الإبداع في المجال الرياضي

بقلم الأستاذ نعمان عبد الغني

namanea@yahoo.fr

الإبداع سمة من سمات الخالق أعطى البشرية جزءا منه في كثير من المجالات حتى اعتمدت الحياة على إبداع المبدعين وتصوراتهم وتحليلاتهم، وساهمت بعد الله في صنع التوازن الإبداعي في دول العالم، ومع مرور الزمن وصعوبة الحياة ومتطلباتها يقل المبدعون شيئا فشيئا والخوف من فقدانهم في وقت ما.

صحيح بأننا لا يمكن أن نبتدع دون عمل العقل ولو كان العقل مغيب لكان لا وجود للإبداع أصلاً ,لكن ما قد حاولت أن أقوله هنا بأن الإبداع ليست عملية اكتساب أو تصفيف كلام يمكن عقلانيتها و إضافة من هنا أو هناك (الأفكار) إنما هي مشروع يتم ممارسته و مشروع لا ينتهي .
عندما تبدع يؤرخ المؤرخون إبداعاتك، ويزودون المحيط بمكامن الإبداع ونشره، وأمامنا شواهد كثيرة كنموذج لهؤلاء. الكلمة وصياغتها ووضع الوزن الجميل فيها كشعر إبداع خاصة عندما تكتمل الصورة الشعرية بجمال المعنى وحسن الصياغة واختيار الوزن والقافية والمفردة، فاللوحة المطرزة بريشة مبدع تغرس في نفسك تداعيات الجمال فتفتح عينيك وقلبك وإحساسك وتعطيك السعادة كونها بريشة وليست صورة من آلة تصوير المهندس المعماري الذي يجول بك كل العصور والأزمنة؛ ليضع بين يديك نموذجا لمبنى يقف الفكر عنده حائرا بين جماله، وروعة بنائه وبين حداثة المواد التي استخدمت في بنائه وأسلوب العيش في أحضانه لا شيء غير الإبداع.
إن ثقافة الإبداع تبدأ من الاحتضان وتسخير الإمكانيات والسعي إلى تطويرها وإيجاد العوامل الإيجابية في الاستمرار، فرياضة كرة القدم من الرياضات التي تحتاج إلى الكثير حتى تواكب المتغيرات السريعة في مسيرة الحياة، بدءا من الرعاية في البيت وصنع المناخ الجيد لمسيرة الطفل الكروي المبدع، فعلى الأسرة بكاملها مسؤولية التضحيات من أجل استمرارية عطاء أبنائها دون كبت لما لديهم من مميزات وإلا ستموت الموهبة في مهدها وتفقد مبدعا.
أما في الحي فيجب إيجاد مناخ ومكان صالح لممارسة وخلق ثقافة التنافس بين أبنائه بحرية مقننة وسلوكيات راقية وتنظيم رياضي محكم.
كما أننا نتفق جميعا بدور التعلم وأهميته لكل فرد وضع قدميه على عتبة النهل من رحيق الحياة الثقافي، ولكي يكون لهذا المكان التأثير القوي على عقلية الإنسان المتلقي ولأنها الخطوة الأولى فيجب أن تكون هذه الخطوة ذات صبغة مؤثرة تأثيرا إيجابيا على المبدع الكروي من خلال الإمكانيات التي توفرها المدرسة ومن خلال: المعلم، المربي القدوة، المدرب، جميع هذه الصفات تنطبق على مدرس التربية البدنية هذا الإنسان الذي يحمل على عاتقه مهمة تثقيف فئة من هذا المجتمع قد تصل به علوا شاهقا من الإبداع والنجومية قد نجد مثلها في: الطبيب، المحامي، العالم والمفكر، المحاسب، أو قائد طائرة وعندما يختصر الرياضي المبدع مرحلة من المراحل الدراسية ويتجه إلى خارج أسوارها فهناك مجتمع آخر يفتح ذراعيه محتضنا ومرحبا ومقدما الدعم المادي والمعنوي والفضاء الفسيح الذي يساعد بطريقة مباشرة على تطوير فكره ويساهم في الدفع به إلى الأفضل مع مواكبة متغيرات الحياة وسرعة حركتها النشطة، فالأندية الرياضية المكان الذي بين أحضانه الاحترافية في العمل الرياضي بكل فنونها النظام، الالتزام، الهدف، المستقبل، على عاتقها ومسؤولياتها المحافظة على هذه الكنوز المبدعة والسعي إلى صقل موهبتها أكثر وتلميع مكنونها وإخراجها إلى المجتمع على جميع مستوياته كما عليها الحماية بكل صورها فهي أمانة بين يدي الأندية الرياضية في شتى المعمورة لأنها جزء من المجتمع. لذا علينا الاهتمام بالمبدعين الكرويين والحفاظ على موهبتهم وعلى المجتمع ككل حمايتهم من العابثين فهم ثروة في مجالهم.

