البطل مقاوماً في المسرح الشعري المُعاصر (1 ـ 4)
بقلم: أ.د. حسين علي محمد
.................................
توطئة: عن مفهوم المُقاومة في المسرح الشعري(1):
يتمثل البطل مقاوما في صورتين:
الأولى: مقاومة الحاكم الذي يمثل صورة من صور الحكم الجائر.
الثانية: مقاومة المستعمر، والذود عن أرض الوطن ضد كل من يريد تدنيسها باستعمارها، واستنزاف خيراتها.
1-مقاومة الحاكم الجائر:
وأحمد عرابي في مسرحية "الحب والحرب" لشوقي خميس هو واحد من أبطال المقاومة الوطنية للحكام الظالمين (الذين لا يبغون مصلحة وطنهم بل مصلحتهم الشخصية، واستمرارهم في الحكم)، ومن سمات هذا البطل المُقاوم:
أ- تبنِّي قضايا الشعب:
إننا نرى عرابي من البداية بطلاً مقاوماً، يُدافع عن جنوده، ويرفض أن يذهبوا للسخرة، ليُشاركوا في حفر الرياح التوفيقي:
عرابي: لن يؤخذ جنديٌّ من بين جنودي سُخرهْ
مادمتُ أنا قائدَهمْ
هذا ما أعْلمُهُ حقَّ العلْمْ(2)
واللواء التركي الذي يُبلِغ عرابي الطلب، ويُجابَه بالرفض والمقاومة، ويستغرب هذه المقاومة، فهو لم يتعوّد أن يرفض أحد طلب الخديو، أو طلب الناظر:
اللواء: سلِّمْ لي أسلحةَ الجُندْ
فعليْكمْ منذُ الغدْ
حفْرَ الريّاحِ التوفيقيّْ
عرابي: لا .. يا باشا
اللواء: ماذا قلتْ؟
عرابي: لا
اللواء: هلْ ترفضُ أمْرَ الناظرْ؟
عرابي: بالتأكيدْ
اللواء: هذا لمْ يحدثْ منْ قبلْ(3)
وحينما يخرج عرابي أمام سور قصر عابدين (في يوم الجمعة التاسع من سبتمبر 1988م) في مظاهرة من جنده، فلكي يُسمع الحكام صوت مقاومة المحكومين لأسلوب الحكام في الحكم.
إن مقاومتهم خطوة في طريق بحثهم عن حرية مصر، وحرية المواطن، الذي يُريد أن يُعطيَ روحه في سبيل حرية مصر:
عرابي: فليسْتيْقِظْ هذا القصْرُ على صوْتِ الغضَبِ الهادرْ
ولتشْهَدْ هذي السّاحهْ
أفراحَ النورِ بحريةِ مصْرْ
أوْ موتاً لا ينساهُ الدَّهْرْ(4)
إن عرابي ورفاقه لا يُقاومون من أجل المقاومة، بل يُريدون أن تُثمر هذه المقاومة، ويصحو القصر فيعرف حقوقَ الشعبِ عليه، ويعرف أن شعبه شعب حر، يُطالب بحقه في الحياة الحرة الكريمة.
ب-مواجهة الحاكم:
وتحدث المواجهة بين البطل المقاوم والحاكم الذي يستهتر بحقوق شعبه، ولهذا نرى عرابي يُواجه الخديو المستهتر بحق شعبه في الحياة الحرة الكريمة، ويطالبه بضرورة العمل على إنشاء جيش قوي قادر على الدفاع عن مصر:
الخديو: ما أسبابُ حضورِكَ بالجيْشْ؟
عرابي: جئنا يا موْلايْ
نعرضُ طلباتٍ عادلةً للأمةِ والجيشْ
الخديو: أخبرْني بالطّلباتْ
عرابي: إسقاطُ وزارةِ الاستبْدادْ
تشكيلُ المجلسِ للنوّابِ على النسَقِ الأوربِّيّْ
إبلاغُ الجيشِ إلى العددِ الكاملِ في الفرْماناتِ السلطانيَّهْ
التَّصْديقُ على قانونِ الجُنديَّهْ(5)
ولكن الخديو يرى في هذه المطالب تجاوزاً للحد، فهو صاحب البلد، ورثها عن آبائه، ويفعل فيها ما يُريد.
الخديو: لا حقَّ لكمْ في تلكَ الطَّلباتْ
فأنا وارثُ هذا البَلَدِ عن الأجدادِ
وأنتمْ ملْكي
.. وعبيدٌ تغمرُكُمْ إحساناتي(6)
وقد فوجئ الخديو بهذا الموقف المقاوم لنزواته وانفراده بالحكم، فهو لا يرى في رعيته إلا "الفلاحينَ، الأجلافَ، النَّكراتِ، الخَوَنهْ"(7).
وأمام مقاومة الفلاحين العاتية (بقيادة عرابي) يتصاغر الخديو، ويُوافق على طلبات عرابي حتى لا يفلت الزمام من يده، وموافقته هذه ليست عن مبدأ واقتناع، ولكنها حيلة لتجاوز صعوبة الموقف، سرعان ما ينفض يده منها حينما تسنح الفرصة.
والشر المتمثل في الخديو الحاكم، يُريد أن يشق صفوف الثورة، فنراه يستدعي البارودي، ويُحاول أن يؤلبه ضد عرابي:
الخديو: أيقولُ عرابي الشعرْ؟
البارودي: لا
الخديو: هلْ حازَ وِساماً مثلكَ في الحربْ؟
البارودي: لا
الخديو: هلْ كان أبوهُ أميراً أوْ ذا جاهٍ أوْ منصِبْ؟
البارودي: لا
الخديو: أيُجيدُ التركيةَ؟
البارودي: لا
الخديو: وإذنْ . لِمَ يتْبَعُهُ مثلُكْ؟
البارودي: أنا لا أتبعُ غيْرَ الحقّْ(8)
وينجح البطل المقاوم في تحقيق أهدافه، وتنجح الثورة وتتشكّل وزارة البارودي، ويحس البطل أن الثمرة أوشكت أن تنضج، وأن الشعب المُقاوم أوشك أن ينالها بنضال أفراد منه:
عرابي: خمسةُ أشْهرٍ مضتْ .. أوْ ما تكادْ
منذُ تشكّلتْ وزارةُ البارودي
وزارةُ الثورهْ
فانظرْ لهذا العهْدْ
أليْسَ عهدُنا الوحيدُ بينَ سائرِ العهودْ
منْ حرَّرَ العبيدْ
أليس عهدُنا الوحيدُ بيْنَ سائرِ العهودْ
منْ أبطلَ الكرباجِ والسُّخْرهْ؟
…
أما نزالُ يا رجالْ
نُقاومُ الربا والأجنبيَّ واحتكارَ المالْ
لحفنةِ الثراءِ والأُمراءْ؟(9)
ج-طموح البطل المقاوم، وإمكاناته:
وعرابي ـ باعتباره بطلاً مقاوما في المسرحية ـ يُريد الأكمل، والأرقى، ويطمح طموحاً لا حدّ له وهو يعرف أنه في الزمن الصعب، وأن الأعداء متكاتفون ويتربّصون به، ولذا يقول إنه لم يصل إلى ما يريده بعد لمصر من رفعة وتقدم ورقي، وإنما هي محاولة:
عرابي: فهلْ وصلْنا يا صحابْ
لحيْثُ نبغي منْ عدالةٍ؟ أقولُ: لا
لكنّنا نُفتِّحُ الأبوابْ
ونتركُ الآثارَ للذين يُقبِلون بعْدنا
ويَقتفونَ فعْلنا
فإن أصابَ العذرُ بعضَنا .. أو كُلَّنا
ذاتَ صباحٍ ثُرنا
وثارتْ البلادُ خلْفنا(10)
إن مقاومة عرابي للخديو ليست من أجل مغنم خاص للبطل (عرابي)، وإنما هي مقاومة من أجل البلد جميعاً، ولذا نرى تصميم عرابي على خلع الخديو إذا كان في ذلك خلاص مصر. وعرابي ورفاقه مستعدون لاقتحام النار في سبيل ذلك، وهو يُرحّبون بالتضحية والعذاب والتشريد في سبيل مصر:
الضباط: فلنخلع الخديوي خائنَ البلادْ
فلنخلع الخديوي
عرابي: سنخلع الخديوي
إن كان في هذا خلاصُ مصرْ
نقتحمُ اللهبْ
ونقبلُ التشريدَ والتوزيعْ
إن كان في هذا خلاصُ مصرْ(11)
د-البطل المقاوم يتأكّد ولا يظن:
ورغم ما يتردّد عن تحالف بين الخديو والمستعمر، فإن البطل المقاوم لا يأخذ عدوه بالظنة، بل لا بد من أن يستوثق بنفسه من ذلك، ويصمم على الذهاب للخديو لمعرفة الحقيقة:
عرابي: يا زُملاءْ
طريقُنا يسطعُ تحتَ الشمسْ
ولا الْتواءَ فيهْ
فسوفَ نقصدُ الخديوَ أولاً
إنْ ضمَّ صوته لنا سِرْنا معاً
وإن أبى نُواصلُ الطريقَ وحدنا(12)
إنه يُقاوم الخديو الظالم بالشعب، وهو يعي أن ثورته لن تُحقق أهدافها إلا بوعي الشعب بها، ومن ثم انتشر عبد الله النديم وإخوانه بين طبقات الشعب يعرّفون مواطنيهم بحقيقة الثورة وأغراضها، يقول واحد منهم يُدعى الشيخ سعيد في جمع من الفلاحين:
ثار عرابي يا فقراءَ الأمةْ
حتى يُلقي السُّخرةْ
حتى يُلغي الرقّْ
حتى يُلغي استغلالَ الغرباءِ لكمْ
ثار عرابي يا فقراءْ
حتى نلْقى العدْلْ
في توزيعِ مياهِ النيلْ
حتى يجدَ الكلُّ الثَّوْبْ
ورغيفَ العيشْ
ودواءَ الجسمِ المعتلّْ
ثار عرابي يا فقراءْ
حتى نتعلَّمَ منهْ
ونثورُ ونمضي خلفَهْ(13)
(يتبع)
المفضلات