[COLOR="RoyalBlue"]يتبع ،،،الجزء السادس 3 ،،
العائلات الشهيرة :
ويستنتج د. سايمنتن وأثناء حديثه عن العامل الثالث ( العائلات الشهيرة ) انه ورغم أن حدوث اليتم بين العباقرة يتجاوز عامل الصدفة، فأن نسبته اقل من أن تسمح باعتباره المبدأ الرئيسي المساهم في الشهرة ( وهنا اخطأ د. سايمنتن لعدة أسباب سنوضحها فيما بعد ).
وهو يظن انه إذا كنا ننظر إلى العائلات بحثا عن مصادر العبقرية فأننا يجب أن نكتشف عوالم أخرى. وهو يرى بأن معظم العباقرة في عينة كوكس 1926 كانوا من الطبقات الراقية. ويضيف لقد وجد ال غورتسل أن حوالي 80% من المشاهير من الأزمنة الحديثة قد جاءوا من عائلات الطبقة المتوسطة التي تعتمد في نشاطها على الأعمال التجارية أو المهنية بينما عانى 6% فقط من أفراد هذه العينة من الفقر إبان طفولتهم.
ويشير د. سايمنتن إن دراسة بلوندل Blondel 1980 قد توصلت إلى أن 60% من القادة في العالم الحديث قد جاءوا من اسر من الطبقة الوسطى. ولكن يستنتج د. سايمنتن رغم هذه النسب أن الشواهد توحي بأن المركز الاجتماعي للوالدين لا يمارس أي تأثير مباشر على الشهرة المتحققة.
واستنتج د. سايمنتن حتى بعد أن قام بإعادة تحليل عينة كوكس أن تأثير الطبقة الاجتماعية على الشهرة قد لا يكون إلا تأثيرا غير مباشر لا يتم إلا من خلال الذكاء ومستوى التعليم.
ويرى د. سايمنتن أن الذكاء والشهرة قد يتعاقبان في العائلات حيث تم مناقشة هذه الإمكانية في أول بحث تم من خلال استخدام القياس التاريخي وهو البحث الذي قام به السير فرانس غالتن في كتابه ( العبقرية والوراثة) Hereditary Genius 1869 . ويقول د. سايمنتن أن غالتن أراد أن يثبت أن العبقرية يرثها الطفل بالوسائط البيولوجية من خلال الوالدين. فإذا كانت العبقرية متعاقبة بناء على هذه الدراسة في الأسر وإذا كانت العبقرية سببا ضروريا وكافيا للشهرة فأن الأشخاص المتميزون ينبغي أن يجتمعوا في اسر خاصة ..ولهذا كرس غالتن جانبا كبيرا من بحثه ليظهر أن المشاهير لهم أقارب من المشاهير أيضا وبنسب لا يمكن أن تتوقعها من خلال الصدفة.
ويبدو هذا الدليل مقنع من الناحية الظاهرية حيث يمكن تقديم أمثلة عليه فنجد أن عدد كبيرا من أفراده أسرة باخ اشتهروا بالموسيقى.
ولكن وكما يقول د سايمنتن جابهت مقولة غالتن حول وراثة العبقرية صعوبة من جهتين. واحدة أن البيانات المقدمة لم تكن باعثة على الاطمئنان كما جعلها غالتن تظهر في البداية، فقد فشلت دراسات تالية في اعطاء نفس النتائج، كما أن مؤشرات كثيرة أظهرت أن الكثير من العسكريين والعلماء والشعراء لم تكن أشجار أنسابهم أشجار مميزة. كذلك فان تجمع مشاهير التاريخ ضمن سلسلة الأنساب الأسرية قد يدل على التميز الاجتماعي والمزايا الممنوحة للطبقة أكثر مما يدل على الخصائص الوراثية المسئولة عن العبقرية.
التوارث عبر الاجيال:
يتطرق د. سايمنتن بعد ذلك إلى دراسة أجراها الفريد كرويبر A Kroeber وهو احد رواد الانثروبولوجيا في أمريكا والذي اثبت في كتابه Configurations of Culture Growth, 1944 أن غالتن كان على خطأ وان العبقرية الفردية ليس لها أدنى قيمة تفسيرية عندما نناقش الإبداع. فبين أن ما يسمى بالعبقرية المبدعة ليست موزعة بشكل عشوائي عبر التاريخ ولكنها تتجمع بدلا من ذلك على هيئة تشكيلات تتمثل في عصور ذهبية أو فضية مثل عصر الإغريق أو عصر النهضة. وهي عصور تفصل بينها فجوات طويلة أو عصور ظلام يركد فيها الإبداع. فإذا كانت العبقرية موروثه كما يدعي غالتن فلماذا تتوزع العبقرية بهذا الشكل المتفاوت عبر مسار التاريخ. ويرى كروبي أن فكرة المحاكاة التنافسية التي تنبعث تارة من الحسد وتارة من الإعجاب ربما كانت هي الجواب. وهذا التفسير يعطي دور للرعاية والاهتمام.
