طرح الأخ أسامة أمين ربيع قبل الأحداث الأخيرة التي ألمت بالجمعية للنقاش ترجمة الكلمة الإنكليزية Respectively و الفرنسية Respectivement, وقد أجريت بعض الأبحاث التي أرجو أن تساعدنا على الوصول إلى الترجمة المناسبة.
إذا أردنا أن نعرف أي تعبير أفصح وأصح (على الترتيب, على التوالي, على التتالي, على التتابع) لترجمة الكلمة الإنكليزية Respectively أو الفرنسية Respectivement فعلينا أن نراجع كتب البلاغة المعتمدة.
جاء في (الإيضاح في علوم البلاغة) لـ(الخطيب القزويني) في باب (المقابلة):
ودخل في المطابقة ما يخص باسم المقابلة وهو أن يؤتى بمعنيين متوافقين أو معانٍ متوافقة ثم بما يقابلهما أو يقابلها على الترتيب, والمراد بالتوافق خلاف التقابل. وقد تتركب المقابلة من طباق وملحق به. مثال مقابلة اثنين باثنين قوله تعالى: (فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً). وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه, ولا ينزع من شيء إلا شانه).
ومثال مقابلة ثلاثة بثلاثة قول أبي دلامة:
ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا******* وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل
ومثال مقابلة أربعة بأربعة قوله تعالى: (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره باليسرى, وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى).
قيل وفي قول أبي الطيب:
أزورهم وسواد الليل يشفع لي****** وأنثني وبياض الصبح يغري بي
مقابلة خمسة بخمسة على أن المقابلة بين لي وبي, وفيه نظر لأن اللام والباء فيهما صلتا الفعل, فهما من تمامهما.
وجاء في خزانة الأدب وغاية الأرب لـ( ابن حجة الحمي) في (ذكر المقابلة):
المقابلة أدخلها جماعة في المطابقة, وهو غير صحيح, فإن المقابلة أعم من المطابقة, وهي التنظير بين شيئين فأكثر وبين ما يخالف وما يوافق, فبقولنا وما يوافق صارت المقابلة أعم من المطابقة, فإن التنظير بين ما يوافق ليس بمطابقة, وهذا مذهب زكي الدين بن أبي الأصبع, فإنه قال: (صحة المقابلات عبارة عن توخي المتكلم بين الكلام على ما ينبغي فإذا أتي بأشياء في صدر كلامه أتى بأضدادها في عجزه على الترتيب بحيث يقبل الأول بالأول والثاني يالثاني لا يخرم من ذلك شيئاً في المخالف والموافق, ومتى أخل بالترتيب كانت المقابلة فاسدة). قد تكون المقابلة بغير الأضداد, والفرق بين المطابقة والمقابلة من وجهين أحدهما أن المطابقة لا تكون إلا بالجمع بين ضدين والمقابلة تكون غالباً بجمع بين أربع أضداد, ضدان في صدر الكلام وضدان في عجزه, وتبلغ إلى الجمع بين عشرة أضداد خمسة في الصدر وخمسة في العجز. والثاني أن المطابقة لا تكون إلا بالأضداد والمقابلة بالأضداد وغير الأضداد, ولكن بالأضداد أعلا رتبة وأعظم موقعا.
ومن معجزات هذا الباب قوله تعالى: (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله). فانظر إلى مجيء الليل والنهار في صدر الكلام, وهما ضدان, ثم قابلهما في عجز الكلام بضدين, وهما السكون والحركة على الترتيب.
وجاء في (ذكر الطي والنشر):
الطي والنشر هو أن تذكر شيئين فصاعداً إما تفصيلاً فتنص على كل واحد منهما, وإما إجمالاً فتأتي بلفظ واحد يشتمل على متعدد وتفوض إلى العقل رد كل واحد إلى ما يليق به لا أنك تحتاج أن تنص على ذلك.
ثم إن المذكور على التفصيل قسمان, قسم يرجع إلى المذكور بعده على الترتيب من غير الأضداد لتخرج المقابلة فيكون الأول للأول والثاني للثاني, وهذا الأكثر في اللف والنشر والأشهر, وقسم على العكس وهو الذي لا يشترط فيه الترتيب ثقة بأن السامع يرد كل شيء غلى موضعه تقدم أو تأخر.
أما المذكور على الإجمال فهو قسم واحد لا يتبين فيه ترتيب ولا يمكن عكسه, ومثاله أن يقول: (لي منه ثلاثة بدر وغصن وظبي).
ثم يورد المؤلف مثال اللف والنشر المفصل المرتب قوله تعالى: (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله), فالسكون راجع إلى الليل والابتغاء راجع إلى النهار.
وجاء في لسان العرب: (التابعُ) تعني (التَّالـي), وتوالَـى الشيء: تتَابَع, وتَتَابَعَتِ الأشياءُ: تَبِعَ بعضُها بعضاً.
وما خلصت إليه أن العرب قد تستخدم (على الترتيب) لمقابلة أمرين أو أكثر للتأكيد على أهمية الترتيب وعدم ترك الأمر مفتوحاً لاجتهاد السامع أو القارئ, فيكون الأول للأول, والثاني للثاني, والثالث للثالث, وهلما جرا. لكن العرب لم تستخدم (على التوالي) و(على التتالي) في المقابلة أو في الطي والنشر إلا في كتابات المتقدمين, ولم يرد استخدام (على التتابع) فيما أعلم. ولما كانت Respectively و Respectivement تدلان على المقابلة والترتيب, كانت (على الترتيب) خير ترجمة لهن, ولا مانع من استخدام (على التوالي) فهي تفيد المعنى نفسه, لكن (على الترتيب) أقوى وأفصح. والله أعلم.
المفضلات