رؤى ..........أم ثقافة الاستلاب للفراش
مؤخراً أصبح الشغل الشاغل لكثير من الناس الاستغراق في الحديث عن الرؤى أو أضغاث الأحلام التي يراها البعض في منامهم، أو حتى لا يرونها، وتناقلها فيما بينهم، والجدل الواسع في تأويلها. لو كان الأمر في سياقاته الطبيعية لما كان من الأهمية بمكان الخوض في هذه القضية، لكن الأمور بكل تأكيد تجاوزت هذه السياقات بشكل غير معقول، بحيث ينشغل الناس في ارسال هذه الرؤى وتأويلاتها عبر رسائل الهواتف النقالة ويتباحثون حولها في مجالسهم الخاصة. وآخر هذه الرؤى أو الأحلام التي تعلق بها كثير من الناس تتحدث عن مستقبل الحصار، ومصير المشروع النووي الإيراني، وتنتهي بصلاة أحد الزعماء في المسجد الأقصى. اللافت للنظر أن هناك عدد كبير من الروايات حول هذه الرؤية التي تنسب لشخص يزعم أن الله يخاطبه. نحن نؤمن بقوله صلى الله عليه وسلم أن الرؤيا الصالحة جزء من النبوة، وأن الشيطان لا يمكن أن يتمثل بالنبي صلى الله عليه وسلم. لكن – إن جاز الاهتمام بمثل هذه القضايا على هذا النحو المرضي – فهل يعقل أن كل هذه الروايات صحيحة عن تلك الرؤيا. لكن السؤال الأكثر أهمية: لماذا كل هذا الانشغال المخل بالرؤى، التي تبقى في أحسن الأحوال شأن شخصي لمن شاهدها، مع التشديد على أن من يرى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام حقاً قد حاز خيراً عظيماً. أن هذا الأهتمام يعكس تكرس ثقافة الهروب من الواقع بكل تحدياته الى الفراش بكل تخيلاته وملذاته المتوهمة، التي أبتليت بها الأمة، فأصبحنا لا ننشد إلا العيش السهل في الخيال. أن هذا الاستلاب والاستغراق في الخوض في هذه القضايا يسمح للخرافات بالتعشعش في أذهان الناس. للأسف الشديد، فأن الاهتمام المخل بالاحلام لا يقتصر على الفلسطينيين، بل أن هناك قنوات فضائية تبث برامج لتفسير الأحلام ويتم اجراء مقابلات مع مفسري الأحلام، وهناك في بعض الدول العربية مكاتب خاصة لمفسري الأحلام، في مشهد يشي بالبؤس الذي علقت به أمة تأبى مفارقة دثارها. وهناك اسئلة كثيرة تطرح هنا، وتحديداً حول المؤهلات الواجب توفرها في الأشخاص الذين يفسرون الأحلام والذين بامكانهم أن يدمروا عوالم الكثير من الناس أو يدفعوهم للعيش في حلو الخيال. لقد جاء أحدهم لإبن سيرين رحمه الله، فقال له : لقد رأيت في المنام أني اؤذن ، فقال له ابن سيرين: أنك ستحج الى بيت الله الحرام. وبعد ذلك جاءت شخص آخر، وقال له : لقد رأيت في المنام أني أؤذن، فقال له ابن سيرين :أنك سارق وستقطع يدك. فاستهجن من كان في مجلس ابن سيرين، كيف يفسر نفس الرؤيا بتفسيرين، فقال : لقد نظرت في الأول فوجدت أثر الصلاح في وجهه، فتذكرت قوله تعالى " وأذن في الناس بالحج يأتوج رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من فج عميق ". ونظرت للثاني فوجدت الشقاء على وجهه، فتذكرت قوله تعالى " وأذن مؤذن ياأيتها العير أنكم لسارقون ". من ناحية ثانية فقد توعد الله أولئك الذي يدعون رؤية اشياء لم يروها في منامهم بالعذاب والخزي الشديد في الأخرى. فقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من تحلم حلماً، أمر يوم القيامة أن يربط بين شعيرتين ".وعلى ذكر الرؤى، كان لي صديق عف اللسان، صدوق، وحدث أن تعلق بفتاة كثيراً ورغب في التزوج منها، وكان هناك ثمة أمل أن يتزوجها، وكان يحدثني أنه كل يوم يرى رؤيا قبل صلاة الفجر، وكل ما يرويه في هذه الرؤى يؤكد حسب تفسيره أنها ستكون من نصيبه وسيتزوجها. ولكن في احدى المرات واثناء انشغاله بالحديث معي عن آخر رؤيا شاهد هذه الفتاة فيها، فاذا بهاتفه النقال يرن، فيختلي جانباً في الغرفة المجاورة، واذا به يدخل متكدر الوجيه كسير الجانب، ليقول لي أن أحدهم أبلغه أن تلك الفتاة قد تزوجت شاباً آخر. أنا اثق أن صديقي هذا كان صادقاً في كل ما نقل عما يرى في فراشه، سيما أنه كان يرى رؤاه قبل صلاة الفجر، ومع ذلك لم تتحقق أحلامه.