* موجهة لفئة اليافعين *


الضّرس المسوّس

- ألا لعنة الله على ضرس أراني النجوم في عزّ الظهيرة ، وحرمني النوم في ليلة بيضاء لا آخر لها ! تلك ليلة قضّيتها في العدّ من مائة الى ألف لعل ّ النوم يطرق أجفاني، ولكن دون جدوى ...
لا أخفيكم سرّا . لاأزال، ما حييت ،مفتونا بأكل الحلويات . وتزداد شهيّتي لأكلها خاصّة قبل النّوم .. ولا أدري لماذا وما المتعة في ذلك ..ربّما لأنّني أكون في عطلة ، أثناء ساعات النوم ،لا آكل فيها الحلويات ..
سبب البليّة لوحة شكلاطة أهدانيها خالي ٳثر عودته من دولة أوروبية ..ٳنّها من النّوع الرّفيع المحشو ّ بالفواكه ، والّتي لم أذق مثلها من قبلُ .. خبّأتها في خزانة ملابسي ظانّا ألاّ أحدَ تصل يده ٳليها ..ولمّا بدأ النوم يداعب أجفاني ، تربّعت على سريري ، وجعلت أقضم من تلك اللوحة بشراهة وعيناي مغمضتان ..أتيت عليها بلا شفقة ولا رحمة ، حتّى لم يبق ٳلاّ مغلّفها ..شممته ولحسته ثمّ دسسته من جديد بين ملابسي ..
نمت هانئ البال ..وما هي ٳلاّ ساعات قليلة حتّى دقّت أجراس الألم في فمي ..صرخت مستغيثا ، فهرعت ٳليّ أمّي مذعورة ،ولمّا رأتني مسندا خدّي ٳلى كفّي قالت لي مؤنّبة:" فعلتها وأكلت اللوحة كلها دون أن ترفق بسنّك المسوّس؟ تستأهل ما يحدث لك يا عليّ .."
شمتت بي أمّي ، ولم يؤذني ذلك أكثر من الألم الذي برّح بي وكاد يطير شطرا من رأسي ..ماذا عساها تعمل من أجلي في هذا الليل ؟ أسقتني مُسكّنا ، فلم يُجْدِ نفعا .قالت لي في يأس : " لم يبق الاّ أن أجرّب وصفة تقليدية " أذابت ملعقة ملح في كأس من الماء الفاتر، وطلبت منّي أن أمضمض ثم أبصق ..شعرت بعدها ببعض الراحة ، ولكنّ شبح الألم ظلّ يطاردني واحتلّ قلعتي الآمنة ..
انبلج صبح تلك الليلة البيضاء .. لا مدرسةَ اليوم ..عليّ أن أرافق أمّي ٳلى عيادة طبيب الأسنان ..سألني : " قل لي يا شاطر ، هل تحبّ أن تُشفى ؟ " أجبته بحرقة من حُرم النّوم ليلة كاملة :" بلى ، كرهت هذا الضّرس اللّعين ..لا أريده بعد اليوم .." فعقّب بحزم : " ٳذًا ، علينا أن نقلعه ونتخلّص منه ..هل أنت على استعداد ؟" نظرتُ ٳلى أمّي ، فأومأت ٳليّ برأسها .. قلت : " نعم .. لا للسّهر والألم ..لقد تركت جدّي في البيت يدعو لي ويتلو القرآن لأتحمّل قلع هذا الضرس المسوّس ..أنا رجل ، أليس كذلك يا دكتور ؟ " ردّ عليّ بحزم ولين :" ٳنّها وخزة واحدة بهذه الٳبرة ، ولن تشعر بعدها
بالألم "
وخزني وخزة شعرت بعدها ببرودة في فمي ، وتعطّل ٳحساسي بكل ألم ..اقتلع الضّرس وأراني ٳيّاه ممسكا به بين الكلاّبتين : " ألا لعنة الله عليه من ضرس مسوّس !أتريد الاحتفاظ به ؟ "
أرجع الدكتور لأمّي ربع المبلغ قائلا: " هذا المبلغ مكافأة لعليّ على شجاعته وصبره في تحمّل الألم ..ربّي يحرسه.."
عدت بضرسي المقلوع المسوّس في قطنة بيضاء ..ولمّا رآني جدّي، واساني وقال لي : " اسمع يا عليّ ،توجّه ٳلى الشّمس وألْق ٳليها بضرسك وقل لها :" يا عين الشّمس ، خذي سن ّ الحمار وأعطيني سنّ الغزال "وٳن شاء الله سينبت لك سنّ جديد أصحّ وأجمل من الأوّل ، ولكن بشرط .."
عرفت الشّرط ، وما أشقّه على نفسي ! عليّ أن أقلّل من أكل الحلويات خاصّة قبل النوم ، وأن أعتني بنظافة أسناني خاصة قبل النوم .. قبلت الشّرط وواظبت على حماية أسناني من شرّ التسوّس ..لكن ّ شبح تلك الليلة المشؤومة ظلّ يطاردني كلّما اشتهت نفسي أكل الحلويات خاصّة قبل النّوم . ولا أخفيكم سرّا ، بتّ أخشى أن أصبح أدْرد بلا أسنان مثل جدّي الحبيب الّذي ما فقد أسنانه ٳلاّ بعد أن طعن في السنّ و بلغ من الكبر عُتيّا ...