قراءة لقصة (ساعة الحقيقة) للقاصة المغربية مريم بن بخثة

--------------------------------------------------------------------------------


عقدة الدونية ، والاكتمال في قصة ( ساعة الحقيقة) للأديبة مريم بن بخثة
شخصيا تفاجئني المبدعة ، والأديبة مريم بن بخثة بكتاباتها الناقدة لبعض المظاهر الاجتماعية...
إنها عين ناقلة لكل مظاهر الفساد التي تنخر جسد المجتمع... ومن خلال كتاباتها ، فهي لا تنقل فحسب ما تراه، بل تدين وبشدة كل مظاهر الفساد، والتي تسيء للأخلاق العامة، وتفسد القيم، والعرف.
إنها ككاتبة ، تمثل فكر المجتمع ، وضميره. وهذا ميز كتاباتها، وطبعها بطابع خاص.. ووفر لها ثراء جماليا، وفنيا ساعد على القراءة، والتأويل.
إن كتاباتها ، تتضمن خطابا يدين الصمت، والغياب.. ويعارض بشدة الفوضى، والنفي، والخنوع... وهذا ناتج عن شخصية الكاتبة، والتي تمتاز بنزعتها الإصلاحية، والدعوية. ومن ثمة تتحول استراتيجية الكتابة عندها إلى قصدية intentionnalité ... يمنهجها وعي يتغيى التأويل، والمسح، والبناء..
إنها كذات كاتبة تدفع بمتلقيها إلى رفض كل السلوكات المشينة.. وتريد منه أن يكون فردا داخل مجتمع تسوده الفضيلة... ربما هذا نوع من الكتابة الطوباوية التي تضمنها خطابها السردي...
صحيح أن كتابات الأديبة مريم بن بخثة، هي كتابة نسائية... ولكنها كتابة أدبية:<< قصدية ذات طبيعة بنيوية>>[1] .
وحتى نلج عالم أديبتنا القصصي، نحاورها من خلال قصتها القصيرة ( ساعة الحقيقة).. وهي قصة تطرح أكثر من سؤال، لما تحتويه من حساسية تمس الرجل الذي تنظر فيه المرأة النقيض، وطرف الصراع المقابل...
إنها تتضمن صراعا خفيا بين المرأة والرجل. وتنبني على هذه التيمة/ الموضوعة: الصراع/ الغلبة/ السيطرة/ القوة...
كما تتضمن في طياتها تيمة/ موضوعة ذكورية تسود المجتمع الشرقي برمته. وهي ظاهرة الفحولة في المجتمع العربي.
إن النص القصصي رغم قصره، عند قراءته نجد أنه :
- ينفلت من سلطة التقتير السردي إلى وفرته، واتساع العالم المتخيل... وهذا يمنحه التأويل، والتمثل...
- كخطاب يتوالى إلى نهايته، محافظا على انسيابيته.. وعلى ترابطه.. وعلى حدثه العام.. وهذا حقق للقصة ترابطها المنطقي، ووحدتها الزمنية.
- يتوفر على علاقة قوية تجعلنا نتنقل وبحرية بين المعيش والمتخيل، ومنه و إليه.
أمام هذا التعدد ، والتنوع نجد أن أديبتنا تهتم بالحكاية.. وتجعلها الهيكل الأساسي الذي يقوم عليها خطابها..وبناؤها القصصي... ولو أن الحكاية في مضمونها بسيطة.. ولكن في دلالتها قوية.. ومؤثرة. لأن أثرها النفسي صادم ، ومنسف لكل توقعات المتلقي...
- الحدث في قصة (ساعة الحقيقة):
وعندما نقف إلى هذه الحكاية، نجدها ترتكز على جدلية المحكي... مغلفة بوعي إيديولوجية السارد، والكاتبة.... وهو العلاقة القوية ما بين الفحولة والرجولة. وهي في أساسها تبين الفكر الخرافي للإنسان الشرقي.
والحكاية، التي تبني عليها أديبتنا مريم قصتها، نجدها بسيطة في مضمونها، وتحكي عن رجل يأتي من لا مكان ، يبحث عن ساعة نزوة... يختار بائعة هوى.. يذهب معها إلى مخدعها لممارسة الرذيلة.. لكن، وعند المحاولة الأولى يصاب بخيبة، إذ يجد نفسه عاجزا عن ممارسة فحولته، ورجولته...
ومن خلالها يظهر لأول وهلة أنها محكية وقائعية factuel، لأنها تعبر عن واقع، لا يمكن إخفاؤه.. لأنها كجدث واقع ويقع كل يوم...
والسؤال: هل كتابة الأستاذة مريم نوع من تكسير الطابو.. والمسكوت عنه؟.
والشيء الأكيد، هو أن الأستاذة مريم بن بخثة في قصتها القصيرة، تنتقل من المحكي والتخييلي fictif ، إلى الواقعي.
- العنوان كمدخل للقصة:
عندما نعود إلى العنوان ( ساعة الحقيقة)، نجده عنوانا إشاريا، يتضمن الموضوع العام، والفكرة الأساس، التي ينبني عليها النص القصصي كله.
إن العجز أو الخيبة ، تصبح ساعة حقيقة ، من خلالها تتجلى العقد التي تبين عن عدم اكتمال شخصية الرجل الشرقي في جانبها الرجولي، والمعنوي، والرمزي... إنها فعلا ساعة الحقيقة ، والتي يكتشف فيها هذا الرجل أن وجوده كرجل ، منعدم.. وبالتالي تتهاوى أمام المرأة/ العنصر المضاد، جبروته.. وقوته.. وكبرياؤه.... إنه أمام هذا الفشل ، يسقط في عين الأنثى.. وبالتالي تسقط كل قيمه، من قوامة، ووصاية، وولاية، وتبعاتها...
في هذه الساعة، والتي هي ساعة الحقيقة، يسقط القناع، وبسقوطه، تسقط الرتبية، وتسقط الولاية... وتتم عملية الانزياح من القوة إلى الضعف.. ومن الأنفة والسمو إلى الذل ، والخجل، والشعور بالصغار، والخيبة. وبالتالي ميزان القوى النفسي، والمعنوي تتغير كفتاه.. وهنا تنفتح كل العقد.. ويتعالى الصراع النفسي، وتتشكل عذابات النفس...
إن العنوان يوحي بالصراع النفسي الذي عاشته الشخصية المحورية، ساعة محاولتها إشباع رغباتها الجنسية، ونزواتها... صراع نفسي قاتل تسقط معه القيمة، والمكانة، والدرجة.. والنظرة...
- الشخصية المحورية في القصة:
الأديبة مريم بن بخثة، تقدم لنا من خلال نصها القصصي، شخصيتين محوريتين: رجل وامرأة. تبني بواسطتهما فضاء القصة، وأحداثها...
ونأخذ كل شخصية على حدة، ونرى من خلالها كيف تعاملت الكاتبة مريم بن بخثة مع كل واحدة منها.. وسنبدأ بشخصية المرأة.. فكيف تعاملت أديبتنا معها كفضاء أنثوي، في منجزها السردي؟...
إلى أي مدى كان استحضارها لها مجاوزا مفهوم المرأة كإنسان إلى المرأة كرمز، ودلالة؟[2].
إن الأديبة مريم بن بخثة، تقدم لنا المرأة كشخصية نمطية في بعض كتاباتها القصصية، والروائية.. هذه المرأة تجعلها تكسر الهيمنة الذكورية. وتكسر سلطة الذكر..
فقد استطاعت أن تجذبه إليها.. وتجعله يتبعها مقتنعا باختياره لها.. إنها تولد في الشخصية الذكورية/ الرجل أروسيته.. مرسخة فيه أنها الأداة الوحيدة لهذا الترسيخ. و من ثمة، تشير الكاتبة مريم بن بخثة إلى أن الشخصية / المرأة مازالت تخالجها النزعة الشهرزادية( نسبة إلى شهرزاد)، والدليلية( نسبة إلى دليلة)...في استقطاب الرجل الشرقي.

<< كأنها قرأت ظهر غيبه، فأخذت تتراقص بمشيتها المتدللة أمامه وهي تمنحه ابتسامة تذوب وراء معالمها كل الخيبات>>.
<<نظر إليها مستغربا، فابتسمت في وجهه ضاحكة: " أصحاب السعادة مثلك لا يدخلون من أي باب؟". كانت تلك طريقتها في نفض جيوب زبنائها الموهومين بالوجاهة..
رد عليها بابتسامة عريضة أكدت لها أن زبونها الليلي قد اكتمل نضجه، فاستوى>>
<< ... ودخلت به دهليزا لتصل به إلى غرفة أصحاب السعادة.. رحبت به مقدمة له كل أنواع المشروبات الروحية التي يسعد بها أي رجل حينذاك>>
من خلال هذه المقاطع المختارة، نتبين الوضع الاجتماعي لهذه الشخصية/ المرأة.. رغم أن أديبتنا مريم بن بخثة، قدمتها لنا بدون أوصاف أو ملامح، أو تعريف/ اسم.. لتجعل المتلقي/ القارئ يتمثل فيها المرأة الشخصية/ النموذج.. ولكنها أعطتنا إشارات قوية من خلالها نقف على وظيفتها الاجتماعية.. وعلى نمط تفكيرها.. ونظرتها للرجل.. وعلاقتها به..
كما أن السرد الوصفي الذي تناولت فيه الشخصية/ المرأة، أعطانا بعض ملامحها.. فعرفنا من خلال هذا الوصف نمط مشيتها، وحديثها، وضحكتها... فجملة ( أخذت تتراقص بمشيتها المتدللة أمامه)، تجعلنا نقف على نوعية المشية التي تعتمدها في اصطيادها لزبائنها..
لكن الخفي هو الذي لا تقوله القصة مباشرة.. بل تترك الأديبة القارئ يصل إلى تأويل ذلك، واستقراء هذا المخفي.. وهو المعاناة التي تعانيها هذه المرأة/ الشخصية في كسب قوتها.. ومسايرتها للحياة.. إننا نستشف أنها تعيش قهرا اجتماعيا.. وظروفا حياتية صعبة.. وتعاني إكراهات نفسية ، واقتصادية، واجتماعية، وإنسانية دفعتها إلى هذه الحياة الليلية...
إنها في قرار نفسها، تحس خسة رغم أنها تبيع سعادة لحظية لزبائن يبحثون عن هذه السعادة اللحظية، الزائفة... وهذا أعطى للقصة بعدها الاجتماعي، والإنساني، والواقعي...
أما الشخصية الثانية: فهي شخصية الرجل.. وهي شخصية محورية، مع شخصية المرأة، تعملان معا على تنامي الحدث، وتطوره.. وهذه الشخصية من خلال السرد الوصفي، نتبين أنها:

<< رجل تتخبطه خطاه الخجلة المتمردة عليه.. نظراته الحائرة التي تلتفت يمينا ويسارا خشية من صورة مباغتة أو وجه مألوف يتكشف خبره. توقف برهة وبعد تردد حزم أمره وقطع الشارع بين مهرول ومتظاهر باللامبالاة. كان يحاول أن يظهر وسامته التي اختفت تحت خوفه وجبنه. لكنه مع ذلك كلن مصمما هذه المرة على تجاوز كل الافتراضات التي كانت تحوم على فكره المشتت>>
<< نسي خوفه من كشف هويته، وأراد أن يظهر لصيده مدى المزايا التي ستفوز بها بمرافقتها له>>.
<< طرب قلبه فرحا واخذ يدندن بينه وبين نفسه:"هذه ليلتك فاستعد يا بطل">>.
<< رد عليها بابتسامة عريضة أكدت لها أن زبونها الليلي قد اكتمل نضجه فاستوى>>.
<< رحبت به مقدمة له كل أنواع المشروبات الروحية التي يسعد بها أي رجل حينذاك.. تسامرا قليلا. وبعد أن ارتاحت نفسه المضطربة أراد أن يختبر رجولته.. فلا يعقل بعد هذا المسار الطويل الليلي ولا يحقق ما يؤرقه منذ زمن لا يعلم كيفية احتياره>>.
<< باءت كل المحاولات بالفشل الذريع الذي أكد أن رجولته مفقودة منذ البدء خلقته ولن يمارس أي حق طبيعي له ولو مع مومس في منتصف الليل>>.
من خلال هذه المقاطع السردية، الوصفية، نتبين نوعية هذا الرجل/ الشخصية.. فقد استطاعت الكاتبة مريم بن بخثة أن تعطينا بورتريها عنه، فنكتشف انه:
- إنسان مضطرب نفسيا.
- يعاني من عقدة تجعله يعيش صراعا، أبديا.
- متردد وخجول، وكثير الحيرة.
- متخوف، وهياب، وحركاته تدل على اضطرابه وخوفه.
- يعرف أنه يعاني مشكلة جنسية ونفسية، ويكرر محاولاته للتخلص منها.
إن هذه الشخصية هي بدورها تعاني قهرا نفسيا، وصراعا قاتلا.. إنه يعاني خوفا دائما من أن يكتشف المجتمع سره.. وبالتالي يتم تهميشه.. وإقصاؤه.. ورفضه.. ومن هنا نجد هذه الشخصية هي أيضا تعاني من عقدة الاكتمال.. فعقدتها في إثبات الفحولة والرجولة.. وهذا يولد في نفسيتها شرخا، وصراعا...
غنها تعاني من عقدة الأمير، والتي تنحو من خلالها الشخصية إلى الاكتمال التام... وهذا يجعلها تنتج سلوكات اضطرابية، عقدية للتنفيس عن عقدتها.. والتخفيف من توترها.
ولذا وجدت هذه الشخصية في الخروج ليلا لارتياد أماكن بائعات الهوى، متنفسا ، عله يستطيع أن يحقق يوما ، أو لحظة رجولته..
- علاقة المرأة/ الرجل:
عندما نقرأ القصة ، بتمعن ، نجد أن علاقة المرأة بالرجل لم ترق إلى مستوى التحرر، والارتقاء النفسين والنظرة العالية.. بل بقيت المرأة صورة للذة والمتعة، وقضاء الوطر بالنسبة للرجل.. يرى فيها جسدا .. ولذة.. ولحظة متعة.. أي إن نظرته مادية، لم تخرج عن مجالها البيولوجي.. لا يرى فيها أداة ارتقاء إلى قيم، أو لحظات عشق.. أو الصعود بواسطتها إلى برزخ من الوجد.. والسكون الروحي.
كما أن المرأة في علاقتها بالرجل من خلال القصة، بقيت حبيسة جسدها، وحاجتها إلى الرجل.. الذي تراه هو مصدر عيشها.. ووسيلة حياتها.. وأن حياتها مرهونة به...
تقول الأديبة مريم بن بخثة في قصتها:<< كانت تلك طريقتها في نفض جيوب زبنائها الموهوبين بالوجاهة>>...
والسؤال المطروح، هو: على ماذا تتأسس هذه العلاقة : المرأة/ الرجل؟.
إن هذه الشخصية/ المرأة تعتمد في إنشاء هذه العلاقة اللحظية على مبادئ ثلاثة، أساسية، هي: الإغراء- التوهيم- التظاهر...
فهي من خلال مشيتها المتدللة أمام الرجل، وتراقصها.. تغريه ،وتستهويه.. وهذا الإغراء هو نوع من العرض لمفاتن الجسد والقوام... كما توهمه بأنه ليس كالآخرين..
وفي القصة أوهمته أنه من ذوي السعادة، ويجب الاعتناء به طبقا لطقوس خاصة بهذه الفئة من الزبائن. وهذا يدفعها إلى التظاهر بالابتسام.. والفرح.. والاحتفاء بالزبون إلى حد تقديم مشروبات إليه، والمسامرة معه.. وغرس الراحة والأمان في نفسه.. أي إنها تقوم بتذويب كل الجليد مع هذا الزبون رغم قصر اللحظة...
أما الشخصية/ الرجل.. فهو أيضا يعتمد على مبادئ في بناء هذه العلاقة: الرجل/ المرأة.. وفي قصتنا ( ساعة الحقيقة)، نجد الشخصية يعتمد على مبادئ أساسية منها:
- الرغبة: وتتجلى في بحثه عن بائعة هوىن يثبت من خلالها رجولته، وفحولته.
- الاختيار: ويتجلى ذلك في اختيار المرأة/ المومس من بين مجموعة من المومسات وفق معايير( صغر السن- الجمال- الحلاوة وحسن الشكل- السحر والجذب..)
- الكرم الحاتمي: ويتجلى في تقديم مبلغ مالي دونما تقتير، أو مساومة:<<لم تكن تعلم انه كان مستعدا أن يمنحها كل ما كان عنده دون تردد ، شرط أن يتحقق المراد>>.
ولذا هذه العلاقة تنبني على منفعة متبادلة.. وعلى غاية واحدة، وهي الاستفادة ماديا، ونفسيا..
فالمرأة تريد الاستفادة ماديا، ولذا هي تبيع الرجل لحظة متعة.. والرجل يبحث عن متعة ، وإشباع حاجة، من خلالها يستكمل رجولته.. ولذا هو يشتري هذه اللحظة..
ومن خلال الدور التقزيمي الذي وضعت فيه كاتبتنا الشخصية / المرأة، نجد أن كل علاقتها ذات القيمة ، منعدمة في هذا النص القصصي.. بل كرست الأستاذة مريم الوضع الدوني للمرأة.. وذلك من خلال إظهارها أنها لا زالت مرتبطة ماديا وجسديا بالرجل. وأنها لم تتخلص بعد من نيره.. ويبقى هذا الرجل دائما هو ملاذها.. وفيه تجد حياتها.. ويرتبط استمرارها..
كما أنها حصرت علاقة الرجل بالمرأة في دور نفعي خالص( متعة جسدية)، فنجد أنها جعلته يرى في المرأة أداة للتسلية.. وقضاء وقت جميل( ضحك- سمر- شرب- ارتياح- حديث- حاجة جنسية- ونشوة عابرة...)...
وهذا كله نستشف منه الإدانة الصارخة للكاتبة مريم بن بخثة للرجل، لنظرته الدونية إلى المرأة.. والتي تقول كاتبتنا من خلال قصتها: إن هذا الرجل ما زال شرقيا في تفكيره.. شهريارا في نظرته.. وبالتالي ما زال ينظر إلى المرأة نظرة دونية، واعتبارها شيئا من الأشياء ، تنحصر في المتعة واللذة فقط...
ومن ثمة ، نستشف أن أديبتنا من خلال قصتها تدين ، وبشدة الإقصاء الممنهج للمرأة.. ككيان فاعل، وكإنسان / وكذات فاعلة.. بحيث ما زال ينظر إليها الرجل كديكور يؤثث به فضاءه الرجولي.
لكن الجميل، هو أن أديبتنا قدمت لنا شخصيتين متساويتين من حيث القيمة... فهما متساويتان من حيث المعاناة، والصراع النفسي، والشعور بالألم...
فالمرأة ، تعاني فقرا ماديا، والرجل يعاني فقرا جنسيا، وروحيا، ومعنويا...
والمرأة تعاني ظروفا اجتماعية ن وحياتية صعبة، جعلتها تخرج
على الشارع لتحصيل قوتها.. والرجل يعاني ظروفا صحية ونفسية، صعبة، جعلته يبحث عن العلاج في الشارع..
وكلاهما يعاني من ازدواجية الشخصية، وانفصامها...ولذاك البراني يناقض الجواني.. سلوكا، وتفكيرا، ومعاملة..
وبالتالي يصبح ( الجسد/ الجنس/ المادة/ الرغبة في إثبات الرجولة) احد المنافذ التي تخفي وراءها كل شخصية من الشخصيتين – الرجل والمرأة- ضعفها، وقهرها، وعجزها، وتظاهرها( قناعها)...
فالرجل يلجأ إلى المومسات لتحقيق رجولته، ويلبس قناعا لذلك، تمثل في الخجل والخوف، والتردد، والكرم الحاتمي...
والمرأة تلجأ إلى الرجل للحصول على المال، وتلبس لذلك قناع الابتسام، والترحيب، والجمال، والغنج، والتظاهر بعكس داخلها...
لكن من خلال تتبعنا للحدث في هذه القصة ( ساعة الحقيقة)، نجد أن الشخصية المحورية/ الرجل مصاب بالماشوسية.. إنه يحب تعذيب ذاته.. فهو يعرف انه مصاب بالبرود الجنسي، وانه لا يستطيع أبدا أن يحقق رجولته مع أي كان.. ورغم ذلك يحاول مرات ومرات.. هل هو نوع من الأمل الدفين؟ أم أنه حب في تعذيب النفس ولومها.. أو نوع من الاستيهام، والحلم؟.
- الفضاء المكاني والزماني:
الخطاب السردي يتوزع على فضائين أساسيين، هما: الشارع والغرفة، ويحضر إلى جانبهما فضاءان ثانويان، وهما: الحانة/ الخمارة، و السلالم/ الدهليز.. وهذه الفضاءات المكانية بدون ملامح.
ففي الفضاء الأول تتشكل السمات العامة الشخصية/ الرجل، حيث نعثر عليها فيه تائهة، متخبطة في هذا الفضاء. تفكر في مشكلتها... يعلوها الاضطراب والخوف، والتردد، والبحث عن شيء معين.
كما ان هذا الفضاء هو الذي تجد فيه الشخصية/ الرجل اختيارها عله يجد فيها كما يتمنى الحل لمشكلته. وهو المكان الذي تتشكل فيه الشخصية/ المرأة أيضا.. ومنه ينطلق بناء الحدث، ودراميته..
أما الفضاء الثاني: الغرفة، ففيه نتعرف المشكل الذي يؤرق الشخصية/ الرجل.. وفيه تتشكل العقدة، والحل...
أما الفضاء الثالث ، والرابع الثانويان، فهما مكملان... تضيفان من حدة التوتر بالقصة.. ومن التشويق بها.. وقد اكتفت الكاتبة بتقديم الفضاء المكاني كمشهد عام.. معتمدو على الصورة الشاملة.. والمجملة لكل جوانب الفضاء المكاني.. دونما اعتماد على وصف متميز لهذا الفضاء.
ومن خلال هذا الفضاء نستشف نوعين من مميزاته، وهماك فضاء البحث عن انفراج الأزمة، وفضاء الأزمة.
وهذا الفضاء المكاني كله هو عالم الشخصية المحورية الثانية المرأة.. وهو لا يشكل للمتلقي/ القارئ أي صدمة. أو يخلق فيه اندهاشا. لأنه فضاء مألوف ، ومعروف.. ولكن الصدمة تحدث بعد الشعور بالخيبة.. والوقوف على مدى عمق الأزمة التي تعانيها الشخصية/ الرجل.
وهذا الفضاء المكاني تسبره أحداث عبر فضاء زمني محدد، وهو ليلة واحدة.. وهناك مؤشرات زمنية تحدد ذلك، منها: ( أرخى الليل سدوله- ملاذهم الليلي- ليل خجول- ليلته الجديدة- هذه ليلتك- في منتصف الليل)... وبالتالي نجد الأحداث تستغل فضاء زمنيا قصيرا جدا.. وهذا الزمن ينطلق من الحاضر إلى المستقبل.
وفي القصة نجد مونولوجا واحدا، وهو : << أخذ يدندن بينه وبين نفسه." هذه ليلتك فاستعد يا بطل">>...إنه يواسي نفسه، ويمنيها.. إن المونولوج اعتمدته الكاتبة مريم بن بخثة هنا كأداة للتنفيس، والإيهام.. غنه نوع من حلو اليقظة.
- السارد في القصة:
السارد فاعل يحكي للمتلقي/ القارئ الحدث في فترة زمنية محددة.. وهو في هذه القصة القصيرة( ساعة الحقيقة) يظهر أنه عالم بالأحداث، وأكبر منها.. ولذا تدخله في مجريات السرد القصصي، ومن ورائه الكاتبة ، والذي تميز بنوع من التقريرية، والتبريرية، والتفسيرية، يوشك أن يفسد متعة المتلقي ، وجماليته.. كما يوشك أن يفسد عليه دهشته، التي تدفع به
إلى متعة القراءة ولذاتها.. ويظهر هذا التدخل في الجمل التالية:
- الداخلون إليها لا يعدون. فما بالك بالخارجين بعد قضاء مآربهم.
- ... التي ستحدد معالم خطوه المستقبلي.
- شرط أن يتحقق المراد.
- ولا يحقق ما يؤرقه منذ زمن لا يعلم كيفية اختياره.
فهذه الجمل فيها نوع من الوشاية بما سيقع في نهاية القصة.. وهذا يفقد المتلقي فرصة اكتشاف العقدة، وأزمتها..
- الخاتمة:
لا يمكن أن ننفي بان كتابة الأستاذة مريم بن بخثة كتابة نسائية. إن جاز لنا هذا التوصيف.. كتابة استطاعت أن تعبر من خلالها عن مكنون الأنثى اتجاه الرجل.. واستطاعت من خلالها أن تخترق بعض المسكوت عنه.. غنها كتابة تحمل مشروعا اجتماعيا وأدبيا.. وهو التعرية، والفضح، والانتقاد.. معتمدة على لغة سردية سهلة، واضحة، واقعية..
وكتابة الأستاذة مريم بن بخثة تذكرنا بكتابات الأديبة المغربية المرحومة ( مليكة مستظرف)، كما في روايتها ( جراح الروح والجسد).. إنها تسعى إلى تكسير الطابوهات، ونزع الأقنعة بتسليط الضوء على بعض الظواهر الاجتماعية، وبعض السلوكات التي تدخل في إطار المسكوت عنه.. فالكتابة عندها صرخة مقاومة ، ومواجهة مدوية ضد الألم ، والخراب الروحي[3].





[1] - د. فرشوخ، ( أحمد)، حياة النص، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط1، 2004، ص: 32

[2] - زنيبر، (أحمد)، قبعة الساحر، دار التوحيدي للنشر والتوزيع، الرباط، ط1، 2009، ص: 17

[3] - الساوري، ( بوشعيب)، رهانات روائية، جذور للنشر، الرباط، ط1، 2007، ص: 33