آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: كيف ننتقد العقل التاريخي

  1. #1
    عـضــو الصورة الرمزية محمد معمري
    تاريخ التسجيل
    30/06/2009
    المشاركات
    250
    معدل تقييم المستوى
    15

    افتراضي كيف ننتقد العقل التاريخي

    كيف ننتقد العقل التاريخي

    إن نقد العقل التاريخي يُعدّ كمنارة تهتدي بها السفن من أجل الرسو في مرسى آمن في ليل دامس تحت وطأة الإعصار وعتو الأمواج... فالمنارة هي العلم الذي يدلنا على طريق بناء مجتمع متقدم ومتطور في دولة مثالية.. والسفن هي المجتمعات على أشكال ألوانها وعقائدها وأجناسها.. والليل الدامس هو الحياة التي يكتسيها الغموض.. والإعصار وعتو الأمواج... هي السبل التي تنهجها الجماعات من ديانات وتيارات ومذاهب وأحزاب وقبائلية... ولا يُمكن أن نصل إلى نقد العقل التاريخي إلا إذا استيقظنا وتيقظنا وعُدنا إلى فطرتنا التي وُلدنا عليها؛ ثم اعترفنا بأخطائنا، وعيوبنا، وضعفنا، وهزيمتنا... ومن هذه الزاوية بالضبط يُمكن أن نستنبط من كل نقصاننا المعنى الحقيقي للحياة المثالية التي طالما كنا نصبو إليها بطريقة أو بأخرى.. إلا أن الفشل الناتج عن تخبطنا العبثي هو المآل الأخير الذي نركن إليه ونسمي كل محاولة "أمل"، لكن نستطيع أن نحول نقائصنا إلى قلب نابض يتحول فيه الضعف إلى قوة...
    ونقد العقل التاريخي لا يتطلب منا كثرة الجدل، ولكن يطلب منا أن نكون نحن الأكثر إذا ما استطعنا أن نغير من سلوكياتنا، لأنه من المنطق أن يبحث الإنسان كيف يتغير لا كيف يستطيع أن يُغير غيره.. وإذا كانت لدينا رغبة في نقد العقل التاريخي يجب أن نلتزم ونعتمد منهاج النقد، وليس الإيديولوجيات.. لأن الهدف الحقيقي من النقد هو الكشف الذاتي؛ وهذا يتطلب منا أن نولي الاهتمام الأكبر إلى كل ما هو طبيعي، بعودتنا إلى البساطة والطبع، وليس التطبع. كما يدعو هذا النقد إلى عدم جعل الحوار مسألة شخصية، أو يكون الكلام يحتوي على شوائب.. ويدعونا أيضا إلى نظام جماعي باستعمال العقل، والإجماع، والقياس، والاجتهاد الذي يحتم علينا ضرورة التواصل مع الأحداث المعاصرة؛ وبطبيعة الحال كمسلمين يكون مرجعنا الكتاب والسنة إذا كان النقد يخص فقط المسلمين شرط أن نكون غير مقيدين بآراء الفقهاء...
    وأصعب ما في نقد العقل التاريخي هو التقيد بالآراء الموضوعة، والتشبث بكل ما هو عقائدي سواء أكان اجتهاديا من طرف الأفراد، أو عن الإجماع، أو عُرفيا... وكذلك التقيد بالأفكار التيارية، أو الحزبية، أو المذهبية، أو الدينية... والإنسان من طبع غرائزه الفطرية يبحث دائما عن السلام والأمل.. ونقد العقل التاريخي هو الوسيلة، والكشف الذاتي هو الغاية. ولا يُمكن أن نتقدم ونزدهر ونتطور، وتكون مسيرتنا إلى الأمام باستمرارية منقطعة النظير إن لم تكن لدينا ذاكرة الماضي حتى لا ننسى التاريخ الذي يساهم بشكل فعّال في بلورة كفاءاتنا.. وإذا كنا نعلم أن تاريخنا مزور، وقد صنعه الأقوياء وفق مصالحهم الشخصية.. إذا يجب علينا نقده حتى نصل إلى الكشف الذاتي! وليست هناك وسيلة من غير العلم الصحيح...
    وهذا العالم عبارة عن مجتمعات، وكل مجتمع يتكون من تيارات، وأحزاب، ومذاهب... وكل مجتمع قد تحكمه ديانة منقسمة إلى أكثر من سبعين شعبة، أو ديانات وهي الأخرى تنقسم إلى شعب مثل المجتمع العربي... وهذه الشعب تختلف فيما بينها اختلافا كبيرا إذ من الصعب، أو من المستحيل أن يستطيع إنسان أن يُحوّل مجتمعا أو مجتمعات إلى مذهب واحد وصف واحد إلا نبينا الكريم محمد، صلى الله عليه وسلم تسليما، الذي استطاع أن يجعل العرب على أشكال قبائلهم، والفرس... إلى مجتمع إسلامي واحد وموحّد لا يُفرق بين الألوان ولا الأجناس... لهذا، فالعمل على نقد العقل التاريخي يتطلب إلغاء كل الانتماءات أثناء الحوار حيث لا يكون سوى العقل سيد الموقف مجردا من كل العواطف والانفعالات والتشدد.. ولا تسجل أية نقطة ضعف إلا عن إجماع بعد اقتناع، ثم العمل يكون بمثابة تحويل نقاط الضعف إلى قوة... وبهذا التعاون نكون قد أسدينا عملا إنسانيا للإنسانية جمعاء...
