بعد مرور عام على مأساة غزة
يا أهل غزة.. احفظوا بدمائكم ماء وجوهنا

عبد الرحمن سبأ*
[email]a_saba2005@yahoo.com[/email
]
"النار تلتهم القصيدة في دمي والصمت يلعن ما تبقى من فمي"

بأبي وأمي أنت يا طفلَ الحجارة، يا ضحيةَ عجزنا، أفديك يا قلبَ العروبة، ويا نبضَ السلام، يا حامي حمى الإسلام في زمن الخيانة والعمالة والخنوع.
هاهو العام يلتئم منذ العدوان الصهيوني على غزة، ولم تلتئم جراحاتكم يا أطفال غزة .. فاحفظوا بدمائكم ماء وجوهنا، قولوا إن الحب أقوى من (الأباتشي) و(الإف ستة عشر)، وأعتى من المدافع والصواريخ وقنابل الفوسفور الأبيض، قولوا بأن الانتماء أكبر من التنازلات والمقايضة، طهّروا ببراءتكم هذا الكون من قذارات الصهيونية العالمية، طهروا بدمائكم تأريخنا المدنس بتركة كبيرة من السقوط والمؤامرات، والعنوا عروبتنا التي أكلت أبناءها، العنوا صمتنا وتباكينا المشينين.
يا أهلَ غزة، لا تحزنوا، فالدم الذي سال ويسيل في شوارعكم أزكى من دموع الخائنين، ولهو- والله- أطهر من عماماتٍ ولحىً خدّرت الضمائر، وعطّلت العقول، وباعت الدنيا بالآخرة. لا تحزنوا، فالنار أشرف من ركوع الخاضعين، والأرض التي أرضعتكم حبها وحنانها تشتعل حنيناً إليكم، فارووها بدمائكم لتثمر مجداً وشموخاً وعزةً وكبرياءً. لا تحزنوا فالقدس تشتاق للصلاة، وأرواحكم تحلق دوماً هناك، وتصلي في عالمها الطاهر البريء. دمكم سرٌّ إلهي في هذا الكون، وبه ستكتبون بدء الحياة. النيران التي حاصرتكم وتحاصركم حاصرتِ الأفواهَ، وأطلقتِ العيونَ، والقصفُ الهمجي لم يستطع تجاوزكم لكنه تجاوز فضاء اللغات؛ فالدماء التي رأيناها، والموت بالمجان، والأشلاء المتطايرة، والبيوت المهدمة على رؤوس ساكنيها، مشاهد أقل ما يمكن أن توصف به أنها مأساويةٌ، وتبعث على الحزن والهلع، والظلم الذي يذيقكم إياه ذوو القربى جارح ويندى له الجبين، وكل ما يمكن أن يُقال عن جريمةِ حرب وتطهير وإبادة في التاريخ الإنساني قادها الصهاينة، وموّلها الأمريكان، وساندها العرب والمسلمون- كل ذلك يشهد أنكم جبينُنا الناصع، وأننا عارٌ في هامة التاريخ، كل ذلك يؤكد أن التاريخ لن يتواطأ مع مرتكبي الجريمة، ومَن وفّروا لها الأرضية والأغطية؛ حكاماً ومحكومين، وأن اللعنة التي سنتركها للأجيال لن يُمحى أثرها بالتقادم.
يا أهل غزة المجد والصمود، البطولةُ سِفركم، والعزة دربكم، والكرامة عنوانكم المضيء، لا تأسفوا من مكرنا، وخذلانكم، لا تيأسوا من صمتنا، فستعلمون يوماً أن الصمت صناعة اليهود، ورغيف الحكام لأتباعهم الجوعى، وستدركون أنكم هُداة الأمة، وموقظوها من سباتها المخزي، وأننا نترسّم خطاكم في البحث عن خارطة الطريق، التي تنسجم مع مبادئ الحق والعدل.
يا نساء غزة أنتن الأحياء ونحن الموتى، أنتن من تصنعن الحياة في وجه الدمار، أنتن عنوان الشرف والكرامة والكبرياء، طوبى لكن صناعة التاريخ المشرق في ذاكرة الأمة، أما نحن فقد أصبنا بالبلادة والجمود والجحود؛ حواسُنا معطلة، ومشاعرنا تصالحت مع واقع قذر.
يا أهلنا في غزة لا تتساءلوا: أين كان العالم الذي يدّعي حماية حقوق الإنسان، أين منظمات العفو والغذاء والصحة الدولية، لا تبحثوا عن دعاة السلام ومروجي شعارات العدالة الحرية والمساواة، أو تجار الرايات الملونة، ولا تسمعوا لمن يغدقون عليكم المبادرات لإحلال السلام، فأنتم أصحاب الأرض، وأنتم دعاة السلام الحقيقيون، وفيكم أملنا باستعادة الوطن السليب، أما أولئك فكلهم صناعة صهيونية، وماركة يهودية مسجلة، أُسّست لنلهثَ وراء عدالة مسفوح دمها، وسلام ظلّ طريقه؛ وما الحرب عليكم من الجو والبر والبحر إلا دليل على هذا العهر الدولي، والسادية العربية الإسلامية، دليل على خيانة تاريخية بحق الإنسانية جمعاء، ورائحة قبيحة تفوح من تحت الكراسي.
إن ما جرى في غزة هاشم في 27 ديسمبر من العام المنصرم، طعنةٌ مسمومةٌ ليس لها ترياق إلا تلك الدماء الزكية التي جدتم وتجودون بها، وسيطل النصر من شرفاتها بإذن الله؛ أما أعداء الإنسانية فقد أعلنوها صراحة بأنهم لا يحترمون عهداً، ولا يرعون ذمةً، وأمتنا ما زالت تغط في نومها، وتحلم بالسلام، مع إدراكها أن السلام زراعة العملاء، وراية المستسلمين، وأعني بذلك السلام الذي لم يأت منذ إحدى وستين سنةً، وأمتنا تنتظر، فماذا عسى العين أن تقول؟ وماذا للقلب أن يصنع؟ وماذا بقي للسلام؟
أحييك يا غزة، يا أهل غزة، وكل أحرار العالم، وعلى رأسهم فخامة رئيس الجمهورية اليمنية- علي عبد الله صالح، الذي ساند القضية الفلسطينية بكل معنى المساندة، والذي يمثّل بموقفه رؤية شعبه وأمته، أما أرض الكنانة، فنعتب عليها تقصيرها في واجبها الديني والقومي تجاه غزة؛ راجين أن تستعيد تاريخها المشرق ودورها الحضاري.
*شاعر وكاتب من اليمن