Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2958
قضايا لغوية في النقد المغربي الحديث

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: قضايا لغوية في النقد المغربي الحديث

  1. #1
    عـضــو الصورة الرمزية محمد يحيى قاسمي
    تاريخ التسجيل
    07/11/2008
    العمر
    64
    المشاركات
    37
    معدل تقييم المستوى
    0

    Post قضايا لغوية في النقد المغربي الحديث

    إذا كان النقد اللغوي أساسيا في التحليل والتقويم فإن سلامة اللغة مطلب أساسي في العمل الإبداعي، \' فاللغة هي المادة الأولى الأدب ، وهي بمثابة الألوان للتصوير ، أو الرخام للنحت\' [1] .
    والنقد اللغوي يتطلب معرفة صحيحة بتاريخ وتطور دلالات الألفاظ ، لذلك ترى الناقد اللغوي يتتبع سقطات الشعراء في النحو والصرف والعروض والأساليب البلاغية ، أو يبحث عنها أحيانا في تكلف لا مبرر له . وهو يهتم بالناحية اللغوية للقصيدة أكثر من اهتمامه بالناحية الفنية ، مستعينا بالقرآن ومعاجم اللغة والشعر نفسه .
    ويحتل النقد اللغوي مكانة هامة في الخطاب النقدي المغربي ، فكثير من الكتابات النقدية يمكن تصنيفها ضمن النقد الذي ظل يقتفي آثار النقد العربي القديم ، فلا يهتم بالقصيدة في كليتها ، ولا تهمه والأخيلة المركبة ، بل ينحصر همه في تعقب هنات الشاعر ليس بيتا بيتا ، وإنما كلمة كلمة [2] .بل إن أكبر هم الناقد المغربي هو إتقان اللغة والعروض ، واستغلال الأساليب البلاغية بشكل سليم وجيد ، باعتبار هذه العناصر أسس الإنتاج الشعري ، لذلك فإنـها تلفت الأنظار أكثر من غيرها عند تداول القصائد فيؤاخذ الشاعر بأخطائه فيها ، ولا يلقى بال إلى ما سوى ذلك .
    ومنطلق نقاد المغرب في ذلك أنهم يعتبرون سلامة اللغة أو الوزن أو الأساليب البلاغية عوامل أساسية في تقدير قيمة العمل الشعري . فالعمل الشعري شكل ومضمون كما يقول النقاد المحدثون ، أو لفظ ومعنى كما كان يقول النقاد القدامى في كثير من البساطة والتواضع ، وشاعر من غير أداة لا يعدو أن يكون شاعرا بالقوة لا بالفعل كما كان يعبر الفلاسفة اليونانيون والمسلمون.
    لقد كان الناقد المغربي حريصا على سلامة اللغة وعلومها ، غير متسامح في الخروج عن أصولها وقواعدها وأوزانها ، لأن الوقوف على ما تعارف عليه اللغويون ؛ أو ما وردت به كتب اللغة ؛ شرط أساسي لا غنى عنه لحفظ اللسان من الزلل والخطأ ، ومن ثم أخذ النقاد على معظم الشعراء هذه الهنات والزلات .
    عرف المغاربة بتبحرهم في اللغة وعلومها من نحو وصرف واشتقاق ، وزادوا على ذلك بأن جعلوا هذه المعرفة اللغوية المتينة وسيلة للتعالي في سماوات الشعر ، مع الحرص على سلامتها وحفظها من كل انتهاك لقواعدها . وإذا كان لهم أن يسكتوا عن شيء فإنهم لا يسكتون أبدا عن اللحن ، ولا يعجز أحدهم عن رده كبيرا كان أو صغيرا .
    وقد لخص المرحوم (محمد المختار السوسي) هذه الحقيقة في رسالته البونعمانية لما تحدث عن إحدى قصائده التي عرضت على ندوة إلغ فقال : \' فماذا تنتقد بدورك منها من جديد ؟ فإن كان هنا ما تنتقد فانتقد الأسلوب والخلو من المعاني المبتكرة ، ومن الوثبات الخيالية ، وأما من جهة التركيب العربي اللغوي فقد مرت المسكينة تحت ثقاف لا يرحم \' [3] .
    لقد كان بعض الشعراء يظنون أن اللحن في الشعر جائز ، وأن مخالفة القياس والقواعد اللغوية على العموم ضرورة شعرية لا حرج في ارتكابها ، فانبرى للرد على هؤلاء كثير من النقاد، مثل (عبد الله كنون) الذي رد عليهم قائلا : \' وهذا الاعتقاد إن دل على شيء فعلى الاستهانة بلغة الضاد ، وانتهاك حرمتها ، وجعلها بدعا من اللغات الحية ، فصاحبه أحرى أن يعد عدوا من أعداء العربية ، يـعمل على إماتتها ، لا شاعرا من شعرائها الذين تزدهر على أيديهم \' [4] .
    من هذا المنطلق استبد التقويم اللغوي بجزء غير يسير من الدراسة النقدية سعى فيه الناقد إلى دفع ما لا يستعمل في لغة الشعر من دخيل كلمات ، وعبارات المناطقة والفقهاء ، والتنبيه إلى العودة إلى المصادر اللغوية ، وإلى خروج الشاعر أحيانا عن المألوف من الاستعمال اللغوي في الجمع والصفة المشبهة والتعدية وغيرها [5] .
    * من أهم المناقشات اللغوية التي مست جانب التركيب تلك التي جرت بين عبد الله كنون من جهة ، وعبد الله الجراري وعبد الرحمن الفاسي من جهة أخرى . فقد كتب الأول مقالا ينتقد فيه ديوان زكي مبارك ، ويحدد فيه بعض هنات الشاعر التركيبية ، مثل استعماله حرف (لو) دون جواب ، وهو حرف تمن يستلزم هذا الجواب ، يقول عبد الله كنون: \' إن لو في بيت :
    وَقدْ أصْبَحْتَ لا تَسْلو فَلَوْ أصْبَحْتَ لا تَصْبُو
    حذف جوابها وهذا غلط .. ولو هنا تمنية لا مصدرية ، فلا بد لها من الجواب كما في قوله تعالى : ( فلوْ أنَّ لنَا كرةً فَنَكونَ مِنَ المُؤمِنين ) [ الشعراء – 102 ] \' [6] .
    ويتوارد عبد الله الجراري وعبد الرحمن الفاسي على مسألة حذف جواب لو ، فكلاهما ينبه على جواز حذف جوابها ، فأما الأول فقد على ملاحظة كنون بأن (لو) هذه تمنية ، فلا غرابة إن تجردت في بيت الشاعر عن الجواب اختصارا واكتفاء كما تقتضيه أساليب اللغة العربية ، يقول : \'وليس هذا أول محل يقتصر فيه على الأوائل بعد طي الأواخر سيما وأن هناك من يجعلها شرطية اشرئبت معنى التمني .. وغير بعيد عن اطلاعكم ما تقرر في جوابه على أن بعض أئمة الفن كابن الصائغ وابن هشام ، وناهيك بما قالا : إن لو هذه هي قسم برأسها لا تحتاج إلى جواب كجواب الشرط ، ولكن قد يؤتى لها به منصوبا كجواب ليت \' [7] .