القدوة والمثل :
ويرى د. سايمنتن أن تقليد الأجيال السابقة له دورا مهما في تحفيز الإبداع. ويقول أن البحوث الحديثة حول الظروف التي سادت حياة المشاهير قبل حصولهم على الشهرة أن حوالي 82% من الأفراد الذين تمت دراستهم قد عايشوا عديدا من الراشدين في وقت مبكر من حياتهم. وان 68% ترعرعوا في ظل وجود بعض الراشدين الذين كانوا يعملون في مجالات يمكن الوصول فيها إلى الشهرة عند الرشد. وان 63% تعرفوا على مشاهير في مرحلة مبكرة من العمر Walberg Rasher, and Parkerson, 1980 أي انه توافر لهؤلاء المشاهير وجود عدد كبير ممن كان يمكن الاقتداء بهم في تطورهم المبكر. وتبين مثلا أن ما يزيد على نصف من الحائزين على جائزة نوبل في العلم قد تعلموا على أيدي بعض من سبق لهم الحصول على هذه الجائزة Zuckerman, 1977 . وتوحي هذه الحقائق بأن وجود من يقتدي بهم من المبدعين قد يكون أمرا جوهريا بالنسبة لتطور العبقرية العلمية. وهذا التأثير قد لا يتطلب دائما الاتصال الشخصي المباشر بين الأساتذة الناضجين وبين المعجبين الصغار فالنشأة أو التربية في أزمنة الحيوية العقلية أو الفنية الجمالية قد تفضي بذاتها إلى التطور الإبداعي. كما أن الإعجاب هو قوة دافعة شديدة في التطور الشخصي. ويمكننا جميعا أن نعجب من بعيد إذا دعت الحاجة لذلك.
ويخلص سايمنتن إلى أن البيئة تلعب دورا اكبر بكثير من الوراثة في ظهور العبقرية. فرغم أن الذكاء خاضع للوراثة البيولوجية بشكل قابل للقياس فأن الظروف البيئية للأسرة وكذلك المؤثرات ما بين الأجيال يبدو أنها أهم في تطور المبدع الممكن أو القائد الممكن.
ويزيد توافر الأشخاص الذين يمكن أن تقتدي بهم من الناحية الاجتماعية الثقافية فرض احتواء أي جيل من الأجيال على عدد من العباقرة المشهورين وتساعد الظروف الأسرية على تقرير أي الأعضاء في جيل من الأجيال سيحرزون الشهرة. وكل جيل يكمل البناء فوق انجازات الجيل السابق عليه ويقوم بدفع الثقافة الإنسانية إلى الأمام حتى تصل الحضارة إلى عصر ذهبي لا يمكن للإبداع بعده إلا أن يضمحل ويجعل من الجيل التالي جيلا من المقلدين. ومع ذلك فأن العباقرة الفعالين في الجيل الذي وصل أعلى درجات التقدم والازدهار يدينون بشيء ما لأسلافهم الأقل شهرة وقد عرف إسحاق نيوتن هذا حين قال في أوج شهرته ( إن كنت رأيت ابعد من غيري فلأنني وقفت على أكتاف العمالقة).
سنكتفي هنا بالحديث عن دراسات سايمنتن فقد اشرنا هنا إلى أهم الدارسات والاستنتاجات التي لها علاقة ببحثنا ويمكن لمن يرغب في الاستزادة العودة إلى كتابه بالغ الأهمية.
ونعود للحديث عن جديد نظرية تفسير الطاقة الإبداعية لنوضح أولا لماذا اخفق سايمنتن ومن سبقه في اكتشاف أهمية اليتم بالنسبة لتفسير هذه السمة الإنسانية المهمة وهي الإبداع ومن ثم نقدم ما يؤيد وجهة نظرنا من أدلة وشواهد ، ثم ننتقل للإجابة على الكثير من الأسئلة بناء على المعطيات والاستنتاجات التي سنسوقها والتي ستؤسس حتما لفهم مختلف لكل سمات الشخصية الإنسانية كون أن نظرية تفسير الطاقة الإبداعية ستكون الركيزة الأساسية والتي سيتم إعادة النظر في كثير من المفاهيم على أساسها.
يتبع ،،الجزء السابع
تابعوا معنا هذه الرحلة المهمة في استكشاف اسرار الشخصية الانسانية وسماتها ؟؟؟!!![/COLOR]
المفضلات