آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: البطل مقاوماً في المسرح الشعري المُعاصر

  1. #1
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي البطل مقاوماً في المسرح الشعري المُعاصر

    البطل مقاوماً في المسرح الشعري المُعاصر (1 ـ 4)

    بقلم: أ.د. حسين علي محمد
    .................................

    توطئة: عن مفهوم المُقاومة في المسرح الشعري(1):
    يتمثل البطل مقاوما في صورتين:
    الأولى: مقاومة الحاكم الذي يمثل صورة من صور الحكم الجائر.
    الثانية: مقاومة المستعمر، والذود عن أرض الوطن ضد كل من يريد تدنيسها باستعمارها، واستنزاف خيراتها.
    1-مقاومة الحاكم الجائر:
    وأحمد عرابي في مسرحية "الحب والحرب" لشوقي خميس هو واحد من أبطال المقاومة الوطنية للحكام الظالمين (الذين لا يبغون مصلحة وطنهم بل مصلحتهم الشخصية، واستمرارهم في الحكم)، ومن سمات هذا البطل المُقاوم:
    أ- تبنِّي قضايا الشعب:
    إننا نرى عرابي من البداية بطلاً مقاوماً، يُدافع عن جنوده، ويرفض أن يذهبوا للسخرة، ليُشاركوا في حفر الرياح التوفيقي:
    عرابي: لن يؤخذ جنديٌّ من بين جنودي سُخرهْ
    مادمتُ أنا قائدَهمْ
    هذا ما أعْلمُهُ حقَّ العلْمْ(2)
    واللواء التركي الذي يُبلِغ عرابي الطلب، ويُجابَه بالرفض والمقاومة، ويستغرب هذه المقاومة، فهو لم يتعوّد أن يرفض أحد طلب الخديو، أو طلب الناظر:
    اللواء: سلِّمْ لي أسلحةَ الجُندْ
    فعليْكمْ منذُ الغدْ
    حفْرَ الريّاحِ التوفيقيّْ
    عرابي: لا .. يا باشا
    اللواء: ماذا قلتْ؟
    عرابي: لا
    اللواء: هلْ ترفضُ أمْرَ الناظرْ؟
    عرابي: بالتأكيدْ
    اللواء: هذا لمْ يحدثْ منْ قبلْ(3)
    وحينما يخرج عرابي أمام سور قصر عابدين (في يوم الجمعة التاسع من سبتمبر 1988م) في مظاهرة من جنده، فلكي يُسمع الحكام صوت مقاومة المحكومين لأسلوب الحكام في الحكم.
    إن مقاومتهم خطوة في طريق بحثهم عن حرية مصر، وحرية المواطن، الذي يُريد أن يُعطيَ روحه في سبيل حرية مصر:
    عرابي: فليسْتيْقِظْ هذا القصْرُ على صوْتِ الغضَبِ الهادرْ
    ولتشْهَدْ هذي السّاحهْ
    أفراحَ النورِ بحريةِ مصْرْ
    أوْ موتاً لا ينساهُ الدَّهْرْ(4)
    إن عرابي ورفاقه لا يُقاومون من أجل المقاومة، بل يُريدون أن تُثمر هذه المقاومة، ويصحو القصر فيعرف حقوقَ الشعبِ عليه، ويعرف أن شعبه شعب حر، يُطالب بحقه في الحياة الحرة الكريمة.
    ب-مواجهة الحاكم:
    وتحدث المواجهة بين البطل المقاوم والحاكم الذي يستهتر بحقوق شعبه، ولهذا نرى عرابي يُواجه الخديو المستهتر بحق شعبه في الحياة الحرة الكريمة، ويطالبه بضرورة العمل على إنشاء جيش قوي قادر على الدفاع عن مصر:
    الخديو: ما أسبابُ حضورِكَ بالجيْشْ؟
    عرابي: جئنا يا موْلايْ
    نعرضُ طلباتٍ عادلةً للأمةِ والجيشْ
    الخديو: أخبرْني بالطّلباتْ
    عرابي: إسقاطُ وزارةِ الاستبْدادْ
    تشكيلُ المجلسِ للنوّابِ على النسَقِ الأوربِّيّْ
    إبلاغُ الجيشِ إلى العددِ الكاملِ في الفرْماناتِ السلطانيَّهْ
    التَّصْديقُ على قانونِ الجُنديَّهْ(5)
    ولكن الخديو يرى في هذه المطالب تجاوزاً للحد، فهو صاحب البلد، ورثها عن آبائه، ويفعل فيها ما يُريد.
    الخديو: لا حقَّ لكمْ في تلكَ الطَّلباتْ
    فأنا وارثُ هذا البَلَدِ عن الأجدادِ
    وأنتمْ ملْكي
    .. وعبيدٌ تغمرُكُمْ إحساناتي(6)
    وقد فوجئ الخديو بهذا الموقف المقاوم لنزواته وانفراده بالحكم، فهو لا يرى في رعيته إلا "الفلاحينَ، الأجلافَ، النَّكراتِ، الخَوَنهْ"(7).
    وأمام مقاومة الفلاحين العاتية (بقيادة عرابي) يتصاغر الخديو، ويُوافق على طلبات عرابي حتى لا يفلت الزمام من يده، وموافقته هذه ليست عن مبدأ واقتناع، ولكنها حيلة لتجاوز صعوبة الموقف، سرعان ما ينفض يده منها حينما تسنح الفرصة.
    والشر المتمثل في الخديو الحاكم، يُريد أن يشق صفوف الثورة، فنراه يستدعي البارودي، ويُحاول أن يؤلبه ضد عرابي:
    الخديو: أيقولُ عرابي الشعرْ؟
    البارودي: لا
    الخديو: هلْ حازَ وِساماً مثلكَ في الحربْ؟
    البارودي: لا
    الخديو: هلْ كان أبوهُ أميراً أوْ ذا جاهٍ أوْ منصِبْ؟
    البارودي: لا
    الخديو: أيُجيدُ التركيةَ؟
    البارودي: لا
    الخديو: وإذنْ . لِمَ يتْبَعُهُ مثلُكْ؟
    البارودي: أنا لا أتبعُ غيْرَ الحقّْ(8)
    وينجح البطل المقاوم في تحقيق أهدافه، وتنجح الثورة وتتشكّل وزارة البارودي، ويحس البطل أن الثمرة أوشكت أن تنضج، وأن الشعب المُقاوم أوشك أن ينالها بنضال أفراد منه:
    عرابي: خمسةُ أشْهرٍ مضتْ .. أوْ ما تكادْ
    منذُ تشكّلتْ وزارةُ البارودي
    وزارةُ الثورهْ
    فانظرْ لهذا العهْدْ
    أليْسَ عهدُنا الوحيدُ بينَ سائرِ العهودْ
    منْ حرَّرَ العبيدْ
    أليس عهدُنا الوحيدُ بيْنَ سائرِ العهودْ
    منْ أبطلَ الكرباجِ والسُّخْرهْ؟

    أما نزالُ يا رجالْ
    نُقاومُ الربا والأجنبيَّ واحتكارَ المالْ
    لحفنةِ الثراءِ والأُمراءْ؟(9)
    ج-طموح البطل المقاوم، وإمكاناته:
    وعرابي ـ باعتباره بطلاً مقاوما في المسرحية ـ يُريد الأكمل، والأرقى، ويطمح طموحاً لا حدّ له وهو يعرف أنه في الزمن الصعب، وأن الأعداء متكاتفون ويتربّصون به، ولذا يقول إنه لم يصل إلى ما يريده بعد لمصر من رفعة وتقدم ورقي، وإنما هي محاولة:
    عرابي: فهلْ وصلْنا يا صحابْ
    لحيْثُ نبغي منْ عدالةٍ؟ أقولُ: لا
    لكنّنا نُفتِّحُ الأبوابْ
    ونتركُ الآثارَ للذين يُقبِلون بعْدنا
    ويَقتفونَ فعْلنا
    فإن أصابَ العذرُ بعضَنا .. أو كُلَّنا
    ذاتَ صباحٍ ثُرنا
    وثارتْ البلادُ خلْفنا(10)
    إن مقاومة عرابي للخديو ليست من أجل مغنم خاص للبطل (عرابي)، وإنما هي مقاومة من أجل البلد جميعاً، ولذا نرى تصميم عرابي على خلع الخديو إذا كان في ذلك خلاص مصر. وعرابي ورفاقه مستعدون لاقتحام النار في سبيل ذلك، وهو يُرحّبون بالتضحية والعذاب والتشريد في سبيل مصر:
    الضباط: فلنخلع الخديوي خائنَ البلادْ
    فلنخلع الخديوي
    عرابي: سنخلع الخديوي
    إن كان في هذا خلاصُ مصرْ
    نقتحمُ اللهبْ
    ونقبلُ التشريدَ والتوزيعْ
    إن كان في هذا خلاصُ مصرْ(11)
    د-البطل المقاوم يتأكّد ولا يظن:
    ورغم ما يتردّد عن تحالف بين الخديو والمستعمر، فإن البطل المقاوم لا يأخذ عدوه بالظنة، بل لا بد من أن يستوثق بنفسه من ذلك، ويصمم على الذهاب للخديو لمعرفة الحقيقة:
    عرابي: يا زُملاءْ
    طريقُنا يسطعُ تحتَ الشمسْ
    ولا الْتواءَ فيهْ
    فسوفَ نقصدُ الخديوَ أولاً
    إنْ ضمَّ صوته لنا سِرْنا معاً
    وإن أبى نُواصلُ الطريقَ وحدنا(12)
    إنه يُقاوم الخديو الظالم بالشعب، وهو يعي أن ثورته لن تُحقق أهدافها إلا بوعي الشعب بها، ومن ثم انتشر عبد الله النديم وإخوانه بين طبقات الشعب يعرّفون مواطنيهم بحقيقة الثورة وأغراضها، يقول واحد منهم يُدعى الشيخ سعيد في جمع من الفلاحين:
    ثار عرابي يا فقراءَ الأمةْ
    حتى يُلقي السُّخرةْ
    حتى يُلغي الرقّْ
    حتى يُلغي استغلالَ الغرباءِ لكمْ
    ثار عرابي يا فقراءْ
    حتى نلْقى العدْلْ
    في توزيعِ مياهِ النيلْ
    حتى يجدَ الكلُّ الثَّوْبْ
    ورغيفَ العيشْ
    ودواءَ الجسمِ المعتلّْ
    ثار عرابي يا فقراءْ
    حتى نتعلَّمَ منهْ
    ونثورُ ونمضي خلفَهْ(13)
    (يتبع)


  2. #2
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: البطل مقاوماً في المسرح الشعري المُعاصر

    البطل مقاوماً في المسرح الشعري المُعاصر (2ـ 4)

    بقلم: أ.د. حسين علي محمد
    ................................