    أما عبد الرحمن الفاسي فيرى أن ملاحظة كنون بخصوص (لو) تخالف ما هو مسطر في كتب النحو ، يقول : \' فقد ذهب جماعة من النحويين في طليعتهم ابن الصائغ وابن هشام إلى أن (لو) قسم برأسها لا تحتاج إلى جواب ، وبعضهم ذهب إلى وجوب ذكر جوابها وإن تضمنت معنى الشرط . ولنفرض أن ذلك واجب إلا أنهم قالوا إنه يجوز حذف جوابها إن علم مضمونه ، بل قد يكون حذفه من المحسنات في بعض المقامات ، وهذا شائع .. فهل من المحظور على زكي وحده ألا يأتي بالجواب ؟ \' [8] .
    ويدخل زكي مبارك (هلا) على الاسم ، في حين هي – في نظر عبد الله كنون – لا تدخل إلا على الماضي فتكون للتنديم ، وعلى المضارع فتكون للتحضيض . يقول زكي مبارك :
    * زَمَان الصِّبَا هَلَّا عَنِ الغَيِّ نَاهِيَا *
    فيعلق كنون قائلا : \' وهنا أدخلها الشاعر على الاسم ونصب بها \' . [9]
    ويقوم عبد الله الجراري مدافعا عن زكي مبارك ، فيعتبر الناقد مغاليا في ملاحظته ، لأن (هلا) توصل بالفعل المناسب حسب المعنى ، بيد أن إيلاءها الفعل واقترانها به لا يخلو من حالتين: اقترانه بها فعلا وصراحة ، أو إيلاؤه لها قوة وتأويلا بقول النحاة وفي مقدمتهم ابن مالك :
    وَقَدْ يَلِيهَا اسْمٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ عُلِّقَ أوْ بِظاهِرٍ مُؤخَّرِ [10] .
    ويدعم الجراري رأيه بالاعتماد على بعض الشواهد الشعرية مثل قول أحدهم :
    أتَيْت بِعَبْدِ اللهِ فِي القَدْرِِ مُوثقاً فَهَلا سَعيدٌ ذا الخِيانَةِ وَالغَدْرِِ
    وقول الآخر :
    وَنُبِّئْتُ لَيْلى أرْسلَتْ بِشَفَاعَةٍ إلَيَّ فهي نفس ليْلَى شَفِيعهَا
    ويقدر الجراري شعر زكي مبارك بـ (هلا كنت يا زمان الصبا ناهيا عن الغي) ، يقول: \' وبذلك نعلم أيضا أن نصب ناهيا في مركزه ، ومقدر عربية حذف كان واسمها ، وإن كان اشتهاره مع إن ولو \' . [11]
    أما عبد الرحمن الفاسي ؛ وكأنه لم يقنع بما رد به الجراري على كنون ؛ فزاد من عنده أن تساءل : هل يقع زكي مبارك في الغلط إن أدخل (هلا) على الاسم بعدما قال النحويون قاطبة إن حروف التحضيض تدخل على الاسم ، ويكون معمولا بفعل مقدر . [12]
    وبالمنهج نفسه يدعم عبد الرحمن الفاسي رأيه بالشواهد التي تخدم رأيه ، فيعتمد على قول النبي عليه الصلاة والسلام لجابر حين أخبره أنه تزوج ثيبا : ( هـلا بكرا تداعبها وتداعبك)، واعتمد ثانية على قول الشاعر :
    · هَلا التَّقَدَّم وَالقُلوبُ صِحاحُ * [13]
    ويعتبر عبد الرحمن الفاسي كلام الشاعر من هذا القبيل أو قبيل قولنا : \' هلا خيرا أو خير من ذلك ، أي هلا كان منك خـير \' .
    وإذا كنا صنفنا هذه النصوص النقدية ضمن النقد اللغوي اعتبارا لمحتواها فإننا لا نختلف مع الأستاذ مصطفى الجوهري حين اعتبرها من جانب آخر نصوصا يمكن إدخالها ضمن ما يعرف بنقد النقد الذي يساهم في توسيع النقاش المعرفي ، وتعميق الرأي العلمي دون الخصومة والصراع.[14]
    * وتستأثر قضية التـعدية باهتمام نقاد المغرب فيتساءلون : هل يتعدى الفعل بنفسه ، أو بحرف ؟ وما هي الحروف التي يتعدى بها ؟ وما من شك في أن هذه الأسئلة من صميم قضايا التركيب .
    يلحظ عبد الله كنون أن الشاعر زكي مبارك ارتكب عدة أخطاء بخصوص استعماله للأفعال والحروف استعمالا غير صحيح ، فلم يستعمل مثلا فعل (أهدى) متعديا إلى مفعولين كما تقول القاعدة ، فقال :
    تَعالِ أهْدِكِ مِنْ رُوحِي بِعاصِفَةٍ ترْدي الأنامَ وَمنْ قَلْبِي بِإعْصارِ
    ويـعلق عبد الله كنون على هذا البيت قائلا : \' وهذا من تراكيب عرب أمريكا ، فإن أهدى يتعدى إلى المفعولين بنفسه \' [15] .
    وقد فتح انتقاد كنون باب النقاش ثانية ، فكتب عبد الله الجراري ردا على نقد كنون ، فقال مدافعا عن زكي مبارك : \' أي يا أخي الناقد فإن أهدى في اللسان العربي إن كان إلى اثنين كما ذكرتم فإلى الثاني بالحرف لا بنفسه كالثلاثي (ومطاوعه) والمضاعف ، على أنه لا منع إن سمع تعديه إلى الثاني بنفسه ، نعم لا أجعل معديه إليه بالحرف من عرب أمريكا \' . [16]
    ويستعمل زكي مبارك فعل (ضيع) متعديا إلى مفعولين في قوله :
    لَئِنْ ضَيَّعْـتَنِي قَلْبي فَأنْتَ الرُّوحُ والقَلْبُ
    فيرى كنون أن الشاعر أخطأ لأن القاعدة تفرض عليه أن يقول : ضيعت لي قلبي ، ويصحح قول الشاعر قائلا : \' ولو قال : (ضيعت لي) لسلم من خطأ تعدية الفعل إلى ما لا يتعدى إليه \'[17] .
    ويضطر عبد الله الجراري ثانية إلى الرد على ملاحظة كنون ، فيقول : \' إن ضيع لي ليس سوى مفعول واحد ، وحتى إذا أفادت عبارة (زكي) تعديته إلى ما لا يتعدى إليه بنفسه فسيجاب بأن ضمير (مبارك) ضيع ، لا أن حقه الجر . والفعل من الفعل بالحرف حيث لا يصل إليه بنفسه ويجعل (قلبي) بدلا منه عطف بيان ، وفيه من المبالغة ما أنتم خبير به . وبذلك تساير الجملة أخواتها حتى إن كان ثم قلق فغير ضار مع سلامة القلوب من الانكسار \'[18] .
