مع بداية القرن الحالي (القرن 21 لمن لا يعرف باي قرن نحن) شهد وطننا العربي تزايداً كبيراً في اعداد الجمعيات (الثقافية) التي يتم تاسيسها لاغراض ثقافية احيانا واغراض لا ثقافية في كثير من الاحيان...

غير ان الامر اللافت للنظر ان مستوى الثقافة كان ولا يزال في تراجع مستمر في حين أن اعداد التنابل (على قولة الاستاذ رئيس الجمعية) بازدياد مضطرد ...

ولانني امر بلحظة صفاء نادراً ما امر انا او اي شاب عربي بها فقد سمحت لذهني بأن يجول في الامر صعودا ونزولا ثم يمنة ويسرة فاكتشفت للوهلة الاولى أن العربي (الشاب خصوصاً) يرفض صرف جزء من وقته (الثمين جدا) لقراءة مقال ثقافي ولو قدم له على طبق من ذهب مع انه قد يصرف اياماً من وقته (الثمين جدا جدا) لحفظ اغنية اجنبية بلغة غريبة تماماً ...!!!

وتساءلت لماذا نرفض ان نكون مثقفين (على افتراض انني من الشباب) ولماذا لا نجد في انفسنا الرغبة في قراءة مقال ثقافي مميز يكتبه فلان او فلان من الكتاب المعروفين مع غزارة محتواه ..؟
وبعد تقليب الامر في الذهن توصلت الى اننا لا نرفض الثقافة بحد ذاتها ولكنها نرفض الخطاب الثقافي الحالي بشكله العام بل والبعض منا يعتبر الخطاب الثقافي الحالي طريقة لفرض شيء ما على ذهنه وتفكيره..!!!

ان لكل جيل في كل عصر طريقة تفكير خاصة تختلف عن غيره وافكارا معينة تسود بين افراده بل والفاظ وعبارات خاصة يتداولها الافراد بين بعضهم البعض ويتبنونها كمعلم اساسي من معالم الانتماء لجيلهم ، ومشكلة كثيرٍ من كتابنا ومثقفينا الذين يخاطبون العوام بقصائدهم ومقالاتهم انهم لا يراعون لغة الجيل الذي يخاطبونه ويكتبون بلغة بعيدة عن تفكيره واسلوب التعبير الذي ويحبه..

واحد من أهم الامور التي يجب مراعاتها هو الاختصار والتركيز على المعلومة (وهذا ما لا افعله عادة) ، فسابقا كان عليك ان تقرأ كتاباً كاملاً لتخرج منه ببضع معلومات تستفيد منها واليوم ليس عليك سوى ان تكتب شيئاً مما تريد المعرفة عنه في Google أو Bing لتجد الاف المراجع والمقالات والكتابات عن ماتبحث والتي توصلك الى المعلومة التي تبحث عنها مباشرة دون عناء ودون كثرة لف ودوران ودون مقدمات حتى ..

ولو (لا سمح الله) لم تجد ما تبحث عنه في أحد هذين المحركين فما عليك الا التوجه الى Wikipedia والبحث فيها عما تريد وان لم تجده فالشيء الذي تبحث عنه ليس موجودا اصلاً...
فاي نتاج ثقافي لا يراعي قضية الاختصار والتركيز على المعلومة فلن يكون له نصيب من الاهتمام مهما بلغت اهميته.لان هناك بدائل سهلة تغني عنه ..

اما النقطة الثانية التي يجب مراعاتها فهي عدم التكلف والبعد (100 كلم على الاقل) عن اي لفظ صعب او تعبير معقد لان سمة العصر هي البلوغ المباشر للمعنى ولا احد يحب ان يستعين بمحلل شفرات ليفهم مغزى ما تكتبه..وهذا ربما يكون احد اهم اسباب شيوع القصائد المكتوبة بالعامية بين عموم الناس على حساب القصائد المكتوبة بالفصحى..

اما النقطة الاخيرة التي أود الاشارة اليها فهي : اكتب فيما يهم الناس ليقرأ لك الناس ، فعموم الناس خصوصا الشباب منهم لا يهمهم ابدا افاق البلاغة عند المعري ، ولا يهتمون كثيرا للابعاد الفلسفية لنظريات الرازي ، ولا يهمهم بالمرة اساليب الرد على كرة الطائرة المقذوفة من خلف الخط...!!
ما يهمنا فعلا هو القضايا والهموم التي نعيشها ونعاني منها والمآسي التي باتت تلازمنا في الصحو والنوم ..

فاذا اردت ان تقدم شيئا نقرؤه فاكتب قصة عن رحلة البحث عن العمل ، او انشر قصيدة عن العنوسة ، او الف كتابا عن اساليب الابداع ، او أبدع خاطرة تخفف بها عنا الهموم ، او انتج فلماً عن كيفية العيش تحت قصف الطائرات أو تحقيقا صحفيا عن مظاهر الرشوة والفساد وهكذا..