أخي الفاضل الدكتور حسان نجار المحترم
الهبت مشاعري بحماسة حيرتني كيف أتناول الموضوع , أأتحدث عن العبقرية ؟أم عن فتوحات عمر ؟ أم عن آلام في قمم تسمى عربية ؟ أم عن الحكم الرشيدفي قمم تسمى إسلامية ؟ وهل يستقيم الأمر بالمقارنة !! نرجوا الله ذلك .
وكيف أختصر عبقرية هزمت مملكتين فارس وبيزنطة كانتا تحتلان نصف الأرض ؟!
وكل ماأريد قوله أن لا نتوه في تعظيم مالا يستحق , فمشاعرنا أسمى وأرقى وأجمل من كل الصور الزائفة التي نعيشها في واقعنا البئيس , ولأن المنطق وإحترام عقولنا يجبرنا لقول الحق, فلننظر للواقع ونقرأه جيداً . ونسأل من صنعه ومن المسؤول.... ؟؟؟؟؟!!!!!!!
ومنذ ساعتين وانا أكتب وأحذف وأرتب الكلمات وأحاول أن أشير لدروس وعبر كثيرة في سيرة هذا العظيم قولاً وفعلاً . رجعت لتاريخ الطبري . وقصة حياة عمر لأستاذي الأديب علي الطنطاوي يرحمه الله .
وكلنا يعلم سيرة عمر رضي الله عنه وإنما هي التذكرة برموزنا السامية أبداً
سأحدثكم عن عمر الفاروق الذي فرق الله به بين الحق والباطل , فحين نزل القرآن على قوم لم يتدبروه, كانت قلوبهم أشد قسوة من الحجارة كما نشاهد اليوم , وأكثر غلظة من الجبال فلا تهزهم تفتيش نسائهم اليوم في فلسطين , عمرأعلن الحرب عليهم جميعاً يوم هجرته قائلاً " شاهت الوجوه ! لايرغم الله إلا هذه المعاطس , من أراد أن ُيثكل أمه , أو يوتم ولده , أو يرمل زوجته , فليلقني وراء هذا الوادي "
وكلنا يعرف عظمة عمر في بدر وأحد وسداد رأيه ونلتمس من سمات شخصيته الفذه موقفه الرافض من معاهدة الحديبية, بقوله لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : ألسنا على الحق وهم على الباطل ؟ أليس قتلانا في الجنه وقتلاهم في النار ؟ فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟
فيقول له رسول الله : ياابن الخطاب , إني رسول الله , ولن يضيعني أبداً .
وكلنا يعرف أنه كان وزيراً للخليفة أبي بكر وقاضياً في المدينة المنورة , وأن خلافته لم تكن بعهد من أبي بكر , وإنما كان إنتخابه برلمانياً على أصح الأساليب الدستورية وأقومها اليوم .
فقد أستقال أبي بكر وسأل الناس أن يؤمروا من يشاءؤن في حياة منه ,كيلا يختلفوا بعده . فكان الصحابة " نواب " ورجعوا بعد مشورتهم لبعض إلى أبي بكر" رأينا يارسول الله رأيك , أي أنهم فوضوه وأعطوه حق تسمية الخليفة بعده "
دامت خلافة أبي بكر سنتان وثمانية أشهر وخلافة عمر عشر سنوات .
ومن فهمه لمبدأ الشورى وسعة أفقه وعلمه أنهم متفقون على عمر , فقد عزم على تسميته خليفة من بعده . ومع ذلك عرض هذه التسمية على الناس كما يعرض على المجلس النيابي إقتراح نائب . فخرج مندوب أبي بكر رضي الله عنه بالكتاب على الناس , فوافقوا جميعاً , إلا علي بن أبي طالب رضي الله , فأبى أن يوافق إلا إن كان عمر , فلما علم أنه عمر وافق . وأستمرت البيعة العامة لعمر ثلاثة أيام في المدينة , فكانت بمثابة الانتخاب الشعبي العام . وقد أعلن في خطبة العرش الأولى له منهجه وسياسته فكان نادرة الزمان وأعجوبة الدهر فهو رئيس جمهوري دستوري , مقيد بالقرآن , وقائم على تنفيذه , وليس بالملك المطلق , الذي يعطي أوامره صفة التشريع , ولا هو بالحاكم الجبار الذي يتخذ الناس عبيداً له , فالخلافة ليست مغنماً ولا سلماً للعو على الناس , والاستكبار في الأرض فسير مملكته الشاسعة على شكل من العدالة لم ير التاريخ مثله إلى اليوم .
نظر عمر حوله ليجد مملكة كسرى أمبراطورية العجم وحكمها الجائر وجبروتها المزيف , والناس فيها تتطلع لعدالة وحرية ومساواة , فنادى في الناس هلموا إلى فتح العراق الفارسية أيها المسلمون , ومنها الى فتح فارس .
