) من هناك لان وجودة ضمن الباقة الأدبية يحتم ذلك!؟.
وهي حال اللغة وقواعدها... فما انتظم ضمن شروط معينة أصبح قاعدة ومن شذ عنها فهو من اللغة ولكن من شواذها!؟.
وما دون ذلك فهو لغط وليس من العربية في شيء!؟.
وإذا القينا نظرة صغيرة إلى القواميس العربية منذ نشأتها نجد بان ما كان ممنوعا ومستهجنا ومحاربا منذ سنين، هو مباح ومسموح به الآن... وبناء على ما يجمع عليه خبراء اللغة في المجمع الأدبي!؟.
وقد يخالف بعضهم بعضا كل منه لحجة يسوقها فيصبح للغة عدة قواميس وللإعراب عدة طرق واجتهادات وللشعر عدة أنواع من الشعر!!!؟؟؟.
إذا هل يجب أن تنتظر المقطوعة الشعرية بعض سنين حتى تصبح مقبولة وصحيحة وخالية من الشوائب وتتفق مع الموازين التي وضعت لها؟.
وأنا هنا أحب أن أضيف كلمة صغيرة ورأي متواضع من هاوي في الأدب... (أنا لست أستاذا في اللغة ولست من خريجي أي جامعة لغوية او أدبية... ورغم شهادتي الثانوية الأدبية وشغفي بالأدب العربي إلا أنني نحيت منحى آخر بعيدا عنها وأنهيت دراستي في المجال التجاري وأسدلت الستار على موهبة الكتابة التي ملكتها منذ الولادة بعيدا عن أنظار وسمع العامة أكثر من ثلاثين عاما بسبب التعقيدات التي كانت ترافق عدم الثقة بمختصي ومدرسي اللغة العربية!!!؟.
خاصة بعد استقلال البلاد العربية من الهيمنة العثمانية وبعدها الاوروبية وخوف بعض الحريصين عليها من التشويه أو الضياع وهي ردة فعل طبيعية أمام الخوف من الآخر والأقوى للتقوقع والتعصب والرفض وهو ما شرحه ابن خلدون طويلا في مقدمته... ولو صح لنا في هذا الزمن أن نعيد ما كتبه المؤسسون وكبار الكتاب والشعراء وإخضاعه لنفس القواعد (ومنها درة في الأدب والثقافة العربية التي نفتخر بها) لوجدناها مخالفة تماما لأبسط تلك القواعد ولأبسط تلك الشروط!)؟.
وهذا الرأي يختصر بكلمات قليلة جدا وهي:
بان الأدب كبقية الفنون هو موهبة قبل أي شيء أخر.
والشعر إحداها... وهو مشتق من المشاعر... كل المشاعر... لا يوجد مشاعر فصيحة ومشاعر غير فصيحة... مشاعر موزونة ومشاعر غير موزونة... مشاعر تتفق والقاعدة ومشاعر لا تتفق والقواعد!؟.
هناك مشاعر فقط... وهناك شاعر... وهذه المشاعر وهذا الشعر يأخذ حقه ونجاحه وتفوقه ووجوده من الشارع وليس من على منابر المثقفين والجامعات!؟.
وكل ما يصفق له العامة ويتأثر به ويتفاعل معه هو القاعدة وليس العكس... لان العامة وهم الغالبية الكبرى من الشعب هم أساس التشريع وأساس القوانين وأساس الأعراف في المجتمع.
والشاعر القوي الذي يستطيع أن يترك تأثيره وبصمته على الجمهور، هو الذي يأخذ شهادة ميلاده وشهادة ميلاد أعماله من الجمهور الذي يتبعه ويصفق له وهو حال المعلقات الشعرية وحال كبار الشعراء وهم مؤسسو القواعد والمدارس سواء في الأدب أو في غيرها وليس العكس!؟.
وكم هم عدد أولائك الذين ذهبوا ضحية الجهل والتعصب وماتوا فقراء لمجرد أن بادروا في ترجمة مشاعرهم وفق ما يشعرون به، دون أن يلتزموا بخط معين أو قاعدة (وحصلوا على شهادات التقدير وبيعت أعمالهم بمئات الملايين بعد موتهم) والأمثلة كثيرة جدا ولا يسع المكان لعرضها حتى لا تصبح مداخلتي كأطروحة تشبه الأطروحات الجامعية وأصاب بالغرور
فأقدمها لإحدى الجامعات الأوروبية لنيل الدكتوراه تحت عنوان (كيف تخطت اللغات الأوروبية عصور الظلام وبقيت اللغة العربية فيه):cool:
خاصة وبان في جعبتي كلام كثير أحب أن أقوله عن (الشعر النبطي والشعر البدوي والشعر العامي والشعر الخليجي بالاضافة لعشرات الانواع من الشعر التي تزخر بها المجتمعات العربية في بلدان شمال افريقيا والتي لا نعرف عنها شيئا لبعدها الجغرافي... الخ) بالإضافة إلى ما تم ذكره على هذه الصفحة وعن (الهنات والأخطاء التي يمكن للكاتب أن يقع فيها عن غير قصد -منها المطبعية- أو عن قصد، منها إسقاط الهمزة والشدة وعلامات النصب والجر من كتاباته) لولا أن المجال لا يتسع لذلك وقد كتبت عدة مقالات حولها.
