إن الحرب العراقية التي لم تنتهي موجاتها في المجتمع العراقي والتي حصدت العديد من الويلات طالت كل من الحجر والبشر في آن ٍ معا ً، رغم أن دولة المؤسسات قد بدأت مع تنفيذ المراسيم الانتخابية البرلمانية الدورية والذي جسد معها صورة الديموقراطية المفروضة على الشعب العراقي مع غطاء إعلامي واضح للمجتمع الدولي في تجميل البنية الداخلية للمجتمع العراقي الذي يعاني أشد معاناته من جراء هذا التحول الجذري الداخلي العنيف لبنيته الداخلية.

كأن كُتب على الشعب العراقي أن يدخل عنوة ً صراعا ً داخليا ً مذهبيا ً سياسيا ً شرذم معه المناطق والبنية المؤسساتية الداخلية التي شكلت الأعباء والفساد مزيدا ً من المعاناة والشقاء على الشعب العراقي ككل، في ظل تحول اعلامي وتكتم المجتمع الدولي عن ترديٍ للأحوال المعيشية وانهيار المستوى المعيشي الأسري العراقي الذي يحصد التشرد والفقر والعوز، عدا عن انهيار المؤسسات الخدماتية كالكهرباء والهاتف والأمن والحماية الاجتماعية من الانهيار المعيشي الذي يعاني منه 80 % من الشعب العراقي. ولعل المعاناة الأهم تلك التي تقع على المرأة المُسنة التي تعيش واقع اجتماعي وأسري رديء إما بسبب نتائج وويلات الحرب التي جرت الخراب والانهيار للمرافق الدولة العراقية، وإما يعود للخصائص الجسدية والصحية الإنسانية التي تمتاز بها الشيخوخة والذي يعكس وضع خاص لهذه المرحلة تتمثل باحتياجات إنسانية مُلحة واجب توفيرها دون أي تأخير. وعليه كيف يبدو واقع المسنات العراقيات وما هي أبرز المآسي التي تنعكس على حياتهن الاجتماعية والإنسانية؟ فقد تنوعت المآسي التي ترضخ لها المرأة العراقية ولا سيما من فئة كبار السن من مآسي أمنية إلى مآسي اجتماعية واقتصادية طالت الهموم المعيشي والأسري، عدا عن الآلام النفسية المصحوبة بالانتهاكات للكرامة الإنسانية ككل.

تعيش المسنات ظروفا ً مأساوية من جراء الحرب التي نشبت منذ عام 2003 ولم تستطع الظروف الداخلية والسياسية أن تضع حدا ً لهذا التدهور الأمني الذي يترافق معه الانتهاكات البشرية المرافقة لعمليات العنف وموجات الاغتيالات والإرهاب الذي يزداد بشكل صارخ في هذا الوقت العصيب من المجتمع العراقي، والذي يشهد ساحته مزيدا ً من الاعتداءات تدفع عبره المرأة المعاناة النفسية من جراء خوفها على ابنها أو زوجها من أن يطاله موجات الغدر فتظل حبيسة القلق النفسي على الرجل الذي يدفع الكثير من الأعباء جراء هذا الانهيار الأمني، اذ لم نقل أنها هي نفسها من تدفع ثمنا ً باهظا ً من جراء موجات الاعتقالات التي تطالها. عدا عن تعرضها إلى مزيد من الأحزان جراء فقدان المعيل سواء الزوج أو الإبن لتظل حبيسة التشرد والعوز، وما يؤول إليها هذا الوضع من الشعور بالافتقاد النفسي للأمان الأسري ولرعاية السند الذي يظللها بالحماية والرعاية؛ والذي يُجسد للمرأة العراقية الأمان النفسي والاستقرار والحماية في ظل سيطرة للعرف الذكوري والعشائري على القيم القبلية الممتدة ضمن النسيج الاجتماعي المحلي.

كم تتعرض المرأة إلى الإستغلال من قبل القوات الاحتلال في الاعتداء عليهن من أجل الضغط على الرجال والذي نتج عنه اضطهاد واسع النطاق يٌمارس عليها، ألوان متعددة من الجرائم يكتم عنها المجتمع الدولي رغم صيحات ناشطوا حقوق الإنسان الذي يشير إلى الكم الهائل من عدد الجرائم الإغتصاب التي تمارس على المرأة العراقية وما يطالها من ألوان الإستغلال والإبتزاز سواء الجنسي، أو المعيشي والإقتصادي.

فمع الانهيار الأمني الذي يعيشه الشعب العراقي زاد تأثيره وانعكاساته السلبية على الأسر العراقية ولا سيما على فئات المسنات التي تدفع مزيد من القهر الإنساني جراء موجة الحرمان التي تطال غالبيتهن من تشرد وفقدان الأمن المعيشي. وأول الإنعكاسات السلبية تلك المتعلقة بالتدهور المعيشي والإفقار الواسع النطاق الذي طال أكثر من ثلثي الشعب العراقي، في ظل تردي المؤسسات الحمائية وتقلص حجم الإعانات الحكومية للفئات الفقيرة، وانقطاع المعاشات الشهرية على الأسر الشهداء والأسرى منذ فقدان نظام السابق. إلا أن هذه المعاناة التي تقع على كاهل المسنات تبدأ مع فقدان المجتمع العراقي لمعايير والمقرارات الدولية تجاه حقوق الإنسان ولا سيما حقوق المرأة المسنة، وخاصة تلك المقرارات المتعلقة بخطة العمل العربية للمسنين حتى العام 2012، التي تدعو البلدان الأعضاء إلى تنفيذ خطة عمل مدريد الدولية للشيخوخة على الصعيد الإقليمي.وتركز بنود الخطة وتوصياتها على ثلاثة مجالات ذات أولوية، وهي: أ)التنمية في عالم آخذ في الشيخوخة؛ ب) توفير الصحة والرفاه في سن الشيخوخة؛ج( تهيئة بيئة تمكينية وداعمة لجميع الأعمار. كذلك، تشدد الخطة على جملة أمور منها المسائل والأهداف التالية: أ) المشاركة النشطة في المجتمع وفي التنمية؛ ب) ضمان الدخل والعيش الكريم للمسنات والمسنين؛ ج( تأمين الرعاية الصحية للمسنات والمسنين على قدم المساواة ومن دون تمييز. وتسلط الخطة أيضًا الضوء على مسائل تتصل بالمسنات، ومنها "دمج قضايا المرأة المسنة في صلب برامج التنمية الاجتماعية" و"وضع برامج خاصة بالمسنات تؤمن لهن مستوى من العيش الكريم" .

إنطلاقا ً من هذه الخطة نشير إلى انه ثمة إحتياجات يجب توفرها إلى المسنات يتم لها تظافر الجهود الرسمية والحركات الاجتماعية والشعبية في آن معا ً إنطلاقا ً من توفير الأمن والسلم الداخلي وإبقاف موجة العنف والأرهاب، ومن ابرز التدابير الواجب اعتمادها متعددة تتمثل بما يلي:
- دعم حكومي للفئات المهمشة عبر تفعيل شبكة الحماية الاجتماعية من طبابة وصحة وسكن للمسنات ، عبر تقديمات عينية ومجانية تحفظ كرامتهن.
- تأمين لهن الراتب الشهري من قبل دوائر رعاية الاجتماعية .
- تأمين لهن الضمان الاجتماعي الصحي الذي يعينها من المخاطر الصحية المرافقة لهذه المرحلة العمرية .
- دعم جهود الجمعيات الإنسانية وقوى المجتمع المدني الذي يدعم الأسرة معيشيا ً.
- تأمين الخدمات الإنسانية والاجتماعية للأسرة العراقية من عمل وأجور ومرافق حيوية يساعد المعيل على تأمين حاجات المسنات المسؤول عنها.
- تأمين دور الرعاية للمسنات التي فقدن الرعاية الأسري جراء الحرب من موت الشريك أو موت الأبناء، مما يكفل لها الأمن السكني.
- دعم التكافل الاجتماعي عبر تفعيل صندوق الزكاة تجاه رعاية المسنات.