الوداع الدَّائم ...


د. شاكر مطلق

عجيب حقاً أمر الإنسان , الذي يلقِّب نفسَه – بكثير من الغرور – بـ " الكائن الأسمى " .
وأعجب من هذا ذلك الحلم الفريد المسمى بـ " الحياة" .
نجيء , دون علمنا ودون إرادتنا لنلعب دوراً ما على مسرح هذه الحياة .
إننا كالدمى نتحرك على خشبة هذا المسرح لنلعب دوراً أُنيط بنا , وإن كنا قد شاركنا , ولو جزئياً في هذا الدور .
عندما يحين الوقت وننسحب , أو نُسحَبُ – أيضاً دون إرادة منا من على تلك الخشبة العجيبة – نكون قد خلفنا وراءنا أثراً , قد يكبر أو يصغر , فليس من المهم لنا , بعد انطفاء الأنوار إن كنا قد لعبنا دور البطل أو " الكومبارس " , فالأمر في المحصلة – على مسرح العبثية – سِيّان .
إننا دوماً في حالة وَداع مستمرٍ :
نودع أحلاماً لم تتحقق .
نودع أناساً أحببناهم , ولم نعرف ذلك إلا بعد أن ابتعدوا عنا إلى ما يسميه الهنود الحمر بـ " مَواطن الصيد " الأزلي .
نودع أوطاناً , لم يعد فيها متسع لطيور " تغرد خارج السرب " فتبحث لنفسها عن فضاء جديد , وتجد نفسَها دوماً في الصحراء , فلا جنة هناك خارج الأوطان .
من الأمور التي تحز في النفس كثيراً , في نفسي على الأقل , هي الفراق الأبدي من بعض الأصدقاء الأوفياء , الذين يترك غيابهم في الروح " ثقباً أسوداً " , يبتلع كلَّ شيءٍ , بدءاً من الأيام المشمسة أو المقمرة ووصولاً إلى الذكريات .
إنه يأخذ جزءاً منا , نحن الباقون على مسرح الحياة , جزءاً لا يمكن أن تعوض عنه صداقات جديدة أو علاقات عابرة , وتدريجياً نجد المسرح قد خلا من المعروف والمألوف لدينا , ما عدا القليل , ونجد نفسنا نؤدي الدور بين أشكال وأناس غرباء عن الروح , مما يزيد في عمق الشعور بالمأساة وبعبثية الكينونة أيضاً .
الحديث في هذه الشجون طويل ولكن الصمت أجدى .
إنها مجرد كلمة حب أخطها لذكرى صديق عمر , تجاوزت فيه صداقتنا النصف قرن , وكنا قبل أسابيع قليلة على شاطئ البحر , نتحدث في أمور تعود إلى زمن الحلم الأول , الذي لم ينتهِ فينا بعد , على ما يبدو . وعاد إلى حيث درسنا سوياً وسكنا معاً وعملنا هناك , وعدت إلى الوطن وعاد , ورجع وبقيت , وعاد إلى ألمانيا ليموت فيها قبل أيام قليلة , وإن كان يرغب أن يدفن في أرض , " أم الحجار السود " .
تحية لذكرى صديق العمر الدكتور المرتحل " زهير جرايحي " .

حمص – سورية 4/ 7 / 2009 .