هل تحفز نتائج انتخابات الكونغرس ضرب إيران؟
صالح النعامي
لا خلاف على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو أكثر الرابحين من نتائج الانتخابات النصفية لمجلسي الكونغرس، والتي انتهت بخسارة الديموقراطيين الأغلبية في مجلس النواب، وتقليص أغلبيتهم في مجلس الشيوخ. فنتنياهو قد يكون الرابح على صعيد خططه تجاه إيران وتصوراته للتسوية مع السلطة. فلا خلاف على إن إدارة الرئيس أوباما ظلت ترفض أي توجه إسرائيلي لضرب المنشآت النووية الإيرانية، على اعتبار أن ذلك يمس بالمصالح الأمريكية في المنطقة، وهذا بالضبط ما جعل هذه الإدارة تتوسع في منح إسرائيل المساعدات العسكرية من أجل اقناعها بعدم المبادرة لضرب إيران، وقد وصل الأمر إلى حد إعلان رئيس هيئة أركان الجيش الأمريكي الجنرال مولن صراحة رفض الولايات المتحدة ضرب إيران. وهناك أساس للاعتقاد أن الفيتو الأمريكي على ضرب إيران سيتراجع، بل أن هناك إمكانية أن تتولى إدارة أوباما هذه المهمة.
فقدرة أوباما على منع إسرائيل من ضرب إيران ستتقلص إلى حد كبير بفضل نتائج الانتخابات. لكن هناك سيناريو آخر يشير إليه دافيد برودر، كبير المحللين السياسيين في الولايات المتحدة، الذي يرى في مقال نشره في صحيفة " واشنطن بوست " أن تواصل الأزمة الاقتصادية قد يدفع أوباما للقيام بضرب إيران على اعتبار أن مثل هذه الخطوة وحدها ستعيد انتخابه، سيما في ظل المؤشرات التي تؤكد عجز إدارته عن الخروج من الأزمة الاقتصادية. ويشير بردور إلى أن الاستعدادات للحرب قد تحفز الاقتصاد الأمريكي. ويقارن برودير بين أوباما والرئيس الأسبق روزفلت الذي قال أنه أنقذ أمريكا من الأزمة الاقتصادية الخانقة بقراره خوض الحرب العالمية الثانية.
مستقبل التسوية
يعي نتنياهو أن قدرة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد فوز خصومه الجمهوريين الكاسح سيحوله إلى بطة عرجاء، وهو بالتالي لن يكون قادراً على ممارسة أي نوع من الضغوط إسرائيل بشأن المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، إذ أن أوباما سيسعى للفوز بولاية رئاسية ثانية، وهو معني بتقديم لائحة انجازات للناخب الأمريكي على الصعيد الداخلي، يتطلب بعضها تغيير في سلم الأفضليات على صعيد الموازنات المالية، وهو المجال الذي يوجد للكونغرس تأثير كاسح عليه بحكم الدستور والقانون الأمريكي، ونظراً لأن الجمهوريين يتماهون بشكل تقليدي من أكثر المواقف اليمينية تطرفاً في إسرائيل ويجاهرون برفضهم ممارسة أي ضغط سياسي على إسرائيل تحت أي مسوغ، فإنه من المتوقع أن تكون هناك مقايضة سياسية بين أوباما والجمهوريين في كل ما يتعلق بسياساته الخارجية، وتحديداً على صعيد المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، سيما وإن أوباما يعي تماماً أن كل ما يشغل الناخب الأمريكي هو الشأن الداخلي، وتحديداً الأوضاع الاقتصادية الخانقة وتداعياتها الاجتماعية. لقد أبدى أوباما علامات الخنوع لنتنياهو قبل الانتخابات الأخيرة، وتحديداً منذ حوالي عام تقريباً وتراجع عن كل ما وعد به في خطاب القاهرة، وشرع في تركيز الضغوط على الجانب الفلسطيني لتقديم التنازلات المجانية لإسرائيل ونجح في اجبار الأنظمة العربية على تقديم تفويض مفتوح لرئيس السلطة عباس لمواصلة رحلة البحث عن السراب في المفاوضات غير المباشرة، في الوقت الذي عجز فيه الرئيس الأمريكي عن اجبار إسرائيل على تجميد الاستيطان ولو بشكل مؤقت في الضفة الغربية، رغم أن أوباما عرض سلة من المغريات على نتنياهو مقابل ذلك، لكن الأخير رد العرض بعنجهية من هو واثق من تداعيات نتائج الانتخابات. لقد ذهب البعض إلى حد القول أن نتائج الانتخابات ستدفع الرئيس أوباما تحديداً لتحقيق انجاز على صعيد المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وتحديداً على صعيد الإعلان عن دولة فلسطينية في غضون عام. ما لا يصرح به هؤلاء هو حقيقة أن الدولة التي يعرضها أوباما هي الدولة في الحدود المؤقتة التي يعمل على تكريسها سلام فياض، وأنه تجرى محاولات تقوم بها قوى إقليمية عربية لتسويق هذه الفكرة رغبة منها في خدمة مصالح أوباما من أجل غض الطرف عن الآليات التي تقوم بها لترتيب الأوضاع الداخلية في بلدانها، ومع ذلك فإن فرص تطبيق هذا الحل تؤول إلى الصفر، بسبب العوامل الداخلية في كل من فلسطين والكيان الصهيوني. فعلى رغم من حماس فياض وبعض الأطراف الإقليمية العربية للتعاطي مع المقترح الأمريكي، فإن حجم التنازلات التي يطالب الفلسطينيون بتقديمها من أجل هذه الدولة أكبر من أن يتحمل القيام به رئيس السلطة عباس، فمقابل هذه الدولة سيطالب الفلسطينيون بالتنازل عن حق العودة للاجئين وبفكرة تبادل الأراضي والتنازل عن غور الأردن والقدس والمناطق التي تحتضن احتياط المياه العذبة في الضفة الغربية وغيرها من التنازلات، تحت غطاء خادع من الاقتراحات التي تقدم لتسويغ التنازل، سيما اقتراح تأجير الأراضي الفلسطينية لإسرائيل لعشرات السنين. وفي المقابل فإن الواقع الإسرائيلي الداخلي لن يسمح بالتوصل لمثل هذه التسوية، فخسارة أوباما ستغري نتنياهو بمواصلة التشدد، سيما طرح الإملاءات المهينة للسلطة وقيادتها، مثل المطالبة بالاعتراف بيهودية الدولة، وطرح مطالب تعجيزية مثل اشتراط الشروع في المفاوضات مع السلطة باستعادة حركة " فتح " السيطرة على قطاع غزة، بالطبع فإن الإسرائيليين لا يقترحون أن يتم ذلك عبر الحوار الفلسطيني الداخلي، فهم يرفضون بشكل قاطع أي صورة من صور إضفاء الشرعية على وجود حركة حماس في دائرة العمل السياسي الفلسطيني، أي أن ما يقترحه الإسرائيليون هو حرب أهلية فلسطينية مقابل لاشئ. ومع كل ذلك، فإنه ولا يمكن أن نتوقع أن يتبنى أوباما أي محاولة من قبل السلطة للتوجه لمجلس الأمن لاستصدار قرار يعترف بالدولة الفلسطينية كما يحلو لممثلي السلطة أن يثرثروا.
من هنا فإنه تنتظر قيادة السلطة سنتان عجاف حتى إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي لن تكون مغايرة لسابقاتها من انتخابات، حيث أنها لن تفضي إلا إلى توفير مزيد من الظروف لتشجيع إسرائيل على الاستغوال على الفلسطينيين.