    ولم يقتصر النقد اللغوي على المغاربة ، بل مارسه المشارقة كذلك ، ويبدو أنهم تأثروا بنقاد المغرب في هذا المجال فحين كلف (فريد رمضان) ؛ وهو ناقد مصري ؛ بقراءة أحد أعداد مجلة دعوة الحق أبدى مجموعة من الملاحظات بخصوص شعر علال الفاسي .
    وإذا كنا نأتي بهذه النماذج المشرقية فللتأكيد على أن هذه الملاحظات بخصوص اللغة كانت عامة بين نقاد العربية ، وللتأكيد ثانيا على أن الأمر كان أخذا وردا بين المغاربة والمشارقة ، فقد سبق لعبد الله كنون أن انتقد زكي مبارك في عدة مسائل لغوية ، ويأتي فريد رمضان ليرد الصاع صاعين فينتقد علال الفاسي في مسائل مشابهة مثل مسالمة حروف الجر أو عدم جواز تعدية الفعل بالحرف .
    يقول الناقد المصري : \' فهو يسالم أحيانا حروف الجر فيقول : (لا تعير له حسابا) بدل (لا تعيره حسابا) [19] ، وما يعنيه الناقد أن فعل (أعار) في شعر علال الفاسي لا يجوز تعديته بالحرف ؛ ولو لمقاصد بيانية ؛ لأنه عادة ما يتعدى بنفسه .
    ولم يستحسن الشاعر المغربي ملاحظة الناقد المصري فرد بمقال يشرح فيه هذه الصياغة ، يقول : \' فالفعل (أعار) هنا تضمن معنى (قرأ) ، إذ العادة جارية بأن يقال (لا يقرأ حسابا ، ولا يعير له التفاتا) ، فاستعمال كلمة الإعارة مع الحساب قصد به معنى بياني ، وهو الإشعار بالاهتمام الفكري من جهة ، والالتفات المادي من جهة أخرى . ولما كان الفعل مضمنا معنى ( القراءة ) كان لا بد أن يأتي الشاعر باللام قرينة للدلالة على ملاحظة الفـعل الآخر وأمـن اللبس \' [20] .
    ويستند علال الفاسي في رده على ما يقرؤه المؤمنون حين يرفعون من ركوعهم : (سمع الله لمن حمده) ، ففعل (سمع) – في نظره – يتعدى بنفسه ، ولكنه لما تضمن معنى (استجاب) أتى له بلام قرينة دالة . كما يستند في رده على علماء العربية من نحويين وأصوليين وعلماء البيان ، فيرى أن تعدية الفعل بالحرف يجوز إذا ضمن معنى فعل آخر ، وهذا ما وقع اتفاق معظم النحويين عليه . ويجوز عند الأصوليين أن يشرب معنى فعل آخر مع المحافظة على معناه الأصلي . أما علماء العربية فلا يقولون بالإشراب لأنه يؤدي إلى الجمع بين الحقيقة والمجاز في كلمة . وبين كل هذه الآراء يأخذ علال الفاسي بالمتفق عليه بين علماء البيان وهو التضمين ، أي الذي يأخذ يبقى على حقيقته ، والمعمول متعلقا به أو بالمحذوف .
    ويستمر السجال بين الناقد والشاعر ؛ في نقد ورد ؛ فيعتبر الناقد استعمال حرف مختص ببعض الأفعال في فعل آخر ضمن معنى الفعل الأول غير صحيح ، لأنه إعلان للمساواة بين حروف الجر وإهمال لاختلاف معانيها . ونموذج ذلك قول الشاعر : (ودمت إلى البلاد ..) بدل (ودمت للبلاد ..) ، فهو بهذا يعلن المساواة بين حروف الجر .[21]
    ويجيز علال الفاسي ؛ في رده ؛ استعمال الأدوات عوضا عن بعضها اعتمادا على مذهب الكوفيين وقليل من البصريين الذين يقولون بنيابة بعض الحروف عن بعض ، خاصة إذا ضمن فعل معنى فعل آخر لمقاصد بيانية ، وهو الذي وقع في تعبيره ، ذلك أن (إلى) حلت محل اللام التي هي للملك ؛ أو ما شابهه ؛ أو للانتساب ؛ فيكون المعنى هو : (ودمت منتسبا إلى البلاد)[22] .
    وكأن الشاعر لم يقنع برده هذا ، فلجأ إلى تأويل آخر هو أن من معاني ( إلى) المصاحبة ، وقد ضمن فعل (دام) في كلامه معنى المصاحبة ، فأصبح المعنى : (ودمت مع البلاد وساكنيها ، أي حصلت الدعوة بالدوام نورا وهدى للجميع .
    ويشير فريد رمضان إلى مثل هذه الأخطاء في شعر علال الفاسي ، فينص على قول الشاعر : (فما يحتاج واسطة) بدل (فما يحتاج إلى واسطة) ، وقوله : (وضحى العرش) في حين يتعدى الفعل بالباء في نفس هذا المعنى[23] .
    ويضطر علال الفاسي للدفاع عن نفسه في هذه المسألة ، فيجيز حذف الأداة وإيصال الفعل ولو على طريق التضمين لاعتبارات بيانية ، يقول مفصلا أكثر : \' فالفعل (احتاج) تضمن معنى يترتب عليه وهو الطلب ، فتعدى بنفسه .. ولو قلنا (فما يحتاج إلى واسطة) لكانت هناك جملة مقدرة ، إذ يكون المعنى هكذا : (فما يحتاج الإنسان في طلب من الله إلى واسطة) ، مع أن المعنى المقصود : (إن الله سبحانه لا يتوقف دعاؤه على استعمال واسطة) ، ونفي الاحتياج هنا عن الله لتـنـزيهه \' [24] .
    وأما استعمال الشاعر لقوله (وضحى العرش) ولم يقل (ضحى بالعرش) فإنه يزعم أن التضحية في أصل معناها اللغوي لا تعني ما استعمله . وإنما صح استعمالها لتضمينها معنى فعل (فدى) من الفداء ، فيكون المعنى المضمن هو قوله : ( إن الملك بذل عرشه في سبيل وطنه، وفدى وطنه وعرشه بتقديم نفسه للنفي والإبعاد) .[25]
    يتبين من القضايا اللغوية التي أثارها فريد رمضان ، وحاول الشاعر علال الفاسي الرد عليها أن نقادنا وشعراءنا موسوعيو الثقافة ، فهم لا يتركون حقيقة من حقائق النص الشعري إلا فسروها ، وبذلك اهتموا بالجوانب التي تهم تصريف الفعل أو تعديته أو المعنى الذي يؤديه على سبيل المجاز لا على سبيل الحقيقة ، وهم بذلك يعكسون اهتمامهم ومعرفتهم بقواعد النحو والصرف ، ولذلك يمكن اعتبار ثقافتهم اللغوية على سعتها \' أقل معارفهم إذا ما قورنت باهتماماتهم الثقافية الأخرى\'[26].
