محمد لمسوني : شاعـر البيضاء
الجزء الاول
بقلم : الأستاذ عبد الله مشنون
تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها
الأستاذ عبدالله مشنون على يمين الصورة رفقة الشاعر
إضاءة


إن الحديث عن الاستاذ محمد لمسوني لا تكفيه بعض المقالات في الجرائد السيارة لكون الرجل متعدد الإهتمامات، موسوعي الفكر، فإذا أضفنا إلى كتاباته الأدبية نثراً و شعرأُ بالعربية و الفرنسية و الإيطالية مساهماته نظرياُ و عملياً في الحقل السياسي منذ نعومة أظفاره سنجد أنفسنا مقصرين في حقه. و لكن مالعمل و نحن نريد تقديمه في جريدة شهرية لا في مجلة أو كتاب؟ ومهما يكن من أمر، فهي محاولة للتعريف به فقط و لا مجال عنا للدراسة الأكاديمية المعمقة. لقد عرفت أديبنا المغربي إبن الدار البيضاء البار هنا في طورينو مدينة مصانع سيارات (فيات): سمعت بإضرابه عن الطعام مدة 19 يوماُ بمعية خمسة عشر مغربياً متحدّين بلدية طورينو بمطالبهم المشروعة ثم رأيته يوزع المناشير و يتقدم المظاهرات الحاشدة مع رفاقه من اليسار الإيطالي من أجل حقوق المهاجر و فلسطين و ضد الحرب على يوغوسلافيا و أفغانستان و العراق. في معمعة النضال الصادق النزيه عرفته شخصياً. بيد أنني لم أكتشفه كاتبأ و شاعراً إلا في سنة 2000 أي بعد عشر سنوات من تواجده بإيطاليا. كنا نعرفه أنه كان أستاذاً بالمغرب، فجميع المغاربة ينادونه ب(الأستاذ) لا لأنه تفيهق بهذه الصفة أو قال متعجرفاً أنه كان صحفياً أو كاتباً شاعراً و لكن لأن البعض من طلبته السابقين يعيشون هنا في هذه المدينة المضيفة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أذكرصديقي عبد الكريم بودرير صاحب مطعم (المغرب العربي )هدا المطعم الدي يؤوي اليه كل الجاليات العربية والاجنبية لما يجدون فيه من كرم وحسن الضيافة ولدة في الطعام الكائن في قلب ساحة بورطا بالاتسو. في تلك السنة، طلع علينا الأستاذ بديوان صغير الحجم بالإيطالية يحمل عنوان :(الألوان الخالدة للقلب و الذاكرة : يوميات عامل مهاجر) تلته بعد مدة وجيزة رواية (المهاجر الخارج عن الشرعية) و ديوان (بعيداً عن الدار البيضاء). و في سنة 2003 صدرت له المجموعة القصصية (بورطا بالاتسو، حبي) التي كرست شهرته إذ تم طبعها ثانية في ظرف سنة و عرضت بعض نصوصها في قالب مسرحي 29 مرة على خشبة جل مسارح طورينو. و لا تفوتني الفرصة دون أن أشير إلى ديوانيه باللغتين العربية و الإيطالية (أنشودة الفلوجة) و (مدن العالم لم تعد تنام) اللذان يعدان صرخة شاعر عربي مدوية في قلب الغرب الأوروبي و بلغته ضد الوقاحة الشرسة و العدوان السافر التي تنهجه بعض الدول العظمى ضد الشعوب المستضعفة.
و بهذا يكون الاستاد محمد لمسوني أول مغربي يشحذ قلمه الإيطالي و يدشن الأساس لمدرسة مغربية بالمهجر الإيطالي يفوز بالجوائز و تحتضنه المهرجانات الشعرية الكبرى و تكتب عنه المنابر و تدبج في شأنه الأطروحات الجامعية.