مفهوم الإبداع هو :
الإبداع لغة هو الاختراع على غير مثال سابق
و المبدع هو المحدث أو المنشئ
و في القرآن الكريم ((بديع السماوات و الأرض)) سبحانه أي خالقهما على غير مثال سابق...
فيمكن أن نقول أن الإبداع هو عملية الإتيان بجديد
وله عدة تعاريف أخرى لا داعي لذكرها في هذا المقام
يقول هارولد أندرسون (لا تكمن أهمية الإبداع في كونه عملية إنتاج تشهد كل لحظة من لحظاتها ولادة جوهرة ذات قيمة آنية ليس ذلك فحسب بل تكمن الأهمية في كون الإبداع ضرورة من ضرورات الحياة) فدوافع الإبداع قد تكون :
أ ذاتية داخلية ب) بيئية خارجية ج)مادية و معنوية د)دوافع خاصة بالعمل الإبداعي
أ) فالدوافع الذاتية الداخلية:
*منها الحماس في تحقيق الأهداف الشخصية
*الحصول على رضا النفس
*الوصول إلى الأهداف و الغايات بطريقة أسرع
*تجريب أكثر من مجال للعمل
و غيرها....
ب)الدوافع البيئية الخارجية:
*التصدي للمشكلات العامة و الخاصة
*الحاجة إلى الحيوية و النمو
*الحاجة إلى التقدم و الازدهار
* صنع الأحداث و مجاراة الزمن السريع التغير
و غيرها....
ج)دوافع مادية و معنوية:
*الحصول على مكافآت مالية
*الحصول على التقدير و الثناء و السمعة الحسنة و الشهرة
*الحصول على مرتبة وظيفية مرموقة
*الحصول على درجة علمية راقية
*الحصول على رضا الناس
*خدمة الأمة و الوطن
د)دوافع خاصة بالعمل الإبداعي:
الرغبة الشديدة في إيجاد الفكرة و الحصول عليها

.

فلا تزال الجماهير الرياضية في كل زمان ومكان تواقة إلى الفن الرياضي، تتطلع دائماً إلى الأداء المهاري الرفيع الذي يقدمه نجوم الملاعب في المحافل الرياضية، ما بين العروض الجيدة، والمهارات الجميلة، والإبداع المتواصل، والتي كان لها الدور الريادي في تطور الرياضة عامة، وتحسن نتائج الأندية الرياضية المختلفة، وكان لها الأثر البالغ في تألق الكثير من نجوم الرياضة عامة، وكرة القدم خاصة حتى وصلوا بهذا الفن والإبداع إلى عالم النجومية، وحققوا مجداً رياضياً مشرفاً للوطن، وأمتع هؤلاء النجوم جماهيرهم في المنافسات الرياضية، حتى صارت الجماهير تشيد، وتشدو بما حققه نجوم الملاعب من إنجازات رياضية مشرقة للرياضة العربية.
ولكن من المؤسف حقا أننا نرى اليوم كثيراً من العوائق التي أعاقت النجوم، وأثرت على إبداعهم وعطائهم، وصارت حائلاً دون استمرار المواهب الرياضية في كافة الملاعب العربية والعالمية، ونرى كثيراً من العقبات التي تؤثر على تألق هؤلاء النجوم، وتقف حجر عثرة في طريق الرياضة وتطورها، ألا وهي الإصابات المختلفة التي تحدث بأسباب اللعب العنيف والمتهور وغير النظيف من بعض اللاعبين، أو وجود الإرهاق، وعدم اللياقة البدنية والجسمية عند البعض الآخر، أو توالي المباريات المحلية أو الخارجية على اللاعبين، والتي بدورها تسبب الإرهاق البدني والعقلي والنفسي، فتؤثر على سلوك اللاعبين، فتحدث الإصابات. نعم إنها الإصابات التي انتشرت في الملاعب الرياضية، واختلفت أنواعها، وتعددت مسمياتها، وأصبح اللاعبون والجماهير الرياضية يعرفون الكثير عن هذه الإصابات ما بين إصابات تمزق الأربطة، وتهتك العضلات والأوتار، وإصابات الركبة، والتواء المفاصل، والتي تستخدم الوثب والقفز مثل مفصل اليد والركبة والذراع، أو إصابات الكسور التي تصيب الكعب والفخذ والأنف ومفصل اليد والأضلاع وأصابع القدم وأصابع اليد. ومن إصابات الملاعب تأتي الجروح التي تصيب منطقة الرأس والذراع والركبة واليد والفخذ والساق، ومن هذه الإصابات الارتجاج الدماغي، وهذا قليل من كثير لا سيما أن بعض الإصابات تكون شديدة، وتحتاج إلى العملية، والتدخل الجراحي، فتكون سبباً في إبعاد اللاعبين عن المباريات والملاعب شهوراً طويلة، فتحرم هذه الإصابات الأندية والرياضة من عطاء هؤلاء اللاعبين وجهودهم، وتؤثر سلباً على المواهب والإبداع الرياضي لديهم، فينعكس ذلك الأثر على الرياضة عامة.
لذلك ينبغي على اللاعبين الرياضيين في كافة أنواع الرياضات المختلفة، أن يكون لديهم الوعي الرياضي الجيد، ويعرفوا آثار الإصابات الناتجة عن الاحتكاك الشديد، واللعب العنيف في الملاعب، أو الانقطاع عن مزاولة التمارين الرياضية، أو عدم التمرين والتسخين قبل المباريات بوقت كاف، ويحاولوا قدر المستطاع أن يبتعدوا عنها، ويحرصوا على اللعب النظيف، ويلعبوا من أجل المتعة الرياضية، وتقديم الأداء الجيد والمستويات المشرفة، ويتخذوا الرياضة حرفة يسيروا على قوانينها، ويتقيدوا بأخلاقها السامية سيرة وسلوكاً بعيداً عن العنف والتهور، حتى يحافظوا على أنفسهم، ويواصلوا التألق والعطاء في مسيرتهم الرياضية، ويقدموا مواهبهم وإبداعاتهم الجيدة التي أمتعت الجماهير، والتي من خلالها حققوا المجد الرياضي والشهرة، وكسبوا حبّ هذه الجماهير الرياضية.

ومن أجل تلمس بعض أسباب غياب الإبداع والتفوق في هذا المجال. ، فعلى الرغم من الاستعانة بالمدربين واللاعبين من الخارج في معظم النوادي الكبيرة. وهنا يقفز في الذهن السؤال التالي: لماذا لا يبرز عدد مناسب من اللاعبين الموهوبين ، في حين أن دولاً بعدد لا يتجاوز خمسة ملايين تستطيع تكوين منتخب فاعل وقادر على إحراز بعض البطولات؟ لا بد أن السبب يعود – ولو جزئياً - إلى عدم الاهتمام بالرياضة في مدارسنا، إلى جانب الإخفاقات الإدارية وربما إجراءات اختيار اللاعبين.

في أغلب الأحيان، لا تؤخذ "حصة الرياضة" بجدية، بل تُفهم – في الغالب - أنها استراحة للطلاب والمدرسين لممارسة أنشطة حرة. وأكثر من ذلك، يُكلف بتدريسها أي مدرس يتوافر لديه الوقت الكافي دون النظر في مؤهلاته أو ميوله الرياضية. لهذا السبب لا يعرف الطلاب الكيفية الصحيحة لممارسة التمارين الرياضية، ولا يعرفون أصول أي نوع من الألعاب الرياضية أو أخلاقيات ممارستها. وينتج عن هذا الوضع المتدني لتعليم أصول الرياضة وممارستها صعوبة في الحصول على لاعبين قادرين على ممارسة الألعاب الرياضية المختلفة. ويبدو أن المقولة "العقل السليم في الجسم السليم" لا تطبق في مدارسنا، مما أدى إلى انتشار السمنة، ومن ثم ارتفاع معدلات الإصابة بالسكري بين الطلاب بدرجة مثيرة للقلق. وفي ظل هذا الوضع، ، جهوداً منسقة لابد أن تبدل لرفع كفاءة "حصة الرياضة" وزيادة فائدتها لأبنائنا الطلاب