"أنقذونا من اللواء الأردني انهم يتقدمون باتجاهنا ولا يعرفون التراجع ونحن نخلي مواقعنا لهم" هذا التسجيل التقطته كتيبة الاستطلاع السورية للضباط الصهاينة وهم يصرخون مخاطبين قادتهم، وقد سلم التسجيل الى قائد اللواء الأردني (40) بعد انتهاء هذه المعركة في الغروب من قبل العماد مصطفى طلاس وزير الدفاع السوري.


ما أن اندلعت الحرب في يوم 6 تشرين الأول عام 1973 بين مصر وسوريا من جهة وإسرائيل من جهة أخرى حتى قام الأردن بوضع قواته تحت درجة الاستعداد القصوى (الانذار الفوري) اعتباراً من الساعة 1420 من ذلك اليوم وصدرت الأوامر لجميع الوحدات و التشكيلات بأخذ مواقعها حسب خطة الدفاع المقررة وكان على القوات الأردنية أن تؤمن الحماية ضد أي اختراق للقوات الإسرائيلية للجبهة الأردنية والالتفاف على القوات السورية من الخلف كما كان عليها الاستعداد للتحرك إلى الأراضي السورية أو التعرض غرب النهر لاستعادة الأراضي المحتلة في حال استعادة الجولان وسيناء من قبل القوات السورية والمصرية وأدت الإجراءات هذه إلى مشاغلة قوات العدو الإسرائيلي فالجبهة الأردنية من أخطر الجبهات وأقربها إلى العمق الإسرائيلي هذا الأمر دفع إسرائيل إلى الإبقاء على جانب كبير من قواتها تحسباً لتطور الموقف على الواجهة الأردنية

ونظراً لتدهور الموقف على الواجهة السورية ورغم عدم إعلام الأردن بالحرب قبل وقوعها فقد تحرك اللواء المدرع 40 الأردني إلى الجبهة السورية فأكتمل وصوله يوم 13 تشرين الأول عام 1973 وخاض أول معاركه يوم 16 تشرين الأول حيث وضع تحت إمرة الفرقة المدرعة 3 العراقية فعمل إلى جانب الألوية العراقية وأجبر اللواء المدرع الضارب 40 القوات الإسرائيلية على التراجع 10 كم .

أهمية المشاركة الأردنية في حرب 1973 :

على الرغم من محدودية المشاركة الأردنية في حرب 1973 إلا أنها كانت إيجابية وفاعلة على المستويات الإستراتيجية والمعنوية ويمكن تلخيص هذه الأهمية بما يلي:

(أ) إشغال جزء من القوات الإسرائيلية على طول امتداد الجبهة الأردنية وحرصها على تعزيز قواتها على الجبهتين السورية والمصرية .

(ب) حرمان العدو الإسرائيلي من الالتفاف على الجزء الأيسر للقوات السورية وذلك من خلال تأمين القوات الأردنية الحماية لمحور درعا ودمشق والجناح الأيسر للقوات السورية .

(جـ) تثبيت القوات الإسرائيلية في الجولان بمساعدة القوات العراقية ومنعها من تطوير عملياتها الهجومية وإجبارها على التحول إلى وضعية الدفاع .

(د) تعميق مفهوم العمل العربي المشترك وتفعيله وتطبيقه على أرض الواقع .

نتائج الحرب على الأردن :

كان للحرب نتائج إيجابية على الأردن ومنها :

(أ) إعادة العلاقات التي كانت مقطوعة بين الأردن وبعض الدول العربية .

(ب) استئناف المساعدات العربية التي كانت مقطوعة عن الأردن .

(جـ) تحريك القضية الفلسطينية على المستوى السياسي .

من خلال متابعاتي لما أوردته وسائل الاعلام الناطقة بالعربية على اختلاف ألوانها وشعاراتها وخاصة المرئية منها والمقابلات التي أجروها في تغطيتهم لحرب تشرين 1973 لم أجد أي محلل عسكري أو خبير استراتيجي يتعرض بشكل تفصيلي ودقيق لمجريات سير المعارك للجيوش العربية المساندة والمشتركة مع الجيشين السوري والمصري ابان الحرب 1973 .

فالأردنيون لهم حضور كبير في هذه الحرب فقد كان لهم فرقة مدرعة مجحفلة وكذلك العراقيون الذين أسهموا ودفعوا بثلاثة أرباع قواتهم الجوية المقاتلة + ثلثي قواتهم المدرعة وخمس وحدات المشاة ناهيك قطعهم لمسافة ألف كيلو متر حتى وصولهم لأرض المعركة في الجولان على الجنزير والعجلات والذي يشهد لهم القاصي والداني ببطولاتهم فقد ضربوا العدو الصهيوني ضربات موجعة وسقط منهم مئات الشهداء

ولو قدر وتواجدت القوات العراقية والأردنية على الجبهة السورية قبل الحرب لتغير مجرى الحرب وتم تحرير الجولان بأكمله

وكذلك المغاربة لواء مدرع أبلى بلأ حسنا خاصة في معارك جبل الشيخ

وكذلك الأخوة السعوديون والكويتيون الذين قاتلوا ببسالة وشجاعة

ولأنني شاهد في هذه الحرب ومشارك بها من خلال مشاركة اللواء المدرع الأردني 40 ( كاتب هذه السطور كان يومها ضابط برتبة ملازم ) قائد فصيل دبابات وقائد النفيضة( القوة الأمامية للواء) سأكتب اليوم ويقينا" أن الكتابة عن الأعمال الخالدة تبقى دائما محاولة دون مستوى الوصول الى كبد الحقيقة لأن تاريخ البطولات المسطر بالدم أبلغ من أي تاريخ مسطر بالمداد"

وأن مشاركة اللواء المدرع الأردني40 في حرب تشرين1973 تستحق أكثر من هذه الكتابة من قبل المحللين والمختصين تماما كما تستحق بطولات الجيش المصري والسوري ان يكتب عنها فهؤلأ رفعوا رأس الأمة عاليا "لهم منا جميعا" الشكر والعرفان ورحم الله شهداء الأمة العربية والذين هم أنبل وأكرم من في الوجود فقد سطروا بدمائهم الزكية أروع ملاحم البطولة والفداء والتضحية وجادوا بأغلى ما يملكون.

ان مشاركة القوات الأردنية الباسلة في حرب تشرين 1973 تعتبر حدثا مجيدا وعريقا في تاريخ النضال العربي وتاريخ الحروب بشكل عام كما هو بقية الدول العربية الحبيبة فنحن أمة واحدة ذات رسالة خالدة وان ما يجمعنا في أوقات الشدة دليل قاطع على وحدة الأمة من المحيط الى الخليج وان ترآء غير ذلك للعيان .

في مساء يوم 12-10-1973 وبعد 6أيام من بدء المعارك وبعد أن تدهور الوضع على الجبهة السورية نتيجة قيام القوات الاسرائيلية بهجومها المعاكس يوم 11-10 ب75%من قواتها الجوية والبرية بعد ان نقلت هذه القوات من الجبهة المصرية وأكملت دعوة الاحتياط وزجتها في معركتها مع الجيش السوري البطل تراجعت القوات السوريه مشكلة "وضعية الدفاع"

طلب المرحوم الرئيس حافظ الأسد من الملك حسين يرحمه الله أن يسارع الى نجدته لأن الوضع على الجبهة أصبح صعبا للغاية .

استجاب الملك حسين فورا وأمر بتحريك أقوى لواء مدرع في الجيش الأردني وهو اللواء المدرع 40 وهو من أشرس وأعنف وحدات القتال المدرعة الأردنية يقوده العميد الركن المرحوم خالد هجهوج المجالي وهو من خيرة وصفوة القادة الأردنيين البواسل

وبعد الغروب من يوم 12-10-1973تحرك اللواء40على الجنزير باتجاه الحدود السورية

وفي منطقة التوقف للتزويد الاداري على الحدود وفي منتصف الليل فوجئنا بوجود القائد الأعلى الملك الحسين طيب الله ثراه بيننا مودعا وموصيا ببذل كافة الجهود والطاقات لمساعدة أشقائنا السوريين ولا فرق بين الأرض السورية أو الأردنية وأن نحمي أرضنا بأرواحنا ودمائنا وأن يكون لنا احدى الحسنيين اما النصر واما الشهادة

كانت كلماته الصادقة المختزنة في أعماق وجدانه نبراسا يضيئ لنا الطريق ودخلنا الى منطقة الحشد في الأرض السورية مرورا بمدينة درعا والتي خرجت عن بكرة أبيها لاستقبالنا رجالا ونساء وأطفالا وتحت هدير جنازير الدبابات كانت أصوات التحية والترحيب تهدر أيضا فرحا بالتلاحم العربي فالمصير واحد بلاد العرب أوطاني من الشام لبغداني .

منطقة الحشد:

محافظة درعا (جنوب سوريا) الشيخ مسكين ، نوى ، الحارة ، نبع الصخر وهي تبعد عن دمشق 100كيلومتر وتعتبر منطقة سهلية منبسطة تتبع الى سهل حوران المنبسط وبهذا تكون القوات المتواجدة بها مكشوفة عارية

الا أن القوات الأردنية لم تتعرض الى أي غارة جوية اسرائيلية وذلك بفضل أسلحة ومنظومة الدفاع الجوي السوري القوية والتي كانت تسقط أي طائرة تعترض مجالها.

كانت معنويات اللواء المدرع 40 عالية جدا ومتلهفين للقاء العدو وما ان اكتمل حشد اللواء مساء يوم 13 تشرين أول حتى بدأ وضع الخطط العسكرية وحسب الموقف الراهن على جبهة القتال وأبلغت القيادة السورية بجهوزية اللواء التامة للقيام بالهجوم على القوات الاسرائيلية وطردها من المواقع التي احتلتها من جباتا الخشب وخان ارينبه القريبة من القنيطرة وشرقا الى سعسع

وساحة العمليات هذه منطقة وعرة جدا تحد من حركة الدبابات جزئيا ، منطقة بركانية مليئة بالتلال الصخرية الصغيرة والرجوم الحجرية والحجارة الكبيرة المتناثرة بين جنباتها ، وتكاد الطرق ان تكون معدومة ،

سير المعارك :

وضع اللواء المدرع40 تحت امرة الفرقة المدرعة العراقية 3 والتي وصلت الى الجبهة السورية قبل وصوله بيومين وتموضع اللواء 40على يسار الفرقة العراقية وتم التخطيط للقيام بهجوم معاكس على القوات الاسرائيلية في قاطع ( سعسع وتل عنتر وجباتا الخشب وخان أرينبة ) حيث بدأ الهجوم فجر يوم 16-10-1973

بعد قصف مدفعي هائل من المدفعية الأردنية والمدفعية العراقية والسورية تقدم اللواء المدرع 40 على القاطع المخصص له وجنوده وضباطه متلهفون للتماس مع العدو ، اصطدمت مقدمة اللواء بالعدو حيث دمرت له 4 دبابات و3 عربات جيب يعتقد بأنها عربات تقل ضباط يهود حيث بعدها بدأ العدو بالتراجع سريعا

وهنا طلب قائد الكتيبة الرائد حامد أبو جاموس على الجهاز الاسلكي من جميع القادة الانتباه والحذر أثناء متابعة التقدم وأن نعمل على تدمير جميع ألأهداف الموجودة أمامنا

حينها كانت المدفعية الاسرائيلية تقصف قواتنا وبشدة بمدفعية هاوزر175ملم و203ملم ولكن حركتنا وسرعة المناورة جعلت قصف العدو عشوائيا وكانت مدفعيتنا ترد على مصادر النيران (30 كتيبة مدفعية اشتركت في هذا القصف المرعب )

تابعنا التقدم وبعد قليل شاهدنا كتل نارية تتلوى أثناء مسيرها باتجاهنا يمنة ويسرة أعلى وأسفل حتى اصطدمت بدبابتين من دباباتنا مما أدى الى حرقهما واستشهاد من فيهما كان سلاحا جديدا مقاوما للدبابات لم يستخدم بعد عرفنا فيما بعد بأ ن أمريكا زودت به اسرائيل واسمه ( م.د تو) يوجه على الهدف بواسطة سلكين يتحكم به الرامي ويوجهه حيث يريد وأن مداه يصل الى 4 كيلو متر بينما كان مدى دباباتنا 3 كيلو متر

وكان لابد من وضع خطة سريعة وآنية فورية من قبل قائد اللواء والذي كان يدير المعركة بيننا للقضاء على هذا السلاح الرهيب

تفتقت عقلية قائد اللواء المرحوم خالد هجهوج المجالي سريعا وميدانيا فطلب من جميع القادة التحصن جيدا وانتظار الأوامر مجددا ثم ما هي الا ثلاث دقائق حتى بدأت المدفعية الأردنية بقصفها المركز والعنيف على كل ما يتحرك للعدو حيث بدأت المدفعية تصب حممها وغضبها باعتمادها خطة الأرض المحروقة بحيث لا يفلت متر من قصفها ضمن القاطع المخصص للواء المدرع 40

واني اشهد للحقيقة والتاريخ بأن ضباط الملاحظة الأردنيين الابطال الذين كانوا يوجهون نيران المدفعية كانوا قريبا جدا من مواقع العدو وكانو يختفون خلف كل حجر وهم أقرب ما يكونون للعدو

كان يوم الغضب المدفعي الأردني على رؤوس الأعداء ، ثم توقفت المدفعية الأردنية بعد 20 دقيقة وصدر الأمر للواء بالتقدم من جديد وبدأ العدو يترنح من ضربات اللواء الباسل 40

وأذكر أن العدو كان يدخل أحيانا على شبكة الأجهزة اللاسلكية ويخاطبنا بالعربية أيها الجندي الأردني لا تنسى ان لك أهل ولك زوجة وأولاد ينتظرون أن تعود اليهم سالما قادتك أرسلوك لتموت وكنا نرد عليهم بأن غضب الله نازل عليكم وسوف ترون صنيع الأردنيين اليوم

كانت خسائر العدو يومها 20 دبابة و 9 قاذفات تو و 3 عربات جيب وتم طرد العدو ودحره من المواقع التي احتلها بعمق 6 كيلومتر

أصيب العدو الاسرائيلي بالذعر وبدأ القادة الصهاينة يصرخون مخاطبين قادتهم ( أنقذونا من اللواء الأردني انهم يتقدمون باتجاهنا ولا يعرفون التراجع ونحن نخلي مواقعنا لهم ) كانت هذه الكلمات ملتقطة ومسجلة من قبل الاستطلاع السوري سلمت الى قائد اللواء 40 بعد انتهاء هذه المعركة في الغروب من قبل العماد مصطفى طلاس وزير الدفاع السوري

جرى اعادة تنظيم لكتائب اللواء المدرع 40 ليلة 16-17-10-1973 وتم سد النقص في العدة والعتاد وفي فجر 19-10-1973 بدأ الهجوم المعاكس الثاني في نفس القاطع (سعسع القنيطرة) وكان هجوما صاعقا مستميتا مشتركا من القوات السورية والعراقية والأردنية والسعودية وتم دحر العدو غربا لمسافة 4 كيلو متر ضمن قاطع اللواء ولقد أبلت هذه القوات البلاء الحسن

وكنت أنظر الى ساحة المعركة وعلى مد العين مئات الدبابات والناقلات المدرعة والعربات والمدافع وكأن الأرض مزروعة بالآليات الدخان والنار والغبار يملئ ساحة المعركة والأرض ترتج من هول مايسقط عليها من قنابل وصواريخ وكنا نشاهد الطائرات العراقية والسورية وهي تقوم بقصف قوات العدو المقابلة لنا ونراها عائدة بسلام اما الأجواء فقد كانت خالية تماما من طائرات العدو الاسرائيلي بفعل الدفاعات الجوية السورية البطلة اذ أن ظهور أي طائرة للعدو في سماء المعركة يعني اسقاطها الفوري بصواريخ سام 6

لقد كانت معنوياتنا تصل عنان السماء ولقد أثبت الجندي العربي بأنه مؤهل تماما لخوض المعارك الحديثة بكل ما فيها من صعوبات

ولست أنسى ما فعل قائد سرية الدبابات 1 الأردني الشهيد النقيب فريد الشيشاني الذي اقتحم موقعا اسرائيليا بسريته ثم التحم معه في قتال عنيف فدمرت دبابته فنزل منها وهاجم الموقع الاسرائيلي بالقنابل اليدوية وبسلاحه الشخصي حتى قضى شهيدا في سبيل الله وكان يقول لي ان أمنيتي أن أقاتل اليهود وأموت شهيدا فحقق الله أمنيته .

وفي يوم 19/10/73 ركز العدو جل اهتمامه على جبهة سيناء لإنجاح الثغرة واستغلال الفوز الاولي الذي حققه هناك، من أجل قلب التوازن الاسترتيجي للجيشين المصري الثاني والثالث، وحصلت الجبهة السورية على فترة هدوء نسبي، واستغلتها القوات العاملة هذه الجبهة للجهوزية القتالية والادارية.

وإذا كانت القوات السورية قد استفادت من عامل الزمن خلال معارك العدو لاستيعاب الأسلحة الروسية المتدفقة عبر الجسور البحرية و البرية والجوبة، واكمال النقص في القوات المدرعة بـ (200) دبابة عراقية، كان العراق قد اشتراها من روسيا في وقتٍ سابق، وتعويض خسائر الدبابات التي أصابت اللوائين 12 و 6 بدبابات سحبت من القوات الإحتياطية الموجودة في العراق، وحشد الجزء الأكبر من الفرقة (6)، وحشد اللواء الجبلي (12)، من القوات العراقية

وقد ساعد عامل الزمن على دخول اللواء المدرع / 40 الأردني إلى سوريا يوم 13/10/73، وكان هذا اللواء من خيرة الألوية المدرعة الأردنية وقد اشترك في القتال يوم 16/10 ويوم19-10، كما وصل اللواء المدرع /92 مع قيادة الفرقة المدرعة /3 الملكية الأردنية إلى منطقة (الشيخ مسكين)، يوم 22/10/73 .

كان الصهاينة يشعرون بالنقص في الرجال والكوادر القتالية بسبب الخسائر الضخمة التي لحقت بهم، ولقد حاولوا إكمال هذا النقص بمتطوعين مرتزقة، ويهود أميركيين مزدوجي الجنسية والولاء .

في حين كانت القوات العربية تمتاز بالتفوّق في هذا المجال بسببين :-

1- العامل البشري الهائل الذي تمتلكه، والذي سمح لها الطول النسبي لمدة الحرب بتعبئة الجزء الأكبر .

2- وجود قوات عربية نظامية كاملة في العمق العربي الاستراتيجي، واستعداد هذه القوات للتحرك تجاه مسرح العمليات في الجولان .

وبفضل الصمود في معركة الصد، وتدفق القوات العربية إلى الجولان (القوات العراقية والأردنية بشكلٍ أساسي)، ووصول المعدات والأسلحة الروسية، وخطأ العدو الاستراتيجي في تطبيق أسس القتال على (الخطوط الداخلية)، فقد ظهر وضع جديد يسمح بالانتقال من الصّد إلى الرّد، ولهذا قررت القيادة السورية العُليا شن هجوم معاكس استراتيجي ضد ألوية العدو العشرة التي كانت متوغلة في جيب (سعسع)، كما قررت أن تستخدم في هذا الهجوم :-

(فرقتين مدرعتين سوريتين)، غير كاملتين .

لوائين سوريين .

فرقتين مدرعتين عراقيتين (ناقص لواء).

فرقة مدرعة أردنية ( لوائين مدرعين ) أردنيين .

ثلاث فرق ميكانيكية سورية مع لواء مشاة مستقل .

لواء مشاة عراقي .

لواء جبلي عراقي

لواء قوات خاصة .

وحدات مغربية (لواء )

وحدة سعودية مدرعة

وحدات من جيش التحرير الفلسطيني (قوات حطين والقادسية) .

كان الهدف من الهجوم المعاكس تصفية جيب (سعسع)، في القفزة العملياتية الأولى، ثم تليها القفزة العملياتية الثانية لتحرير (الجولان) .

عندما كانت تدور معارك طاحنة قرب (سعسع)، وفي قطاع عمل الفرقة المدرعة /3 العراقية واللواء المدرع /40 الأردني، حددت القوات السورية العليا خطة للهجوم المعاكس الاستراتيجي يوم 23/10/73، وتم تحديد المهمات العملياتية للهجوم وتحرير الأرض .

وفي يوم 22/10/73، صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم (338)، القاضي بوقف اطلاق النار، وفوجئ السوريون والعراقيون بهذا القرار وبموافقة (مصر)، عليه، وأرجئ الهجوم الاسترتيجي على الجبهة السورية حتى يوم 24/10/73، وكان أمام القيادة السورية خياران لا ثالث لهما وهما :-

1- التمسك بالهجوم المعاكس وشنه لتحرير الأرض .

2- إلغاء الهجوم والقبول بقرار وقف اطلاق النار .

كان أنصار شن الهجوم المعاكس ووقف اطلاق النار يؤكدون أن القوات المحتشدة قادرة على حسم المعركة وتطهير الجيب الصهيوني خلال يومين على أبعد تقدير، الأمر الذي يزيل الأثر المعنوي الذي سببه وجود هذا الجيب، ويدمر جزءاً كبيراً من قوات العدو المدرعة، ويقصر طول الجبهة بنسبة 30%، ويمنع العدو من المساومة على ورقة جيب (سعسع)، بعد وقف القتال، كما أنه سيجبر المصريين على متابعة القتال حتى لا يتركوا الجبهة السورية وحدها في مواجهة العدو، وأنه في حالة جمود الجبهة المصرية، فإن العدو بحاجة إالى وقتٍ طويل قبل نقل قوات من الجبهة المصرية إلى الشمال، الأمر الذي سيسمح للقوات السورية والعراقية بأخذ مواقع جديدة في الجولان لصد أي هجوم مقبل، علماً أن هذا الوقت سيعطي (الروس)، الوقت لفرض وقف إطلاق النار بعد أن يكون السوريون قد حرروا هذا الجيب، على الأقل

وكان أصحاب هذا القرار يؤكدون أن عملية الجذب وغرور الصهاينة واندفاعهم على طريق (سعسع)، قد قدما للقوات العربية هدفاً ثميناً يسهل القضاء عليه، وأن عملية (الجذب)، ستفقد كل معناها الاستراتيجي إذا لم تعقبها عملية (ضرب)، لا بد من تنفيذها حتى لو أدى ذلك إلى إبقاء الجبهة السورية وحيدة أمام العدو .

أما أنصار وقف الهجوم المعاكس والقبول بالقرار، فقد ركزوا على العلاقة الجدلية المتبادلة بين الجبهتين السورية والمصرية، ورأو أن الإستمرار في القتال على جبهة الجولان سيعطي الصهاينة مبرراً لمتابعة القتال على الضفة الغربية لقناة السويس، وهذا لن يكون في مصلحة العرب، لأنه في الوقت الذي ستقوم به القوات السورية والعراقية بسحق العدو داخل (الجيب)، ستقوم قواته بالرد على الضربة بالشمال، وبتسديد ضربة تهدد وجود الجيش المصري الثالث الذي قطعت طرق إمداداته وحرم من التغطية الجويه .

بالإضافة إلى ذلك، فقد كان من أنصار وقف الهجوم لا يأملون بأية مساعدة مصرية إذا ما بقيت الجبهة الشمالية وحيدة، لأن الصهاينة لن ينقلوا قواتهم إلى الجولان إلا بعد أن يحسموا معركة السويس والجيش الثالث، ويجبروا مصر على قبول وقف إطلاق النار بالقوة لتنفيذ قرار مجلس الأمن، وأن ميزان القوى سيميل في هذه الحالة إلى جانب العدو بشكلٍ يسمح له بتطوير هجومه في الشمال واحتلال أراضٍ سورية جديدة، واحتلال (دمشق)، في وقتٍ لاحق أو تدميرها بالمدفعية والطيران، وتدمير المدن والمنشآت الاقتصادية السورية بغارات كثيفة .

وبعد جدلٍ طويل بين أنصار الاتجاهين، نجح أنصار الطرف الثاني في إقرار رأيهم، وتقرر عدم القيام بالهجوم المعاكس

وفي ليلة 23-24/10/1973، وافقت سوريا على وقف القتال دون استشارة العراقيين والأردنيين رفاق المعركة

وأصدرت أمراً بإلغاء الهجوم المعاكس، وصمتت أصوات المدافع في الجولان

بقلم الأستاذ محمد خلف الرشدان
ملازم أول شارك في الحرب ضمن اللواء 40 الجيش العربي الأردني