بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تتزامن هذا العام ذكرى إستشهاد أحد سيدي شباب الجنة الأمام الحسين بن علي عليهما السلام في العاشر من محرم الحرام عام 61 هجرية (سيقع في السابع والعشرين من كانون الأول 2009)، مع ذكرى إستشهاد سيد شهداء العصر صدام حسين في الثلاثين من كانون الأول عام 2006 ميلادية. ورغم إنني هنا أزاوج بين التقويمين الهجري والميلادي، إلا ذلك أمر فرضه وقوع الحدثين هذا العام بتزامن متقارب جداً! وبهذه المناسبة فإني سأستميحكم عذراً بإعادة نشر مقال كتب قبل سنتين بمناسبة تزامن يوم العاشر من محرم الحرام مع أربعينية الشهيد صدام:
من الامام الحسين الى صدام حسين- لحظة الاختيار
د.أمير البياتــــــي
في يوم عاشوراء عام 61 هـ ، وحين وقف الجيشان وجهاً لوجه، جيش الامويين بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص، وبتعداده الذي يزيد على الثلاثين ألف مقاتل، وجيش الامام الحسين (ع) والذي يتكون من بضع وسبعين مقاتلاً ... تقابل الجيشان في مواجهة بعضهما البعض...فكانت حقاً مواجهة تاريخية سيذكرها الذاكرون على مر العصور...
وعلى أحد جناحي جيش بن سعد الجرار، كان هناك بطل عربي يقف على رأس قومه وهو يرتجف ويرتعش!!! كان كل جسده يرتعش كما لم يفعل سابقاً وهو البطل الذي تشهد له ساحات القتال بالصولات الجسور وبعظائم الامور... كان وجهه في ذلك الصباح التشريني من عام 680م يتصبب عرقاً ويتلون بكل الألوان بين الاحمر والاصفر... لم يُعرف عن الرجل جبنه ولاخوفه من الموت وهو الذي خاض ماخاض من غمارمعارك شتى وتنفس رائحة الموت مرات عدة... فما الأمر إذاً؟؟؟ أهو خوف من الموت، أم هو خوف من نوع آخر؟؟؟
كان ذلك الرجل هو الحر بن يزيد الرياحي ، وكان يحاول أن يتخذ قراره المصيري، أن يبقى مع جيش الكوفة أو أن يلتحق بجيش الحسين!
لم يكن القرار سهلاً، فالبقاء مع جيش الكوفة هو شراء للحياة ومباهحها وللمنصب ولميزاته وبيع للآخرة ورضوان الله، والالتحاق بجيش الحسين هو شراء محقق للموت في سبيل الله، فلم يكن أمام تلك القلة المؤمنة من طريق سوى النصر بالاستشهاد... وكان على الرجل أن يختار. سأله أصحابه: مالذي دهاك يا أبن الرياحي؟ قال: إنما أنا أخير نفسي بين الجنة والنار!!! وياله من خيار هائل- وكان صادقاً في كلامه وصادقاً في اختياره، فقد وكز حصانه وترك جيش الكوفة ليكون أول من يستشهد بين يدي الحسين (ع)...
واستشهد الحسين وأستشهد الحر واستشهد أصحاب الحسين وداست أجسادهم الطاهرة سنابك الخيل ورقص القتلة الشقاة على جثثهم...ولكن من الذي أنتصر؟ لقد انتصر الحسين وأصحاب الحسين بالشهادة، وانتصرت مبادئ الحسين وفاز هو وأنصاره بالخلود في الدنيا وبالجنة وخابت مبادئ أعدائه وخسروا الدنيا والآخرة، ويا له من خسران مبين.
إن خيار الحق و المبادئ هو الخيار الأفضل دائماً ولكنه ليس الأسهل دائماً، إلاّ على المؤمنين الصابرين، وكذلك كان اختيار الشهادة هو خيار الحر الرياحي ومن قبله خيار إمام الشهداء سيدنا الحسين (ع) ومن بعده خيار سيد شهداء العصر صدام حسين. لقد اختاروا جميعهم ومعهم كثير من الأبرار المحظوظين أن يسيروا على طريق الحق الموحش كما يصفه الأمام علي بن أبي طالب (ع)، ولكنه في حقيقة الأمر طريق الخلود في الدنيا وسعادة الدار الآخرة.
وقد يسأل سائل ما: وهل خُيّر صدام حسين بين خلود الشهادة وزوال الحياة؟ أم سيق الى الموت سوقاً دون أن يملك ارادته؟ ونجيب أن خيار الهروب قد عرض عليه أكثر من مرة ولكنه كان يرفض بإباء وبشرف ثم رفض آخر محاولاتهم الخائبة قبل استشهاده بثلاثة أيام! لقد كانوا يريدون أن يسقطوا تاريخه الحافل بالنضال، ولكنه كعادته دائماً أفشل محاولاتهم، وكانوا يريدون أن يغتالوا الرمز في صدام حسين ولكنه كان واعياً لمؤامراتهم، وحاولوا أن يضعفوه ولو لمرة واحدة علهم يحسوا بالانتصار عليه، ولكنه كان قوياً حتى لحظة استشهاده وأنتصر عليهم بالشهادة،،، وكان انتصاراً رائعاً... وبانتصاره انتصرت مبادئ الحسين وانتصرت قيم الرجولة وتحقق باستشهاده ما لم يكن يتوقعه جلادوه، ليكون يوم اغتياله كابوساً يجثم على صدورهم، وعرساً يزف به سيد شهداء العصر إلى ربه الكريم الرحيم.
سيدي يا سيد شهداء العصر:
ماذا نكتب عنك في يوم أربعينيتك؟ وأنت رسمت بدمك أحلى صور الصمود، وجعلت الشهادة غاية لمن آمن بحتمية انتصار الحق، ورفعت يوم استشهادك راية المبادئ عالية خفّاقة، وضربت بابتسامتك تلك وأنت بين يدي الموت أعدائك ضربة قصمت ظهورهم وكسرت شوكتهم، وأحالت فرحتهم- ويا لبؤسهم- إلى مناسبة يندبون بها حظهم العاثر فهم منبوذون في الدنيا وأشقياء في الآخرة.
سيدي الشهيد القائد:
كان الكل يقرأ أن الشهداء لا يموتون وأن التضحية بالنفس تعبد طريق الانتصار. وكان قليل من الناس هم من يرى في هذا الكلام حقيقة واقعة. ولكنك قلبت الموازين وأنرت باستشهادك بصيرة المشككين، فها أنت حي بيننا وفي ضمائرنا وقلوبنا، وهاهي المبادئ التي استشهدت من أجلها أقوى من ذي قبل وأكثر قدرة على دحر الأعداء والعملاء... وهاهي دنيا العرب كلها تبايعك قائداً أوحداً يحمل كل ميزات الرجال الرجال وتراث القادة العظام ومجد الرموز الأحياء. وهاهم العملاء أكثر ذلاً وأعدائك أكثر اندحاراً. فهل هنالك نصر أعظم من هذا؟؟؟
فأهنأ سيدي وأنت في علياءك ولتقر عيونك ، فلن نبكيك ولن نرثيك فقد فزت في الدنيا والآخرة، ويكفيك هذا شرفاً حباك به رب العالمين، وياويل من لطّخ يده بدم آخر الخلفاء الراشدين...
وستبقى راية الجهاد عالية بأيدي المجاهدين الصابرين الذين صدقوا الله ما عاهدوا الله عليه،
والله أكبر والله ناصر المؤمنين...
المفضلات