    أما الحياة التي نعيشها فيكسوها الغموض من كل جانب إذ يرفض مبدئيا كل فرد أن ينتمي إلى جماعة غير جماعته حتى ولو تبين له أنهم على ضلالة! وهذا يرجع إلى مدى تأثير التعليم والتربية والبيئة والمحيط في الفرد.. فالإنسان لا يتغير من الأسوء إلى الأفضل إلا عن طريق العلم الصحيح الذي يوقظ فيه الفطرة التي وُلد عليها أول مرة حتى يعود إلى الإنسان المثالي الذي يستطيع أن يصنع دولة مثالية... وأسس الحياة مبنية على اختلافات وصراعات.. لذلك لو فكرنا في حقيقة الأمور لتركنا الاختلافات والصراعات على حالها ونلتجئ إلى التعاون فيما بيننا؛ وهذا التعاون يحد فقط من الاختلافات والصراعات ولا يُزيلها لأنها سنة الله في خلقه...
    وهذا ما يجعلنا إذا وقفنا في باب نقد العقل التاريخي نجد عوائق الديانات، والعقائد، والأعراف، والتيارات، والمدارس، والمذاهب، والأحزاب... كلها عوامل تعمل على شل الحوار في بداية المشوار.. ومن هذا الباب يجب أن يكون مبدأ التنازل كبند أساسي لمسايرة الحوار؛ ومبدأ التنازل هذا يستدعي أن يُلغي كل فرد انتماءه أثناء الحوار تاركا وحده العقل القلب النابض في جسد النقد. وحتى يتمكن الإنسان من هذه الفكرة عليه أن يضع رؤيته قبل الشروع في النقد ويعمل جاهدا لتحقيق رؤيته، وبالتالي تكون رؤيته هي رؤية الجماعة التي يتحاور معها دون انفعال ولا تشدد.. لأن هدفنا نقد العقل التاريخي لا محاولة لجعل الآخر ينتمي أو يعانق مذهبي أو عقيدتي.. فأنا لا أطلب منك لا عقيدتك ولا انتماءك، ولكن أطلب منك الإنسانية. من أجل أن نعمل جميعا ليكتشف كل فرد أو جماعة ذاتها، ثم تعمل على تطويرها. ونقد العقل التاريخي الذي يكون بعيدا كل البعد عن الانتماءات.. ويحكمه العقل، والإجماع، والقياس، والاجتهاد الذي لا يُقصي المعاصرة -لأن كل إنسان ابن زمانه..- يكون نقدا بناء، وحتما يصل إلى نتائج تجعل الثقة في النفس وفي الآخرين؛ ودون الفضائل لا نستطيع حتى أن نتفاهم على كيفية نقد هذا العقل التاريخي!
    إذا كنا نريد أن نصل إلى نقد العقل التاريخي فلابد من إستراتيجية نضعها لنسلك طريق النقد باعتمادنا على العقل، والإجماع، والقياس، والاجتهاد.. وهذه الوسائل لا تحصل إلا عن طريق العلم، والمجتمعات أمم تفرقت قبائلا وعشائرا وشيعا... وكل فرد متأثر بمحيطه وبيئته وتربيته وتعليمه.. وكل إنسان موصوف بالحيوانية إن لم يحكمه العقل والفضائل.. وكل فرد يختلف عن آخر في الأفكار والنوايا والأعمال.. وسنة الاختلاف قائمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ ولا تبديل لسنة الله... وكل شعبة اتبعت سبيلا دينيا، أو حزبيا، أو مذهبيا، أو تياريا... وكل فرد لا يقبل مبدئيا أن يرتد على ما هو قائم عليه، ومن غريزة الإنسان يُدافع عن ما ينتمي إليه بشتى الوسائل؛ فتراه منفعلا متشددا... لكن الإنسان كإنسان مطالب بالتعاون من أجل الإنسانية، لا من أجل أن يتبع الواحد ملة الآخر أو مذهبه... وبما أن الحياة سيطر فيها الأقوياء على الضعفاء وقد كتبوا تاريخا مزورا من أجل الاحتفاظ على مصالحهم.. والإنسان في حاجة إلى تطور وتقدم.. ودون ذاكرة الماضي لا يستطيع الإنسان أن يسير إلى الأمام.. فلذلك من عزم الأمور يجب نقد العقل التاريخي.

