أزمة التعليم المغربي من أزمة الإدارة المغربية

الحلقة الثانية

***
(التسجيل الكامل والمفصل لوقائع جلسة الحوار المنعقدة داخل مكتب نائب وزير التعليم على إقليم العرائش بالمغرب يوم الأربعاء 16 يونيو 2010 والتي جمعت محمد سعيد الريحاني بممثلي نيابة وزارة التربية الوطنية بالإقليم على خلفية الحيف الإداري الذي يطاله منذ 2003 مع أول بيان من بياناته التي جمعت لاحقا في كتابه الصادر صيف 2009 تحت عنوان "تاريخ التـــلاعب بالامتحانات المهــنية بالمغرب")

***

مقرر الجلسة: ما هو الاعتراض الأول؟
محمد سعيد الريحاني: الاعتراض الأول هو أن بيان الخدمات مهمتكم أنتم في أقسام ومصالح ومديريات شؤون الموظفين في النيابة والأكاديمية والوزارة. فكيف يعقل ان أشتغل في قطاع لمدة سبعة عشر عاما ولا زلت أتلقى سنويا المطبوع تلو المطبوع مختوماً كل مرة بعبارة "عَاجِلُ". وما هي مضامين هذه المطبوعات "العاجلة" و"المستعجلة"؟
لا شيء.
لا شيء على الإطلاق.
هي مجرد معطيات قدمناها للإدارة "قبل سبعة عشرة عاما" وفي "كل عام من السنوات السبعة عشر": الاسم والنسب وتاريخ الازدياد وتاريخ التعيين وتاريخ التوظيف وتاريخ الترسيم والهاتف الثابت والهاتف النقال والعنوان البريدي مع أنني لا أذكر في يوم من الأيام أنني توصلت من نيابتكم ولو برسالة واحدة حتى في الأوقات التي كنت انتظر فيها الاستدعاءات لاجتياز المباريات... هل هذه معطيات حاسمة تراهن عليها الإدارة في إقصاء المرشحين من المباريات؟
مقرر الجلسة: وما هو الاعتراض الثاني؟
محمد سعيد الريحاني: الاعتراض الثاني يتلخص في كون عملية فرز الملفات لا تخضع لمنطق "القانون" وإنما لمنطق "المزاج" و"العلاقات".
مقرر الجلسة: ما حجتك على أن فرز الملفات لا يضبطها قانون؟
محمد سعيد الريحاني: الحجة شرحتها في الرسالة التي أرسلتها، عن طريق السلم الإداري، إلى السيد مدير أكاديمية طنجة-تطوان بتاريخ 25 نونبر 2009. وبينما كنت أنتظر جوابا من السيد مدير الأكاديمية، تلقيت جوابا من السيد نائب وزير التعليم على إقليم العرائش بتاريخ 24 دجنبر 2009. وقد كان مضمون المراسلة أنني "المرشح الوحيد" في نيابة إقليم العرائش الذي قدم ترشيحه "في الآجال المحددة في المذكرة التنظيمية"، أي الجمعة 13 نونبر 2009، ورُفِضَ ملفي بينما قبلت "كلّ" الملفات للمرشحين الأحد عشر الذين قدموا ترشيحاتهم "خارج" الآجال المحددة، أي يوم الإثنين 16 نونبر 2009.
نائب الوزير: هل كانوا أحد عشر؟ أنا لا أذكر العدد لأنه مرّ وقتٌ على هذه الواقعة؟
محمد سعيد الريحاني: نعم.
نائب الوزير: هل تعرفهم؟
محمد سعيد الريحاني: طبعا.وما أعرفه أكثر هو "القسوة" التي تتعامل بها إدارتكم مع الموظفين الذين يلتزمون بالقانون و"التسامح" و"التساهل" مع غيرهم. فقد كنت من بين الأوائل ممن أتيحت لهم فرصة الاطلاع على المذكرة المنظمة لمباراة تدريس أبناء الجالية بأوروبا الغربية لموسم 2009-2010 مساء يوم الأربعاء 11 نوفمبر 2009 وأعددت الملف يوم الخميس 12 نوفمبر وأودعته مدير المؤسسة يوم 13 نوفمبر 2009 وهو آخر يوم لتلقي ملفات المرشحين طبقا للمذكرة الوزارية التي وصلت المؤسسات التربوية بالإقليم بعد انتهاء الآجال بينما لم تصل مؤسستي حتى هذه الساعة، بعد مرور حوالي ثمانية أشهر على صدورها من العاصمة الإدارية.
نائب الوزير: ألم تصل المذكرة في الوقت المناسب؟
محمد سعيد الريحاني: المذكرة الوزارية المنظمة لمباراة تدريس أبناء الجالية بأوروبا الغربية لموسم 2009-2010 صدرت بتاريخ 11 أكتوبر 2009 لكنها لم تصل مؤسستي لحد الساعة من هذا اليوم من هذا الشهر، يونيو 2010.
نائب الوزير (ينظر إلى مدير المؤسسة)
مدير المؤسسة (لا يجيب)
محمد سعيد الريحاني (مُكرّراً): أنا ما يضرّني هو هذه الازدواجية في المعايير. "القسوة" على من "يحترم" القانون و"التساهل" مع الآخرين.
مقرر الجلسة (يوقف تحرير التقرير ليشارك في وقائع جلسة الحوار): لا يوجد هناك أي تحيز ضدك، السي الريحاني.
الحضور (لا يجيبون)
مقرر الجلسة (مواصلا): أنا طول عمري وأنا أترشح لمباريات الترقية مع أني من سلم أدنى منك، فهل ترى هذا "ترسيبا" لي و"حيفا إداريا" في حقي؟
الحضور (لا يجيبون)
مقرر الجلسة: أقسم بالله العلي العظيم، أننا لم نكن نعرف عنك غير اسمك. هذه هي أول مرة نراك رأي العين ونجالسك ونتحدث إليك.
محمد سعيد الريحاني: ليس المهم صورتي، بل "اسمي".
نائب الوزير: تربطني بالنقابات جلسات حوار منتظمة ولا اذكر في يوم من الأيام بأن أحدا منهم طلب مني أن أتحرك ضدك...
محمد سعيد الريحاني: (لا يجيب ويكتفي بمطالعة وجوه الحاضرين ويتأكد بأن النقابات الحزبية ممثلة داخل القاعة تمثيلا ديموقراطيا)
الحاضرون (لا يجيبون)
مقرر الجلسة: أنا أتذكر بأن أول يوم رأيتك فيه هو اليوم الذي جئت تسأل عن استدعائك فلم تجدها.
محمد سعيد الريحاني (يتذكر للتو ولأول مرة بأن هذا هو الموظف الذي أعطاه في "ظرف دقيقتين" تبريرين اثنين "مختلفين" عن حادث "إقصائه" من المباراة: في المرة الأولى قال له الموظف الذي هو مقرر الجلسة اليوم بأن "مدير المؤسسة لم يدفع ملف ترشيحه للمكاتب النيابية"؛ وفي المرة الثانية بعدما "هاتف" محمد سعيد الريحاني مدير مؤسسته "قرب عتبة" المكتب النيابي وأيقن بأن "الخبر زائف" وبأن المدير "دفع الملف وقُبلَ مِنْه"، عاد ليقدم له "تبريرا ثانيا مغايرا" فحواه أن أكاديمية طنجة-تطوان هي من قام بالانتقاء وإرسال الاستدعاءات مع أنه "لم يكن هناك لا انتقاء ولا أي شيء" فمن قدم ترشيحه نودي عليه.)

رئيس قسم الموظفين: الإدارة ليس لها مشاكل معك والدليل هو أن آخر مرة تقدمت بطلب المشاركة في ندوة الترجمة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بظهر المهراز بجامعة محمد بن عبد الله بفاس لمدة يومين فرخصت لك.
مدير المؤسسة (مؤكدا): لم ترخص له الإدارة للمشاركة في ندوة فاس فقط بل رخصت له قبل ذلك بالمشاركة في العديد من الملتقيات الوطنية الأخرى.
محمد سعيد الريحاني: ولكن العمل الثقافي من صميم العملية التعليمية. هل يفصل احد منكم بين "الثقافة" و"التعليم"؟
الحضور (لا يجيبون)
محمد سعيد الريحاني: إذا شاركت في ملتقى من الملتقيات الوطنية، فالأمر لا يتعلق بالذهاب إلى "نزهة" أو "رحلة". إن الأمر أولا "تطوعي" وثانيا "يشرف نيابتكم" وثالثا "العمل الثقافي هو الوجه الثاني للتعليم". فهل يرى أحدكم العكس؟
رئيس قسم الموظفين: كلامك صحيح ولكن عليك أن تعوض الساعات التي تغيبت فيها، عليك أن تقدم جدولا لاستدراك الدروس... ولكننا في قسم شؤون الموظفين لم ندخل معك أبدا في مثل هذه الحسابات.
محمد سعيد الريحاني: أنا أقوم بإجراءاتي القانونية قبل أي مشاركة في أي ملتقى. أتقدم بطلب الترخيص للمشاركة قبل "خمسة عشر يوما" وأعززه بالوثائق اللازمة قانونيا ولم يحدث لي أبدا ان توصلت في يوم من الايام بأي ترخيص من أي إدارة في أي من النيابات التي عملت بها وهو ما يعني أن العمل الثقافي "من صميم" العملية التعليمية وليس مجرد "تغيبات"، كما أسمع الآن. وهو، بالمناسبة، "أول تصريح" من "أول إداري" يَقْرِنُ بين المشاركة في الملتقيات الثقافية وبين التغيبات.
رئيس قسم الموظفين: وماذا لو رفضت الإدارة الترخيص لك بحضور هذه الملتقيات؟
محمد سعيد الريحاني: ذاك شأن آخر...
نائب الوزير: لنمر إلى المحور الثالث، إلى محور مدير مؤسستك. ما قولك فيه؟
محمد سعيد الريحاني: السيدمدير المؤسسة رجل طيب وهذه شهادة حق أقولها في حضوره وغيابه. ولكنه بهذه الطيبوبة، لا يرى ما يرسمه له آخرون يخبرونني مسبقا بما سيفعلونه هم لي ويجعلونه يقوم هو بذلك.
مدير المؤسسة (محتجا): أنا لست قاصرا حتى يتلاعب بي غيري!
محمد سعيد الريحاني: ولكنهم فعلوا بك ذلك! فرفضك تلقي مراسلاتي الإدارية كان في الأصل رفضهم هم. فقد سبقوك في ذلك القرار بيومين وقالوا قبلك ما قلته لي بيومين بعدهم. وحجبُ المذكرات الوزارية والنيابية عني لمدة "سنة كاملة" كانت فكرتهم هم ولا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تكون فكرة إداري عاقل. وثمة أمور أخرى كثيرة لم تكن فيها أنت الإداري "المقرر" بل كنت فيها الموظف "المنفذ"...
نائب الوزير: ذكرت في إحدى مراسلاتك بأنه يرفض تلقي مراسلاتك الإدارية بينما هو لم يفعل ذلك.
مدير المؤسسة (يومئ برأسه إيجابا)
محمد سعيد الريحاني: كيف لم يفعل ذلك؟ مدير مؤسستي طرأ عليه تغير لا تخطئه العين هذه السنة، 2009-2010. فقد بدأ أولا بتلقي مراسلاتي الإدارية و"الاحتفاظ بها" و"عدم إرسالها" إلى وجهاتها المحددة في التواريخ التي "لا تخدم مصالحه وأجندته"، ثم انتهى به المطاف إلى "رفض مراسلاتي الإدارية رفضا نهائيا".
نائب الوزير: ولكن المدير ها هو أمامك يقول بأنه يتلقى مراسلاتك ويرسلها وليس ثمة مشكل في الأمر. (متوجها إلى المدير) أليس كذلك؟
مدير المؤسسة (يومئ برأسه إيجابا)
محمد سعيد الريحاني (متعجباً): ولكنني لا زلت أحتفظ بالنسخ من المراسلات التي رفضها وعليها رقم الإيداع بخط يده وهو لم "يرفض" مراسلاتي سراً أو في لحظة انفراد بل "أمام زملائي في العمل"!
نائب الوزير (للمدير): هل أرسلتها أم لا؟
مدير المؤسسة: لا. لم أرسلها.
محمد سعيد الريحاني (لنائب الوزير): ليس من حقه رفض مراسلاتي الإدارية.
نائب الوزير: ولكنه المشرف المباشر على مراسلاتك؟
محمد سعيد الريحاني: هل هي أطروحة جامعية؟ هي مجرد مراسلة أو رسالة! والإشراف عليها لا يعني التدخل في مضامينها. الإشراف عليها يعني إيصالها الوجهة المحددة لدى المكاتب النيابية.
نائب الوزير: كيفما كان الأمر، فمدير المؤسسة هو المشرف على مراسلاتك.
محمد سعيد الريحاني (مُصِرّاً): وكيفما كان الأمر، فليس لمدير المؤسسة بتاتا الحق في رفض المراسلات تحت أي مسمى. إن تصرفه هذا كان "لا إداريا" لأنه كان يتصرف تحت ضغط "نقابات حزبية" هي التي جرته لهذه المشاكل وتركته "وحيدا" وانسحبت سالمة للوراء!
مدير المؤسسة (منفعلا): لنْ أُكرّرَ هذا ثانية!
محمد سعيد الريحاني: أنت حرٌّ. أما أنا فلن أضع مراسلاتي ثانية بين يديك. فلا يُلْسَعُ من الجحر مرتين.
مدير المؤسسة: أعدك أمام السيد النائب بأنني سأنقل مراسلاتك مهما كان مضمونها وأن أعطيك وصل إيداعها وأن أختمها وأوقعها بيدي...
نائب الوزير: السي الريحاني، من حقك ولو كان موضوع شكايتك هو مدير مؤسستك ان تعطيه الشكاية في يده ويعطيك وصل إيذاعها في يدك...
محمد سعيد الريحاني (مقاطعا): ما تقوله، السيد النائب، أعرفه بالبداهة منذ أول خطوة في أول يوم دخلت فيه القطاع. المشكل ليس في عدم معرفتي بالأمر. المشكل يكمن في كون مدير المؤسسة الذي يعمل تحت إمرتكم بدأ هذه السنة في "رفض مراسلاتي الإدارية" و"حرماني من الاطلاع على المذكرات". هذه هي المشكلة. وأنا أريد أن أعرف الأسباب.
لقد سبق للسيد مدير المؤسسة أن رفض إرسال مراسلتي الأولى الخاصة بقرار انسحابي من مكتب "جمعية النجاح" بتاريخ 10 دجنبر 2009 وهي لا زالت على مكتبه بعد أزيد من "ستة أشهر". كما رفض مراسلتي المطالبة ب"رفع الحيف الذي يطالني في هذا القطاع منذ سبع سنوات" بتاريخ 5 يناير 2010.
مدير المؤسسة: المراسلة الأولىلم أرفضها ولكن كانت لي أسباب جعلتني أتروى في الأمر إذ راهنت على تغييرك لموقفك في موضوع انسحابك من مكتب "جمعية النجاح". لقد كان الهدف هو إعطاؤك فرصة مراجعة قرارك في الأمر لتؤازرنا في تدبير أمور المؤسسة. أما مراسلتك الموجهة إلى السيد وزير التربية الوطنية فقد "رفضتها" لأنها تتحدث عن تداعيات مقال كنت قد أصدرته حول تفجيرات 16 ماي 2003 وعن أمور أخرى كثيرة خارج قطاع التربية الوطنية...
محمد سعيد الريحاني (مقاطعا): ولكن ليس لك الحق لا في الاحتفاظ بالمراسلات ولا في تكييفها مع أجندتك ولا في رفضها تحت أي مسمى. ليس من حقك تغيير مواقفي. كما ان وظيفتك كمدير تلزمك بإبلاغ المراسلات ولو كنت شخصيا موضوعها. أنت، في هذا القطاع، "موظف" وليس لك الحق في لعب أدوار أخرى.
مدير المؤسسة: لن أرفض لك مراسلةً بعد اليوم!...
نائب الوزير (للرّيْحَانِي): هل تحمل معك نسخة من مقالك حول تفجيرات 16 ماي 2003 كي أطلع عليه؟
محمد سعيد الريحاني: لو علمت بأمر هذا اللقاء مُبكرا لحضّرت له عقليا ونفسيا ولأحضرت الوثائق اللازمة ولكنني علمت بالأمر في ساعة متأخرة من الليل، "الواحدة والنصف"، عبر "رسالة هاتفية". ولذلك لم أحمل معي لا المقال الذي أصدرته بمناسبة تفجيرات 16 ماي 2003 ولا أي وثيقة أخرى.
نائب الوزير: أريد أن أطلع على نسخة من هذا المقال، فبماذا تنصح؟
محمد سعيد الريحاني: أنصح بمحرك البحث "غوغل".
نائب الوزير: لنمر الآن إلى سؤال مباشر. "ما هي مطالبك"؟
محمد سعيد الريحاني: لي "ثلاث" مطالب.
الحضور (ينتبهون اكثر من أي وقت مضى خلال الجلسة)
نائب الوزير: ما هو طلبك الأول؟
محمد سعيد الريحاني: أن أكون "إنساناً"، ككل الناس، في هذا الوجود.
نائب الوزير: وما هو طلبك الثاني؟
محمد سعيد الريحاني: أن أكون "مواطناً"، ككل المواطنين، في هذا البلد.
نائب الوزير: وما هو طلبك الثالث؟
محمد سعيد الريحاني: أن أكون "موظفاً"، ككل الموظفين، في هذا القطاع. فهل هذا يحتاج إلى نضال وكفاح ومجاهدة في النفس وفي الغير؟
نائب الوزير: إذن، أنت لست موظفا الآن؟
محمد سعيد الريحاني: أبداً.
نائب الوزير (للإداريين الحاضرين في القاعة): هل فهمتم شيئا؟
الحضور: (لا يجيبون)
نائب الوزير (موجها السؤال للريحاني): أترى؟ ليست هناك "مشكلة". مجرد "أمور عادية"، مجرد "صدف". كما أنه ليست لديك حجج قوية ولا براهينَ قاطعة. فما استعرضته يبقى مجرد "توصيفات".
محمد سعيد الريحاني: إذن، أزمة إدارية عمرت "سبع سنوات" مع الخروقات التي بالكاد جُمِّعَتْ في "كتاب من ستة وتسعين صفحة" كلها ليست حججا ولا براهين ولا ترقى إلى مصاف الدلائل القاطعة!
نائب الوزير (للحضور): هل سمعتم حججا؟
الحضور (يصمت)
نائب الوزير (للريحاني): أرأيت؟
محمد سعيد الريحاني: السيد النائب، لقد انتبهت منذ البداية إلى منهجيتك في الحوار. أنت "تدافع" على كل شيء صادر عن الإداريين العاملين تحت إمرتك. وهذا لن يجعلك تفهم الازمة فهما موضوعيا. لقد كنت تدافع من أول الجلسة حتى نهايتها. وأنا أعذرك في ذلك إذ حتى لو حاولت فعل العكس فستجد الأمر غير ممكن...
نائب الوزير: ألم أنصت إليك طول مدة اللقاء؟
محمد سعيد الريحاني (مشيرا إلى المكتببينه وبين النائب): لهذا المكتب العريض بيني وبينك "سلطة"؛ (ثم مشيرا إلى الكرسي الذي يجلس عليه النائب) ولذلك الكرسي "سلطة" (ثم مشيرا إلى فضاء القاعة) ولهذه القاعة "سلطة"... وكل هذه "السلط الرمزية"، حين يتعارض العنصر الإداري مع العنصر الوظيفي، لن تبقي لك هامشا لحرية التصرف والاستقلالية في الرأي.
نائب الوزير: هذا مكتب متواضع للغاية إذا ما قورن بمكاتب موظفين آخرين في قطاعات أخرى.
محمد سعيد الريحاني: ليس هذا ما قصدته. أنا لا أقصد الأبهة والفخفخة، أنا أقصد التأثير غير المرئي لهذا المكتب وهذا الكرسي وهذا الفضاء على الموظف لتذكيره ب"حدوده" و"محدوديته" فيضطر للفصل بين "ما يريده" وبين "ما تريده المؤسسة التي تشغله" ويضطر للفرملة عند أدنى تفكير بالانزياح عن خط الإدارة لإنصاف المتضررين من "شططها".
نائب الوزير (مقتنعا): حسنا، إذا قبلت بجلسة أخرى فلن نجلس المرة القادمة حول هذا المكتب العريض كما وصفته وإنما سنجلس هناك في زاوية القاعة على كراسي متساوية وفي شكل دائري ونناقش الأمور بروية. وفي انتظار ذلك، ما رأيك في هذه الجلسة؟
محمد سعيد الريحاني: ليست هذه أول مرة أحضر فيها جلسة حوار مع مسؤول في القطاع ولن تكون الأخيرة ولكن لي عليها مؤاخذات.
نائب الوزير: وما هي هذه المؤاخذات؟
محمد سعيد الريحاني: خاب ظني كثيرا في هذا اللقاء الذي أخذ مجرى مخالفا لما توقعته. كنت أتوقع أن أتلقى دعوة رسمية للحضور لهذه الجلسة وكنت أتوقع أن يقرأ جدول الأعمال في بداية اللقاء كي نكون على بينة من محاور اللقاء وكنت اتوقع أن يكون النائب حكما لا ينحاز لجهة إدارية ما وكنت أتوقع ان نخرج بنتائج ملزمة للجميع وكنت اتوقع بأن تزال كل المشاكل العالقة ولكن ، للأسف، لا شيء من هذا حدث. فقد كنت، طيلة المدة التي استغرقها هذا اللقاء، "أعيد قراءة ما كتبته في رسائلي الإدارية" التي من المفترض أن تكون قد قرئت من طرف الإداريين الذين دعوني إلى مائدة الحوار.
نائب الوزير: هل يمكنني أن أطرح عليك بعض الأسئلة الشخصية؟
محمد سعيد الريحاني: مثل ماذا؟
نائب الوزير: عن حالتك الاجتماعية، مثلا. هل أنت متزوج؟ مطلق؟ أرمل؟ وإذا كنت متزوج، كم مرة تزوجت؟... أجبني بصراحة لأنه في حالة العكس، فيمكنني الحصول على الأجوبة الكافية والشافية من جهات أخرى.
محمد سعيد الريحاني: هل لهذا السؤال علاقة بموضوع الحيف الإداري الذي أتعرض له منذ سبع سنوات؟
نائب الوزير: يمكنك الجواب كما يمكنك الامتناع عن الجواب فأنت حرّ. ولكنني سأتقصى الحقيقة من قنوات أخرى للوصول إلى جواب عن سؤالي...
محمد سعيد الريحاني: ولماذا كل هذا؟
نائب الوزير: لأنهيجب عليك أن تفتح صفحة جديدة في حياتك وأن تهتم بصحتك وأن تُقْبِل على مسرات الحياة...
محمد سعيد الريحاني: وهل يمكن لهذه الصفحة أن تُقْلَبَ دون تنظيف ما تراكم من شطط إداري في حقي في الصفحات المطوية!
نائب الوزير: يكفي أن تقلب أنت الصفحة القديمة وهكذا ستبدأ الصفحة الجديدة. فأنا أتمنى أن تتفرغ لصحتك ولراحتك النفسية ولأسرتك وتترك هذا المسار الذي لن يؤدي بك إلى أي طريق.
محمد سعيد الريحاني: هل هذه هي الخلاصة التي سنخرج بها من هذه الجلسة "الحوارية" بعد ساعتين من التركيز والنقاش والدفاع والهجوم؟
نائب الوزير (مكررا): اهتم بصحتك!
محمد سعيد الريحاني (ينظر للنائب في محاولة لفهم النصيحة)
نائب الوزير (مؤكدا): اهتم بصحتك!
محمد سعيد الريحاني (لا يجيب)
نائب الوزير: جلستنا تشرف على نهايتها لأن لي موعد آخر مع موظفين آخرين ينتظرون دورهم. لكن هل اقتنعت بأنه ليست لديك "مشاكل إدارية" وإنما مجرد "أوهام"؟
محمد سعيد الريحاني: أنا لم أقبل دعوتكم بحثا عن "قناعات". ف"القناعات" و"الأوهام" سِيّان. أنا جئت إلى هنا لأتحاور. وللأسف، هذا بالضبط ما كان ينقص هذا اللقاء.

(الحضور يسارع نحو الباب، كلّ وفريقه)


"مقرر الجلسة" يدس ورقة التقرير في جيب سرواله ويسرع الخطى نحو الباب للحاق بزملائه من رؤساء الأقسام بنيابة إقليم العرائش الذين وصلوا باب الخروج من القاعة بمجرد رفع الجلسة...
"مدير المؤسسة" يتأبط ذراع محمد سعيد الريحاني ويدعوه لجلسة على انفراد لتدارس المشاكل العالقة ويقترح عليه "حَرْق" كتاب "تاريخ التلاعب بالامتحانات المهنية في المغرب" الذي لم يجر عليه سوى المتاعب...
"نائب وزير التعليم على إقليم العرائش" يبقى في مكتبه وهو يردد: "السي الريحاني، إذا ما اقتضى الأمر جلسة حوار جديدة، فمرحبا بك مجددا!"...


(انتهى)