مسمار الكتابة ..!


صديقي محمد صوانة ، رجل محترم ، هادئ ، رغم صلابة اسمه الثاني .. سألني ذات يوم عن فائدة الكتابة ، قلت :
تسألني عن فائدة الكتابة ، وأنت العارف أكثر من غيرك .. وربما أضيف شيئاً مختلفاً ، ودون إعداد مسبق ، إلى ما عندك ولا أعرف أين سينتهي الأمر:


الكتابة يا صاحبي ، كلام ، حروف مخلوقة قبلنا ، مُسخرة لنا ، فيها اللون والطعم والرائحة ، والحركة واللون .. هنا مكمن السر في كيفية التعامل مع مكونات الكلمة / الحرف .. منها تنسج ثوب القصة أو أعمدة الشعر أو متاهات الرواية..!
هذا المنتج الذي نسميه الكتابة ، في عصرنا لا يسمن ولا يغني من جوع ،إلا الذين يعرفون مسالك الممالك ودروب الهوى والبارات ، وغير البـّارّات ..!
لذلك ، لا تندهش إذاعلمت أحوال الكـُتاب والفنانين الذين يحملون بعض هـَم وبعض وجع ، هؤلاء يدفعون الثمن كثيراً ، بخاصة العائل منهم والمُعال ، والعليل الذي لا يستقيم له حال في دارالفاقة ..
هنا مربط البعيرالأجرب ، فلا قطران ، ولا بيداء يفرّ إليها من تجهم الراعي بعد أن ابتلع الغنم والرعية، فليس أمامك سوى (الوليـّة) تفش خلقك فيها وفي عيالها الذين هم من صلبك ..
هنا يا سيدي العارف ، تـُفاجأ وأنت المثقف المطلع ، وأنا معك ، بأن هناك أموراً فاتتنا منذ زمن ، وما محاولاتنا إلا ترقيع رتق درس ..!
ونفاجأ بأن الأمة تنام في شهر الدبس..
أما ماهية الكتابة وتركيبها الكيميائي ، فهي شيء مـُدحبر ، كالحنظل،يشفي أو يقتل .. ورغم ذلك يقبل عليه البعض / أمثالنا / رغم عدم التيقن من النتائج .. فنصول ونجول تحت مظلة التورية والاستعارة ، وننخرس في المواسم ، حين يفكر الواحد مثلي في طلب تأشيرة زيارة ، للسلام على أبيه الميت ، بعد أن فاته قطار الحياة ولم يودعه ، حيـّاً أو ميتاً..!
الكتابة ، مسمار، يفوق مسمار جحا ، أومهماز، أو خازوق، كل واحد منا وحظوظه، حسب تفاسير وفهم الرقيب النذل المفطوم على لبن المخابرات وقلة الأخلاق والتربية..
انتبه ، نحن نكتب عن الكتابة بحد ذاتها ، فقط لا غير (!) ولم نكتب عن شيء آخر له علاقة بالحكومة الفلانية العميلة أو القواد السكير والراقصة الفلانية التي تتقاضى في سهرتها مئة ألف دولار ، غير العرق ، بحيث تساوي ليلتها راتب مئة مثقف من الكحيانيين أمثالنا..
لا غضاضة في ذلك يا صاحبي صوانه..
لا تغضب ، نحن أصحاب رسالة..؟!!!!
فالصوانة، التي تلتقي بأختها تولد شرراً من القدح .. لذلك ، حين تكون صوانتك في عمان مثلاً ، والأخرى في مغارة عند الحدود المشتركة بين تيمور الشرقية وأمها أندونيسيا ، أو في مغارة جعيتا ، أو في مصح سلوفاكي لتنمية الفحولة ؛ حيث ترى مسؤولاً عربياً وآخر إسرائيلياً (بالزلط) في مسبح ساخن واحد (!) تقدح في ذهنك فكرة مغايرة، وتقول :
مال هذا العبد ، الحسن بن سلامة ، يريد توريطنا في شرر ٍ نحن في غنى عنه، والدنيا حولنا كلها قش هشيم ..؟
فتقلب وجهك نحو تايلاند ، وتطوف على أشباه حريم وأشباه رجال عند الشواطئ ، لتبرأ من علة صنعتها لنفسك في التو واللحظة (!) وعند نهاية البرء ، قبل تسونامي بالطبع ، يقولون أنك بحاجة لغذاء مكين، فأنت قادم من عند المزروعات المُهرمنة ، والدجاج الذي لا تحمله سيقانه لأنه كبر فجأة بسبب المـُزارع الزنديق الذي دس له هرمونات الخيول بدل حبيبات الشعير ، كما يدسونها للبعض فترى لحاهم وشواربهم غزيرة عند سن العاشرة وكأن في الأمر شيئاً لا نعرفه..!
عند الشاطئ ذاته تجلس على طاولة مع (ربعك) ، تسألك نفسك اللوّامة: أين يذهبون بالدجاج الذي ذكرناه، وتزن الواحدة منه أربعة أرطال، وكأنك لم تحضر وليمة دجاجية في أحد المخيمات التي تشبه المصحات العقلية.. فتتعوذ بالله من الشيطان الرجيم العربي ، وتنظر إلى فتحة في منتصف الطاولة ، فإذا برأس قرد ، يشبه رأسي تماماً من حيث الحجم والعينين ، يجزونه من فوق، حياً ، لتأكل من دماغه .. يا للهول ، تكتشف أننا بحاجة لأدمغة ، بعد أن تم مسحها في الوطن الحبيب ، فيحرك فينا القرد غريزة تكلم عنها داروين من قبل .. فتقوم بحثاً عن الإناث ، فتجد بعضهن تحت الطاولة، يعبثن بنصفك السفلي..!
تطن بعوضة غابة رطبة ، تعضك ، وتشرع كفك كسيف عنترة الكذاب: واعروبتاه..!!
تركض ..
تركض وخلفك قطيع يتعربش بأطرافك ، فأنت / المثقف الأديب المهم صاحب الرسالة / لا يجوز لك أن تكون في مثل هذا الموقف ..
أتخاف من بعوضة ، أم من آكلات واسعات الأشداق .؟!
..
تتصبب عرقاً ، وتشعر أن روحك تتصعد إلى حلقومك ، لولا رحمة الله ، فتصحو على يد تربت عليك :
بسم الله ، خير ، مالك يا زلمه .؟؟؟
وبلهجة تشبه الصينية تقول لها ( إيش .. فـِش اشي ) ..؟!
فتستحي من نفسك ، ولا تجد ما تزيد ، تغسل وجهك ، وتخرج بلا فطور إلى مكتبك، تمسك القلم والورق وتبدأ الكتابة..!
الكتابة..؟!!
عن ماذا يا ترى ..؟!!
وإذا كتبت ، كيف يفهم هؤلاء أنني لا أعني الحكومة أو ذلك الرجل الذي يرمقني كل صباح ويسلم علي من دون سابق معرفة ، ويكيل مديحاً بحجم الحقد عنده ..؟
أكتب .. لا أكتب .. أكتب..
مطلوب منك الكتابة ،حتى تـُبيّض السواد في ذلك العمود المنتظر في الصحيفة..
نعم ستكتب..
كان ياما كان ،
لي صديق اسمه حسن .. لم يكن كالشاطر حسن...
وفجأة قمتُ وخطفت منك القلم : أخ منك يا ابن صوانة، تريد أن تسألني عن الكتابة وكيف كتبت هذا الكلام الذي أعلاه ..؟
والله العظيم لاأعرف ..
ولم أتحرك من مكاني، وما خرجت من البلد، ( أصلاً لا يعطوني تأشيرة ).. هم أولاد الكلب أخبروني بذلك، ألم تكن تسمع الحكاية معي ..؟!
..
أدرجت هذا الكلام وفي نفسي شيء قد لا أقوله لاحقاً ..!!
..