إهــــــــــــداء إلى :
الأستاذ الوقور حكيم "واتا"..محمد خلف الرّشدان..
الدكتور الجليل حبيب "واتا"..محمد فتحي الحريري..
الصــــــــــــدق أســـــــــــاس :
الصدق بذرة يزرعها الله في قلب من يشاء من عباده الذين أحبّهم .. فضيلة إذا استخدم فيما يرضي الله..هو منبت قلوب الأنبياء -عليهم السلام - وروضة الصالحين ، منها يقطفون ثمار غذائهم الروحي ، وفيها يتنسمون رائحة أزهارها العبقة الشذية ، التي تملأ الكون نقاء ، والتعلق ببارئهم في صفاء وجداني طليق ، فسيح الأرجاء ...
وفي حالتيه المتناقضتين ، يبقى الصدق دليل القناعة بالسلوك الممارس ، وسبيل النجاح أينما اتجه صاحبه..إذ لولا الصدق لما تضاعفت جهود الفاعل ، ولما تكثّفت قوّته ، ولما اتّقدت عزيمته ولما ترسّخت الثقة في نفسه ..
والصدق المنضبط بضوابط الشريعة الإسلامية ،ينتهي بصاحبه إلى قمّة الصّفاء، ومنتهى الطّهارة ، وكمال العفّة..لذا حضّ الإسلام على الصدق ، فقد تكرّر ذكر هذه اللفظة كثيرا في القرآن الكريم ، إذ به فاز الفائزون في الآخرة ، وخُلِّدَ اسمهم في التاريخ .. وقد ألحّت عليه السنّة النبوية الشريفة ،وذلك معيار حقيقي لهذه الصفة الحميدة المهمّة في اعتناق الحق والعمل به . حيث توعد الله الصادق بدرجات عالية في الجنة ..ولشدة تصديق أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ للرسول ـ صلى الله عليه وسلّم ـ لقِّب بالصِّدِّيق بصيغة المبالغة تكريما له وتشريفا ، ومدحا للصدق وتبجيلا ..
والصدق وثيق الصلة بنية الإخلاص ، سواء في باب الفضيلة أو باب الرذيلة ...ويكفي في مجال الإيمان أن الدعاء أو العمل أو الصدقة لا يقبل من صاحبه إلا إذا خلصت النية لله.. فالعبادة تكون دون تردد أو شك . ومادامت العبادة شاملة لكل حركات وسكنات الإنسان فواجبه أن يلتزم الصدق في كل أحواله ويؤسّس عليه حياته .. حتى يصير عادة مألوفة لديه..
وغير الصّادق في أحواله و أفعاله لا ينجح في شيء يمارسه ...
لهذه المعطيات اهتمت النظم التربوية الإسلامية ، ومختلف الحضارات القديمة والحديثة معا بخصلة الصدق ، ذلك أن رقي الأمم أو انحطاطها رهين بمدى صدقها ومطابق لمستواها قوة أو ضعفا ، لذا كان أبغض صفة خلقية إلى الرسول ـ صلى الله عليه وسلّم ـ هي الكذب المناهض للصدق لأنه يقلب الموازين ، فيجعل من الحق باطلا ، ومن الباطل حقيقة واقعة ..حتى أخرج الكاذب من زمرة المؤمنين ..
وقد جعل الصدق في المعاملة من النوايا التي يتأسس عليها تواصل الفرد مع الآخرين. ووصف اليهود - في مقام الذم - بالحيلة والمكر والخداع لذلك فالمحتال الماكر ، المخادع ، لا يكون إلا يهودي الفكر ..
وقد قال عمرـرضي الله عنه ـ في هذا المقام:
" لأن يضرني الصدق وقل ما يفعل ، أحب إليّ من أن ينفعني الكذب وقل ما يفعل ." (1)
و يبدو أن الغرب في العصر الحديث كانوا أوفر من المسلمين حظاً في تطبيق ما يرونه صوابا من أخلاق،إذ لولا صدقهم في الاجتهاد والتنظيم والعمل ، ما بلغوا هذه القمة العلمية والقوة المادية الرادعة لكل نقيض مغالب.وحيث كان الفكر يسبق العمل ويُنظّرَ له،وحيث كان مفكّروهم قدوتهم،كان المقتدون يصدقون في تنفيذ توجيهاتهم ...
ففي هذا الإطار،نذكر على سبيل المثال لا الحصر،المدرسة الأدبية الرومانسية التي نادى مؤسسوها:"بضرورة الصدق في التعبير عن الذات"، وكذا الواقعية :"ضرورة تحري الصدق في التعبير عن الواقع الاجتماعي المعيش ".
فتعلموا الصدق مع أنفسهم فلا يخدعونها بالأحلام البّراقة ، واتـّباع ميولاتها إلى التراخي واللهو حينما يتعلق الأمر بالمصلحة ، ثم تعلّموا الصدق في تعاطي أحداث الواقع ، والتكيف الحقيقي مع حالاته الاجتماعية المختلفة .
ويبدو جليا أنهم ترجموا القيم الإسلامية إلى جانب العلم ، فانتفعوا بها دون عقيدة ..
ولعل هذا الانضباط هو الدافع إلى تحلّيهم بدقّة التنظيم . فالصدق إذن في ممارسة الحياة بكل تناقضاتها ، هـو سّر تفوقهم .. إذْ نسبة النجاح ثمرة تترجم نسبة الصدق ...
فقد توسل الغرب الصدق مع النفس في تحري المصلحة الخاصة والعامة، فكان ضمن فلسفة حياتهم الوضعية التوافقية سبيلا لبلوغ غاياتهم الدنيوية ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
(1) تسهيل النظر .. الماوردي ص 70
الصدق أساس:
المرجع:
"الحـــب بين الهداية والضلال"..مطبعة دار الأديب .وهران.الجزائر ..2007.ص07.
المفضلات