    ومن ثم يثور الفلاحون على المستغلين والأجانب والمرابين(14)، ويُطالبون بحقوقهم الضائعة والمُنتهَبَة.
    ويعرف الخديو ومن حوله من المستفيدين من السلطة غاية الثورة في الدفاع عن حقوق المواطن المصري في وطنه، فيلتفون حول الثورة، ويُمارسون وسائل شتى تفشل جميعاً، ويعرف عرابي أنه لم يبق لدى أعداء الوطن إلا العنف السائر لدق رؤوس المقاومة:
    عرابي: يا أصحابي .. يا أعضاءَ الحزبِ الوطني
    معَنا جرَبَ أعداءُ الوطنِ وسائلَ شتّى
    المالَ، الدَّسَّ، الخُدعةَ ..
    لمْ نتزحْزحَ عنْ وطنيّتِنا
    وسيلجأ أعداءُ الوطنِ إلى العُنفِ الضّاري
    ما عادَ مفَرٌّ
    فعليْنا أنْ نبْقى مُتّحديْنْ
    فالهوْلُ سيُقْبِلُ، لنْ يتباطأْ
    وسيُمتحنُ صمودُ الرجلِ الحُرّْ(15)
    ويصح توقع عرابي، وتأتى اللائحة المشتركة من بريطانيا وفرنسا تطلب من الخديو إبعاد عرابي عن مصر، وتحديد إقامة زميليه على فهمي وعبد العال حلمي، ويقف محمود سامي البارودي رئيس الوزراء ضد اللائحة المشتركة لتدخلها فيما لا يعني إلا مصر، وتعديها المرفوض على كل حقوق الأمة والفرمانات السلطانية والقانون الدولي. فهل يقبل الخديو رأي الأمة والنظار؟
    إنه يرفض، ويعتبرهم يقاومونه، ويتحدث بلغة مستهجنة، موافقا على اللائحة المشتركة:
    الخديو : ما دُمتُ خديوي هذاَ البلدِ فَأَنا أعرْفُ خيراً مِنْكُمْ
    ما فيه الخيرُ لِمصْر
    ولذلك أُبلغكم أَني اليوَم قَبِلْتُ اللائحةَ المُشْتَركةْ (16)
    هـ - البطل المقاوم ، والشعب :
    ويلجأ عرابي إلى الشعب ، ويلتف حوله الشعب ، ولكن الخديو السادر في غيه يستعين بالإنجليز الذين يهاجمون الإسكندرية 0
    وينجح البطل المقاوم (عرابي) في أن يستقطب حوله الشعب ونوابه وحكام مديرياته وشيوخ الأزهر ، وبطريرك الأقباط ، وكبار رجال الدولة . لكن الخديو والإنجليز بمعاونة الخائنين مثل خنفس وعبد الرحمن حسن يقضون على مقاومة عرابي ورفاقه ويخمدون شعلة الثورة العرابية (17).
    إن هزيمة عرابي لم تكن نتيجة لتقصيره أو سوء مقصده، فقد أعدّ كل ما يملكه، وكان ذا هدف نبيل، استطاع أن يستقطب الشعب وفئاته حوله، ولكن القرن التاسع عشر كان قرن القوة الاستعمارية الجامحة التي لم يستطع أحد أن يقف في طريقها، أو يوقف عاصفتها الهائجة وإعصارها المدمِّر.
    وحسب عرابي أنه قاوم الأوضاع الخاطئة في بلده، ووقف في وجه السلطة من أجل مصلحة شعبه، وبذل كل ما يستطيع من جهد بشري في سبيل هذا الغرض النبيل.
    و-وظيفة الحاكم عند البطل المُقاوم:
    وفي مسرحية "محاكمة رجل مجهول" لعز الدين إسماعيل، نجد نموذجاً آخر للبطل المقاوم هو الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ ، الذي لا يرى في الحاكم الجالس على كرسي الحكم في دمشق إلا نموذجاً للحاكم السيئ، لا الحاكم المسلم(18):
    أبو ذر: فأنا لا أعرفُ في القصرِ العالي بدمشقْ
    إلا رجلاً(19) أعمتْهُ الشهوةُ ..
    يبغي أن يُصبحَ ..
    مثلَ ملوكِ العَجَمِ أو الرومْ
    يكتنزُ الأموالَ ويحبسها عن خلقِ اللهْ
    عن هذا المسكينِ، وهذا المسكينِ، وهذا …
    (يُشير إلى أفراد من الواقفين)
    عن كل الضعفاءِ المحتاجينْ
    (جماعة الواقفين ينضمون إليه، ويلتفون حوله)
    كيْما ينفقُ في أبَّهَتِهْ
    فأثاثُ القصرِ استجْلبهُ منْ بيزنْطهْ
    وطنافسُهُ منْ تركسْتانْ
    وستائرُهُ منْ مخْملِ فارسْ
    والخاتمُ في إصبعِهِ جوْهَرَةٌ منْ جُزُرِ الهنْدْ(20)
    إن الحاكم إذا كان على مثل هذه الشاكلة: يسكن القصور الفخمة، ويقتني الرياش والأثاث الثمين، ولا يهتم بالفقراء والمساكين ـ وقد تولّى أمور الأمة من أجل المحافظة على مصالحهم والدفاع عنها ـ نقول إذا كان الحاكم المسلم على هذا النحو فإنه لا يختلف عن حكام العالم القديم (من الفرس أو الروم)، والذي جاء الإسلام لإزالته، والحاكم الذي يفعل هذا يعتدي على حقوق الفقراء في مال الله:
    أبو ذر: (إلى الجمهور الملتف حوله)
