هل يرفع التوقيع على الورقة المصرية الحصار عن غزة؟
صالح النعامي
سادت حالة من التفاؤل في الساحة الفلسطينية من إمكانية توصل كل من حماس وفتح لاتفاق ينهي حالة الإنقسام الداخلي، سيما في أعقاب الزيارة التي قام بها عضو اللجنة المركزية لحركة " فتح " نبيل شعث للقطاع ولقائه بقادة حركة حماس، والكشف عن بعض التفاهمات التي تم التوصل إليها خلال الزيارة، سيما وقف الحرب الكلامية، وإعادة فتح المؤسسات الفتحاوية في القطاع والحمساوية في الضفة الغربية، وغيرها من الإجراءات التي يفترض أن تعزز الثقة بين الجانبين، لكن ما أن عاد شعث إلى رام الله حتى عادت الحرب الكلامية بين الجانبين على أشدها، سيما بعد إعلان رئيس السلطة محمود عباس أنه لن يلتقي برئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل إلا بعد توقيع الحركة على الورقة المصرية، ورد حماس عليه. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما الذي حدث حتى تسود حالة التفاؤل في الساحة الفلسطينية؟. واضح تماماً أن هذا مرده بشكل خاص إلى مواقف حركة حماس، التي بات في حكم المؤكد أنها معنية تماماً بالتوصل لصيغة تسمح بإنهاء حالة الإنقسام، وإن كانت تجد صعوبة في الإستجابة لمتطلبات هذا الاستحقاق، وتحديداً التوقيع على الورقة المصرية، التي تصر كل من مصر وحركة فتح على عدم إدخال أي تعديلات عليها. اللافت أن كلاً من فتح ومصر غير معنيتين بإبداء أي مرونة تسمح بحفظ ماء وجه حركة حماس، حيث تحرصان على توظيف تداعيات الحصار للضغط على غزة من أجل القبول بالتوقيع على الورقة المصرية بدون أي تعديل. واللافت أن الوسطاء الذين حاولوا التوسط بين الجانبين عرضوا الكثير من الصيغ التي تسمح لجميع الأطراف بالنزول عن قمة الشجرة التي تسلقوها، وتدل كافة المؤشرات أن حماس كانت الطرف الذي عرض المواقف الأكثر مرونة.
وقد باتت حركة حماس تدرك أن الأمور أكثر تعقيداً مما اعتقدت في البداية، حيث أنه على الرغم من موقفها المعلن من عباس، ورفضها المطلق لنهجه السياسي، إلا أنها في المقابل تدرك أنه لا يوجد أي أمل في التخلص من الحصار وتبعاته االقاسية إلا في ظل التوصل لاتفاق مع عباس ينهي حالة الإنقسام. لقد خشيت حماس من التوافق مع عباس سيما بعد أن تبين دوره في منع التصويت على تقرير " غولدستون " في مجلس حقوق الإنسان، حيث عمت حالة من الغضب الشديد جميع أوساط الشعب الفلسطيني، ورأت حماس أنه من غير الحكمة التوصل لاتفاق مع عباس في ظل هذا الواقع، لكن الحركة اكتشفت أن الواقع أكثر صعوبة، وأنه سواءً كانت معنية بمواصلة الشراكة في الحكم أو التخلص منه، فإنها مضطرة للتوافق مع عباس. ففي ظل تعاظم مظاهر المعاناة الإنسانية لأكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة الذين يفرض عليهم حصار خانق وقاتل، فإنه من شبه المؤكد أنه لم يكن بوسع قيادة حركة حماس أن تضع في الاعتبار فقط مواقف عباس من التسوية السياسية وتقرير غولدستون، وجملة تصريحاته الاستفزازية ضد الحركة. فمصر التي تتحكم بمعبر رفح، بوابة قطاع غزة للخارج تؤكد أن إعادة فتح المعبر لن تكون إلا بعد توقيع حماس على الورقة المصرية وانهاء حالة الإنقسام، وهذا يعني أن الحركة ستكون أمام خيارين قاسيين، فإما التوقيع على الورقة المصرية، وإما مواصلة تحمل تبعات الحصار.
والذي فاقم الأوضاع تعقيداً هو حقيقة أن أياً من الدول العربية لم تعد بحكم اعتبارات الجغرافيا قادرة على أن تكون بديلاً عن مصر، حتى تلك الدول التي تحسب على محور الممانعة الذي تنتمي إليه حركة حماس. من هنا فإنه في ظل الأوضاع الحالية، فإنه يبدو لأول وهلة أنه لن يكون بوسع حماس إلا التوقيع على الورقة المصرية، والإصرار فيما بعد على بحث تحفظاتها على الحركة كما تعد مصر. وهناك من يقول أنه في ظل عجز الحركة عن تمرير أي قرار بحل السلطة الفلسطينية وقذف الكرة لملعب الاحتلال الإسرائيلي، فإنه الحل الوحيد يكمن في أن تقدم حماس دليل آخر على جديتها بوضع حد للانقسام، والرد على أولئك الذين يزعمون أن كل ما يعني الحركة هو الحفاظ على الحكم عبر التوقيع على الورقة المصرية. لكن السؤال الذي يبرز هنا: هل توقيع حماس على الورقة المصرية سينهي الحصار؟. للأسف الشديد فإنه على الرغم من أن كلاً من المسؤولين المصريين وعباس يؤكدون أن الحصار سيرفع في اليوم التالي للتوقيع على الورقة، فإن الجميع يدرك أن مصر وفتح ليستا الطرفين الوحيدين الذان يقرران بشأن انهاء الإنقسام، وقد يكونا الحلقتين الأضعف في سلسلة الأطراف المؤثرة في الحوار. فإسرائيل والإدارة الأمريكية أعلنتا بشكل واضح أنهما غير معنيتين بالتوصل لأي اتفاق بين حماس وفتح، وتسعيان بشكل حثيث لإفشال الجهود للتوصل لاتفاق ينهي حالة الانقسام. ومن أجل احباط أي فرصة للتوصل لتسوية للخلاف الفلسطيني الداخلي، ستعود تل أبيب وواشنطن للتلويح بشروط اللجنة الرباعية. والذي يزيد الأمور تعقيداً هو الأنباء التي تحدثت عن موافقة السلطة على التفاوض بشكل غير مباشر مع إسرائيل، حيث أن كلاً من إسرائيل والإدارة الأمريكية ستشترطان مجدداً اعلان حماس عن التزامها بشروط اللجنة الرباعية المتعلقة بالاعتراف بإسرائيل ونبذ المقاومة ضد الاحتلال والاعتراف بالاتفاقيات الموقعة مع السلطة، وهذا ما لن تقبله حماس ومعظم قطاعات الشعب الفلسطيني ونخبه السياسية والثقافية. وهذا يعني أن الانقسام الداخلي مرشح للتواصل حتى يطرأ تغيير إقليمي يعزز هذا الطرف أو ذاك في الساحة الفلسطينية.