    ومثل هذه الملاحظات الخاصة بتعدية الفعل كثيرة في نقد المغاربة ، ومنها قول الشاعر عبد الكريم التواتي :
    حَامِلا فِي يَمِينِهِ نَايَهُ السِّحْــــرِيّ يُوحِي الوُجود لَحْن الحَياةِ [27]
    فيلحظ (محمد الحلوي) أن فعل (أوحى) لا يتطلب إلا مفعولا واحدا في لغة القرآن والشعر ، ومن ذلك قوله تعالى ( فأوْحَى إلى عَبْدِهِ ما أوْحَى ) [ النجم – 10 ] ، يقول : \' فكيف جاز للشاعر أن يسلطها على مفعولين معا ، ويستدرك على العرب فيها وجها لم يعرفوه \' [28] .
    وتنطبق الملاحظة نفسها على قول الشاعر التواتي في البيتين التاليين :
    فيسر الشطآن والورد والزهـــــر تَحايَا الرّبيعِ فِي هَمَسَاتِ
    فَمَضَى مَوْكِبُ الرَّبِيع يسِرّ الـــــكَوْن مَا قَدْ وَعَى مِنَ الآياتِ [29]
    فهو يتنكب الاستعمال اللغوي لفعل (أسر) فيعديه إلى مفعولين ، وهذا الفعل – في نظر الحلوي – لم يرد إلا على نحوين ، أسر السر : كتمه ، وأسر إليه بالأمر : حدثه به سرا .
    ويصحح الناقد البيت قائلا : \' وجريا مع اللغة التي ينظم بها يجب أن نقول : يسر إلى الشطآن بتحايا الربيع ، ولكنه لم يفعل \' [30] .
    والخطأ الذي ينبه إليه محمد الحلوي الناقد ، يرتكبه محمد الحلوي الشاعر ، فيقول :
    زُرْتَ فاساً وَالكُلُّ فِي فَاسَ يَحْنُو لَك شَوْقاً كَمَا يحنُّ العِيدُ
    فيلحظ عبد الرحمن الفاسي أن الشاعر استعمل الفعل متعديا باللام ، في حين أنه يتعدى بعلى . [31]
    ويدافع أحد كتاب مجلة رسالة المغرب عن الشاعر الحلوي ، فيرى أن \' فعل (يحنو) في هذا البيت غير متعد بالمرة ، وأن (لك) تتعلق بـ (شوقا) لا بفعل (يحنو) \' [32] .
    ويبدو أن المدافع عن الحلوي لم يكن متأكدا من دفاعه فعاد يعتمد على القاعدة القائلة بنيابة حروف الجر بعضها عن بعض ، أي بإمكانية نيابة حرف اللام عن حرف (على) ، إذ لا يبقى أي سبب لتهجم عبد الرحمن الفاسي على الشاعر [33] .
    ويقول عبد الملك البلغيثي :
    وَلِيَ العُذْرُ حَيْثُ أرْتَج عَنِّي مِنْ حَياءٍ وَذاكَ لِلْحُرِّ يَعْرو
    خانَنِي النُّطْقُ هَيْبَة مِنْ جَلالٍ رغْمَ خلْقٍ مِنْهُ تَضَوَّعَ نَشْرُ [34]
    فلم يسلم من تعليق عبد الرحمن الفاسي الذي يؤاخذه على البيت الأول لأنه عدى بـ (عن)، والصواب – كما يقول – تعديته بـ (على) . ويعلق على البيت الثاني قائلا : \' وما نصبها بجائز لأنها ليست مفعولا متعديا إليه بحرف الجر حتى تنصبها على الاتساع . والصواب أن يقال : على رغم كذا ، أو على الرغم منه ، أو برغم كذا ، أو بالرغم منه \' [35] .
    * وكثيرا ما نصادف في نقد المغاربة ملاحظاتهم بخصوص تصريف بعض الأفعال ، ومن نماذج ذلك ملحوظة محمد بن أحمد حكم الذي نقد قصيدة (الوادي) لعبد العزيز بنعبد الله، فرأى أنه لا يحسن استعمال فعل (يغفو) في قوله :
    وَأنا فِي السَّماءِ فِي سكْرَةِ الأنْــــسِ وَأغْفُو مِنْ شدَّةٍ وَانْشِرَاحِ
    يقول الناقد : \' استلفت نظري في هذا البيت كلمة (أغفو) ، فهل يقصد بها مضارع (غفا) الثلاثي ؟ \' [36] .
    ويضطر الناقد إلى مراجعة القواميس للتأكد من صحة وجود هذا الفعل بالصيغة التي جاء بها الشاعر ، فيلفي أن أقوال اللغويين بخصوص صيغة هذا الفعل مضطربة ، فقد أثبتها صاحب القاموس ، وذكر ابن السكيت أنها غير موجودة في اللغة ، وذكر بعضهم أنها قليلة جدا ، وإنما الموجود على مذهب ابن السكيت (أغفى) الرباعي .
    ويتضح من ملحوظة الناقد ومتابعته للخطأ في المصادر اللغوية أنه لا يتسرع في تخطيء الشاعر ، ولكنه يشك في وجود الفعل بالصيغة التي جاء بها ، يقول : \' وعلى كل فهذا لفظ مشكوك في وجوده لغة \' [37] .
    وإلى مثل هذا الخطأ يشير محمد بن العباس القباج ؛ وهو يقرأ بيتين من الشعر ؛ الأول لمحمد البيضاوي الشنقيطي يقول فيه :
    لَمَّا أحَلَّ بِرَأسِي قُلْت مُزْدرِياً الشَّيْبُ فِي الرَّأسِ لا يَسْتَلْزِمُ الكِبرَا
    والبيت الثاني لعلال الفاسي يقول فيه :
    دَحَرْتَ مُوران لَمَّا جاءَ مُنْتَقداً دَحْراً أحلَّ بِهِ فِي جَحْفَلٍ لَجِبِ [38]
    فينتقد القباج الشاعر الأول قائلا : \' ونحن نهمس في أذن شاعرنا اللغوي أن الصواب في البيت .. (حل) ، فإن أحل معناها وجب أو خرج .. ولو قال (ألم) لاستقام الوزن والمعنى..[39].
    وينتقد الشاعر الثاني قائلا : \' الصواب : حل في المكان ، ولا بأس أن نقول : حل به ، والباء للتعدية .. ويقال إذا عديته بالهمز : أحللته المكان .. وأما أن يقول شاعر كشاعرنا : أحل فغلط يجب التنبه له \' [40] .
    وقد أثارت هذه الملاحظة حفيظة الشاعرين ، فرد الشنقيطي بمقال لاذع ، بينما تكفل بالدفاع عن الشاعر علال الفاسي أكثر من مدافع . أما رد الأول فقد زعم فيه أن الناقد أخطأ ؛ وهو يقرأ الشعر وينقده ؛ فقرأ (أحل) مبنيا للفاعل ؛ وزانا له على (ألم) ، في حين أن ( أُحِلَّ) في البيت مبني للمفعول بضم همزه وكسر حائه بحركة ما قبل الآخر المدغم ، \' وهو من أحله المكان وأحله به إذا أنزله فيه ، وليس معناه وجب ولا خرج \' [41] .
    ويقرأ القباج هذا الرد ؛ ولا يقتنع به ؛ فيصر على تأكيد ملحوظته قائلا : \' .. على أن (أحل) يصلح أن يفهم كما زعم وأراد ، ولكن الذوق السليم .. يأباه كل الإباء ، نحن نسأله إذا سلمناه مبنيا وأراد أن نجاريه في نحوياته : لم حذف فاعله ؟ ولم بناه للمجهول ؟ ولو أنصف واعترف بالحق لوضع (ألم) بدل (أحل) وترك الالتجاء إلى هذا الالتواء والبناء المنهار \' [42] .
