مهزلة الدراما العربية


بقلم: جعفر عبد الله الوردي

عندما تصبح الدراما وجهة للمال البحت واللهث وراء شهرة وإخراج عمل، عندها تقتل أبطالها وتطرحهم أرضا !
الدراما العربية ضرب من الهوس ونوع من الركض وراء الشهرة والمال. مع أن حقيقة الدراما في أقسامها المتنوعة من كوميديا وتراجيديا وتراجيكوميدي تهتم بالتفاعل الإنساني وتقديم ما يهدف إلى نفعه.
هدف الفنان محتوم قبل سطوع ضوئه وغايته معروفة ومنهجه لا يختلف عليه اثنان، فأول ما تشاهد فلما عربيا سوف تصاب بخيبة أمل، إذا كنت من الناس الهادفين الذين يحبون أن يتابعون ما يوصل لنتيجة !
الأفلام المصرية أكبر مهزلة عرفها التاريخ العالمي وأسخف منهج يقصد وأردئ غاية تتبع، يبدأ الفلم من حيث لا تعرف وينتهي دون سابقة إعلام أو إنذار، هذا فضلا عن تحطيم المجتمع وإفشاء العهر والفاحشة في وسطه وتبسيط أمر السوء عند الناس حتى يصبح عادة لا يلتفت إليها.
أما عن مسلسلاتهم –الدراما المصرية- فهي لا تكاد تخلو من الصراع المتصارع في وسطها، ومن تحطيم الحشمة في أوساط مجتمعات عربية نزيهة، وجل ممثلاتهن يخرجن بأقبح صورة وأردى هيئة، وعلاقة الشباب مع البنات، وهمس سيء القصد والنية حتى تتخرج الفتاة والشاب المتابعان لهذه المسلسلات بدرجة دكتوراه في قلة الدين والحياء والنزاهة.
ولا شك إن قارنا الأفلام العربية -والمصرية بالتحديد- مع الأفلام الأجنبية تجدها تسقط من دون مرجح؛ لأن الفلم الأجنبي في غالبيته له وجهة واحدة ومقصد واحد لا يوجد فيه خلط، فمن يريد أفلام علمية وأفلام لها هدف أو قتال يجدها كما هي، أما المصرية فالفلم الواحد يحتوي على كوميديا وجنس وقتال..! في وقت واحد وربما في لقطة واحدة.!
وبالنسبة للمسلسلات في الدراما السورية فكانت أضبط بعض الشيء عن المصرية ونراها الآن ستتحدى الدراما المصرية في فحشها وقبحها.!
المسلسلات السورية بدأت تأخذ خط الانحناء السفلي وتنزل رويدا رويدا للهاوية السحيقة، وذلك من عدة جوانب، منها اللبس الخليع الماجن والمضمون التافه والقصد السخيف ...
كثيرا ما تمثل الدراما السورية أن المتدين ساذج فقير، أكله الدهر واستقاءه، وتصور بالمقابل أن الغني ماجن فاجر يلعب بأعراض الناس ويأكل من لحومهم كيف شاء، وهذا جانب ما أقبحه في هذه الدراما.
وأما عن الغرائب التي تطفو على سطح هذه الدراما فهي متناقضة في اتجاهات متخالفة بحيث لا يمكن الجمع بينها إلا بغايات تافهة وتبريرات باردة، ولعل أشهرها ما ظهر في مسلسلات رمضان حيث إن بطل باب الحارة ذاك الرجل القوي صاحب القيم والأخلاق والمبادئ والقيم المسمى (أبو شهاب) يتحول إلى سائق تكسي كثير المهزلة واسع الذمة وينتحل اسم (أبو جانتي) فالاسم يكفى لكي يثبت مهزلة هذه التناقض.
ومقابله شخصية (النمس) التي تعني الشخص الساذج الذي يضحك الناس عليه ومنه في باب الحارة يتحول في مسلسل "ما ملكت أيمانكم" إلى شيخ ذي قيم وذقن طويلة وعنف في الدين ليخرج في آخر المطاف كذاب مدع منتحل للدين..!
أما عن الدراما الخليجية -وخاصة الكويتية- فهي انقلابة عكسية لمجتمع محتشم كسر قيد الحشمة إلى الانفتاح الحارق، فتجده أخطر على المجتمع من سابقيه، فالفتاة في المجتمع الخليجي مستورة متنقبة لا تخرج من بيتها إلا بمرافقة أهلها، فتحولها الدراما الكويتية إلى أفعى في وسط المجتمع تلبس من اللبس أحطّه، وتتجسد في المسلسلات بأنها لقمة للرجال وتجتهد لتكون رجلا في هيئة أنثى !
هذه هي حال الدراما العربية، والحق يقال أن هناك إثراء لجوانب قيمة في توجه بعض الأعمال في الدراما العربية كالمسلسلات التاريخية والأفلام التي تجسد سيرة رجال عظماء وربما كان أمهر من كتب وأخرج هو المرحوم مصطفى العقاد فجاء بما لم يستطع أن يأت به أحد بعده.
ويتخلل بعض المسلسلات التاريخية الأخطاء في التاريخ والأخطاء في اللغة العربية أو في الآيات القرآنية، وإذا كان الكاتب أو المخرج ذو اتجاه أو فكر معين فإنه يسيس محور المسلسل على ما يقتنع هو وجماعته دون أن يضفي عليه صبغة الإنصاف حتى لو خالفت فكرته !؟ وهذا الإنصاف قد سبقتنا إليها بعض الأعمال في الدراما الغربية.. وربما من أشهرها المقطع التي اشتهر عن هوليود باسم "THE BEST THING WEST DO ABOUT ISLAM أفضل ما صنع الغرب عن الإسلام" فنحن ندرك مدى تهجمهم وبغضهم الإسلام لكن هذا لم يمنعهم من الإنصاف وطرح القول الحق حتى لو لم يحبه، وهذا ما نحتاجه في كل شيء وعلى رأسها الدراما لأنها؛ وسيلة سريعة لنشر الفكر والأخلاق.
على أمل أن نرى في الدراما العربية ما يفتح النفس ويسر الخاطر ....