كتبت عنه جريدة (لاسطامبا) مقالاُ بتاريخ 24 مايو 2003 و وصفته الكاتبة هكذا:(إنه حقاً شاعر الهجرة). و أشارت إليه طالبة جامعية في أطروحة لنيل الإجازة في الأدب العربي من جامعة جونوفا بأنه (شاعر المقاومة). وطالبة أخرى من جامعة طورينو قالت في أطروحتها أنه (كاتب و شاعر الإلتزام بقضايا جاليته و شعبه). أما الأديب العراقي يونس توفيق فكتب أن الاستاد محمد لمسوني (شاهد و كتاباته تعتبر شهادة) هنا أؤكد جازماً على صفة أغفلها دارسوه و إن أصبح يتداولها بعض محبيه من أفراد جاليتنا الأبية و هي (شاعر البيضاء). سأشرع الآن في تحليلها في هذه الحلقة الأولى من هذه الدراسة الأدبية على أن أعود في الأعداد المقبلة من جريدة (المغربية)ومجلة الشعوب الغراء إليه كشاعر المقاومة و شاعر الهجرة كما سنتعرض إليه كناقد إجتماعي و سياسي و كمفكر.
شاعر الدارالبيضاء
و أنا أكتب هذا الموضوع تخامرني صورة مراكش و الكتبية و محمد بن براهيم شاعر الحمراء. بطبيعة الحال، لا مجال للمقارنة بين الرجلين اللهم في مقابلة الحمراء بالبيضاء و مواجهة النعتين. لمراكش الحمراء شاعرها و للدار البيضاء شاعرها. و أكاد القول ـ حسب علمي ـ أن الاستاد محمد لمسوني فاق و تفوق على الشعراء البيضاويين في حبه العارم لمدينته بكثرة قصائده في مسقط رأسه الحبيب. لذا، يستحق عن جدارة هذا اللقب.


إزداد محمد لمسوني سنة 1950. يقول في قصيدة (و أنا أحب الدار البيضاء) التي أصبحت أنشودة كل البيضاويين في إيطاليا :
الدار البيضاء كبيرة يسكنها الملايين
أنا أحبها..متيم أنا و سيد العاشقين
إنها سيدتي العظمى : بها أجمل نساء العالمين
رأيت فيها النور و تعلمت فيها النضال و الوفاء للوطن الأمين
و ترعرعت في دروبها المزخرفة بالأوساخ و الياسمين
(...)
الدار البيضاء...الدار البيضاء...حداثة و أصالة و بياض مبين
جوهرة الشاوية، مشهورة في العالم، معشوقة السائحين
الميناء الكبير...المطار الكبير...المسجد الكبير...يا كبيرة الوفاء للعرش و الدين
بالأمس، عاصمة الفداء و التحرير و اليوم دار العباقرة و المبدعين
إنها و طني الصغير الحبيب..ملاذي في كل حين

بالنسبة إليه، الدار البيضاء إبنة الحضارة العصرية، باب المغرب الكبير، العاصمة الإقتصادية، طفلة مشاغبة مليئة بالتناقضات. غير أن هذه التناقضات هي سر عبقريتها لكون الاستاد محمد لمسوني يومن بالمنهج الجدلي، فالتناقض هو محرك التقدم و الرقي. الدار البيضاء إبنة البحر و الآلة و الرأسمال و المبادرة الحرة و عرق الكادحين....ليست لها ذاكرة فاس أو مراكش لكن لها قلب ينبض بالعواطف الجياشة. حالمة و رومنتكية كما في الفيلم الهوليودي الأمريكي، و واقعية أكثر من الواقع نفسه، لذا تبدو أحياناً مدينة سريالية تمزج الحلم باليقظة. مدينة صهرت مغاربة أتوها من كل شبر و جعلت من البيضاوي عصارة المغرب و المغاربة له شخصيته الفذة. هكذا يعتقد لمسوني محللاً و ملخصاً مدينته الحبيبة فتصبح بين يديه أجمل قصيدة لم يكتب أي شاعر مثلها لأنها الشعر ذاته.
إنه لا ينسى بحرها الهادر و شاطئ عين الذئاب و رماله الذهبية :
كم كان لي من ذكريات في عين الذئاب
...))
ذكريات...ذكريات ما أحلاها في عين الذئاب
سقى الله وطناً ما زال مرتع الذاكرة و الخطاب
كل مرة أنهل منه ما بفيض منه اللعاب
فيستريح دائي، و أنسى لحظات الوجع و العذاب
و في رائعته الزجلية (إلا نسيتك يا البيضاء ربي ينساني) يغني حزيناً :
في المهجر توطد إيماني
و عرفت حق أوطاني
و قدرت قيمة سلطاني
الدار البيضاء هي عقلي و قلبي و لساني
و لا نسيتك يا البيضاء ربي ينساني
من رحمته و يزيد امحاني
و لا نسيتك يالبيضاء ربي ينساني ...
هي مدينة النضال
أطفالها رجال
سولوا الإستعمار
يعطيكم الأخبار
هي رمز الفدا و التحرير
هي مشعل التغيير
هي مدينة الخير


و نراه يتألم الألم المرير عندما مس الإرهاب الجبان مدينته الحبيبة في مايو 2003 فتمخض هذا الألم عن قصيدة (لابد من الدار البيضاء) و فيها يتأوه :
لابد من الدار البيضاء و إن طال السفر
لابد منها رغم التنائي و السقم و الضجر
(...)
يا بيضاء البيوت، مرتع ذكرياتي في أبهى الصور
يا شامخة العمارات و الفكر
لن نتخلى عنك لأسوإ البشر
إرهابيون بلا ضمير، بلا دين، بلا بصر
سنقاوم الوندال الجدد بالروح، بالجسد، بالحجر
لن نأبه بكتائب الجنون و جماعات الخطر
فلنا العز و لنا المجد و لنا الظفر
يا جوهرة المحيط أنت المنصورة و تبّاً لفقهاء الخزي و الكدر....
و في قصيدة (حنين) التي كتبها بفرنسا سنة 1971
أحن إلى موطني ، إلى البيضاء العاليه
أحن إلى مفتني، إلى الحسناء الباهيه
أحب بلادي و مدينتي أهفو للشاويه

نعم ! إنها عالية غالية و أم المدن و القرى. مرتع الذكريات. إنها الأم الحنون و الوطن الصغير. و الاستاد محمد لمسوني متيم و سيد العاشقين. لذا أفرد لها عنوان ديوانه الثاني بالإيطالية (بعيداً عن الدار البيضاء). غيض من فيض هذا الذي نعرضه هنا. إكتفينا بالنصوص العربية و لم نلجأ إلى ما كتبه عنها بالإيطالية. و نختم هذه الدراسة بهذا المقطع المقتبس من الزجلية الجميلة (غريب هو أمري) و سنلتقي في عدد الشهر القادم و موعدنا (مع محمد لمسوني شاعر المقاومة) :
بين الرماد و السراب أنام
و بغداد غي صدري شعر حرام
و الدار البيضاء غرام و غرام
ما تبادلني الحب ما توهبني سلام
مأساتي ما تشيخ، طفلة عل الدوام
الناس تراهن على الخيل الكلاب و الحمير
و أنا نراهن على الجماهير
في التغيير
في التحرير
يراهنوا على أمريكا و الأمير
على البترول و الموال و البندير
و أنا ننراهن عل ميلاد الضمير
على جيش الإيمان الغفير
على الله القدير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم الاستاد عبدالله مشنون
عضو بالمجلس الاسلامي الايطالي برعاية الوزارة
رئيس المنظمة الاسلامية للعالم العربي واوربا
كاتب بالجريدة المغربية ومجلة الشعوب باوربا
سفير السلام الامم المتحدة قسم حوار الاديان
عضو مؤسس للاتحاد المبدعين المغاربة بايطاليا