على ضفاف شط العرب


رجال رأس البيشة



كاظم فنجان الحمامي


ارتبط عملي منذ زمن بعيد بمحطات السيطرة البحرية, ومراصد خفر السواحل, وأبراج المراقبة الملاحية الموزعة على امتداد شط العرب ابتداء من جزيرة أم الرصاص ولغاية رأس البيشة, فعمليات إرشاد السفن الأجنبية الوافدة إلينا, وتوجيهها ملاحيا عبر منعطفات الممرات المائية العراقية لا يمكن أن تتم على الوجه الأكمل من دون متابعة ودعم رجال خفر السواحل, ومن دون التنسيق معهم لاسلكيا عند التحرك في شط العرب. فآمرية خفر السواحل والمياه الداخلية من التشكيلات التخصصية التابعة لقيادة قوات المنطقة الرابعة, والتي أبلت بلاءا حسنا في النهوض بالمهمات المكلفة بها, وهي مدعومة تعبويا بقوة ساندة, مؤلفة من فوج من أفواج المشاة. ولها في رأس البيشة محطة عائمة على سطح البحر. تابعة إلى مجموعة زوارق الفاو, وتكاد تكون المحطة الأقوى والأوسع, والأكثر احتكاكا بالسفن والزوارق والقوارب المبحرة والعائدة من البحر, تراقب تحركات الزوارق المحلية, وتفتشها, وتتأكد من وثائقها, ومن أوراقها الثبوتية, وتقوم بتنظيم سجلات مغادرتها وعودتها, بينما تتعامل مع السفن الأجنبية بصيغة حضارية منسجمة تماما مع المعايير والضوابط الملاحية الدولية, فهي تستفسر منها عن اسمها, وشفرة ندائها, ورقمها الدولي, ونوع حمولتها, واسم وكيلها التجاري, واسم الميناء الذي غادرته, والميناء الذي تقصده, واسم المرشد العراقي المكلف بارشادها. سلسلة طويلة من الأسئلة والاستفسارات لمعرفة هوية السفينة الأجنبية, وتحديد جنسية طاقمها. وهذا هو ديدنها في الليل والنهار.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
يعمل في هذه المحطة رجال أشداء, يؤدون واجباتهم في رحاب شط العرب, ويعيشون فوق جسم حديدي, صندوقي الشكل. عائم على وجه الماء, ومثبت في قعر البحر خلف رأس البيشة. تتلاعب بهم الأمواج, وتحاصرهم الرياح الجنوبية الشرقية بأنفاسها الخانقة. ولم تعد واجباتهم مقتصرة على حماية سواحلنا ومياهنا الداخلية من عمليات التسلل غير الشرعية، بل تعدت ذلك إلى حماية السفن والتصدي لحالات القرصنة التي قد تتعرض لها, وحراسة المراسي والمواقع الحيوية الهامة المبعثرة على ضفاف شط العرب, وحماية ثرواتنا البحرية وممراتنا الملاحية, ويلعب رجال السواحل دوراً كبيراً في عملية مراقبة المتنزهين على الشواطئ, والاشتراك بعمليات الإنقاذ والإسراع لنجدة السفن المحفوفة بالمخاطر, والإبلاغ عن كوارث التلوث البحري, ورصد الانتهاكات الخارجية في مياهنا الداخلية والتصدي لها.
واجبات متعددة ومهمات صعبة يجري تنفيذها في ظروف قاسية, تستدعي إيلاء تطوير تشكيلات خفر السواحل العراقية الأولوية في توفير الدعم والمساندة, وتعزيز دورها في حماية السواحل والمياه الإقليمية من الأنشطة غير القانونية, والتي نذكر منها نهب الثروات الوطنية وتهريبها, وغيرها من الأنشطة الإرهابية. ومنع هروب المطلوبين للعدالة خارج البلاد.
وحتى يحقق حرس الحدود مهماتهم على أكمل وجه, ينبغي تزويدهم بالزوارق البحرية المتينة والسريعة, وتزويدهم بالحوامات الحديثة الصنع, وذات الكفاءة العالية في الإبحار تحت جميع الظروف, والمجهزة بكل الوسائل الحديثة من اتصال ورصد, وأجهزة تثبيت الإحداثيات, ووسائل السلامة والإنقاذ, ومنظومات المراقبة الدقيقة جدا سواء عبر الكاميرات التلفزيونية أو عبر شبكات الدوائر الكترونية والنواظير الليلية الحديثة, وإشراكهم في دورات التأهيل البحري العالي في المعاهد التخصصية العالمية, وينبغي النهوض بمستواهم نحو الأفضل, إلى الدرجة التي تجعلهم بمستوى تشكيلات خفر السواحل في البلدان المجاورة, والذين يتلقون الآن أقصى درجات الرعاية والعناية والاهتمام من لدن الحكومات الخليجية.