تحديد تروبتزكويtroubetzkoy لموضوع الفونولوجيا.
تتطلب عملية الكلام وجود متكلم ومستمع وموضوع الكلام ،بالإضافة الى هذه المستويات الثلاثة المتغيرة باستمرار ، تفترض إمكانية الكلام تفاهما قائما بين المتكلم والمستمع أي توفرهما على نفس اللغة . إن وجود لغة في وعي متكلمي عشيرة ما يمثل الشرط الأساسي لعملية الكلام ، وبعبارة أوضح ، فالمستوى الفردي والمتغير للكلام يستلزم وجودا قبليا للمستوى اللغوي العام والثابت . إن لهذا التقسيم انعكاسات على المقاربة العلمية للأصوات اللغوية ، فحسب تروبتزكوي ، ينبغي تأسيس علمين للأصوات اللغوية بدل علم واحد ، يكون موضوع العلم الأول : علم أصوات الكلام ويكون موضوع الثاني : علم أصوات اللغة. ويترتب عن اختلاف موضع العلمين اختلاف منهجي يتعلق بانتماء الأول (علم أصوات الكلام) الى العلوم الطبيعية لحقيقة اشتغاله بالظواهر الفيزيائية ، والثاني (علم أصوات اللغة ) الى مناهج لغوية صرفة .
ونسمي العلم الأول : علم أصوات الكلام phonétique مقابل الفنولوجيا phonologie وهي العلم الذي يدرس أصوات اللغة .
ومن البديهي ، في رأي تروبزكوي ، أن اللغويين الذين يرفضون ثنائية : كلام / لغة ، يرفضون تبعا لذلك الثنائية : صوتيات / صواتة . وتجدر الإشارة أن التقسيم الذي وضعه تربتزكوي (صوتيات / فونولوجيا ) ليس تقسيما جديدا ، ف "كورتناي" اقترح الفصل بين العلمين ( فيزيو- صوتيات و سيكو - صوتيات ) ، كما أن فيردنان دي سوسير تحدث بدوره عن الصوتيات مقابل الفونولوجيا . غير أن هذين التقسيمين يمكن انتقادهما للأسباب التالية : لا يمكن اختزال الفونولوجيا في السيكو - صوتيات لأن موضوع الفونولوجيا الذي هو اللغة ، قيمة اجتماعية تتجاوز الفرد .فمفهوم سيكو - صوتيات يحيل الى ظاهرة فردية ليس غير .كما أن اقتراح دي سوسير يميز بين البعد التاريخي للأصوات والبعد الثابت لها ، في حين أن التقابل صوتيات - فو نولوجيا كما يؤسس له تروبتزكوي لا يطرح بهذه الصيغة ، إذ كلاهما تزامني . ونظرا لذلك يرى تروبتزكوي بأنه ليس للفونولوجيا أسلاف بهذا المعنى ، فهي تنطلق من سؤال أساسي : كيف ينطق هذا الصوت أو ذاك ؟ وهذا يعني أن عليها أن تدرس الخصائص الفيزيولوجية والفيزيائية للصوت . غير أن ما يميز الصوتيات أساسا هو إقصاؤها للعلاقة القائمة بين المتوالية الصوتية ودلالتها اللغوية ، وانحصارها في الوجه المادي للأصوات .وعلى العكس من ذلك ، تنكب الفونولوجيا على دراسة الاختلافات الصوتية في لغة ما وعناصر الاختلاف والقواعد التي تحكم هذه العناصر وتمكنها من أن تأتلف فيما بينها لتشكيل كلمات وجمل . ومن البديهي عند تربتزكوي أن الحصول على هذه الأهداف لا يتأتى باستعمال مناهج العلوم الطبيعية وإنما على الفونولوجي أن يستعمل المناهج المستخدمة في النسق النحوي للغة.
ومن الأكيد أن التلوينات الفيزيائية والفيزيولوجية للأصوات جد مهمة بالنسبة لدارس الصوتيات ، غير أنها تظل هامشية بالنسبة للفونولوجي اذا كانت لا تعمل كوحات تميز الكلمات . وتبعا لذلك وجب التمييز بين الوحدات الصوتية والوحدات الفونولوجية أو بين التعارضات الصوتية غير الواردة فونولوجيا ، والتعارضاتع الواردة فونولوجيا . وبعبارة أوضح يمكن أن نميز على مستوى الاستبدال بين نوعين من الأصوات :
ا ) - الأصوات التي يؤدي استبدالها الى تعارضات مميزة :تعارضات فنولوجية.
ب ) - الأصوات التي يؤدي استبدالها الى وحدات صوتية غير مميزة ( الوحدات غير الواردة فنولوجيا).



يتبع....



ابراهيم ابويه / بحوث لغوية.