    ويظهر من تساؤلات القباج أن الشكوك راودته بخصوص هذه الصيغة ، ولم يتأكد هو نفسه من خطأ الشاعر أو تأويله فالتجأ لمحمد المختار السوسي يسأله ويحكمه في تصحيح المسألة، يقول القباج : \' تطرق في رده ( يقصد الشنقيطي ) لكلمة (أحل) التي وردت في شعره ، وهو يريد حل بمعنى نزل ، فقلت له : لعلك تريد ( ألم ) ليستقيم لك الوزن والمعنى ، فلم يذعن .. ولم يجد سوى أن يقول : إن مقصودي ( أُحِلَّ ) بالبناء للمجهول . فهل لأخي أن يجيب فيبدي نظره السديد في هذه ؟ .. فـأيُّـنا المخطئ ؟ وهل ذلك البناء يجوز ؟ \' [43] .
    أما المدافع عن الشاعر علال الفاسي فقد كبر عليه أن يقول القباج إن فعل (حل) في شعر علال الفاسي يتعدى بحرف الجر بنفسه ، فلا محوج لأن تجعل في موضعه (أحل) ، فرد محتجا بأن (أحل) في البيت متعد لمفعول بنفسه ، ولمفعولين بواسطة حرف الجر ، وحذف المفعول المتعدي له بنفسه بدلالة المقام عليه . ومعنى البيت على هذا (دحرت موران لما جاء منتقدا دحرا أحل موران بنفسه بسببه في جحفل لجب \' [44] .
    ويقول محمود أبو الوفا صاحب ديوان (الأعشاب) :
    هَا هُمَا عَيْناكِ تُغْرِيـــــنِي عَلى شَتَّى الظُنُونِ
    فيلحظ ناقد رمز لاسمه بـ (أبو الطيب) أنه لا يصح أن يعود الضمير في (تغريني) مفردا على (عيناك) المثنى . والصواب – في نظره – أن يقول الشاعر : (تغرياني) [45] .
    ويقول محمد الحلوي :
    لا يَرُعْكَ العَدُوُّ يفْتِكُ بالشعْــــبِ ويَسْبي النِّساءَ والأيتَامَا [46]
    * * * * *
    يصْعدُ الآه مِنْ فَظائِعِه السّو دِ وَيَشكُو مِنْ عسْفِه الآلامَا [47]
    وحين يقرأ علي الصقلي هذين البيتين لا يستسيغ هذا الخلط في الضمائر ، ففي (يفتك) و(يسبي) ؛ في البيت الأول ؛ ضمير يعود إلى العدو ، ولكنه في (يصعد) ؛ بأثرهما في البيت الثاني ؛ أراده الشاعر أن يعود إلى الشعب ، رغم أن محور الكلام أو المسند إليه هو العدو [48] .
    ويستعمل علال الفاسي فعل (ابتاع) مكان (باع) في قوله :
    رَامُوا المَراتِبَ فابْتاعُوا دِيانَتَهُمْ كذاكَ يَفْعَلُ مَنْ يَغْترُّ بالرُّتَبِ [49]
    فيعلق (القباج) على هذا الاستعمال قائلا : \' إن اشترى لا نعرفه إلا بمعناه المعروف ، وضده ابتاع . والشاعر هنا يقصد بابتاع باع ، وهو الصحيح إن أراد أن يستقيم له المعنى \' [50] .
    ويرد (ع – ق) على الناقد ؛ مدافعا عن علال الفاسي ؛ فيعتبر أن في كلامه خلطا لا يستقيم معه الكلام ، فهو يقول : (إن اشترى لا نعرفه إلا بمعناه المعروف ، وضده ابتاع) ، والمعنى المعروف في اشترى الذي يقصده الناقد هو التملك من الغير بثمن ونحوه ، فيكون معنى ضده الذي هو ابتاع للغير كذلك ، ولا شك أن هذا هو مقصود الشاعر [51] .
    ويقول علال الفاسي :
    وَليْسَ عَليَّ إذا غَضبُوا وَكانُوا الوُشاةَ وَأرْدَى الوُشاةِ [52]
    فيلحظ (القباج) أن الشاعر استعمل فعل (أردى) في غير معناه ، فردي فلان يردى : هلك ، وهو لازم . فيكون المعنى : هم أكثر الوشاة ردى وهلاكا . ويرى الناقد أن المعنى الذي استعمله الشاعر بعيد أن يكون هو المقصود لبرودة معناه . وربما غرض الشاعر أن يقول : (وكانوا الوشاة وأكثر إرداء من الوشاة) ، فإن كان هذا ما يقصده الشاعر فالمعنى – في نظر القباج – لا يعطيه لأن هذا الفعل لا يبنى إلا من الثلاثي ، والثلاثي لا يسمح بهذا المعنى الغريب [53] .
    ويرفض (ع – ق) ؛ مدافع علال الفاسي ؛ هذه الملاحظة فيزعم أن (أردى) اسم تفضيل مأخوذ من (ردا) يردو كعلا يعلو بمعنى خبث ، فيكون معنى الشاعر : أردى الوشاة أخبثهم [54] .
    وحتى إذا أحسن الشاعر تصريف الفعل فإنه قد يلحق به أداة لا يجوز دخولها على الفعل ، ونموذج ذلك قول علال الفاسي :
    بَنِي الجَزائِرِ هُبُّوا مِنْ رُقادِكُمُ وَلتَسْتضِيئُوا بِنورٍِ أزْهَرِ الشُّهُبِ [55]
    فيشير (القباج) إلى أن دخول لام الأمر على فعل الفاعل المخاطب نادر [56] .
    ويضطر (ع – ق) للدفاع عن شاعره مرة أخرى ، فيعتبر أن مثل كلام الشاعر وارد في كلام العرب بكثرة ، ومنه قوله تعالى في قراءة يعقوب وعثمان وأبي وأنس وزيد : (فبذلك فليفرحوا) [ يونس – 58 ] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم :(لتأخذوا مصافكم) ، فكيف يمكن أن يكون مثل هذا التركيب نادرا [57] .
    * واهتم نقاد المغرب بمسألة لغوية دقيقة هي صيغة الجموع ، فلاحظوا أن الشعراء يسيئون استعمالها . ومن نماذج ذلك قول الشاعر عبد الكريم التواتي :
    وَهُنا – يَا دُنيايَ – ذاقَا أطاييِــــبَ الأمَانِي فِي صَبْوَةِ الرنَّاتِ [58]
    فيقول الناقد (محمد الحلوي) معلقا : \' نقرأ البيت فلا نلبث أن نتعثر بهذه الياء في (الأطاييب) ، وهي ياء طفيلية لا تقرها العربية إذ أن الكلمة جمع لأطيب كأفضل وأرذل ، ولعل النغم الشعري تحكم في الشاعر فضغط على الكلمة ضغطة تمخضت عن هذه الياء غير الطيبة\' [59] .
    ومحمد الحلوي نفسه يقول :
    كُلَّما هَالَهُ اقْتِحامُ المَنايَا فِي مَجالاتِها وَهابَ الصِّدامَا [60]
