...كتماثيل الطرف الأغر

[محمود عباس مسعود]

في المثل "إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب".

معلوم أن الذهب أثمن من الفضة، ولكن ما الذي جعل السكوت أو الصمت أثمن من الكلام؟
لكل شعب تجربته في كل مجال من مجالات الحياة.

هناك أمثال تتطابق في لغات عدة لتطابق التجربة البشرية. وهناك أمثال أو أقوال ربما تكون مستوحاة من تفكير عميق أو مستقاة من تأمل فاحص لفكر نفاذ فتبدو جديدة لأول وهلة، ولكن لدى إمعان النظر فيها يتبيّن لنا أنها مألوفة ومنطقية ومطابقة لواقع الحال.

فلنتنقل بمعيتكم بين هذه الشذور التي قيلت في الصمت أو السكوت لعلنا نجد فيها أو في بعضها صدى لما قد نحس به في أعماقنا ولا نجد أحيانا الكلمات المناسبة للتعبير عنه.

لقد غاص السكون في قلبي كالنغم الرقيق الشجي.

ذلك السكون الذي يشبه الأحلام.

السكون هو البلسم الشافي للنفس من لطمات الضجة ولكمات الضوضاء المؤلمة.

ذلك السكون الذي يشبه الوردة التي تطبق بتلاتها عند اقتراب الليل.

لقد كان صمتها شبيها بصوت الناي المتلاشي في أعماق الفضاء.

صامت كالقدر..صامت كأبي الهول.

الصامتون هم كالمياه الصامتة التي تنطوي على أعماق وعلى أخطار أيضا.

صامت كخطوات الزمن. كنمو الأزهار.. كصمت الأحجار.

صامت كالأشباح.. كتهادي رقع الثلج على الأرض.

صامت كالليل.. كالسماء.. صامت كالقديس.

صامت كمن يفعل شيئا ما ويدرك أنه سيندم عليه فيما بعد.

صامت كالشهاب الهاوي في منتصف الليل. صامت كالمومياء.

صامت كالنوم.. كالضريح.. كحارس الليل.

صامت كتماثيل ساحة الطرف الأغر.

صامت كالبحار الهاجعة.. كالقمر.. كأعماق الليل.

صامت كالشجر.. كالدمعة المنحدرة على خد عذراء.

صامت صمت الظهيرة عندما يطغى الحر على الطيور فتكف عن التغريد.

صامت كالمروج الغناء.. كالزمن الأبدي.. كالسحب العابرة.

صامت كالكرة الأرضية والكواكب المندفعة في مسارها حول الشمس.

صامت كالقنوط.. كصورة معلقة على جدار.

صامت كندى الصباح على الأعشاب الندية.. كالسمك تحت الماء.

صامت كالأفكار المتعاقبة.. كاللون الذي يخضّب العنب الأسود والخوخ إبان النضج.

صامت كدمع الملائكة المنحدر من طبقات الأثير الصافية.

صامت كضوء الشمس.

من لا يحسن الصمت لا يحسن الكلام. الصمت راحة للفكر وللروح. وهو كالنوم للجسم: غذاء وانتعاش. إنه فضيلة عظيمة.. يخفي الحمق.. ويحفظ الأسرار.. ويتحاشى النزاع.. ويحد من الأخطاء.

بعض الناس يغلفون أنفسهم بعباءة من الصمت يصعب اختراقها، إذ لا يقدر اللسان أن يعطينا أية فكرة عما يدور في عقولهم. مثل هذا الصمت هو رائع إن كان صاحبه أحمقا وحماقة إن كان عاقلا. والسبيل الوحيد لمعرفة طبيعة ومعدن ذلك الشخص الصامت هو ملاحظة طريقة تبسّمه.

من بين كل الفضائل اختار زينون الرواقي فضيلة الصمت لأنه رأى فيها عوناً على معرفة عيوب الآخرين والتستر على عيوبه ونقائصه.

إن بدا الشخص صامتا في اللقاء الأول فقد يكون ذلك الصمت دليلا على عمق طبيعته.
وإن فعل كذلك في اللقاء الثاني فقد يكون مؤشراً على تحفظه.
أما إذا احتفظ بصمته في اللقاء الثالث فليس عنده ما يقوله.

الصمت هو فضيلة من يعوزهم الفهم. الكلام عظيم إنما الصمت أعظم.

المقتصد في الكلام كله عيون مبصرة وأذان صاغية.

الصمت هو هيكل أفكارنا النقية، فدعنا نصمت قليلا لعلنا نسمع كلام الملائكة.

والسلام عليكم

المصدر: موسوعات
ترجمة وتعليق: محمود عباس مسعود

[عبد الرحيم لبوزيدي]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد ان صمت استاذنا مسعود نتحدث نحن بالرغم من ان الله اعطانا فما واحدا واذنان لننصت اكثر مما نقول.
الصمت يا اخي في زماننا قد يعد انهزاما وخنوعا وخضوعا للمتسلط الجبار ،قد يكون استكانة وانحدارا الى الهاوية ،الصمت ليس من شيم الشجعان الا ان تكون نتيجة الصمت احسن من نتيجة الكلام،الصمت خصلة حميدة تؤلق صاحبها وتجعله من الفائزين ،ومن المنعم عليهم عند المستعمر الغادر،الم نسمع الرصافي يتكلم بلسان المستعمر قائلا:
ياقوم لاتتكلموا **** * ان الكلام محرم
ناموا ولا تستيقظوا**** مافاز الا النوم.
نحن في زمن ان صمتنا فيه ضاعت حقوقنا ،وديست كرامتنا ،والقينا في مزابل التاريخ ،نحن في عصر اضحت فيه الصحافة تحتل السلطة الرابعة،وصار الاعلام الذي يعتمد على الكلام يحقق ما لايستطيع المدفع تحقيقه ،نحن في عصر يعتمد الاعلام لتشكيل الراي العام في اي بلد من البلدان ،لذا لاينبغي ان نرجح كفة الصمت على الكلام ،كلما كان الكلام يحقق مالم يستطيع الصمت تحقيقه.
مودتي ةاحتراماتي للاستاذ الفاضل محمد عباس مسعود ودمتم في حفظ الله تعالى.

[محمود عباس مسعود]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد ان صمت استاذنا مسعود نتحدث نحن بالرغم من ان الله اعطانا فما واحدا واذنان لننصت اكثر مما نقول.
الصمت يا اخي في زماننا قد يعد انهزاما وخنوعا وخضوعا للمتسلط الجبار ،قد يكون استكانة وانحدارا الى الهاوية ،الصمت ليس من شيم الشجعان الا ان تكون نتيجة الصمت احسن من نتيجة الكلام،الصمت خصلة حميدة تؤلق صاحبها وتجعله من الفائزين ،ومن المنعم عليهم عند المستعمر الغادر،الم نسمع الرصافي يتكلم بلسان المستعمر قائلا:
ياقوم لاتتكلموا **** * ان الكلام محرم
ناموا ولا تستيقظوا**** مافاز الا النوم.
نحن في زمن ان صمتنا فيه ضاعت حقوقنا ،وديست كرامتنا ،والقينا في مزابل التاريخ ،نحن في عصر اضحت فيه الصحافة تحتل السلطة الرابعة،وصار الاعلام الذي يعتمد على الكلام يحقق ما لايستطيع المدفع تحقيقه ،نحن في عصر يعتمد الاعلام لتشكيل الراي العام في اي بلد من البلدان ،لذا لاينبغي ان نرجح كفة الصمت على الكلام ،كلما كان الكلام يحقق مالم يستطيع الصمت تحقيقه.
مودتي ةاحتراماتي للاستاذ الفاضل محمد عباس مسعود ودمتم في حفظ الله تعالى.

الأخ العزيز عبد الرحيم لبوزيدي
سلام الله عليك ورحمته وبركاته
وشكراً على ما تفضلت به من ملاحظات قيّمة أود أن أتناولها ببعض التعليق.
رائع قولك أن الله أعطانا فماً واحدا وأذنين اثنتين كي نتكلم أقل ونصغي أكثر. إن كان هذا التفسير مطابقاً للمقاصد الإلهية فهذا يعني أن هناك حكمة يجب أن نستبينها ونعمل بوحيها.
عندما ترجمتُ تلك الأقوال وتناولتها ببعض التعليق لم أكن أفكر بالسياسة أو الإعلام اللذين لا نصيب للصمت في نهجهما الصاخب، بل كنت أحاول قطف زهور من بساتين عالمية غرسها عباقرة وفلاسفة ومفكرون وشعراء، لا ضير من التمتع بجمالها وربما بعبيرها أيضاً.
ما قصدته ليس سكوتاً عن الحق لأننا كلنا نعرف من هو الساكت عن الحق، بل عنيتُ اقتراباً من الحق بالتفكير والتأمل. الصمت الذي قصدته هو إسكات الأفكار الناشزة أو تهدئتها حتى تصفو مرآة العقل المهتزة بالإضطراب لعلها بذلك تلتقط أشياء رائعة في الحياة تبدو فيها منعكسة بوضوح وجلاء.
ألا ننصت خاشعين لسماع الذكر الحكيم؟
ألا يسكت الشعراء عندما ينظمون قصائدهم؟
ألا نصمت عندما نقرأ شيئاً ممتعاً يستقطب اهتمامنا فلا نرغب عندئذ بالكلام أو بسماع الأصوات؟
في آية مريم نقرأ "فقولي إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلـّمَ اليوم إنسيا"
وكذلك في آل عمران: "آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام..."
وأيضاً قول النبي الكريم صلوات الله عليه "من صمت نجا" و" أنت سالم ما سكتَّ، فإن تكلمت فلك أو عليك" وأيضاً "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان."
والإمام علي كرم الله وجهه ينصحننا بالصمت إذ يقول: "بكثرة الصمت تكون الهيبة."
ويزيدنا أبو العتاهية من الشعر بيتاً أذ يقول:
والصمتُ خيرٌ من كلام بمأثمِ
فكن صامتاً تسلم وإن قلتَ فاعدلِ.

هذا هو الصمت الذي قصدته أخي عبد الرحيم
مع مودتي القلبية

[تسنيم زيتون]

فضيلة عظيمة.. يخفي الحمق.. ويحفظ الأسرار.. ويتحاشى النزاع.. ويحد من الأخطاء.

لاادري صحيح انه امر صعب ولكنه مفيد اكثر من الكلام ..
مسائك نور

[محمود عباس مسعود]

فضيلة عظيمة.. يخفي الحمق.. ويحفظ الأسرار.. ويتحاشى النزاع.. ويحد من الأخطاء.

لاادري صحيح انه امر صعب ولكنه مفيد اكثر من الكلام ..
مسائك نور

العزيزة تسنيم
شكراً على المرور
وأسعد الله أوقاتك