في المثل "إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب".
معلوم أن الذهب أثمن من الفضة، ولكن ما الذي جعل السكوت أو الصمت أثمن من الكلام؟
لكل شعب تجربته في كل مجال من مجالات الحياة.
هناك أمثال تتطابق في لغات عدة لتطابق التجربة البشرية. وهناك أمثال أو أقوال ربما تكون مستوحاة من تفكير عميق أو مستقاة من تأمل فاحص لفكر نفاذ فتبدو جديدة لأول وهلة، ولكن لدى إمعان النظر فيها يتبيّن لنا أنها مألوفة ومنطقية ومطابقة لواقع الحال.
فلنتنقل بمعيتكم بين هذه الشذور التي قيلت في الصمت أو السكوت لعلنا نجد فيها أو في بعضها صدى لما قد نحس به في أعماقنا ولا نجد أحيانا الكلمات المناسبة للتعبير عنه.
لقد غاص السكون في قلبي كالنغم الرقيق الشجي.
ذلك السكون الذي يشبه الأحلام.
السكون هو البلسم الشافي للنفس من لطمات الضجة ولكمات الضوضاء المؤلمة.
ذلك السكون الذي يشبه الوردة التي تطبق بتلاتها عند اقتراب الليل.
لقد كان صمتها شبيها بصوت الناي المتلاشي في أعماق الفضاء.
صامت كالقدر..صامت كأبي الهول.
الصامتون هم كالمياه الصامتة التي تنطوي على أعماق وعلى أخطار أيضا.
صامت كخطوات الزمن. كنمو الأزهار.. كصمت الأحجار.
صامت كالأشباح.. كتهادي رقع الثلج على الأرض.
صامت كالليل.. كالسماء.. صامت كالقديس.
صامت كمن يفعل شيئا ما ويدرك أنه سيندم عليه فيما بعد.
صامت كالشهاب الهاوي في منتصف الليل. صامت كالمومياء.
صامت كالنوم.. كالضريح.. كحارس الليل.
صامت كتماثيل ساحة الطرف الأغر.
صامت كالبحار الهاجعة.. كالقمر.. كأعماق الليل.
صامت كالشجر.. كالدمعة المنحدرة على خد عذراء.
صامت صمت الظهيرة عندما يطغى الحر على الطيور فتكف عن التغريد.
صامت كالمروج الغناء.. كالزمن الأبدي.. كالسحب العابرة.
صامت كالكرة الأرضية والكواكب المندفعة في مسارها حول الشمس.
صامت كالقنوط.. كصورة معلقة على جدار.
صامت كندى الصباح على الأعشاب الندية.. كالسمك تحت الماء.
صامت كالأفكار المتعاقبة.. كاللون الذي يخضّب العنب الأسود والخوخ إبان النضج.
صامت كدمع الملائكة المنحدر من طبقات الأثير الصافية.
صامت كضوء الشمس.
من لا يحسن الصمت لا يحسن الكلام. الصمت راحة للفكر وللروح. وهو كالنوم للجسم: غذاء وانتعاش. إنه فضيلة عظيمة.. يخفي الحمق.. ويحفظ الأسرار.. ويتحاشى النزاع.. ويحد من الأخطاء.
بعض الناس يغلفون أنفسهم بعباءة من الصمت يصعب اختراقها، إذ لا يقدر اللسان أن يعطينا أية فكرة عما يدور في عقولهم. مثل هذا الصمت هو رائع إن كان صاحبه أحمقا وحماقة إن كان عاقلا. والسبيل الوحيد لمعرفة طبيعة ومعدن ذلك الشخص الصامت هو ملاحظة طريقة تبسّمه.
من بين كل الفضائل اختار زينون الرواقي فضيلة الصمت لأنه رأى فيها عوناً على معرفة عيوب الآخرين والتستر على عيوبه ونقائصه.
إن بدا الشخص صامتا في اللقاء الأول فقد يكون ذلك الصمت دليلا على عمق طبيعته.
وإن فعل كذلك في اللقاء الثاني فقد يكون مؤشراً على تحفظه.
أما إذا احتفظ بصمته في اللقاء الثالث فليس عنده ما يقوله.
الصمت هو فضيلة من يعوزهم الفهم. الكلام عظيم إنما الصمت أعظم.
المقتصد في الكلام كله عيون مبصرة وأذان صاغية.
الصمت هو هيكل أفكارنا النقية، فدعنا نصمت قليلا لعلنا نسمع كلام الملائكة.
والسلام عليكم
المصدر: موسوعات
ترجمة وتعليق: محمود عباس مسعود
المفضلات