    لا يا سادهْ
    هذا تضليلٌ، وضحيتُهُ أنتمْ
    أنتمْ أصحابُ الحقِّ الشرعيُّونْ
    المالُ لكمْ
    للفقراءِ وللمحتاجينْ
    والوالي ما ولاّهُ اللهُ عليْكمْ
    كيْ يحبسَ عنكمْ خيْراتِهْ
    بلْ ليُوزِّعَها بالقسطاسِ عليْكمْ(21)
    وكان من الطبعي أن يلتف حول أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ البسطاء من الناس حين لمسوا فيه الجرأة، وأحسوا نبض الصدق في كلماته، ولهذا يأمر الحاكم ـ في النص المسرحي ـ بالقبض عليه لترويعه، ولكنه يُفاجأ بأن أبا ذر لا يتراجع، بل يقول أمامه الكلام نفسه الذي كان يقوله للعامة:
    معاوية: في ظني أنك مُستاءٌ منْ أمرِ الشرطهْ
    حسناً، لا نملكُ إلاّ أنْ نعترفَ بأنّا أخطأْنا في هذا
    لكنّكَ أنتَ أسأْتَ إلى الأمةِ جمعاءْ
    إذْ تدعو الناسَ إلى الفوْضى
    وتؤلبُهمْ ضدَّ الوالي
    أبو ذر: ما وُلِّيتَ عليهمْ كيْ تستأثرَ أنتَ وأمثالُكَ بالثروهْ
    ويموتَ الناسُ جياعاً في الطرقاتْ(22)
    لكن مقاومة أبي ذر لم تُجد فتيلا، ونُفيَ إلى الربذة فعاش فيها وحيداً، ومات وحيداً، حتى لا يُقلق الحاكم بمثل قوله "بشِّر الكانزين بمكاوٍ من نار"، وحتى لا يتلو الآية الكريمة: "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون"(23).
    ***
    السمات المضمونية للبطل المُقاوم:
    ومن السمات المضمونية التي رسمها شعراء المسرح في النصف الثاني من القرن العشرين، سواء أكانت المقاومة لمستعمرٍ باغٍ، أو حاكم ظالم:
    أ-استعداده للموت في سبيل قضيته:
    ومن الشخصيات المقاومة شخصية الحسين بن علي في ثنائية «ثأر الله» لعبد الرحمن الشرقاوي. يقول الحسين  في حوار مع أخته زينب ـ رضي الله عنها ـ :
    الحسين: ... لا يا أخية لا لن أحيدَ فهذا مصيري ولنْ أتْرُكَهْ
    وما أنْشدُ الأمْنَ حتى أعودَ
    لآمنِ بالعيش في ظلِّ مكةَ
    وما أنشدُ الجاهَ والممْلكةْ
    ولكنْ خرجتُ أرُدُّ المظالمْ
    خرجتُ لأقضيَ للهِ ديناً تعلقَ للعدْلِ في ذمَّتي
    طريقي مبينْ
    فلا بدَّ لي من سلوكي الطريقَ إلى غايتي
    زينب: يقولُ ابنُ عمِّكْ:
    أتُلقي بنفسكَ للتَّهلكةْ؟
    الحسين: ولكنَّهُ قدري أن أذودَ عن العدلِ مهما يقفْ في سبيلي
    هو الحقُّ أخرجُ منْ أجْلِهِ
    فإنْ كانَ لا بُدَّ منْ معركةْ
    وإنْ كانَ لا بُدَّ منْ مستشْهدينْ
    فيا أملاً عزَّ منْ أدركَهْ
    أنا ذا خرجْتُ بسيْفِ الرسولِ
    ودرعِ النبيِّ إلى المعركةْ(24)
    ومن الشخصيات المُقاومة ـ أيضاً ـ شخصية "المتنبي" في مسرحية "محاكمة المتنبي" للدكتور أنس داود، حيث نرى الحاكم "كافور" يريد قتل الشاعر المُقاوم "المتنبي" باسم القانون:
    كافور: يا شاعر
    تدري أن الدولةَ في عهْدِ ولايتيَ الذهبيَّهْ
    لا تلجأُ في أيِّ الأحوالِ إلى أيَّةِ إجراءاتٍ إستثنائيةْ(25)
    أوْ نأخذُ أحداً بالظنَّةِ
    حتى … (يلوِّح له بالأوراق)
    حينَ يكونُ الأمرُ مناشرَ ثوريَّهْ
    تدعو الناسَ إلى قتْلِ السلطانْ
    ولهذا …
    الأميرة: (مُقاطعة)
    ولهذا يا شاعر
    قرَّرَ مولانا السلطانْ
    أنْ يُسلِمكَ إلى مولانا القاضي
    كيْ يَقْتُلَك السُّلْطانُ، ويقتلك القاضي
    باسمِ القانون(26)
    فما هذه التهمة التي تستوجب القتل؟
    إنها ليست سوى قصيدة تُقاوم الأوضاع المُتردية في المجتمع الذي يحكمه "كافور"، حيث يتفشى الفقر والظلم والفساد والعفونة.
    إن كل ذنب "المتنبي" البطل المُقاوِم في المسرحية أنه كتب قصيدة تقود إلى نتيجة معروفة سلفاً، وهي القتل.
    تقول كلمات القصيدة التي يعدها "كافور" منشوراً ثوريا يُهدِّد حكمه:
    إذا رأيتمو ..
    الفقرَ يسْعى في دروبِ هذهِ المدينهْ
    فلْتقْتلوا كافورْ
    إذا رأيْتمو ..
    الظُّلمَ والفسادَ والعفونَهْ
    فلْتقْتلوا كافورْ
    إذا رأيْتمو ..
    ظِلالَ روميٍّ بهذهِ المدينهْ
    فلْتقْتلوا كافورْ(27)
    (يتبع)


  3. #3
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: البطل مقاوماً في المسرح الشعري المُعاصر

    البطل مقاوماً في المسرح الشعري المُعاصر (3ـ 4)
    بقلم: أ.د. حسين علي محمد



    وفي المحاكمة يُوضِّح المتنبي مغزى أقواله هذه أمام كافور وقاضي القضاة ومساعديه والسياف ومسرور وأفراد من الجمهور.
    قاضي القضاة: هلْ هذا شعرُكْ؟
    المتنبي: شِعري يا موْلايْ
    الوزير: التهمةُ ثابتةٌ
    والشاعرُ معترفٌ بالجُرْمْ
    قاضي القضاة: ما قولُكَ يا شاعرْ؟
    المتنبي: دعني أسألُ مولايَ السلطانْ
    هلْ تنوي نشْرَ الفقْرِ وتعميمَ الظُّلْمْ؟
    (يبهت كافور، ويبدو عليه الغيظ، ولا يُجيب
    يتوجّه الشاعر للقضاة)
    أسألُكمْ أنتمْ عنْ مولايَ السُّلطانْ
    هلْ ينوي نشْرَ الفقْرِ وتعميمَ الظُّلْمْ؟
    القضاة: حاشا للهْ
    مسرور: حاشا للهْ
    المتنبي: أسألُ ثانيةً موْلايَ السلطانْ
    (يتجه إلى كافور)
    يا موْلايَ السلطانْ
    هلْ تنوي التسليمَ لأعداءِ الإسلامْ
    وفتْحَ حدودِ مدينتِنا للرُّومْ؟
    القضاة: حاشا للهْ
    مسرور: حاشا للهْ
    المتنبي: هذا حسبي
    (يتجه للجمهور)
    معنى شعري:
    لا تقتلوا كافورْ
    إنْ ردَّ أعداءَ البلادِ عنْ حدودِنا المصونَهْ
    وإنْ أشاعَ العدلَ والسكينهْ
    فإنْ رأيْتمو
    الفقْرَ يسعى في دروبِ هذه المدينهْ
    وإنْ رأيْتمو
    ظلالَ روميٍّ بهذه المدينهْ
    فلْتقتلوا كافورْ(28)
    والمتنبي كما تحرص هذه المسرحية على أن تقدّمه ـ بطل شاعر، مهتم بقضايا شعبه، ويتضح ذلك من إجابته على سؤال قاضي القضاة:
    ماذا تشغلُ نفسَكَ بهْ؟
    فيرد:
    المتنبي: أشغلُ نفسي بجمالِ الكوْنْ
    أُتابعُهُ، وأُصوِّرُهُ، وأُغنِّيهْ
    وأُجسِّدُهُ للشعبِ .. يُراوحُهُ ويُغاديهْ
    حتى (29)يغْدو الشعبُ شفيفَ الرُّوحِ نقيا
    ورهيفَ الحسِّ أبيا
    حينَ أرى القُبْحَ أثورُ
    وتعصرُ فيَّ الآلامُ، أكادُ أُجَنُّ إذا
    طالعَني الظلمُ، وجانبَني القهْرْ
    وأكادُ أُجَنُّ إذا أبصرْتٌ ضحايا الفقْرْ(30)
    ويتضح شغل المتنبي نفسه بقضايا وطنه وأبناء شعبه في نقده لكافور، حيث لا يجد في ظلال حكمه الحرية والحق والعدل، بل لا يجد إلا هزال الأطفال، ونضوب الأثداء، وجموع المحرومين الفقراء، وتحرك الجند للعصف بأي صوت هامس بحلم الحرية ويحس من همسه أنه يتصل بنقد الحاكم، بينما لا تتحرك هذه الجنود حينما تُحاصر العواصم والثغور الإسلامية من قبل الأعداء(31).
    والمتنبي يعرف أن القتل ينتظره غيلةً وغدراً، وتقترح عليه الأميرة الهرب، ولكنه يقول إنه سيُقاوم، وسيظل صوت المقاومة حتى تنتصر الثورة ويزول كافور:
    الأميرة: اهرب .. اهربْ
    وتسرّب مثلَ الماءْ
    اهربْ كالطّيْرِ طليقاً في الأجواءْ
    من أجلي، منْ أجلكَ، منْ أجلِ الفقراءْ
    كنْ مثلَ شُعاعِ الشمسِ، ومثلَ عبيرِ الزَّهْرِ
    ومثلَ الخيْرِ، ومثْلَ الشعرِ
    ومثلَ الأمنيةِ المُفصحةِ الخرساءْ
    المتنبي: أنا ملكُ عنايةِ هذا الشعبِ الطيبْ
    فاغتفري لي .. أني لنْ أهربْ
    لنْ أتذمَّرَ .. لنْ أشكوَ .. لنْ أبكيَ
    قدري قدَرُ البُلبلِ فوقَ الأيْكْ
    أنْ يتغنَّى بالحسْنِ
    وينْفرُ منْ قُبْحِ الشَّوْكْ
    أن يصحوَ(32) الفجْرُ على بسمتِهِ
    ويُطاردُهُ جشَعُ الصيّادْ
    فليسْمعْ شعبي
    أعطيْتُ لهُ قلْبي
    فيْضاً منْ وَهَجِ الشعرِ
    ومنْ نبْضِ الحبّْ
    وليسْمعْ صوتي الفقراءْ
    ويسْمعْني الأطفالُ
    وأجيالُ المسْحوقينَ التعساءْ
    وليسْمعْني السادةُ، والقادةُ، والأوْغادْ
    إني المتنبّي
    أسمعُ ـ قادمةً ـ صوتَ الثورهْ
    أُبصرُ ـ قادمةً ـ زحْفَ الثورةْ(33)
    ب-قتال الأعداء يشفي صدر البطل المقاوم، فالمقاومة تعني الحياة:
    قد تكون المقاومة لخطر خارجي متمثل في استعمار يهدد أرض البلاد بالاحتلال، أو يحتلها بالفعل، فلا يهدأ البطل ولا يقر له جفن إلا بمقاومة المستعمر وإشعال الحرب ضده.
    تبدأ مسرحية «خدش في الجرة» لجليلة رضا و"عباس" ـ أحد أبطال المقاومة الشعبية في مدينة بور سعيد عام 1956م ـ مريض، ولكنه مصمم على القتال، وواثق من النصر على العدو:
    عباس: (في حماس)
    … قد يحدثُ أن تنخدشَ الجرّهْ
    لكنّ الماءَ بداخلها سيظلُّ نقيا وطهورا
    قد يحدثُ أن ينطفئَ المصباحُ ولوْ فتْرهْ
    لكنّ الزيتَ المخزونَ بداخلهَ سيظلُّ غزيراً ووفيرا
    قد يحدثُ أن نتقهْقَرَ مرّهْ
    لكنّا سنُعيدُ الكرّهْ
    ونُعيدُ الكرّهْ
    ونُعيدُ الكرّهْ
    فلدينا الإيمانُ بأنفسِنا
    بالنّصْرْ
    بكفاحِ عروبتِنا الحُرَّةْ(34)
    وصلاح الدين الأيوبي في مسرحية "النسر الأحمر" لعبد الرحمن الشرقاوي مريض، لكنه يحس أنه سيشفى بأمر الله عندما يمتطي صهوة حصانه ويُقاتل الصليبيين الذين يُهدِّدون مقدسات العالم الإسلامي:
    صلاح: عندما أركبُ أُشْفى
    لمْ أعُدْ أشعرْ بالقوّةِ إلا في مثَارِ النَّقْعِ
    والخيْلُ يُحمحمْنَ وراياتُ النسورِ الحُمْرِ يزْحمْنَ الفضاءْ
    وصليلُ السَّيْفِ في أُذْني كموسيقا السَّماءْ
    آهِ كمْ شاقَني هذا جميعاً(35)
    إن صلاح الدين الأيوبي البطل المُقاوم لا يُحب الحرب لذاتها، بل يخوض غمارها ليطهّر أرضه من الأعداء الذين كبّلوا الحق وملأوا الأرض بالمآسي والعذاب، وقسموا العالم قسمين:
    قِسم الأسياد الذين يحكمون من القصور.
    وقسم العبيد الذين ليس لهم مقر فوق الأرض إلا القبور.
    صلاح: يا إلهي
    إنهم قدْ لطّخوا بالدّمِ والأوْحالِ وجْهَ العصْرِ كلِّهْ
    ملأوا بالحقْدِ قلبَ الفقراءِ الضُّعفاءْ
    كبَّلوا الحقَّ وجرُّوهُ ذليلاً
    في ذيولِ الخيْلِ يدْمى فوقَ أرْضِكْ
    جعلوا الإنسانَ صيّاداً وصيْدا
    قسَموا الناسَ إلى وحْشٍ مُخيفٍ وفريسهْ
    لستُ ممّنْ يعشقونَ الحرْبَ ..
    لكنِّي أخوضُ الحرْبَ كيْ يطهُرَ وجهُ الأرضِ ممّنْ
    ملأوها بالمآسي والعذابْ
    ولكيْ ترتفعَ الهاماتُ منْ تحت الترابْ
    ولكيْ ينتفضَ المقهورُ
    منْ وطأةِ ما يقهرُهُ عبْرَ العصورْ
    ولكيْلا يُقْعِيَ الحقُّ ذليلا ..
    حتى تستكبِرَ في الأرضِ الشرورْ
    ولكيْلا يُصبح العالمُ سكانَ قصورٍ أوْ قبورْ(36)
    ج-عدم المساومة في مواجهة العدو:
    ولهذا لا يُساوم البطل، ويستعد دائماً لتقديم نفسه فداءً لوطنه وما يعتقده، يقول صلاح الدين الأيوبي مخاطبا ريتشارد قلب الأسد:
    فإنْ كنتَ جئتَ لتغْتصِبَ الأرضَ منّا
    فلا لنْ نُسلِّمَ حتى ذراعاً من الأرضِ طوْعاً(37)
    والشهادة أثمن ما يحرص عليه البطل، يقول عرابي ردا على تهديد الإنجليز بضرب الإسكندرية إذا لم تُسلِّم طوابيها ..
    عرابي: نحن لنْ نمنحكمْ أرضَ الوطنْ
    فلتسيروا فوْقَ أشلاءِ ضحايانا ..
    سنسْتشهدُ حتى أصْغرَ الأطفالِ فينا
    فإذا جئتم مشيتم في خرابٍ فوقَ أرضٍ حرّةٍ
    نالَ بنوها كلُّهمْ فخْرَ الشهادةْ(38)
    وينجح البطل في إقناع الشعب بالمقاومة ضد المعتدي الإنجليزي، فيقاوم الشعب كله في هذه الصورة الفريدة التي تصفها جوقة الرواة (القائد، القائدة، المجموعة) على النحو التالي:
    القائد: أطلقَ الأسطولُ نيرانَ المدافِعْ
    والخديو آمِنٌ أبْعَدُ منْ مرمى المدافعْ
    ثَبَتَتْ كلُّ الطَّوابي
    لمْ تكنْ قدْ حُصِّنَتْ بعْدُ بما يكْفي لصدِّ المعتدينْ
    القائدة: وإذا الناسُ جميعاً منْ رجالٍ ونساءٍ وصِغارْ
    قدْ جَرَوْا نحوَ الطَّوابي بالذّخائرْ
    المجموعة: هو ذا البارودُ يا جنديُّ قاومْ
    القائد: أعْطني المِقلاعَ، ثبِّتْ كرةَ النارِ عليْهِ يا صغيري
    اقذفوا الأسطولَ حتى بالحجارهْ
    قسَماً لنْ يطَأو أرضي ولوْ حتى على أشْلائنا
    أيُّها الجنديُّ قاوِمْ
    كلُّ شيٍْ في الطوابي يتهدَّمْ
    معَ هذا سنُقاومْ
    المجموعة: يا عرابي، نحنُ من حولكَ ..
    باسمِ اللهِ باسْمِ الشعبِ قاومْ(39)
    (يتبع)


  4. #4
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: البطل مقاوماً في المسرح الشعري المُعاصر

    البطل مقاوماً في المسرح الشعري المُعاصر (4ـ 4)
    بقلم: أ.د. حسين علي محمد


    إن البطل والشعب يشتركون جميعاً في المقاومة، وهكذا يكون البطل معبراً عن لسان الشعب، ومقاوماً ـ رغم ضراوة المستعمر ـ إلا أن إرادة الحياة الحرة الكريمة، تجعل من المقاومة شرفاً للإنسانية أن أنجبت من يصنعون بأجسامهم وإرادتهم ملحمةً للنضال والمُقاومة:
    القائدة: باسمِ أحزابِكِ يا مصرُ وأشواقِكِ للعدلِ نُقاومْ
    أيَّ آلاتِ دمارٍ صنعوها تقذفُ الأهوالَ والنّارَ عليْنا؟!
    كلُّ شيءٍ يتهدَّمْ
    غير ما في القلبِ منا ما انهدمْ
    أيُّ طوفانٍ من النيرانِ يجتاحُ المدينهْ؟!
    المجموعة: معَ هذا سنُقاومْ
    القائد: آهِ .. ما أروعَ هاتيكَ الملاحمْ!!
    إنها رائعةٌ أروعُ منْ كلِّ الأساطيرِ العظيمهْ!!
    آهِ ما أروعَ أبطالَكِ يا مصرُ وهمْ بالرغمِ منْ هذا
    رجالٌ ونساءٌ وصغارٌ بسطاءْ!!
    القائدة: هو ذا طفلٌ رضيعٌ حملتْهُ أُمُّهُ
    يدُها الأخرى قد امتدّتْ لكيْ تعمُرَ مقلاعَ أبيهْ
    سدَّدَ الأسطولُ للطِّفْلِ قذيفَهْ
    فشوتْهُ النّارُ في أحْضانِ أُمِّهِ
    يا وحوشاً تبْرأُ الغاباتُ منها!!
    هو ذا جثمانُ شيْخٍ قدْ تفحَّمْ
    وسحاباتُ دخانِ الرَّوْعِ يحجبْنَ شُعاعَ الشمسِ عنّا
    ولظى النيرانِ يلتفُّ عليْنا
    المجموعة: مع هذا سنُقاومْ(40)
    د-المقاومة تعني الحياة:
    إن المقاومة في مسرح الشعر الحر تصير لحناً يردده كل الشعب، حتى لو سقطت مدينة، وحتى لو استشهد الآلاف، وفي المنظر السابع من الفصل الثالث يدور حوار بين عرابي، وتوفيق، وسلطان باشا. وبينما يتخاذل الأخيران نجد عرابي المُقاوِم يُدافع عن وطنه بوازع من واجبه الشرعي:
    عرابي: نحنُ نُقاومُ معتدياً وثَبَ على البلدِ الطيِّبْ
    هذا واجبُنا الشَّرعيُّ وإلاّ خالفْنا الإسلامْ(41)
    وهو يعرف أن الإسلام شَرَعَ الجهاد ردا على العدوان ودفعاً للظلم:
    عرابي: ما أعلنْتُ الحربَ عليْهمْ مُعتدياً
    كيْ أغزوَهمْ في أرْضِهمُ
    لكنّا قاومْنا العدوانْ(42)
    وحينما تلتوي الحقيقة عند الخديو وأصحاب المصالح ـ أمثال سلطان باشا ـ فإننا نجد الرؤية واضحة عند عرابي، وسيُقاوم حتى الموت:
    توفيق: هذا ليسَ بعدوانْ
    ورعايانا لا يدرونَ وقد سكتوا عنّا لولاكْ
    عرابي: أتحسبهمْ باعوكَ الصَّمتْ؟
    بلْ منحوكَ ولاءهمُ لتُدافعَ عنهمْ ضدَّ الغازي
    توفيق: لقدْ نبَّهتُكَ مرّاتٍ .. هلْ تفهمُ أنتْ؟
    فافْهمْ أنهمُ جاءوا ليُقرُّوا السِّلمَ ويحموا الأمْنْ
    فتنْجوَ مصرُ من الفوْضى
    سلطان باشا: جنِّبْ هذا الشعبَ قتالاً .. سيُدمِّرُهُ تدميرا
    توفيق: لا تتعرّضْ لهمُ بعْدُ فهمْ جاءوني بالأمْنْ
    عرابي: بلْ همْ جاءوا محتلِّينَ ومُغتصبينْ
    همْ ليسوا صُنّاعَ الأمْنْ
    لا .. بلْ همْ تُجّارُ الموتْ ..
    سأُقاومُهُمْ حتى الموتْ(43)
    وعندما ينتصر الأعداء ويعيثون فساداً في الأرض تُصبح المقاومة مرادفة للحياة عند البطل، يقول جشم البطل الكنعاني المقاوم في مسرحية "أرض كنعان" لمحمد العفيفي، وهو يرى الإسرائيليين يعصفون بالأخضر واليابس في غيبة الوحدة العربية:
    جشم: إنّي أحيا فوقَ الأرضِ لأنّ نضالي لم يتحوّلْ
    صمتاً وخضوعاً
    أنا ما متُّ لأني مازلتُ أُصارعْ(44)
    وهكذا فإن الهزيمة ـ إن وقعت ـ لا تعني فشل البطل المقاوم، ولا تعني نهاية العالم، مادام لم يستسلم لإرادة أعداء الحياة.
    وإذا عرفنا أن كل هذه المسرحيات قد كُتبت بعد هزيمة يونيو (حزيران) 1967م، تأكّدنا أن المسرح الشعري لم ينفصل عن هموم الجماعة، وأنه كان يرفع راية المقاومة حتى لا تموت الأمة، أو ينخر داء الهزيمة صُلبَ إرادتها.
    الهوامش:
    (1) مبحث من كتاب «البطل في المسرح الشعري المُعاصر»، سلسلة «كتابات نقدية»، العدد (6)، الثقافة الجماهيرية، القاهرة 1991م.
    (2) شوقي خميس: الحب والحرب، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1985م، ص45.
    (3) السابق، ص45.
    (4) السابق، ص42.
    (5) السابق، ص76 ، 77.
    (6) السابق، ص77.
    (7) السابق، ص81.
    (8) السابق، ص85.
    (9) السابق، ص90، 91.
    (10) السابق، ص91، 92.
    (11) السابق، ص92.
    (12) السابق، ص92.
    (13) السابق، ص100.
    (14) السابق، ص ص95-104.
    (15) السابق، ص108.
    (16) السابق ، ص 117.
    (17) ينظر: عبد الرحمن الرافعي: الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزي، ط 4، دار المعارف، القاهرة 1983م.
    (18) لا يجوز شرعاً أن يقال مثل هذا الكلام في معاوية ـ رضي الله عنه ـ وهو صحابي جليل، لكن كثيراً من كتاب المسرح والشعر ـ حماساً غافلاً أو جهلاً ـ جعلوا من أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ مقاوماً، وصبغوا رؤيتهم بظلال حمراء في فترة المدِّ الاشتراكي في الستينيات الميلادية.
    (19) في الأصل "رجل" وهو خطأ نحوي بارز.
    (20) د. عز الدين إسماعيل: محاكمة رجل مجهول، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة 1971م، ص54، 55.
    (21) السابق، ص55.
    (22) عبد الرحمن الشرقاوي: علي إمام المتقين 1/169. وخالد محمد خالد: رجال حول الرسول، ط4، دار المعارف، القاهرة 1986م، ص94.
    (23) سورة التوبة: بعض الآية 34، والآية 35.
    (24) عبد الرحمن الشرقاوي: ثأر الله، ط2، العصر الحديث للنشر والتوزيع، بيروت 1405هـ-1985م، ص 149، 150.
    (25) تحولت ألف الوصل في كلمة "استثنائية" إلى همزة قطع من أجل الوزن.
    (26) د. أنس داود: محاكمة المتنبي، مكتبة دار العروبة، الكويت 1983م، ص35، 36.
    (27) السابق، ص45.
    (28) السابق، ص ص45-48.
    (29) الوزن مكسور في قولـه "حتى يغدو الشعب" والصواب : حتى يغدو هذا الشعب.
    (30) السابق، ص43، 44.
    (31) ينظر السابق، ص36، 37.
    (32) هنا خطأ في الوزن، والصواب: أن يصحو هذا الفجْرُ.
    (33) السابق، ص51، 52.
    (34) جليلة رضا: خدش في الجرة، ط1، مطبعة الدار البيضاء للطباعة والصحافة والنشر، القاهرة 1969م، ص27.
    (35) عبد الرحمن الشرقاوي: النسر الأحمر، مؤسسة روز اليوسف، القاهرة 1974، ص78.
    (36) السابق، ص71.
    (37) السابق، ص94.
    (38) عبد الرحمن الشرقاوي: عرابي زعيم الفلاحين، ط1، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة 1985م، ص204.
    (39) السابق، ص204.
    (40) السابق، ص205.
    (41) السابق، ص208.
    (42) السابق، ص208.
    (43) السابق، ص208، 209.
    (44) محمد العفيفي: أرض كنعان، دار الكاتب العربي، القاهرة د.ت. ، ص136.


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •