بسم الله الرحمن الرحيم
المعابد في المملكة الآشورية الحديثة بين الحرمة والتدنيس
م.د. صفوان سامي سعيد*
تعريف : الباحث الدكتور صفوان سامي سعيد هو من الباحثين المتخصصين في الدراسات الاشورية وهو استاذ الاشوريات في قسم الدراسات المسمارية - كلية الاثار / جامعة الموصل
الباحث الدكتور عبدالوهاب محمد الجبوري/ استاذ اللغة العبرية والادب العبري في جامعة الموصل
منذ أقدم العصور التاريخية المعروفة أسهم الدين في حضارات الأمم السابقة بدورٍ هامٍ وبارزٍ في بلورة أفكار شعوبها وتطلعاتها , إذ كان ولا يزال يمثل واحداً من أهم العوامل المؤثرة في سير حياتها ، وأسلوب تطور حضارتها. فالمعتقدات والأفكار الدينية كان لها الأثر البارز في تحديد الإطار العام لسلوك الإنسان وحياته , وعاداته وتقاليده وأعرافه وقوانينه ، وتكوين الخلفية المؤثرة في حياته الاجتماعية والفنية بل وحتى السياسية. وقلما نجد أي عمل قام به الإنسان في الماضي أو أي أثر تركه إلا وللدين الأثر الكبير في ذلك ( ). ومن منطق تلك الأهمية والمكانة التي شغلها الدين ومدى تغلغله في نفوس القدماء ، وتأثيره المباشر في حياتهم الخاصة قبل العامة فقد حظيَ الدين ومراكز العبادة (المعابد) في حضارة بلاد الرافدين بشكل عام وبلاد آشور بشكل خاص بجانب كبير من الحرمة ( ) والقدسية ( ) ظل ملازماً في نفوس وأذهان سكانها وحكامها , ولعل هذا ما تجلى لنا بشكل واضح في ألقاب ملوكهم وصفاتهم الملكية من ذلك على سبيل المثال ما جاء في إحدى كتابات الملك سين– أخي– ريبَ Sin-ahhē-rība (سنحاريب) 704-681 ق.م يستهل ذكر حملته الأولى بألقابه الآتية:
m.dsin-ahê-eri-ba šarru rabû šarru dan-nu šar Aššur-ki šarru la
ša-na-an ri-e-um mut-nin-nu-ú pa-lih ilâni rabûte ( )
"سين – أخي – ريبَ , الملك العظيم , الملك القوي , ملك بلاد آشور ، الملك الذي لا مثيل له ، الراعي الورع الذي يخشى الآلهة العظام" , أو كما جاء في رسالة بعث بها
ادد- شُمُ– اُصُـر Adad-šumu-usur (معزم الملك) إلى الملك آشور– بانِ– ابلِ
Aššur-bani-apli (آشور بانيبال) 668-6/627 ق.م واصفاً في أحد مضامينها حكمه بالقول:
Pa-lu-ú SIG5 UD.MEŠ ke-nu-ú-ti MU.AN.NA.MEŠ sá me-šá-ri
zu-un-ni táh-du-ú-ti mi-i-li gap-šu-ti ma-hi-ru dam-qu DINGIR.MEŠ sa-al-mu pa-lah DINGIR ma-a'-da É.KUR.MEŠ ta-hu-da DINGIR.MEŠ GAL.MEŠ ša AN-a u KI.TIM ina tar-si LUGAL
EN-ia us-se-lu-u-ni ( )
" حكم جيد – أيام صالحة , سنوات عدل , أمطار غزيرة , فيضانات ضخمة , مستوى أسعار ملائمة ، الآلهة راضية , أكثر خوفاً من الإله ، يكثر المعابد , وآلهة السماء والأرض العظيمة أصبحت في مقامٍ سامٍ في عهد سيدي الملك " . فعلى الرغم من أسلوب المديح الواضح في كتابة هذه الرسالة , غير أن ذلك لا يخفي في حقيقته جوهر الفكر الديني المتأصل في نفوس الملوك الآشوريين المتمثل بالخوف من الآلهة والعمل بكل ما بوسعهم في سبيل كسب ثقتها ورضاها حسب اعتقادهم ، وذلك ليس بوصفهم ممثلي الآلهة فحسب بل لإيمانهم القوي وإدراكهم العميق حجم المسؤولية المناطة بهم ، والمتمثلة بالحرص كل الحرص على توفير رضا الآلهة على حكمهم ، لأن ذلك هو الضمان الرئيسة لاستمرارهم في ممارسة السلطة وبالتالي استمرار الحكم. إذ إن عدم توفر رضا الآلهة على حكمهم كان يعني سخطها على هذا الملك أو ذاك مما قد تجرهم إلى الويلات و المآسي. لذا لا عجب أن نجد ذلك الاعتقاد كان واضحاً في إحدى كتابات الملك آشور– أخُ– اِدِّن Aššur-ahu-iddin (اسرحدون) 680-669 ق.م عندما قال بخصوص سكان بلاد سومر وأكد ما يأتي: " في عهد الملك السابق حدثت أيام شر (أثم) في بلاد سومر وأكد , الناس الذين كانوا يسكنون في شوانا Šuanna انقسموا إلى فرق و ارتكبوا تمرداً وهجروا آلهتهم وتخلو عن عبادة إلاهتهم وذهبوا إلى بلدان أجنبية . حتى كنوز إيساگلا Esagila معبد الآلهة انتهكت حرمتها وبسطوا أيديهم وبذروا الفضة والذهب والأحجار الكريمة في بلاد عيلام كمدفوعات (للمساعدة). سيطر الغضب سيد الآلهة مردوك ودبر خطط شريرة لقهر البلاد وتدمير سكانها. قناه أَرَختُ Arahtu النهر الوافر ، النهر القوي ارتفع سيل فيضاناته مثل الطوفان جلب مياهه وصبها في المدينة وجعل مظهرها مثل أطلال من الركام ، الآلهة التي كانت تسكن بداخلها هربت مثل الطيور وذهبت إلى السماء . الناس الذين يسكنون بداخلها هربوا إلى أجزاء أخرى ووجدوا الملاذ في بلدان غربية" ( ).
وعلى هذا الأساس كانت مراعاة حرمة المعابد والحفاظ على قدسية آلهتها من أولويات اهتمام الملوك الآشوريين في ذلك ، ولعل هذا ما يمكن أن نستشفه من خلال العديد من رسائل الاطمئنان التي كانت ترسل على الدوام إلى الملوك الآشوريين بخصوص واقع المعابد في المملكة ، من ذلك على سبيل المثال ما جاء في رسالة بعث بها حاكم مدينة
دور-شروكين (خرسباد) كِصِر- آشور Kisir-Aššur إلى الملك الآشوري يطمئنه في أحد مضامينها عن واقع المدينة بعد وقوع زلزال فيها قائلا ما يأتي:
DI-mu a-na É DINGIR.MEŠ-te a-an si-qur-e-te a-na É.GAL
a-na BÀD a-na É.MEŠ ša URU gab-bi ŠÀ-bu ša LUGAL EN-ia lu-u DÙG.GA ( )
" بسلامٍ المعابد ، الزقورة ، القصر ، سور المدينة وكل بيوت المدينة ، عسى أن يكون سيدي الملك فرحاً " . إذ يلاحظ من خلال مضمون الرسالة أن حاكم المدينة استهل ذكر أنواع المباني بالمعابد والزقورة قبل القصر وغيره من المباني مما يدل ذلك في حقيقته على علو مكانة الدين ومراكز العبادة وسموها على بقية الأمور الدنيوية . كما نجد الشيء نفسه في رسالة أخرى مماثلة بعث بها شخص يدعى خُنّي Hunni إلى الملك شرو- كين (سرجون) الثاني 721-705 ق.م يطمئن الملك بالاتي:
šul-mu a-na É.KUR–ra-a-te a-na É.GAL.MEŠ ša KUR aš-šur
gab-bu šul-mu a-na md30.PAB. MEŠ.SU DUMU LUGAL GAL-e šul-mu a-na DUMU.MEŠ MAN gab-bu am-mar ina KUR aš-šur šu-nu-ni ŠÀ-bu LUGAL be-li-iá a-dan-niš ( ).
" بسلامٍ كل المعابد والقصور العائدة لبلاد آشور ، بسلامٍ ابن الملك الأكبر سين-أخي-ريبَ ، بسلامٍ كل الأمراء في بلاد آشور ، عسى أن يكون سيدي الملك سعيداً " . كما لم تقتصر رسائل الاطمئنان عند حدود المعابد الآشورية فحسب ، بل تعدتها إلى واقع الحياة الدينية وأمور العبادة لدى البابليين ، بدليل ما جاء في رسالة بعث بها شخص إلى الملك الآشوري يطمئنه بخصوص البابليين قائلاً له ما يأتي:
tè-e-mu šá TIN.TIR.KI ma-a'-diš ba-ni LÚ.TIN.TIR.KI.MEŠ ha-mu-ú UD-mu-us-su a-na É DINGIR.MEŠ be-lí-šu-nu dEN u dAGxx a-na É.SAG.ÍL il-la-ku UD-mu-us-us a-na ba-lat nap-šá-a-ti
šá LUGAL KUR.KUR be-li-iá dAMAR.UTU u dzar-pa-ni-tum
ú-sal-lu-ú ( ).
" التقرير بشأن بلاد بابل ممتاز ، البابليون سعداء . يذهبون يومياً إلى معبد أسيادهم بيل
ونابو ، إلى ايساگلا Esaggil يصلّون يومياً لـ مردوك وزَربَنِتُ Zarpanitu لأجل الحياة الجيدة لسيدي ملك البلدان ".
وفي الوقت ذاته لم يقتصر اهتمام الملوك الآشوريين عند حدود الاطمئنان عن واقع المعابد في المملكة بل تعده إلى مراعاة حرمتها والتقيد بضوابطها وتعليماتها. إذ كثيراً ما تظهر لنا الرسائل الإدارية المرسلة إلى هؤلاء الملوك فضلاً عن العديد من الإشارات النصية الواردة ضمن حولياتهم الملكية أن هناك ملامح للحرمة اتسمت بها المعابد على مر العصور تتمثل بالمحاور الآتية:-
1- حرمة المكان:-
أدرك سكان بلاد الرافدين منذ أقدم الفترات التاريخية أن مواضع المعابد وأماكن إقامتها حرمة لا يجوز لأي احد انتهاكها بأي شكل من الأشكال ، ولعل هذا ما يمكن أن تفصحه لنا بطريقة غير مباشرة بعض الرسائل التي أتتنا من بلاد آشور إبان العصر الآشوري الحديث
(911 . 612 ق.م). من ذلك على سبيل المثال ما جاء في رسالة بعث بها حاكم مقاطعة نصيبين Nasibina تكلاك- أَنا- بيل Taklak-ana-bel إلى الملك الآشوري رداً على استفسار الملك بشأن قيامه بفرض ضريبة أخرى على رئيس جماعة الرعاة المدعو
اِلُ- بي- اُصُر ilu-piya-usur وقدرها وزنتان من الفضة جاء فيها ما يأتي:
ša LUGAL be-lí iš-pur-an-ni ma-a mDINGIR.KA-a-PAB LÚ*.SIPA
i-da-bu-ub ma-a ina MU.IM.MA 3 GÚ.UN KUG.UD at-ta-as-ha
ú-sa-lim ma-a ú-ma-a mtak-lak-EN iq-tí-bi-a ma-a
2 GÚ.UN ah-hur i-sa a-ta-a ana-ku a-qa-ba-šú LÚ.GAL ki-sir
ša LÚ*.SIPA.MEŠ šu-u-tú 3-me ŠE.ma-qa-ru-tú ša ŠE.IN.NU GI.ap-pa-ru SIG4.MEŠ ina UGU-hi-šu ú-ta-si-ik me-me-ni TA
ŠÀ-bi la id-din UDU.MEŠ ša ina pa-ni-šú up-ta-a-a-si it-ta-lak ina ŠÀ É.KUR-ri kam-ma-su a-sa-par na-su-ni-šú nu-uk UDU.MEŠ-ka lu-u-ri-ma-ka nu-uk e-pu-uš ( ).
" بخصوص ما كتب لي سيدي الملك " قال الراعي اِلُ- بي- اُصُر ما يأتي: في السنة الماضية انتزعت 3 وزنات من الفضة وسلمتها ; الآن أخبرني تكلاك- أنا- بيل استملت وزنتين من الفضة " لماذا اخبره (بوجوب القيام بمثل هذا العمل) ؟ هو رئيس جماعة الرعاة ; فرضت عليه (الجباية) 300 رزمة من التبن والقصب للطابوق لكنه لم يعط أيا منها (وبدلاً من ذلك) سرق الأغنام التي بذمته وذهب والتجأ إلى المعبد . أرسلت (الرجال) لجلبه إلي وإخباره " أني سوف أتجاوز عن أغنامك (حالما) تؤدي (عملك) ". فكما يظهر لدينا من خلال تحليل الأبعاد الحقيقية لمضمون الرسالة أن كبير الرعاة حاول بعد قيامه بذلك العمل الهروب واللجوء إلى المعبد ظناً منه أنه سوف يحميه من رجال حاكم المقاطعة بوصفه حرماً آمناً لا يمكن لأحد انتهاكه حسب اعتقاده. أو كما جاء أيضاً في مضمون رسالة أخرى بعث بها شخص يدعى مردوك –ابلا- اِدِّن Marduk-apla-iddina إلى الملك الآشوري رداً بخصوص استفسار الملك منه قائلاً ما يأتي:
" بخصوص ما كتب الملك : " عندما أرسلت جنودك وتوغلوا إلى داخل المدينة غطوا جدران المعبد بالسهام " جنودي أعطوا واحدا للآخر الأوامر الآتية " لا أحد يجرح أحد وسوف لن ينادي المنادي أي أحد " ! أما أنهم لم يعطوا (هذه) الأوامر واحدا لآخر خوفاً من اسم الإله ؟ لماذا هم ضدّ الناس؟ ، ولماذا السهم على جدران المعبد؟ رجالي الذين هجموا ووقفوا على مقربة من جدار المعبد أنا شخصياً وضعتهم هناك . كيف لأي قوس أن يضرب جدار
(المعبد) "( ).
كما يمكننا من جانب آخر أن نتلمس إشارات أخرى أكثر وضوحاً تبين عمق الاهتمام ومدى الالتزام في مراعاة حرمة أماكن العبادة والحفاظ عليها ، وذلك من خلال أعمال الملوك الآشوريين ونشاطاتهم الدينية والمتمثلة ببناء أو إعادة بناء المعابد. فقد عكست لنا الحوليات الملكية الآشورية منذ العصر الآشوري القديم ، فضلاً عن العديد من الرسائل الإدارية من العصر الآشوري الحديث طبيعة العلاقة التي كانت تربط الملك بالآلهة ، وذلك من خلال الاحتفالات الرسمية التي كان يحضرها الملك شخصياً عند بناء أو إعادة بناء أو ترميم المعبد الخاص به( ) ، من ذلك على سبيل المثال ما جاء في إحدى كتابات الملك آشور- آخ- ادن يتفاخر من خلالها بإعادة بناء معبد الإله آشور الذي بناه أجداده قائلاً ما يأتي: " معبد آشور القديم الذي بناه شُلمانُ-أشريد (شلمنصر) بن ادد- نيراري ملك بلاد آشور الأمير الذي سبقني سقط وأصبح خراباً ، وبعد انقضاض 586 سنة سقط ثانية وأصبح خراباً . ذلك المعبد لم أغير موقعه ، ولكن وضعت عليه (الزينة من) الذهب والفضة والأحجار الكريمة والبخور وأخشاب الأرز وثبت أسس جدرانه ووضعت عليه الآجر وأكملت بناءه "( ). وغالباً ما كانت تكلل مثل هذه الأعمال بذكر لعنات تدرج في نهاية نص البناء غايتها إضفاء صفة القدسية على النص ، وتحذيراً للآخرين من مراعاة ما جاء فيه وعدم المساس به مثل تغيير محتواه أو مكانه. من ذلك على سبيل المثال ما جاء في إحدى كتابات الملك ادد- نيراري الثاني 911-891 ق.م عندما قال في ذكرى إعادة بنائه معبد الآلهة گولا Gula ما يأتي: " في ذلك الوقت المعبد القديم العائد لسيدتي الآلهة گولا الذي بناه توكلتي- ننورتا الأول جدي الأعلى نائب آشور- ذلك المعبد أصبح مهدماً أزلت أنقاضه إلى أسفل حفرة الأساس. وسعت ذلك المعبد بشكل اكبر من امتداداته السابقة. وأكملته من الأسفل إلى الأعلى وأودعت كتاباتي التذكارية. عسى الأمير اللاحق أن يعيد إصلاحه ويعيد اسمي المنقوش إلى موضعه فان الإله آشور والآلهة گولا سوف يصغون لصلاته وأي احد يزيل كتاباتي واسمي فعسى گولا وآشور يتغلبا على سلطته العليا ويدمرون اسمه وذريته من البلاد "( ).
كما روعيت في حرمة المكان أمور أخرى تمثلت بالإعفاءات الملكية لبعض المدن في المملكة ، نظراً لمكانتها الدينية وحرمة معابدها على ما يبدو ، فقد دأب الملوك الآشوريون على إعطاء أهمية خاصة لبعض المدن بما فيها آشور ، لما كانت تتمتع به من مركز ديني مقدس في نفوس سكان بلاد آشور ، ونظرا لهذه الأهمية الخاصة فقد منح سكانها امتيازات خاصة أعفو من خلالها من الضرائب والخدمات الإجبارية المفروضة للمملكة ، ومنذ زمن الملك شرو-كين الثاني منحت تلك المدينة ميثاقاً عرف بميثاق آشور ، أقر من خلالها إعفائها من الضرائب والخدمات جاء فيه ما يأتي:
šá DUMU.MEŠ URU šu-nu-ti za-ku-su-nu uš-ta-bil ka-bít-ti xxx ina il-ki tup-šik-ki di-ku-ut KUR ši-si-ti LÚ.NIMGIR ina mì-ik-se
ka-a-ri ne'-bi-ri xxx É.KUR.MEŠ gab-bu šá KUR aš-šur ú-zak-ki-šú-nu-ti ( ) .