    بقلم: محمد معمري

    [ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-image:url('http://www.wata.cc/forums/mwaextraedit2/backgrounds/4.gif');background-color:sandybrown;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]كل مواضيعي قابلة للنقد[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]

  2. #2
    مـشـرف سابق (رحمه الله) الصورة الرمزية عز الدين بن محمد الغزاوي
    تاريخ التسجيل
    13/10/2008
    العمر
    72
    المشاركات
    1,039
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: كيف ننتقد العقل التاريخي


    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    موضوع شيق و قيم ، أخي محمد معمري
    و قد كانت احاطتك به جيدة


    و لو أن " مفهوم نقد العقل التاريخي " مفهوم حديث و معقد ،
    فلقد أبليت البلاء الحسن و قدمت تفصيلا وافيا
    مزيدا من الكتابات الحديثة المفيدة


    و لو أن القراء شبه منعدمون

    صادق مودتي - عز الدين الغزاوي


  3. #3
    عـضــو الصورة الرمزية محمد معمري
    تاريخ التسجيل
    30/06/2009
    المشاركات
    250
    معدل تقييم المستوى
    15

    افتراضي رد: كيف ننتقد العقل التاريخي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عز الدين بن محمد الغزاوي مشاهدة المشاركة

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    موضوع شيق و قيم ، أخي محمد معمري
    و قد كانت احاطتك به جيدة

    و لو أن " مفهوم نقد العقل التاريخي " مفهوم حديث و معقد ،
    فلقد أبليت البلاء الحسن و قدمت تفصيلا وافيا
    مزيدا من الكتابات الحديثة المفيدة

    و لو أن القراء شبه منعدمون
    صادق مودتي - عز الدين الغزاوي
    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
    أخي الكريم عز الدين محمد الغزاوي أشكرك جزيل الشكر على اهتمامك ومشاعرك الطيبة وتعليقك المميز...
    والذي يهمني كثيرا أخي الكريم هو العطاء عندما أكون مقتنعا أن ما أقدمه قد مسحت عليه مُسحة نُبل قبل نشره...
    مودتي وتقديري

    [ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-image:url('http://www.wata.cc/forums/mwaextraedit2/backgrounds/4.gif');background-color:sandybrown;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]كل مواضيعي قابلة للنقد[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •