صحيفة الشرق القطريه الخميس 7 ربيع الأول 1432 – 10 فبراير 2011
لنحتكم إلى الشارع - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/201...g-post_10.html


لا أعرف على ماذا استند رئيس الوزراء السيد أحمد شفيق حين قال في حواره التلفزيوني إن أغلبية الشعب المصري تريد من الرئيس مبارك أن يكمل ولايته حتى شهر سبتمبر المقبل، لكن الذي أعرفه ويعرفه الكافة أن عدة ملايين في أنحاء مصر أعلنوا منذ أسبوعين على الملأ ــ بالصوت العالي والصور ــ أنهم يريدون منه الرحيل.

أعرف أيضا أن الذين خرجوا مؤيدين للرئيس كانوا عدة مئات في الإسكندرية ومدن أخرى، وأن التظاهرة التي خرجت لتأييده في القاهرة لم يزد عدد الذين انضموا إليها على ألفي شخص حشدوا في ميدان مصطفى محمود بالجيزة، أغلبهم من عمال مصانع وجهات تابعة للحكومة أو يملكها رجال الأعمال، تم حملهم إلى الميدان بأوامر عليا في حافلات تابعة لتلك الجهات

. وإلى جانب أولئك المؤيدين رأينا مئات من عناصر الأجهزة الأمنية والبلطجية وخريجي السجون، ومعهم سرب من راكبي الخيول والجمال والبغال، جميعهم تم استئجارهم لإسكات صوت المطالبين برحيل الرئيس مبارك ونظامه.

لم ينفرد السيد أحمد شفيق بما قاله، ولكننا وجدنا أن آخرين من المتحدثين باسم السلطة أو المنتفعين منها والمتعلقين بأهدابها، يؤكدون أن الذين احتشدوا في ميدان التحرير لا يمثلون رأي الشعب بالضرورة. واعتبروهم قلة في بلد تجاوز تعداد سكانه 80 مليون نسمة.
وخلصوا من ذلك إلى أن الذين لم يخرجوا إلى الميدان هم جميعا من يؤيدون الرئيس مبارك. وكأن المطلوب من كل مصري أن يوقع باسمه على بطاقة يحدد فيها ما إذا كان منحازا إلى شباب الثورة أم متضامنا مع رموز الاحتكار والثروة.

علما بأن الاستطلاعات وقياسات الرأي في العالم أجمع لها أساليبها العلمية التي تستطيع بها أخذ عينات من المجتمع تعتمد عليها في تقدير مؤشرات واتجاهات الرأي العام في أي بلد.

ورغم أن بعض الباحثين يتحدثون عن قيام بعض الجهات التي يسمونها «سيادية» في مصر بإجراء مثل هذه الاستطلاعات بصورة غير علنية، إلا أن سريتها لا تمكننا من التعويل على نتائجها. فضلا عن أنني لا أثق كثيرا في الاستطلاعات وقياسات الرأي التي تجريها جهات حكومية. ذلك أنه كما أن لدينا «ترزية» قوانين، فلدينا أيضا ترزية استطلاعات، يقومون بتفصيلها حسب الطلب. حتى أنني أستطيع أن أحدد من الآن ــ وبغير أي مجهود ــ أن أحدد من يكون رجل العام وامرأة العام، حتى شهر سبتمبر المقبل على الأقل.

وغني عن البيان أننا لا نستطيع أن نعول أو نحترم نتائج الانتخابات الأخيرة التي تم تزويرها، وادعى الذين أداروها أن الحزب الوطني اكتسحها وحصد 95٪ من مقاعد مجلس الشعب، حيث يكفي أن مقر الحزب الوطني كان أحد المباني التي تم إحراقها في بداية الثورة جنبا إلى جنب مع بعض أقسام الشرطة. ولا يزال مقره المتفحم شاهدا على الفساد السياسي الذي كان الحزب ضالعا فيه قبل ثورة 25 فبراير.

للخروج من دوامة الجدل حول ما إذا كانت الأغلبية تؤيد رحيل الرئيس أم تتمسك ببقائه، فإنني أقترح استفتاء شعب مصر حول الموضوع، بشرط واحد هو ألا يكون لوزارة الداخلية أو الحزب الوطني دور في تنظيمه، وأن يتم بالكامل تحت إشراف القضاء.

وخطر لي أن تشكل لجان التصويت والفرز من اللجان التي برزت في مختلف الأحياء لحراستها بعد الانفلات الأمني الذي حدث في يومي 27 و28 يناير، على أن تتولى القوى السياسية المختلفة مراقبة سير العمل في تلك اللجان.

أعرف مقدما أن الاقتراح لن يكون مقبولا من جانب رجال ما قبل 25 يناير القابضين على السلطة، الذين لا يزالون يكابرون حتى الآن ويرفضون الاعتراف بأن شرعية نظامهم قد أسقطتها ثورة الشباب. إضافة إلى أنهم أحاطوا ملف الرئاسة بهالة من القداسة، واعتبروه غير مطروح للمناقشة، الأمر الذي أغلق باب الحوار الجاد حول الموضوع.

إن مقام الرئاسة لابد أن يحترم حقا، وكرامة رئيس الجمهورية من كرامة البلد لا ريب، لكن ذلك لا ينبغي أن يكون على حساب احترام قرار الشعب وكرامة الأمة.

كما أن العناد يظل مرغوبا إذا كان في مواجهة الذين لا يريدون للبلد خيرا من القوى المهيمنة والاستكبار في الخارج. لكن معاندة رأي الشعب تصبح رذيلة تفقد الرئيس ونظامه شرعيتهما، ولكي لا تكون تلك الشرعية محل جدل فلماذا لا تستفتي الشعب الذي نص الدستور في مادته الثالثة على أنه وحده صاحب السيادة ومصدر السلطات.

وأكرر أن إجراء الاستفتاء ينبغي أن يكون مشروطا برفع يد وزارة الداخلية والحزب الوطني عنه، ببساطة لأن اشتراكهما يعد ردة إلى عصر ما قبل 25 يناير.
..........................