البناء القصصي في النقد الجزائري الحديث
عمل الناقد القصصي في الجزائر على وضع خريطة فنية مناسبة لهذا الفن الوافد، فوجدناه يركز على جملة من الأمور- سيأتي ذكرها- محاولا ،في البداية، إبراز ضعف هذا النوع الأدبي من حيث البناء، ومن هؤلاء النقاد الأوائل نذكر أبا القاسم سعد الله الذي بيّن أنّ:"الأدب عندنا –كفن –ما يزال متخلفا من حيث الكم و الموضـــوع و الأسلوب.فليس هناك- بالعربية- قصة توفرت لها شروط الإجادة في التقنية و العلاج."

وهذه المقولة بهذا تعكس تنبه نقادنا المبكر إلى ضرورة اهتمام النقد بهذا الفن، و العمل على توسيع أفقه ونشره و الاهتمام به وتوجيهه الوجهة السليمة حتى يقوم على أركان فنية صحيحة.و لهذا فإنه على الناقد الذي يسمو إلى الحديث عن الإبداع أن يكون متعمقا في إدراك مفاهيم النقد ووظيفته، و يتجلى ذلك في قول بومرزوق الذي يؤكد أنه " لا يمكن الحديث عن الإبداع القصصي كإبداع متميز دون الحديث عن مفهوم النقد ودوره في تطوير الذوق لدى القارئ والأديب أولا وتطـــــور وتحسين الأدوات والأساليب وأشكال العمل القصصي ثانية."


لكن هل نعتبر النقد هو الرقيب للقصة القصيرة ؟ يراقبها في جميع تطوراتها وتغيراتها، أم أنه ضرورة من قيود الضرورة كما قال العقاد؟ هذا ما دفعني إلى تتبع الحركة النقدية في الجزائر، ومطالعة ما نشر من مقالات و دراسات نقدية حول القصة القصيرة ،فوجدتها كثيرة ومتنوعة بآراء أصحاب هده المقالات و الدراسات المتخصصة في هذا الميدان –ميدان بحثي ،ولما استقرأت هذه الدراسات وجدت فيها نصوصا ساعدتني –بتكاملها –على تشكيل رؤية متكاملة لبناء القصة القصيرة،"تميزت القصة الجزائرية في مرحلة الاستقلال بوفرة العدد، و لكن لا يمكننا اعتبار هذا التقدم في الكم تطورا ملموسا في الإبداع الفني، لذلك فإن معظم القصاصين في هذه الحقبة انصرفوا عن الاهتــــمام بالأساليب الفنية في كتاباتهم، فهناك من بين كتاب القصة المحدثيــــــن من اكتفى بتقديم محاولات بدائية لا تستوعب أية تجربة فنية، في الوقت الذي اسمر فيه بعض كتاب المرحلة الثانية (مرحلة الثورة) في كتابتــــهم دون إبداء أية محاولة نحو التطور، في تحديد أساليبهم الفنية، لتـــــــتماشى مع مضامينهم
الفكرية الحديثة."


و هذه المعطيات و غيرها خصوصا بُعَيِْد الاستقلال، جعلت كثيرا من النقاد يقولون:"بأن القصة القصيرة بعد الاستقلال قد أصابها شيء مـــــن الركود لظروف المجتمع، ولظروف الكتاب أيضا، فالدوافع لكتابة القصة أثناء الثورة كانت قوية، ذلك أن الحماس و التعاطف مع الـــــثورة وروح النضال ، دفع الكتاب للتعبير عن نماذج مختلفة من أفراد الشعب، بينما نجد بعض هؤلاء الكتاب الآن قد قل إنتاجهم أو كاد يتوقف و بعضهم استغرقته أعمال أخرى بعيدة عن ميدان
القصة." . فالدوافع لها كبير الأثر في دفع عجلة الإبداع، وتحميس الكتاب لتـــــحريك أقلامهم في رسم النصوص السردية وفق ما تمليه هذه الظروف وغيـــره لهذا اختلفت مقاييس وأدوات دراســــــة النـــصوص الســــــــردية ذلك أن " لكل فن وجنس من الأجناس الأدبية مقاييس و موازين تحــــــــــــدده وتضبطه، كما تفرده عن غيره بمميزات خاصة... ولكن هذه المقاييس لم تكد تستقر يوما...إذ هي دائمة التــــبدل... والقــــصة القصيرة كفن نثري يصدق عليها نفس التقييم..." .