القصيدة البغدادية
(إليك يا بغداد...لان نومك لن يطول...)

شعر: د زياد محاميد

نامي يا بغداد
يا مدينة الغبار والنار
يا عذراء تلحفت نهرين ورماد
من رحمها انبعثت مليون شهادة ميلاد
لأجنة الحب والثورة والحضارة بين العباد..
لكن استباحها القوادون..والأسياد
سيد ينجب قواد
وقواد يورثها لقواد..
نامي..يا بغداد
على مجدِك الذي كان..
نامي فوقَ رمادك الساخن والحطام
وتقلبي..وتمددي..بين أكوام العظام
‏نامي ..يا بغداد..
على مجدِك الذي كان
منذ صرخة ميلاد حمورابي..
إلى سقوط آخر رفيق وإمام..
نامي..
فهل يطيق الجسد الممزق
حين يصحو..
سخونة القنابل والرصاص
و جرح الحسامِ ؟؟
نامي يا بغداد..
نامي على حُلُمِ السلاطين والأمراء
وأنت عارية
يرمونك بالسهام..
نامي ..تحت أحذية جيوش
ودبابات عاتية..
فرق من السماء تهبط
وأخرى من البحر آتيه

وتراقِصَي
وتراقِصَي يا بغداد
في الصالونات الخاوية والساحات
وتراقصي ..
على إيقاع الوجع تحت السياط
في قبضه الجنرالات والضباط..
يجلدون الأجساد والقصائد والكلام
لا بهجة تؤجل موت..أو إعدام
ولا آذان عيد أو دعاء أو قيام..

وتغازلـي
وتغازلي يا بغداد.. في ظلمات السجون الغريبه
واستلقي على مهد من عذاب الورد والزنابق
فلا عطر من أنفاس النخيل والشقائق
ولا حناء يستر الجلد الممزق
بأنياب الكلاب وأعقاب البنادق
وتوسَّدِي يا بغداد
وتوسدي رماد صخر..
بلا أخضر العشب, من حوله يعانق..
بلا نبض الخرير في النهرين والمضائق
سوى "الخضراء" بها يخترعون الموت والمحارق

وإستفرشي يا بغداد
وخز الحَصَى تحت المشانق
هو الحصى تبكيه المعاول والمطارق

وَتَلَحَّفي
برد جدران السجون الغريبة ..والخنادق
واستلقي
على فراشك المحشو بالقنابل والبنادق
وأغفي يا بغداد..
في عتمة ليلك الباردة..
هي تسمر على لهب ادمي
من ضحايا صارت وقود المحارق
واسترخي..
واسترخي على ذراع برد عتمة ليلك
وصلي بصمت ,
فوحيدة أنت... تنامين
وغريبة يا بغداد أنت ستصحين...
لكن لا تعرفين من هو الطارق..
*************
ونحن..عشاقك الإبديون
نكتب اسمك ..
بالدم مره ..
ومرات بالرماد..
وأنت
تمحين ما نكتب ..
بالدمع ,باعتصار الأكباد
ونحن..
نغفو على صور لك
تداعبين فيها هارون الرشيد
وتمسكين ذيل..هولاكو الشديد
تقهقهين..مع أبي النواس
تخطبين في مجالس العلم
وتهللين في أفراح الناس

يا بغدادنا..
نرسمك جنب السرير..
وعلى ظهر الوسادة
وعلى السقف المغبر نكتبك, شعارا للسيادة
اسمك نكتبه
على الجدران والقبب ومآذن العبادة
ونرسم بماء الذهب الأسود..
وجهك ا القمري المعطر بالحنين
على البراميل..وحواجز الشهادة
في كل مقهى وزقاق, وفي كل جادة.

نكتبك على أكياس الرمل والطحين ..
فوق صدورنا ,اسمك في قلب القلادة
نسجناها من نرجس وياسمين
ونحفرك وشما بالنار وبالجمر
خلف الكتف وفوق الجبين..
ونسافر فيك ونسافر إليك يقتلنا الحنين
من كربلاء إلى حطين..
نخبئك في صناديق التمر
نخبئك في أغنيات الحب
وذكريات العمر
نلفك بالحلم..كي لا تبردين..
لكن يا بغداد..
لا في حلمنا
ولا في صحوتنا..
لا نرى الأفق فوقك أزرقا ..
ولا الفضاء ولا الأثير
ضيقة صارت أشياؤك..
مزدحمة جدا سماؤك
بنار الجيوش ودخان الخفير
بلا صقور ونسور
بلا بلابل وعصافير,
تفجير يأتي بعده تفجير
وصفير يتلوه صفير..
******
أقف مهموما جدا... أمام النافذة ..
أشاهدك مناورة عسكرية..
في عمق الغيمة
تحتل السماء.
أمد يدي إليك يا بغداد ..
فلا تسلمين..
ولا تهمسين
وأنت وحدك تعرفين ..
أن الحجر العتيق منذ زمن النبل والكبرياء
يلعن من خانوا شموخ التاريخ والبيداء
ومن باعوا الحضارة والنهرين في سوق البغاء
وتتساءلين..
وكأنك جلادك القادم.. تنتظرين
أين النخيل.. يعانق السحب الهاربة
حين تعبر على وجه الفضاء..
وأين الفرات يشق بلطف ثوب الصحراء
وأين دجلة..يداعب الواحات الخضراء
يئن الألم فيك ,,
حين تنظرين للوراء..
هي المعابد تتجمد تحت جدران بابل
حين تصرخ فى العراء
أين الأرقام والحروف والسنابل
أين النقوش والسدود والجداول
تقفين بحزنك العظيم ..
على الجسور المهشمة فوق النهرين
لكن كيف ..؟
وفي نبض قلبك الشرقي
شيء يموت..كل دقيقه مرتين...
فمتى من نومك العميق تستيقظين..؟؟
وللصحوة الكبرى تعودين؟؟
ومتى في وجه الموت ستصرخين..
ذراعك الأموية.. تمتشقين
لتغرسي في قلب الموت الزاحف
ألف خنجر ومليون سكين
ألف خنجر ومليون سكين.
8 آذار 2007-03-08
أم الفحم