ثلاثة أيام فقط أستنفر عمر الناس لحرب فارس , وفي اليوم الرابع تقدم أبو عبيدة بن مسعود وتقدم جماعة من الناس , فأمره عليهم وسيرهم للمعركة . ثم التفت إلى الشام , وولى أبا عبيدة قيادة جيوشها , ونحى عنها خالداً مع أنه أحد القواد الذين أدهشوا التاريخ , ولعزله كانت حكمة وعبره في محاربة الهوى, وظلمات الجهل . فقد ضحى بأعز عزيز "خالد" على قلبه في سبيل الإسلام حيث أن الإسلام يقوم على عقيدة التوحيد , على إعتقاد أن الله هو النافع الضار , وأن كل شيء بيده , فخاف أن يتكل المسلمون على خالد , أو يعتقدوا أنهم ينصرون به , فيفتنوا ويضلوا , وإذا غاب عنهم ُغلبوا وذلوا. وصرح بذلك " إني لم أعزل خالد عن سخطة ولا عن خيانة , ولكن فتنوا به , فخشيت أن يوكلوا إليه ويبتلوا به , فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع , وأن لايكونوا بعُرْض فتنه "
قاتل خالد كجندي كما يقاتل قائداً , ولا غرابه إن لم يفهم مؤرخو الغرب والشرق سر هذه المسألة فهؤلاء من نمط لاتعرفه بلادهم !!!
وانتخب سعد بن أبي وقاص لمعركة القادسية وكانت البشارة بالنصر بعد أيام فقط , حين قدموا عليه بسيف كمسرى فقال : إن أقوام أدوا هذا لذوو أمانة . فقال له علي " إنك عففت فعفت الرعية " .
بلغ عمر من العظمة مالم يبلغه عربي وعبقريته كانت تحيط بدولة كاملة من بلاد الأفغان إلى طرابلس الغرب إلى اليمن وحضرموت , ,إلى جبال طوروس ,إلى المدينة المنورة .
فكان الحاكم والقاضي والسياسي والعالم والخطيب والإمام والواعظ وهي سمات فقط في نواحي عبقريته .
نافذ البصر قوي التفكير ماضي العزم , فقيهاً عالماً منظماً وهو زعيم شعبي , مناصر للديمقراطية , ودعاة الحرية والعدالة والمساواة والمدافعين عن حقوق الشعب فقد قاوم الارستقراطية , وحارب الفساد والاستبداد ,فما يلبس من ثوب العظمة ويخلع لايناسب عمر فلا الأوسمة ولا الثياب والقصور شيء أما ذاته , فسر العظمة والعبقرية فيما زكى وصقل وهذب من طبعه كبشر , وأبدع من مواهبه, ففي وجوده كل العظمة, حيث تنطق آثاره فيما ينفع الناس, وتشهد قوانينه وحكمه التي قالها بذلك .
فقد خلد للتاريخ مرسوماً يبين للشعب, أن الولاة ليسوا سادة الناس , وأن ليس لهم الحق في أموالهم , وأن الحريات مضمونه , والاموال محروسة , وما الولاة إلا معلمين وأئمة وخداماً للشعب , يقومون بمصالحه العامة , ويسعون لسعادته , وفتح باب لكل شكوى ترفع على أي أمير من الأمراء , وماقام خلاف بين وال ورعية إلا كان عمر في صف الرعية .وهل ينسى العالم مقولته التي لم نستطع إعادتها وهي في صدر كل حر نبيل "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟؟؟؟؟؟
فهو أديب بارز وزاهد تقي بصفاء سريرته وملازمة الفضيلة , ولم يبق أمام عمر درجة من العظمة ليرتقي إليها , فإلى أين يسموا؟ إلى الجنة !
قتل عمر عبد فارسي لئيم بمؤامرة فارسية دنيئة
.... رحم الله عمر فقد أرسل ابنه لأم المؤمنين السيدة عائشة وأوصاه أن يقول : إن عمر يسلم عليك ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه .
- لاتقل لها , إن أمير المؤمنين , لست اليوم للمؤمنين أميراً
- إنه يخشى أن يستعمل منزلته في حاجة له , أو يستغلها لمنفعته , حتى في هذه الساعة .
- ذهب عبدالله يستأذن , فلما قيل له لقد أقبل قال : ارفعوني !
- نهض فقال : ماورائك ؟ قال أذنت .
- قال عمر الحمد لله : فما كان شيء أحب إلي من هذا المضجع . وهوى إلى الفراش . هناك أمام الحجرة الشريفة نقف خاشعين متأدبين نقول :
- السلام عليكم يارسول الله , السلام عليكم ياأبا بكر , السلام عليكم ياعمر ! ذلكم مايسمعونه إلى يوم القيامة من المسلمين .
المفضلات