كلمة renaissance التي تستعمل للدلالة على عصر النهضة هي في الأصل كلمة فرنسية تعني ولادة جديدة، أي إحياء الرغبة أو تجديد الإهتمام بالأمور العقلية، وتمثل نقطة التحول من العصر الوسيط إلى العصر الحالي من حيث طرق التفكير ومناهج الدراسة.
بعض المفكرين يعزون عصر النهضة إلى سقوط القسطنطينية في العام 1453 وحصول الأوروبيين – نتيجة لذلك – على مخطوطات يونانية نادرة وعلماء متبحرين في شتى العلوم والآداب والفنون.
كان لاستيلاء العثمانيين على المركز الشرقي للعلوم والثقافة الغربية أكبر الأثر في تحويل كنوز ذلك المركز باتجاه الغرب، ومع ذلك فقد كانت النهضة نتيجة طبيعية لتحوّل تدريجي في أساليب التعليم عمَّ القارة الأوروبية على مدى قرن من الزمن قبل سقوط القسطنطينية.
البعض يتحدث عن العصور الوسطى كما لو كانت عصوراً مظلمة تسودها الهمجية والجهل المطبق. لكن الأمر قد لا يكون على هذه الصورة. فتلك الفترة الزمنية من تاريخ أوروبا كانت تتميز بثقافة معينة، ولم يكن التغيير في نمط التفكير وأساليب الفن والأدب والعلم سوى نتيجة حتمية لازدياد عدد الطلاب الذين تفتحت عقولهم على المعرفة في الغرب.
كان العلم في أوروبا مقتصراً على رجال الدين وكان يتمحور في المقام الأولى حول تفسير الأسرار الدينية. وقد ساعد الفيض المتعاظم للمعرفة المعمقة الوافدة من الشرق على فتح قنوات جديدة مما أعطى الدراسة بُعداً نقدياً وتحليلياً جديداً.
تدريجياً تخلى طلاب العلم عن أساليب الدراسة التقليدية ثم نبذوها ولم يعملوا بها ثانية. ونتيجة لذلك بزغ فجر عهد جديد من البحث والاستقراء العقلي. فعقول الناس أصبحت مستعدة لتقبّل أفكار وانطباعات جديدة مما أعطى الراغبين في العلم والمعرفة دفعاً قوياً وتملكتهم رغبة جامحة لمعرفة المزيد.
لقد تحررت عقول البشر من القيود الثقيلة ولم يعد الناس خاضعين لسلطة الكهنوت فراحوا يفكرون ويحاورون ويناقشون ويجاهرون بآرائهم ويبدعون في شتى مجالات الفكر والمعرفة دون عوائق ودون خوف من عقاب.
ليس من السهل تعداد ثمار عصر النهضة لأنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتاريخ والفن والأدب والعلم والفلسفة والشعر وحتى الدين. وقد حلت روح جديدة في كل مجال من مجالات الحياة. ولم يعد الناس قانعين بالحلول التقليدية للظواهر الطبيعية. فالعقل البشري الذي غط في سبات عميق لمئات السنين تيقظ الآن وراح يكتشف كل ما يحيط به ويستشرف حتى الآفاق البعيدة.
ومن أعظم ثمار عصر النهضة أيضاً كرامة الإنسان بصفته كائناً عاقلاً ، مفكراً وذا إرادة حرة. هذه الروح الجديدة أدخلت بعداً إنسانيا إلى حياة الإنسان ودمغت المعرفة بطابع إنساني مميز.
بلغت النهضة ذروتها في إيطاليا وأصبح الأقطاب والأساطين يدرسون ويتعاطون الفن محبة في الفن. أما في البلدان الشمالية مثل ألمانيا وهولندا وإنكلترا وحتى فرنسا فقد نما عصر النهضة بصورة طبيعية. ففي ألمانيا كانت النهضة تعني الإصلاح. وكذلك في إنكلترا وفرنسا اقترن تجديد التعليم بالإصلاح وانبثق إحساس وفهم جديدان بالجمال والحقيقة، وبلغت الآداب والفنون مستوى رفيعاً من الإبداع الذي كان بحق أحد أهم عناصر عصر النهضة الذهبي.
والسلام عليكم
المصدر: موسوعات
الترجمة: محمود عباس مسعود
المفضلات