    فيتصيد (علي الصقلي) هذا الخطأ ويتساءل عن (مجالات) : من أين لها هذا الجمع ، يقول: \' أهو قياس على مقامات والقياس – فيما أعلم – هنا لا يجوز ، أم هو محض ابتكار شخصي ؟ فاللغة لا تعرف هذا الجمع \' [61] .
    ويأتي الرد من الحلوي سريعا ، فيذهب إلى أن الكلمة ليست غريبة ، وأن جمعها صحيح . ويعتمد في ذلك على (القاموس) و(القطر المحيط) و(أقرب الموارد) ، فقد جاء في هذه القواميس في مـادة (راض) (المراض) : مكان صلب في أسفل السهل يمسك الماء ، جمع (مرايض) و(مراضات) . وجاء في نفس المصادر في مادة ( نام المنام ) : النوم وموضعه ، وما يراه النائم ، جمع (منامات) . وفي (المنجد) جمع (المرام) على (مرامات) . وفي (القطر المحيط) جمع ( المزار) على ( مزارات) . وورد في ( أقرب الموارد) : (لمغار) ..جمع (مغاور) و(مغارات) و(المقام) ومنه (المقامات) .
    وليس غرض الحلوي من إثبات هذا الجمع لهذه النظائر التي هي واوية العين كالمجال سوى أن يؤكد للناقد أهلية المجال لهذا الجمع مثل أخواته .
    ويقول محمد الحلوي :
    وارْمِهَا يَا فَتَى الجَزائِرِ نَاراً تسكِنُ الداعِرَ الأثِيمَ الرجَامَا [62]
    فينظر علي الصقلي في هذا البيت من الناحية التركيبية فيستنكر على الشاعر عدم التوازن بين (الذاعر) المـفـرد و (الرجام) وهو جمع ، ويتساءل: \' أمن البلاغة أن نقول مثلا : فلان ما أطيب نفوسه وأرق قلوبه ، أو فلان سكن منازل ودخل حجرات ، تريد سكن منزلا ودخل حجرة؟\'[63].
    ويضطر الشاعر للدفاع عن نفسه فيلجأ إلى القرآن الكريم ؛ مقياس الفصاحة ومنبع البلاغة؛ فيستنبط منه قوله تعالى (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم) -[النحل– 108 ] - ، ومنه : (أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤوا ضلاله عن اليمين والشمائل)- [النحل – 48 ] - ، يقول الحلوي : \' جمع القلوب والأبصار وأفرد السمع .. ولو كان الأحسن أن يوازن بين الجمع والإفراد موازنة لفظية لجمعهما معا أو أفردهما معا \' [64] .
    ويؤاخذ صاحب (الوسيط في تراجم أدباء شنقيط) الشاعر الأحول في مسألة جمع (صحراء) على (أصحار) ، وذلك – في نظره – خطأ لا يفوقه إلا خطأ أولئك الذين يريدون كتابة الكلمة (أسحار) ، فيصلحون اللفظة ويفسدون المعنى [65] .
    ويرفض (محمد بن أحمد حكم) جمع (كاعب) على (كعاب) كما وردت في قصيدة (الوادي) لعبد العزيز بنعبد الله . والصحيح- في نظره – جمعها على (كواعب) [66] .
    وينتقد الإلغيون قول محمد المختار السوسي :
    مُتباشِرينَ جَمِيعهُمْ قَدْ صَيّرُوا خَيْرَ التَّحَايا بَيْنَهُمْ سُفَراء
    لأن (جميع) لا يكون – في نظرهم – حالا مع الإضافـة ، كما أنه لا مطابقة بين الـمفرد (خير) والـجمع (سفراء) [67].
    * ومن مآخذ النقاد على الشعراء إدخال (أل) التعريف على الممنوع من الصرف ، ومن نماذجه قول الشاعر الطاهر الإفراني :
    أمَّا الإمَامُ مُحَمَّدُ المُخْتار ســـــيِّدنَا فَقَدْ أنْسَى الذكَاء ذكَاء
    فانتقده بعض الإلغيين لدخول \' أداة التعريف على ذكاء الأول ، وهي علم الشمس ممنوع من الصرف \' [68] .
    تكشف النماذج السابقة أن نقادنا موسوعيو العلم والثقافة ، فهم لا يتركون حقيقة من حقائق النص إلا فسروها ، وبذلك اهتموا بالجوانب التي تهم الفعل من ناحية تعديته أو لزومه أو تصريفه ، كما اهتموا باللفظ من ناحية إفراده أو جمعه أو اشتقاقه . وإصرار نقادنا على تقديم مثل هذه المعلومات يجسد تلك الصلة بين المعجم وعلم الصرف من جهة ، وبينه وبين علم النحو من جهة أخرى [69] ، إذ أدركوا أهمية هذا الأخير في تبين أصول المقاصد . وقد ساعدهم في ذلك ثقافتهم التي كان لها أكثر من وجهة إذ كانوا نقادا وشعراء وأدباء في الوقت الذي كانوا فيه لغويين ونحاة ، فاستطاعوا أن يخترقوا عالم هتك الأشعار ، فجمعوا في ذلك بين العلم اللغوي والنظر النقدي الثاقب ، وهذا ما نتج عنه ما يسمى بالنقد اللغوي الذي يعتبر أساسيا في التحليل والتقويم[70].
    هوامش :
    [1] - في الأدب والنـقد : محمد مندور – ص 22 - دار نهضة مصر للطبع والنشر – القاهرة – ط 1978 .
    [2] - المقالة الأدبية في المغرب ( 1956 – 1980 ) : عبد الإله تازوت – ص : 269 – رسالة مرقونة بالرباط نوقشت عام 1987
    [3] - الرسالتان الشوقية والبونعمانية – ص : 142 143 .
    [4] - خل وبـقل – ص : 203 .
    [5] - شعرية القصيدة المغربية : مصطفى الشليح – ص : 148 – أطروحة مرقونة بالرباط ، نوقشت عام 1997 .
    [6] - ديوان زكي مبارك – مجلة السلام – ج 5 – شوال 1352 - فبراير – 1934 – ص : 44 .
    [7] - حول ديوان زكي مبارك – السلام – ج 7 – ذو الحجة 1352 - أبريل 1934 – ص : 66 وما بعدها .
    [8] - ديوان زكي مبارك – مجلة المغرب – ع 17 – ذو القعدة 1353 - فبراير – 1934 – ص : 14 .
    [9] - ديوان زكي مبارك – السلام – ج 5 – فبراير – 1934 – ص 67 – 68 .
    [10] - حول ديوان زكي مبارك - ( مقال سابق ) .أنظر البيت في شرح ابن عقيل – المجلد الثاني – ج 3 – ص : 56 – تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد – دار الفكر – ط 6 – 1979 .
    [11] - نفسه .
