الاديب الناقد الباحث السيد عبدالرحمان الخرشي:
بدءاً لك أزكى تحية و رمضان مبارك كريم.
في هذه المداخلة القيمة التي احتفت بالناقد و الباحث المغربي الدكتور عباس ارحيلة أطال الله عمره و أمده بالصحة و العافية,أدخلتَ السرور
إلى قلبي لاسباب عدة,منها الإعتراف بشخصية علمية أكن لها كل احترام و تقدير,و التعريف محلياً و عربياً بهذا المثقف الجليل,و إجمال مؤلفاته
النقدية المهمة التي منحها وقته و جهده..
عرفتُ الدكتور عباس ارحيلة حفظه الله,محاضراً تنصتُ إليه العقول و الأسماع في كلية الآداب بمراكش,يُلقي على طلبته في شعبة الأدب العربي
دروسه في مادة النقد العربي القديم ,تلك الدروس التي كنتُ أحرص على متابعتها بانتظام تام(فقد كنت أتغيب في حصص كثيرة خاصة بمواد
أخرى ,بل هناك مواد كنتُ أغفلها طول السنة الجامعية)
لا يمكن أن أنسى ابداً ذكرياتي مع الدكتور ارحيلة زاده الله شرفا و بركة,فلم يكن في دروسه رجلَ فكر و علم فحسبُ,بل كان يملك ما لا يملكه
الآخرون مجتمعاً:التواضع الجم و الخلق القويم و الشخصية المتزنة و الطبع المعتدل ..يشهدُ الله أني لم أسمع صوته أبدا خارج قاعة الدرس .
إن ابتسم ففي حياء و إن تكلم فبصوت لا هو بالضعيف الخافت و لا العالي المنفر,و إن سلم فبإيماءة بسيطة و بكلمات مقتضبة ..يمر بخطوته
السريعة الواثقة رأساً إلى مكتبه و دروسه, بعيداً عن كل ما تعرفه الكلية -وهي في بداياتها-من مشاحنات فكرية و سياسية و شخصية,فكاهةٌ
محتشمة,و نزاهة فكرية يشهد بها الجميع ,و نبرة درامية تتغير حسب المواقف و النصوص و الأصوات,حيث أسترجع في لذة درسه الفخمَ
العملاقَ : الحركة النقدية حول المتنبي,و خصوصا حينما وصل الحديث الى الرسالتين الحاتمية و الموضحة للحاتمي ,فقد كان الدكتور يغمضُ
عينيه (وهذه إحدى خاصياته الجميلة)فيسترسلُ في الكلام و صوته يعلو و ينخفض و نبرتُه تتسرع و تبطىءُ,و لا سيما أثناء حديثه عن
دخول أبي الطيب إلى بغداد حيث أعتبر تفسيره بل قراءتَهُ للمقطع التالي مسرحية نقدية بامتياز أجاد الدكتور إخراجَها و تمثيلها بعبقريته
فرسخها في أذهان طلابه بالصوت و بالتعبير الجسدي (العينان و الإصبع و طريقةُ التنفس..)
لما دخل المتنبي بغداد و ترفع عن مدح الوزير المهلبي الذي ساءَه ألا يجد في عاصمة الخلافة من يتصدى للشاعر المتكبر,فمنهم
من طأطا رأسه و منهم من توارى عن الأنظار..... نَهَدتُ له..و هنا برزت موهبة الدكتور التشخيصية حينما بين بكل طاقاته الصوتية
و الحركية ما تلفظ به الحاتمي من ادعاء مقارعة المتنبي, وفهمنا زيفَه باللهجة و الحركة أكثر مما كان سيظهر بالحجة و البرهان..كان ذلك
مشهَداً شكسبيرياً بامتياز مازلتُ اذكره لحد الآن.اهتزت القاعة بالضحك لكن ناقدنا حافظ -كعادته-على هدوئه الأسطوري .
كان بودي أن أذكر مواقف كثيرة منعني من ذلك خوف الإطالة..فالدكتور ارحيلة إنسان لا يمكن أن تعرفه دون أن يؤترَ في نفسك برصانته
العلمية و بشخصيته الودودة و خلقه السمح..
لك أستاذي عبدالرحمان الخرشي كل شكري و بالغ تقديري إذ أتحت لي فرصة الحديث عن هرم فكري يأخذ مكانه السامي في نفسي ,
و أرجو منك سيدي أن تتكرم بمزيد من المواضيع حول أستاذنا الجليل أطال الله عمرة و متعه بما يحب و يرضى.
شكراً مرة و مرات أخي المحترم وبارك الله فيك ,و أحسن جزاءك.
المفضلات