السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
* الموضوع : " أنا ، و ولدي و الباكالوريا ! ".
- كنت جالسا أفكر بحسرة و أسى، في التعثرات التي يمر بها إبني ذو العقد الثامن عشر، و هو يواجه هذه السنة عقبة إمتحان نهاية التعليم الثانوي التاهيلي، الباكالوريا بالمغرب.
- رجعت بي الذاكرة إلى أربعين سنة خلت، أي سنة 1969 حيث كنت آنذاك في نفس المستوى و أواجه نفس العقبة، لكن :
- هل كانت لنا نفس الظروف و الامكانيات ؟
- هل وجدنا نفس الرعاية و الاهتمام من آباءنا و أمهاتنا ؟
- هل المحتوى و المضمون بل و الطرائق البيداغوجية، كانت ملائمة و محفزة ؟
- هل كنا نوجه كل هذا السيل من المعوقات بالتسويف و الهروب ؟
- نعم، إنني و أنا أقوم بمقاربة الإشكالية و مقارنة الوضعيتين زدت حيرة و اندهاشا بل و قلت:
" شتان ما بين الأمس و اليوم".
- فانطلاقا من نموذج إبني الذي لا يبدي أي اهتمام بمسئوليته و هو في مستوى الباكالوريا، مقبل على امتحان و عقبة تعتبر من أصعب العقبات قبل أن ينتقل إلى التعليم العالي.
- إنه نموذج للطالب اللامبالي بدروسه و واجباته، إنه النموذج الغير منظبط في سيره و متابعته للدروس داخل و خارج قاعة الدرس، حتى أنني بت لا أحاسبه إلا على المواظبة و الذهاب إلى المؤسسة في الوقت بدون تأخر او غياب.
- لا زلت أذكر المجهودات و الإهتمام البالغين التي واجهنا بها هذه العقبة في الستينيات، فالمقرر آنذاك و
هو نفس الشعبة أي العلوم التجريبية التي تحورت إلى علوم الحياة و الأرض، لكن المقاربة البيداغوجية مختلفة تماما : قلة المراجع، قصور في مستوى التلقين و التدريس، لكن روح المنافسة و المشاركة لا يشبه التدني الذي نعيشه حاليا.
- فرغم الطريقة الإلقائية و الدروس التطبيقية التي تعتمد على النزر اليسير من الأدوات و وسائل الإيضاح، فإننا كنا نواجه كل هذه التحديات بتحديات أقوى و من نوع آخر، نبحث و نكد جريا وراء المعرفة و فهم فقرات المقرر، استعدادا لليوم الحاسم يوم الإمتحان.
- و للإيضاح، إن أسلوب الإمتحان المطبق حاليا هو في صالح الطالب، فلا يمتحن هذه السنة إلا في المواد العلمية، علما بأنه سبق و امتحن في المواد الأدبية في السنة الأولى من البكالوريا و ستساعده في الحصول على المعدل الذي سيخول له النجاح هذه السنة، كما أن نقط الفروض و المراقبة المستمرة ستأخذ بعين الإعتبار.
- أما منذ أربعين سنة خلت، فالإمتحان في سنة واحدة و في جميع الموادالعلمية و الأدبية، و قد كنا نأخذ زهاء شهر كامل للإستعداد الصحيح بأيامه و لياليه و كل هذا من أجل الظفر بشهادة البكالوريا، التي كانت لها قيمة آنذاك بل إن الحاصل عليها كان له تكوين متميز.
- أما الآن ومنذ التسعينات، فشهادة البكالوريا لا تعدو أن تكون أبسط الدبلومات لمسايرة التعليم الجامعي و العالي.
- و رب قائل، إن كل هذه الملاحظات توضح مدى التغيرات و التحولات التي شهدها قطاع التعليم في جميع الأقطار، أي سهلت المساطر و الإمتحانات لأن طلب العلم فقد مصداقيته و لم يعد يشغل حيز الإهتمام اللازم، لكن ألا ترون معي: " بأنه كلما تقلصت الصعوبات و الحواجز تقهقر الإجتهاد و المثابرة؟"
- لا زلت واقفا أبحث عن تموضع مقبول بيني و بين ولدي، و امتحان البكالوريا و لا أخفيكم فكل الحسابات كانت مغلوطة، و كل المقاربات باتت مشلولة و خرجت باستنتاج مفاده:
لا مجال للمقارنة !.
- بالله عليكم قولوا لي صادقين، هل نحن أمام مسخ و ضرب بالقيم و المبادئ عرض الحائط من أجل إرضاء الأبناء و مجاراتهم في توجهات باتت نتائجها سلبية ؟
- إنني أدعو كل مهتم أو فاعل تربوي بالمشاركة في مناقشة هذا الطرح، و لن أسمح لأي أحد أن يتملص من مسئولياته،
فقد بلغ السيل الزبى، و اختلط الحابل بالنابل و ضعف الطالب و المطلوب، و كما قال لي أحدهم:
كل الأمثلة و الأقوال تنطبق على حالتنا، فلطفك اللهم.
- لن أغادر هذه الصفحة بهذه النظرة التشاؤمية، و لن أقف مكتوف الأيدي أمام معضلة إجتماعية بات الجميع يئن من وطأتها بل سأعطي بعضا من الحلول و النظرة التفاؤلية التي أراها في حيز الإمكان، و هذا حسب تجربيتي الميدانية في التربية و التعليم التي فاقت الثلاثين سنة.
- رب قائل :
"مطرب الحي لا يطرب"،
بمعنى نحن رجال التربية و التعليم نواجه كباقي شرائح المجتمع من نفس المعضلة، و لعل مرد كل هذا هو أننا نرى الواقع الإجتماعي و الثقافي للمجتمع بنفس المنظار، و العنص السحري الذي نبحث عنه جميعا هو : عنصر التغيير علينا إذا و نحن كفاعلين تربويين أن نغير واقع و وضعية التعليم في بلداننا، و ذلك بتحمل المسئولية و مساعدة أبناءنا في مواجهة صعوبات التعليم بل التعلم، بنظرة تفاؤلية للمستقبل
و نبرز لهم بأن المستقبل للمعرفة و التكوين، مع اعتماد المهارات و الكفايات التي على المعلم أن يعمل على إبرازها و صقلها لتكون أداة من أدوات العمل بالنسبة لرجال المستقبل الذين هم أبناءنا اليوم.
- ثم إن مسئولية المخططين و المنظرين لا تقتصر في وضع التصورات و البرامج بل في تحديد الإمكانيات البشرية و المادية لتنفيذها بل و المتابعة حتى نضمن نتائجها كاملة غير منقوصة.
- لقد مل الجميع خاصة أمهات، آباء و أولياء التلميذات و التلاميذ هذه "الصيحات التي تتكلم عن برامج الإصلاح العادية و المستعجلة"، و بتنا نترقب إلى وضع عمل إجرائي سهل التطبيق و التنفيذ، ينخرط فيه كل الفاعلين التربويين من أطر تربوية و إدارية، كما أن الوزارت الوصية لها مسئولية كبيرة في الحضور و تفعيل مقتضيات أي برنامج تم الإتفاق عليه بإشراك الأساتذة، الوزارة و جمعيات المجتمع المدني.
- فلنكن متيقنين بأن توفر النوايا الحسنة، و روح المواطنة المنبثقة من تعاليم ديننا الحنيف
ستجعلنا نعود و نردد :
قم للمعلم و وفه التبجيلا = كاد المعلم أن يكون رسولا.
- نعم لقد بتنا نتطلع لذلك المعلم الساهر على الوفاء بالتزاماته، و المؤدي لأمانته كما ينبغي الأداء، فتعود المصداقية لهذا القطاع الحيوي، و نخرج أبناءنا من هذه العزلة التي سببتها آثار التكنلوجيا الحديثة و على رأسها تلك "الشبكة العنكبوتية" التي باتت مساوئها أكثر بكثير من محاسنها، و ما هذا إلا لجهلنا بحسن الإستعمال و تنظيم وقت الإستعمال.
* إخواني أعضاء " منتدى المعلم "، اسمحوا لي عن هذه الإستفاضة و الإطالة لكنني أتمنى أن تكون مفيدة تخلق ذلك الحوار و المناظرة التي نحن في أمس الحاجة إليها ، و إني على أحر من الجمر في انتظار مداخلاتكم القيمة.
* صادق مودتي / عز الدين الغزاوي.
المفضلات