    [12] - ديوان زكي مبارك – مجلة المغرب – ع 17 – فبراير – 1934 – ص : 14 .
    [13] - الشطر في شرح ابن عقيل – مج 2 – ج 3 – ص : 57 .
    [14] - عبد الله بن العباس الجراري الأديب – ص : 184 – منشورات عكاظ – الرباط – 199 .
    [15] - ديوان زكي مبارك - ( مقال سابق ) .
    [16] - حول ديوان زكي مبارك - ج 7 – أبريل 1934 – ص : 68 .
    [17] - ديوان زكي مبارك : عبد الله كنون .
    [18] - حول ديوان زكي مبارك : عبد الله الجراري – السلام – ج 7 – أبريل 1934 – ص : 67 .
    [19] - العدد الماضي في الميزان – دعوة الحق – ع 3 – س 2 – جمادى الأولى 1378 - دجنبر 1958 – ص :64 .
    [20] - إصلاح الميزان – دعوة الحق – ع 4 – س 2 – رجب 1378 - يناير 1959 – ص : 67 .
    [21] - العدد الماضي في الميزان : فريد رمضان – ( مقال سابق ) .
    [22] - إصلاح الميزان : علال الفاسي .
    [23] - العدد الماضي في الميزان : فريد رمضان .
    [24] - إصلاح الميزان : علال الفاسي .
    [25] - نفسه .
    [26] النقد التطبيقي للشعر .. : شريفة حافظي – ص : 86 – ( مرجع سابق ) .
    [27] - قصيدة موكب الربيع – دعوة الحق – ع 10 – س 1 – رمضان 1377 – أبريل 1958 – ص : 42 .
    [28] - حول قصيدة موكب الربيع – دعوة الحق – ع 11 – س 1 – شوال 1377 - مايو – 1958 - ص : 47.
    [29] - قصيدة موكب الربيع – ( المصدر السابق ) . ( نقل الناقد الحلوي البيت الأول خطأ ، فقال : فيسر الشطآن والورد تحايا الربيع في همسات – انظر مقال ( حول قصيدة موكب الربيع ) – ( مقال سابق ) .
    [30] - حول قصيدة موكب الربيع – ص : 46 .
    [31] - الحلوي في جريدة العلم - رسالة المغرب – ع 4 – س 6 - محرم 1367 - دجنبر 1948 – ص : 340 .
    [32] - نفسه – ص : 341 – 342 .
    [33] - النقد الأدبي الحديث في المغرب العربي : محمد مصايف – ص : 62 – 63 .
    [34] - باقة شعر : عبد الملك البلغيثي – ص : 46 – 47 .
    [35] - باقة شعر : عبد الرحمن الفاسي – رسالة المغرب – ع 4 – س 6 – محرم 1367 – دجنبر 1947 – ص : 256 وما بعدها .
    [36] - حول قصيدة في الوادي - رسالة المغرب – ع 5 – 10 محرم 1363 - 7 يناير – 1944 – ص : 112 .
    [37] - نفسه .
    [38] - ديوان علال الفاسي – ج 1 – ص :43 .
    [39] - لذعات بريئة : الشنقيطي – مجلة المغرب – ع 6 – شعبان 1353 - نونبر 1934 – ص : 7 .
    [40] - لذعات بريئة : شاعر الشباب – مجلة المغرب – ع 5 – فبراير 1935 – ص : 13 .
    [41] - ليس هذا بعشك فادرجي - مجلة المغرب – ع 5 – أكتوبر 1934 – ص :8 وما بعدها .
    [42] - لذعات بريئة : الشنقيطي – مجلة المغرب – ع 6 – نونبر 1934 – ص : 6 .
    [43] - نضائد الديباج في المراسلات بين المختار والقباج – ( مخطوط ) .
    [44] - رد على نقد : ( ع – ق ) – مجلة المغرب – ع 3 – صفر 1354 - يونيو 1935 – ص : 16 .
    [45] - دراسة لديوان الأعشاب – مجلة المغر– ع 4 – س 4 – محرم 1354 - أبريل – 1935 – ص : 9 .
    [46] - أنغام وأصداء – ص : 118 .
    [47] - صرخة الجزائر – دعوة الحق – ع 11 – س 1 – شوال 1377 – مايو 1958 – ص : 20 .
    ملحوظة :بيت حذفه الشاعر من قصيدته عند نشره ديوان أنغام وأصداء .
    [48] - على هامش صرخة الجزائر : علي الصقلي – دعوة الحق – ع 12 – س 1 – ذو القعدة 1377 يونيو – 1958 –ص135 .
    [49] - ديوان علال الفاسي – ج 1 – ص : 43 .
    [50] - شاعر الشباب – مجلة المغرب – ع 5– فبراير 1935 – ص : 11.
    [51] - رد على نقد – مجلة المغرب – ع 3 – يونيو - يوليوز – 1935 – ص 12 .
    [52] - ديوان علال الفاسي – ج 1 – ص : 46 .
    [53] - شاعر الشباب – مجلة المغرب – ( مقال سابق ) .
    [54] - رد على نقد – ( مقال سابق ) .
    [55] - ديوان علال الفاسي – ج 1 – ص : 44 .
    [56] - شاعر الشباب – ( مقال سابق ) .
    [57] - رد على نقد – ( مقال سابق ) .
    [58] - موكب الربيع – دعوة الحق – ع 10 – أبريل 1958 – ص : 42 .
    [59] - حول قصيدة موكب الربيع – دعوة الحق – ع 11 – س 1 – شوال 1377 - مايو 1958 - ص 47 .
    [60] - ديوان أنغام وأصداء – ص : 120 .
    [61] - على هامش صرخة الجزائر – دعوة الحق – ع 12 – س 1 – يونيو 1958 – ص : 135 .
    [62] - صرخة الجزائر – دعوة الحق – ع 11 – شوال 1377 – مايو 1958 – ص : 20 .
    ملحوظة : عند نشر ديوان أنغام وأصداء صاغ الحلوي هذا البيت صياغة جديدة ، فقال :
    وارمها من بنادق الله نارا تسكن الداعر الأثيم الرجاما – الديوان – ص : 118 .
    [63] - رد على تعقيب – دعوة الحق – ع 1 – س 2 – ربيع الأول 1378 – شتنبر 1958 – ص : 83 .
    [64] - تعقيب – دعوة الحق – ع 1 – س 2 - ربيع الأول 1378 -شتنبر 1958 – ص : 80 .
    [65] - الوسيط في تراجم أدباء شنقيط : أحمد الشنقيطي – ص : 304 – 305 .
    [66] - حول قصيدة الوادي : محمد بن أحمد حكم – رسالة المغرب – ع 5 – 7 يناير 1944 – ص : 113 .
    [67] - الرسالتان .. : محمد المختار السوسي – ص 144 .
    [68] - نفسه .
    [69] - النقد التطبيقي للشعر .. : شريفة حافظي – ص : 95 .
    [70] - شعرية القصيدة المغربية : مصطفى الشليح – ص : 166 .


  2. #2
    أديب وناقد وباحث
    عضو القيادة الجماعية
    الصورة الرمزية عبد الرحمان الخرشي
    تاريخ التسجيل
    10/04/2008
    المشاركات
    1,024
    معدل تقييم المستوى
    10

    Post رد: قضايا لغوية في النقد المغربي الحديث

    بسم الله الرحمن الرحيم


    الدكتور المبجل الكريم بعلمه وعمله :
    (( محمد يحيى قاسمي ))


    حفظك الله ورعاك .


    دراسة قيمة جدا ، على مقاس جدك ، واجتهادك ، وبحثك المتواصل ، ونبوغك ، واتزان أحكامك النقدية العميقة ، المبنية على عدم رضاك - كما عهدتك - بقراءة (( السندويتش )) وكتابة (( بيت العنكبوت )) عند جل من ركبوا صهوة النقد من منبر الجامعة المغربية بخاصة ، والجامعات العربية بعامة .. فكان منهم الموظف .. وانهدم فيهم ، وفي ذواتهم وتكوينهم الباحث ، الصابر ، على مايتطلبه البحث ...

    وهذا الأخير - وأنت أنموذجه الحق لامحالة - يتلذذ بثمرات جـَهـْـدِه ، وجـُـهـْـدِه ، المبنيان على البحث الرصين ، الممنهج ضمن دائرة معرفية بناءة حقا .



    بوركت أخي .



    تثبت



    تقديرا لمجهود صاحبها فيها .



    ***




    .

    كــــن جــمــيـــــلا تــر الـوجــــود جــمــيـــــلا
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    ..

  3. #3
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    22/05/2009
    المشاركات
    104
    معدل تقييم المستوى
    15

    افتراضي رد: قضايا لغوية في النقد المغربي الحديث

    دراسة قيمة تستحق الثناء والشكر ايها الصديق


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •