ماذا يحدث للجسم والعقل عندما يسكر صاحبهما؟

السُكـْر هو مصطلح يشير إلى حالة ناجمة عن الاستهلاك الزائد للمواد الكحولية، وتقترن هذه الحالة عادة بفقدان التعقل وبالتسمم الكحولي.

هذا المصطلح ينطبق على الفعل (تعاطي الكحول) أو العادة (إدمان الكحول)

العادة تعني التكرار المتواصل للفعل. الفعل قد يكون حدثاً عارضاً وناجماً عن الاستعمال غير الحذر لمادة أو أكثر من المواد المُسكرة. أما العادة (كما في الإدمان المزمن) فهي إحدى أخس الرذائل لأنها إن لم يتم تداركها ومعالجتها بجدية فقد تؤدي إلى إضعاف الحس الخلقي وبالتالي القضاء عليه في الإنسان بفعل التمادي في تعاطي الخمور وسواها من المواد المدمّرة لصحة الإنسان وعقله.

ما قد يبدو سُـكـْراً قد ينجم أحيانا عن أسباب عديدة أخرى (مثل الصرع وكسر الجمجمة والنزيف داخل الجمجمة والغيبوبة الناجمة عن السُكري أو تبولن الدم). البرْد بحد ذاته له القدرة على خلق تلك المضاعفات، مما يؤكده ما دوّنه القبطان باري في مذكراته، إذ نقرأ ما يلي:

"لا يمكنني إلا أن أعتقد أن العديد من الناس عوقبوا على أساس أنهم كانوا تحت تأثير الكحول، في حين أن حالتهم كانت ناجمة عن خدر الصقيع. فقد رأيت ولأكثر من مرة أشخاصاً في حالة شبيهة تماما بحالة السكارى الفاقدين للوعي. ولولا ملاحظتي الدقيقة لهم ومعرفتي لأسباب حالتهم تلك لكنت عاقبتهم بنفسي. إنما كنا على جزيرة ملفيل ولم يكن بالإمكان الحصول على أي مواد أخرى سوى الماء."

ونفس الشيء يحدث أيضا مع رجال الأمن الذين يوقِفون أشخاصاً يبدوا أنهم تحت تأثير الكحول، لكنهم في الواقع لا يكونوا قد تعاطوا الكحول إنما تعود حالتهم إلى أسباب أخرى. أبناء مدمني الكحول هم أكثر قابلية، من سواهم، على التأثر بالمواد الكحولية، إذ يسكرون من جرعات بسيطة قد لا تكون في الأصل كافية لإحداث النشوة الكحولية في الشخص العادي.

الإنتشاء هو نتيجة لتعاطي كميات كبيرة من المواد الكحولية. أما الفعل الفسيولوجي الذي تحدثه تلك المواد فيمكن وصفه على أنه شلل تراكمي لأجزاء عديدة من الجملة العصبية. لكن هذا التأثير لا يحدث إلا بعد تعاطي جرعات محددة تختلف باختلاف المادة الكحولية نفسها، وباختلاف الأشخاص بل وأعراقهم أيضا. وحتى الشاي له تأثيره؛ فمحبو الشاي الأسود الثقيل يعانون من الخفقان الزائد في القلب وعدم انتظام دقاته، ومن ارتعاش العضلات مما قد يؤدي إلى شللها. وهناك حالات شبيهة تمام الشبه بالسُكـْر ناجمة عن شرب الشاي الثقيل.

وهكذا، فمن الشاي إلى الحشيش، مروراً بالجلجل أو حشيشة الدينار المستعملة في صنع البيرة لإكسابها نكهتها المُرّة، فالكحول، فالتبغ، فالأفيون، كلها ذات درجات مختلفة من السُكـْر والإنتشاء. فهي قد تـُسكر بكميات قليلة وتخدّر بكميات أكبر.

بالنسبة للكحول، يشعر متعاطيه أول ما يشعر بانبساط في المزاج، ثم يحس بابتهاج متزايد وبتجدد في القوى البدنية والفكرية، (فتنحل عقدة لسانه) ويتضاعف حماسه ويصبح حديثه ممتعاً بل وباهراً أحياناً. وتدريجياً تصبح الحواس خاملة ، ويَسمع عند التوقف المفاجئ عن الحديث طنيناً في أذنيه، يُحدث تغييراً (بالنسبة له) في نغمة صوت المتحدث، ثم يصبح بصره مغلـّفاً بغشاوة تحول دون رؤية الأشياء بوضوحها الطبيعي المألوف. كما يصبح الرأس أخف من المعتاد ويتقلقل التوازن. ومع ازدياد مفعول الكحول تبدو الأشياء مزدوجة أو متراقصة أمام البصر. الحكم المنطقي على الأشياء يصبح في خبر كان، وتصبح التحفظات في مهب الريح، فيأخذ السكران راحته في الحديث وينثر أسراره ذات اليمين وذات الشمال دون إحراج. وعندما تذهب الفكرة وتحل السـَكرة ينتشي السكران فيضحك ضحك السعادين ويقهقه قهقهة الضباع دون حرج، ويتصرف بكل (عفوية) على السجية،إذ بالنسبة له كل شيء مباح حتى النباح! وكل شيء ما حوله من بيوت وأشجار حتى الأرض نفسها تبدو سكرانة وغير مستقرة، بل ويشعر أن كل شيء في الدنيا سكران، وهو وحده الصاحي! إلى أن يصل في النهاية إلى أرذل حالات السـُكر فيسقط على الأرض في غيبوبة كحولية فاقد الحس. وبعد نوم طويل يفيق تدريجياً محموماً، منهك القوى، معكر المزاج مع دويّ في الأذنين وبدقات قلب متسارعة ووجع حاد في الرأس.

يُستنتج مما تقدّم أن سم الكحول يفعل فعله في الفصوص المخيّة وأجزاء أخرى من النظام المخي الشوكي. الأجزاء الوحيدة التي لا يصلها هذا الشلل التخديري هي المراكز الحيوية الأوتوماتيكية في النخاع المستطيل التي تحافظ على عمل الدورة الدموية والتنفس. ولكن حتى هذه المراكز ليست بمنجى من التأثر على درجات متفاوتة. وعندما يصبح التأثر تاما تحدث غيبوبة السـُكر التي قد تؤدي إلى الوفاة. وإن استعاد الشخص وعيه فهناك مضاعفات لا بد أن يعاني منها كآلام المعدة مما قد يؤثر على التغذية الصحيحة وتناول الطعام بصورة سوية ويؤثر أيضا على عملية الهضم، فينعكس ذلك سلباً على صحة الشخص ومزاجه.

الدواء الأنفع والأنجع لهذا الداء الخبيث هو الإمتناع عن المشروب صيانة للجسم وأجهزته وحفاظاً على العقل وملكاته.

مع التمنيات بالصحة والصحوة الدائمتين للجميع
والسلام عليكم

المصدر: دائرة المعارف البريطانية – الطبعة الحادية عشرة
الترجمة بإيجاز: محمود عباس مسعود