" قررت تثبيت إعفاء أبناء المدينة xxx وقد أعفيتهم من أعمال السخرة والأعمال الترابية ، ومن الدعوة بشأن الأرض ، ومن إشعارات المنادي. ومن رسوم الميناء والمعبر ومن xx (و) كافة المعابد في بلاد آشور". كما شملت الإعفاءات الملكية الآشورية بعض المدن البابلية أيضاً نظراً لمكانتها الدينية وحرمة معابدها. ولعل هذا ما يمكن أن نستدل عليه من خلال رسالة بعث بها شخص يدعى بيل- اُشزِب Bel-ušezib إلى الملك الآشوري يخاطبه قائلاً له في أحد مضامينها ما يأتي:
EN.LÍL.KI É AD.MEŠ É DINGIR.MEŠ GAL.MEŠ šá AN-e ù
KI-tim šu-ú a-na il-ki ul id-de-ek-ku- ú man-da-at-ta ( ) .
" نيبور بيت الآباء ومعبد الآلهة العظيمة آلهة السماء والأرض سوف لن تدعى لأعمال السخرة ولن تدفع الإتاوة " .
2- حرمة أراضي المعبد الزراعية
لم تكن في يوم من الأيام أراضي المعبد الزراعية بمعزلٍ عن هالة الحرمة والقدسية التي تمتعت بها المعابد في كنف المملكة الآشورية ، بل إن ممتلكاتها الزراعية كانت على ما يبدو جزءاً لا يتجزأ من حرمتها الدينية. ولعل هذا ما يمكن أن نستدل عليه من خلال ما جاء في نص يتعلق ببناء مدينة دور- شروكين ، فعندما أراد الملك شرو– كين الثاني بناء عاصمته الجديدة دور-شروكين وجد أن الأرض التي يحتاجها لبناء المدينة كانت في الأصل ممنوحة من قبل الملك أدد- نيراري الثالث إلى ثلاثة أشخاص من قرية مَگنُبَ Maganuba معفاة من الضرائب لقاء دفع 10 (حمل حمار) من الطحين كقرابين سنوية للإله آشور والآلهة بآو ، لذلك فقد عوض شرو- كين الثاني أصحاب تلك المنحة بأرض أخرى في نينوى وأعفاهم من ضريبة الذرة والتبن شريطة الاستمرار في تزويد الإله آشور بالطحين كما ذكر ذلك في أحد نصوص المنح الملكية قائلاً الآتي: " أفرزت للإله آشور أرضاً (مساحتها) 95 هكتارا في الحقول المروية لقرية الكهنة في نينوى حقل بحقل أعطيتهم إلى شُلُم- شَر و أيرَشِدُّ واَبَرَ- عشتار وأبناء أخ-لأمر إلى رِصِصُ بن قَنُنِ والى مَنُّكي-آبِ وأبنائهم. سابقاً 10 (حمل حمار) من الطحين قدمها أدد – نيراري كقرابين لآشور xx في مجاعة وحاجة سوف لن يقصروا على مدار السنة. سوف لن تفرض ضريبة الذرة والتبن على الأرض إنها معفاة إلى الأبد لأجل تزويد الإله آشور بالطحين " ( ).
3- حرمة ممتلكات المعبد من الأموال المنقولة
ليس هناك أدنى شك في أنّ ممتلكات المعبد من الأموال المنقولة سواء المهداة منها أو المكرسة أو تلك التابعة لخزينة المعبد أو الإله كانت تحظى بقدر كبير من الحرمة لا يجوز لأحد سلبها أو سرقتها. ولعل هذا ما يمكن أن نستنتجه من خلال رسالة بعث بها شخص يدعى مار- عشتار Mar-Issar إلى الملك الآشوري يستهل ذكر رسالته بعد تحية الملك بقوله:
ki-i dGAŠAN ša URU ak-kad a-na KUR.NIM.MA.KI tal-lik-u-ni NÍG.ŠID-šá it-ta-su A.ŠÀ.MEŠ UN.MEŠ ša É DINGIR.MEŠ šá-pal [xx].MEŠ e-tar-bu ki-i MAN be-lí URU ak-kad ú-še-ši-bu-u-ni un-qu ina UGU LÚ*.2-i LÚ.GAL É ša URU la-hi-ri MAN be-lí i-sap-ra ma-a gi-nu-u ša DINGIR di-i-na ina URU ak-kad li-iq-ri-ba [xx] MU.AN.NA.MEŠ it-tan-nu ù ú-bat-tu-qu a-du-na-kan-ni la id-di-nu TA* bé-et MAN be-lí a-na URU.ak-kad ú-še-ri-ban-ni-ni....... MAN be-lí ú-da ki-i kal-bu ša MAN EN-iá a-na-ku-u-ni TA* MAN EN-iá ke-na-ku-u-ni ú-ma-a an-nu-riq a-na MAN EN-iá a-sap-ra MAN be-lí ki-i ša ina pa-ni-šú ma-hir-u-ni le-pu-uš a-du NÍG.ŠID ša É DINGIR.MEŠ i-pa-ha-ru-né-en-ni ( ).
" عندما ذهبت سيدة مدينة أكد إلى بلاد عيلام أخذت ممتلكاتها ، الحقول والأشخاص العائدين للمعبد عبروا تحت xxx . عندما سيدي الملك أعاد استقرار مدينة أكد أرسل أمراً مختوماً إلى نائب وكيل الخراج العائد لمدينة لآخِرُ Lahiru " سلم القرابين العائدة للإله ! يجب عليهم أن يقدموها إلى مدينة أكد . لـ(xxx) سنوات سلموها ولكن الآن قطعوها. لذلك لم يسلموها منذ أرسلني سيدي الملك إلى مدينة أكد.... يعلم سيدي الملك أنني كلب سيدي الملك وأَنَّ ولائي لسيدي الملك . الآن كتبت إلى سيدي الملك عسى سيدي الملك يعمل ما يراه مناسبا حتى تجمع ممتلكات المعبد ثانية ".
ومن خلال هذه الصورة التي تظهر مدى حرص الملوك الآشوريين المتزايد بأمور الدين ومراعاتهم لحرمة المعابد ، فإن الجانب الآخر المهم والمغاير لتلك الصورة تبين لنا بوضوح أن تلك الهالة من الأهمية والمكانة التي تمتعت بها المعابد في ظل رعاية الملوك الآشوريين كانت معرضة بين الحين والآخر لأنواع من الانتهاكات والخروقات سواء من الخارجين على القانون (السراق) أو من القائمين على خدمة المعابد من الموظفين والكهنة أو من بعض الشخصيات الرسمية المهمة في المملكة. فالرسائل العديدة والمتنوعة التي كانت ترسل من بعض الكهنة إلى الملوك الآشوريين حول انتهاكات حرمة المعابد تُعدّ على قدر كبير من الأهمية في تسليط الضوء على حقائق من الواقع الديني الذي عاشه المجتمع الآشوري في فترة من الزمان ، والمتمثلة في ضعف صفة التدين وانعدام ضوابط الردع الدينية لدى بعض الأفراد والشخصيات. ويمكننا بموجب ما نمتلكه من أدلة نصية أن نقسم مؤشرات التدنيس إلى المحاور الآتية:
1- سرقة ممتلكات المعبد والتعديّ عليها :-
وهي من أبرز ملامح الانتهاك لحرمة المعبد والإساءة إليه ، وذلك عندما تتعرض ممتلكاته للسرقة أو التعدي عليها. ولعل خير دليل على ذلك ما جاء في رسالة بعث بها محافظ مدينة آشور سين- نيئدِSin-na'di إلى الملك الآشوري يخبره عن حصول سرقة في المعبد ، وأنه قام باعتقال السرّاق واستجوابهم واسترجاع ما بذمتهم من أموال مسروقة:
as-sa-'a-al KUG 1/2 MA.NA us-se-si-a UD-mu ša ú-še-su-ni
a-na LUGUL EN-ia a-sap-ra an-nu-rig sa-a-ru šá-ni-iu-um-ma
UD-21-KÁM a-sab-ta a-na-ku mDÙG.GA.IM.d30 ni-sa-'a-al KUG.GI nu-se-si-a is-su-ri ( ) .
" استجوبته (السارق) واعدت نصف ماناً من الذهب . عندما أعدتها كتبت إلى سيدي الملك. الآن هناك سارق آخر اعتقلته في اليوم الحادي والعشرين وقمت أنا و طاب- شَر- سين Tab-šar-sin باستجوابه واعدنا الذهب " .
كما جاء أيضاً في رسالة أخرى مماثلة بعث بها سين- نيئد إلى الملك الآشوري يخبره بالاتي " أُعلمت بأن الصفيحة الذهبية العائدة لمعبد الإله آشور التي أخذوها قد استعيدت
الـ (xxx) والسراق (xxx) في الحبس والـ (xxx) الذي اخذ الذهب (منهم) في اليد. بَسَلِ Basali الصائغ أتى وأعاد تركيبها ( ) " وفي سياق آخر مماثل جاء في رسالة مطولة بعث بها كاهن الإله ننورتا آشور- ريصوا إلى الملك الآشوري يخبره من خلالها عن جريمة سرقة حصلت في معبد الإله ننورتا قام بها أحد الكهنة ، نقرأ فيها الآتي: " في عهد والد سيدي الملك اقتطع رجل الدين العائد لمعبد الإله ننورتا 3 أصابع ملاحق ذهبية من أحزمة ذهبية على رأس الإله ننورتا . أثرت ذلك في تقرير إلى والد سيدي الملك ، كل الجنود (ذهبوا) لملاقاة (xxxx) . اقتطعوا عرض (xxx) أشبار وطول 11 ذراعاً وأزالوا 8 أشرطة فضية من الجدران. يجب أن يأتي موظف سيدي الملك ويحقق في المسالة نابو- ارِب
Nabu-erib كاهن المناحة و گلُلُ Galul حارس المعبد هم المسؤولون عن القطع يجب أن يستجوبوا كما يجب أن تجلب مسروقاتهم. الآن ذهبنا أنا ومحافظ كلخ إلى أُردُ- مردوك Urdu-Marduk وسَنكَُ-عشتار Sangu-Issar مراقبين بوابات المدينة. وألقى نظرة يجب على سيدي الملك أن يسأله ما هو مقدار الكمية التي اقتطعت؟ ما هو العدد الذي أصبح يمتلكونه الآن؟ ...." ( ). كما يفهم من حالة أخرى مشابهة أن سارق معبد الآلهة آيا Ea كان احد كهنته أيضاً ، ففي رسالة بعث بها شخص يدعى آشور- خَمَتوا Aššur-hamatua إلى الملك الآشوري يعلمه عن قيام كاهن الآلهة آيا بسرقة ممتلكات تعود لمعبد تلك الآلهة جاء فيها ما نصه " نابو- ابش Nabu-epuš كاهن الآلهة آيا Ea سرق ملكية تعود للمعبد. فصل وأزال الذهب من لوح (القرابين) الضخم الذي هو أمام الآلهة عشتار. نابو- نادن-آبل Nabu-nadin-apli حارس المعبد ألقى القبض عليه متلبساًَ بالجريمة. حتى قبل عهدي ارتكب كاهن الآلهة أيا سرقة لكنهم (سلطات المعبد) استردوها وتستروا عليها. عسى الملك أن يسأله بخصوص كلتا (الحالتين). عندما لم يعينني بعد سيدي الملك في موضعي ارتكبوا سرقات وتستروا عليها " ( ). هذا ولم تقتصر أشكال السرقة على هذا الحد بل تعدتها إلى جشع بعض حكام المقاطعات ومحاولاتهم التعدي على ممتلكات المعابد وسرقتها وتبذيرها تحت أي مسوغ أو ستار ، وهذا ما تظهره رسالة بعث بها مار- عشتار إلى الملك الآشوري يخبره بما يأتي: " سابقاً حاكم مدينة دور-شروكين فتح أختامي ، واخذ 10 مانا من الفضة و 1400 من الأغنام و 15 ثوراً عائدين إلى الآلهة شملؤُ Šimalu'a وخُمخُم ووزعهم إلى (xx) حاشيته xxx ...الحكام الذين من قبله لم يأخذوا أي شيء من المعابد ، الآن هو فتح بتهور خزينة الإله وسيدي الملك وأخذ الفضة التي فيها. أن كان حاكم البلاد وحكام مدينة نينوى واربيل قد اخذوا الفضة من المعابد فليأخذ بقوة هو أيضاً. إنها كنز الإله وسيدي الملك لماذا يبذرها ؟ عسى سيدي الملك أن يرسل حارساً شخصياً يثق به للتحقيق (في المسألة) ، الرجل الذي وضع حاكماً يجب أن يعاقب . دع الآخرون يعلمون ويرتعبون على الأقل حتى لا يبذر الحكام كل كنوز المعابد " ( ).
2- الامتناع عن تقديم القرابين إلى المعبد والتلكؤ في دفعها
بقدر حرص الملوك الآشوريين على مراعاة حرمة المعابد من خلال اهتمامهم ومتابعتهم في تقديم القرابين لآلهتها كما جاء ذلك في رسالة بعث بها شخص يدعى شُلُّمُ Šullumu إلى الملك الآشوري يطمئنه بخصوص أحد المعابد قائلاً بعد التحية ما يأتي " طعام المعبد ممتاز وجعة المعبد جيدة. معبد الملك جيد. أنا أصلي يومياً للآلهة أَرش Uraš
وبيليت انّاBelet Eanna لأجل الصحة الجيدة لسيدي الملك "( ). غير أن واقع القرابين والعطايا المقدمة للمعابد من قبل العامة أو من بعض الشخصيات الرسمية في المملكة كان على ما يبدو على العكس مما يشتهه الملوك والكهنة. فالامتناع والتثاقل في دفع المستحقات من تلك القرابين والعطايا كانت إحدى أبرز المشاكل الحقيقية التي واجهت القائمين على المعابد إبان العصر الآشوري الحديث ، ولعل هذا ما تظهره لنا العديد من الرسائل التي كانت ترسل من قبل الكهنة إلى الملوك الآشوريين حول ذلك الشأن لا مجال لذكرها بشكل كامل لضيق المقام ، لكن نذكر بعضا منها على سبيل المثال: من ذلك ما جاء في رسالة بعث بها الكاهن دادي Dadi إلى الملك الآشوري يخبره بالآتي: " منذ بداية الشهر حتى الآن الراعي المسؤول عن واجبات الأطعمة الدينية رفض الذهاب لجمع ضريبته. أنا شخصياً اشتريت أغناماً من بوابة المدينة (السوق) وقمت بتسمينهم. الراعي الذي يخدم في بيت العراف لم يأتِ أيضاًَ لجمع الضريبة xx ولم يأخذ الأغنام xxx لذلك أنا لم أُعطِهم. (إذا) هؤلاء الناس يرفضون خوف سيدي الملك وهم آشوريون ، فكيف هو إذا تصرف الأجانب (تجاه) سيدي الملك "( ). وفي رسالة أخرى بعث بها دادي أيضاً إلى الملك الآشوري جاء في أحد مضامينها ما نصه:
an-nu-rig ša-ni-tu MU.AN.NA URU ra-sa-ap-pa URU ar-zu-hi-na UDU.MEŠ ma-da-ti la i-ma-gúr la i-du-nu 3-šú a-na LUGAL
EN-ia[xxx] ( ) .
" الآن (هذه) السنة الثانية التي ترفض مدينة رَصَبَّ و أرزُخِنَ إعطاء إتاوة الأغنام (كتبت ذلك) ثلاثة مرات إلى سيدي الملك " . ولا يعرف ما هي الأسباب الحقيقية وراء رفض تلك المدينتين تقديم الإتاوة إلى المعبد ، هل لأسباب إدارية ؟ أم أمور تتعلق بنقل تلك الأغنام ؟ أم عدم احترامها لحرمة هذا المعبد أو ذاك ؟ لكن الذي يرجح على الأغلب أن حرمة المعابد لم تكن من أولويات اهتمام حكام المقاطعات على اقل تقدير بدليل ما جاء في رسالة بعث بها احد المنجمين المدعو اكولانو Akkullanu إلى الملك الآشوري يخبره بالآتي: " بخصوص ما يتعلق بقرابين الأغنام والعطايا للإله آشور التي بخصوصها كتب سيدي الملك إلى عبده " أيا من النبلاء لم يوافق على إعطائهم " ؟ أنا لم استطع أن احددهم (لذلك) أنا لم اكتب البارحة إلى سيدي الملك. الآن هؤلاء النبلاء الذين لم يعطوا قرابين الأغنام حاكم مقاطعة برخالزي Barhalzi و رصابا و كيليزي Kilizi و اسان Isna وتلي Tille وكولاني Kullania و أربادا Arpadda. كل (هؤلاء) لم يعطوا قرابين الأغنام " ( ). لكن مهما يكن من أمر فعلى ما يبدو أن الالتزام الإجباري في تقديم القرابين والعطايا إلى المعابد على نحو انتظامي ، كما يفهم من مضمون ميثاق آشور الذي اقره شرو- كين الثاني لمدينة آشور والمذكور آنفاً ، قد أمسى عبئاً ثقيلاً على دافعيها على اختلاف فئاتهم وعناصرهم المختلفة ، لذا كانوا يتحيلون الفرص المؤاتية للامتناع عن دفعها أو التقليل منها على اقل تقدير بدليل ما جاء في نص يضم مواضيع متنوعة نقشت مع الملك منها ما يخص القرابين المقدمة للمعابد ، إذ نقرا فيه ما يأتي " بخصوص الخمور العائدة لبلاد آشور التي تكلمت بشأنها إلى الملك قائلا " في عهد والدك وجدك كانوا يملئون 800 جرة للإله بيل ونابو ونركال ، الآن يملئون 300 جرة " بخصوص قرابين الأغنام المنتظمة التي تكلمت بشأنها الملك قائلاً " الـ خامانين Halmaneans يعطون سنوياً 330 من الأغنام للإله بيل. الآن منذ تولى ولي العهد العرش أبقوها لأنفسهم ولم يعطوا أي شيء " ( ) ، وفي حالة أخرى مماثلة نقرأ في رسالة بعث بها مار-عشتار إلى الملك الآشوري ، ما نصه: " في موسم الربيع أرسل سيدي الملك الحارس الشخصي إلى الحاكم العسكري وكاهن مدينة بورسبا (بالأوامر الآتية) " احسب الثيران والأغنام العائدة للإله نابو. جهّز كما في الأوقات السابقة ، قرابين الاكباش المنتظمة من أملاك مواطني بورسبا ، اسمن الاكباش يجب أن تسلم إلى الإله نابو. الرعاة ارشوا الحاكم العسكري والكاهن والى حدّ الآن لم يجرِ حساب الثيران والأغنام ، كما أنهم لم يجهزوا قرابين الاكباش المنتظمة ، ولم يضحوا حتى بقرابين الملك من الثيران غير المخصية في شهر نيسان " ( ).
3- التلكؤ في بناء المعابد:
ويُعدّ هذا السلوك أو التصرف واحداً من ابرز مؤشرات ضعف الدين في نفوس القوم واستهانتهم بحرمته وأركانه عندما يصبح بناء المعابد هما يدفعه كل طرف إلى الطرف الآخر ويستدل على ذلك من خلال رسالة مطولة بعث بها مار-عشتار إلى الملك الآشوري يذكر في أحد محاورها ما نصه:
É DINGIR.MEŠ ša BÀD DINGIR.KI TA* bé-et uš-še-e-šú
kar-ru-u-ni a-du-na-kan-ni LÚ*.ŠÀ.TAM ù LÚ*.EN pi-qit-ta-ah-te ša BÀD DINGIR.KI ina UGU a-hi-iš ú-bu-ku me-me-e-ni ina UGU-hi la iq-ri-ib MU.AN.NA an-ni-tú ú-sa-ar-ri-i-u i-ra-as-si-pu UD-mu ep-pu-šu UD-mu ú-ra-am-mu-u( ).
" معبد الآلهة الذي فيه مدينة الدير منذ لحظة وضع أسسه حتى الآن الكاهن وموظفو مدينة الدير يدفعونه واحدا إلى الآخر، وأياً منهم لا يقترب منه. هذه السنة بدأوا ببنائه (لكن) يوما يعملون واليوم التالي يتركونه " .
4- الاعتداء على موظفي المعابد والقائمين على خدمتها :-
لم يكن الاعتداء على رموز الدين وشخصياته في يوم من الأيام بمعزلٍ عن أشكال وملامح الانتهاكات التي كانت تشهدها المعابد في بلاد آشور إبان العصر الآشوري الحديث وذلك عندما يتعرض رجالها والعاملون على خدمتها وإدامتها لأنواع من الإساءات مثل الشتم والمضايقات واغتصاب حقوقهم ومصادرتها. ويستدل على ذلك من خلال رسالة بعث بها مُتكلّ- آشور Mutakkil-Aššur وكيل الكاهن وعشتار– نيئد Issar-na'di المحافظ إلى الملك الآشوري يخبرونه بالآتي: " ببيَ Bibiya حاكم الـ أتوا و تَردِتُ- آشور
Tarditu-Aššur نائب حاكم الـ اتوأ يجلسون خارج مدينة آشور الداخلية أمام البوابة يأكلون الخبز ويشربون الخمر ويسرفون مستحقات خراج المدينة الداخلية. عندما فتحت المفاوضة معهم انتزعوا أفضل الأشياء وتحرشوا بي وأعادوا إليَّ ملابسي. أنا لا امتلك القوة الكافية للتغلب عليهم. القوا القبض على الـ سنّينس Sinneans الذين ينقلون الخشب إلى معبد آشور واستلموا منهم 18 ماناً من الفضة . مسئول البريد حرر قيودهم وهربوا " ( ) . وفي سياق آخر مماثل جاء في رسالة بعث بها الكاهن دادي إلى الملك الآشوري يعلمه عن قيام رئيس التموين باعتقاله واستجوابه وسلب ممتلكاته من دون تفويض من الملك أو ولي العهد على حد قوله "رئيس التموين اعتقلني واستجوبني من دون (تفويض) من الملك أو من ولي العهد . سرق ارثي وكل تلك التي حصل عليها والدي تحت حمى الملك سلبها وحملها . وفي الوقت نفسه أخذ وزنة من الفضة المصفاة و 20 ماناً من الفضة من مخزن الأوعية هدايا الملك والملكة الأم " ( ) .
5- عدم احترام الآلهة :-
ويمثل هذا المحور واحداً من أبرز ملامح الانتهاك لحرمة المعابد والإساءة إليها ، بل يمكن عده الركيزة الرئيسة لبقية أنواع الانتهاكات المذكورة سلفاً. فالتعدي والتقصير في تأدية حقوق المعابد ومستحقاتها ، إنما يعود في جذوره وجوهره إلى عدم احترام هذا الإله أو ذاك ، ولعل هذا ما يمكن أن نستدل عليه من خلال رسالة بعث بها احد المنجمين المدعو
نابو- أخي- اريبَ Nabu-ahhe-eriba إلى الملك الآشوري يعلمه بالآتي:
ina UGU A.ŠÀ GAL ša LÚ.áš-šu-ra-a-a ša LUGAL
be-lí iš-pur-an-ni ma-a A.ŠÀ id-di-mì-iq a-dan-niš ŠE.PAD.MEŠ
man-nu ú-pa-sa-ak LÚ.ENGAR.MEŠ ša ŠE.NUMUN i-ru-šu-u-ni a-ka-an-ni ana dIM[xni] la i-pal-lu-hu ina ŠÀ-bi šu-u i-šá-tú
ú-sa-an-qit ( ) .
" بخصوص الحقل الكبير العائد إلى الآشوريين الذي كتب إليّ سيدي الملك بخصوصه " أنه حقل غزير الإنتاج ، من الذي ينقل الحبوب ؟ " الفلاحون الذين يبذرون الحقول لا يخافون الإله ادد أبداً ، ولهذا سمح بالصاعقة المحرقة أن تضرب (وتدمر الحقل) " .
وفي خضم ما تم عرضه من أدلة نصية تظهر مدى وأنواع الانتهاكات التي تعرضت لها المعابد في المملكة الآشورية الحديثة ، فإن السؤال المهم الذي يطرح نفسه في المحور الأخير من البحث هو ما موقف الملوك الآشوريين من إزاء تلك الانتهاكات ؟
قد لا يخفى على احد أن طبيعة هذه الأعمال كانت تعدّ آنذاك من الجرائم بل من الذنوب الكبيرة في المجتمع ، لذا كان أصحاب تلك الرسائل يطالبون الملك بإنزال العقوبة بحق مرتكبيها ، كما يفهم من رسالة مار-عشتار إلى الملك الآشوري المذكورة سلفاً يطالبه بضرورة معاقبة حاكم مدينة دور- شروكين بسبب قيامه بالتعدي على ممتلكات الآلهة من الأموال المنقولة على حدّ قوله ، أو كما جاء ذلك أيضاً في رسالة بعث بها شخص يدعى
نادِن – آشور Nadin-Aššur إلى الملك الآشوري يخبره بالآتي "حتى الآن لا أحد جلب المنتج الأول من فواكه بلاده ولا ضريبة الخمس من مدينة برخالزي. أنا بعت عبيدك في بيت التاجر ، وحملت ضريبة الخمس وأديتها (القرابين). يجب أن يسأل الملك كتبة حاكم برخالزي الآتي " لماذا لم تعطِ ضريبة الخمس إلى الإله آشور؟ ".... إذا لم يعاقب الملك أحد الكتبة (والآخرون) فسوف لن يكتسب الرهبة"( ).
وقد تشتمل العقوبة على الطرد من الوظيفة كما يستدل على ذلك من خلال رسالة بعث بها شخص ما إلى الملك الآشوري يخبره في أحد مضامينها ما نصه: " الحارس الشخصي نركال– شرُّ- اُصُر أتى مع وكيل الخراج لمدينة لاخرتي Lahirte حاملين أمر الملك بطرد ممثلي LÚ.qe-e-pa-a-ni معابد سبار وكوثا و Hursagkalama ودلبات وتعين آخرين. سيدي الملك يجب أن يعلم ذلك " ( ). ولعل سبب طرد هؤلاء الأشخاص هو إهمالهم بناء أحد معابد الآلهة وتثبيت كتابات الملك عليه كما يفهم ذلك في الجزء الآخر من الرسالة. ومن جانب آخر فإننا يمكن أن نستدل بالقول على أن الملك وبوصفه ممثل الآلهة قد اختارته لكي ينوب عنها في حكم شعوبها فهو إذن المسؤول الأول أمامها عن تصرفات شعبه. ففي العصر الآشوري الحديث كان الملك أول من يحاسب أمام الآلهة عن جميع الذنوب التي يرتكبها سكان بلاد آشور فقد كان يمضي بعض الوقت كالتائب لذنوب المجتمع المخطئ ولعل هذا ما يبدو لنا واضحاً من خلال بعض الرسائل التي كانت ترسل إلى الملك الآشوري من قبل كهنة البلاد فهذا الكاهن بلاسي و نابو– أخي- ريبَ يكتبان إلى الملك آشور- آخ- ادن قائلين ما يأتي: " هذا يوم مضى منذ بدأ الملك بالصيام ولم يأكل كسرة ، إلى متى ؟ هل هذا هو السؤال أيجب أن لا يأكل الملك طعاماً اليوم! ، الملك الآن شحاذ " فعلى الرغم من أن الرسالة لا تشير إشارة واضحة إلى السبب الرئيس الذي من اجله اضطر الملك للصيام ولكن على الأغلب فانه قام بمثل هذه الممارسة من اجل التكفير عن الذنوب التي ارتكبها الملك نفسه والمجتمع الذي يمثله ، وكانت الآلهة تشعر الكهنة بسخطها عن تلك الانتهاكات عن طريق تفسير هؤلاء الكهنة للكوارث الطبيعية أو عن طريق الفأل والتنجيم ( ) .
ثبت مختصرات المصادر والمراجع الأجنبية التي تضمنها البحث
المختصـر عنـوان المصدر
ABL Harper . R.F, Assyrian and Babylonian Letters (London and Chicago 1892-1914).
ADD Johns.C.H.W, Assyrian Deeds and Documents (Cambridge 1898-1923).
ARAB Luckenbill . D . D , Ancient Records of Assyria and Babylonia. Vol.1 - 2 (New York 1926-1927).
CT Cuneiform Texts from Babylonian Tablets in the British Museum.
NARGD Postgate.J.N, Neo-Assyrian Royal Grants and Decrees (Studia Pohi Series Maiorl, Rome, 1969).
RIMA Grayson, A. K, The Royal Inscriptions of Mesopotamia Assyrian Periods.
SAA State Archives of Assyria.
TCAE Postgate J.N. Taxation and Conscription in the Assyrian Empire (Studia Pohl Series Maior. 3, Rome , 1974)
Temples in the Neo-Assyrian Kingdom Between Sanctity and Sacrilege
Dr. Safwan Sami Saeed*
Abstract
Temples (house of gods) and their right was of great responsibility towards kings , governors and peoples. Any neglect of offering , building or rebuilding was reflected in the Assyrian inscription and corresponding which illustrate. Their duty and The responsibility towards those who may not respect these religious places..
This research is regarded as one of the most important religions subjects because it reflects am aspect of the religions fact which the Assyrian society lived through the New Assyrian period via studying the temples and their prestige in the New Assyrian kingdom. So, the Assyrian kings took care of seriously the religions affairs that reflected clearly on their royal titles , and descriptions. Subsequently , the worshipping centers, i.e.(the temples) favored with great interest by them in terms of sanctity and holiness m but that hallo of importance was subject occasionally to certain kinds of encroachments and sacrileges by the public and some official characters.
According , this research deals with shedding light on the range of care taken by the Assyrian kings as to the sanctity of those temples , binding to their controls on one hand , then knowing of the nature of those encroachments and what was the attitude adopted by the kings about this point on the other hand?
*********
العراق في 28 /9 / 2009