واللافت للنظر بان الشعر الأوروبي مصدره العرب!... ورغم حفاظه على السجع في بداية ظهوره فلقد انتهى إلى شكله الحالي الذي يعتمد بالدرجة الأولى على الصور الجمالية التي تحتويه وعلى فصاحة العبارات وقوتها... وان المجتمع الغربي بشكل عام يشهد وفي كل يوم ميلاد شاعر وكاتب رواية وقصة جديد... ويلقى الاهتمام الذي يليق به وتطبع أعماله... وان إحدى الأعمال التجارية الرابحة جدا فيها هو الكتاب... رغم ما تعرض له من هجوم من قبل وسائل الترفيه الأخرى!؟.
وبقي إلى الآن (مع الصحافة) المصدر الأكثر متعة وثقة من أي مصدر آخر... ولا يخلى جيب مواطن (مثقف أم لا) من كتاب أو مجلة أو صحيفة!؟.
والفضل في ذلك يعود إلى المرونة والانفتاح التي يمارسها عقلاء اللغة لديهم... وبالرغم من كون أي لغة أوروبية قادرة على إيجاد بديل للمفردات التي تأتيها من الخارج، فلا يجد مجمع اللغات لديهم وخبراء القواميس اللغوية من إدراجها ضمن المفردات الجديدة التي تعد بالآلاف سنويا دون أي حرج أو ضيق!؟.
وذلك لا يمنع من استخدامها من قبل المثقفين والكتاب والشعراء حتى قبل إقرارها.. لان إقرارها أو اعتمادها من قبل المجامع اللغوية تأتي بعد استخدامها من العامة وليس فرضا عليها!؟.
وذلك لان الهدف الرئيسي من وراء ذلك هو نقل المعرفة وإيجاد تفسير للمفردات الغريبة الجديدة للأجيال القادمة حتى لا يقعوا ضحية التفسير الخاطئ لها!؟.
وعليكم بعد ذلك قياس الجهود التي تقوم بها الجهات الرسمية والغير الرسمية للغة العربية لتعرفوا الفرق ولتعرفوا بان العصر الذهبي للغة العربية قام من خلال ترجمة العلوم والآداب الفارسية والإغريقية ورفدها بالمفردات اللازمة وبأنها إن هي أصبحت غنية وقوية فبفضل ذلك وليس بفضل تقوقعها وانغلاقها ومحاربتها لكل جديد.
واللغة هي ككل المعارف والثقافات ومنها الأدب، يتطور مع حاجة المجتمع ولا ينتظر الموافقة عليه لأنه هو النبع والمصدر وليس العكس.
وإذا عدت إلى أصل السؤال حول الشعر واختلاطه بالنثر فأجد بان معظم الذين يكتبونه -ربما- يجهلون شروطه وأنا -رغم معرفتي المتواضعة بها- اكتب ما اشعر به ولا اتقيد بها... وعلى أهل الربط والحل تصنيفه... وما "يهمني" (وضعتها بين نقطتين لان قاموسي لم يتعرف عليها)
قبلا وأخيرا هو نقل مشاعري على الورق دون الالتزام بأي قاعدة أو قانون سوى قانون المشاعر وأداته اللغة التي ربيت عليها وتعلمتها... بهناتها.. بعثراتها... وبأخطاء برامج التصحيح والطابعة التي استخدمها أو دونها
.. لأنني دون ذلك لا أتقدم خطوة واحدة للأمام... ولا يتقدم الشعر ولا النثر ولا القصة ولا الغناء والموسيقى وتبقى المواهب أسيرة جدران العزلة والتعصب والجهل!؟.
ولكم أفضل تحياتي مع رجائي بعدم قراءة هذه المشاركة قراءة خاطئة لأنني ما صرحت به بصوت عال هنا ينأى الكثيرين عن الإفصاح به خوفا على سمعتهم الأدبية!؟.
وكما أنني لا استحي أبدا من أن يكون وراء عزيمتي امرأة ووراء كل نجاح لي قصة حب (وهو شعاري وعلي أن أكون بحالة حب مستمرة حتى انجح:p :cool: ) (لان الغالبية يخجلون من ذلك)!.
فانا لا استحي أبدا من التعبير عن مشاعري باللغة التي تعلمتها وبالثقافة التي كسبتها... فان لم تنتمي لقاعدة موجودة تحتضنها، فلتكن هي بذاتها قاعدة جديدة وحاضنة لمشاعري وأرائي.
يحيى الصوفي جنيف في 30/10/2007
المفضلات