عندما نتحدث عن علي الخليلي فأننا نتحدث عن الحركة الادبية الفلسطينية بكافة مكوناتها ومجالاتها لان الخليلي اوجد حراكا ثقافيا في الاراضي المحتلة عندما عاد الى الوطن فقد تحرك على اكثر من صعيد في سبيل ايجاد حركة ثقافية نشطة في الداخل فكان يجري الاتصالات اليومية مع الادباء سواء في القدس او الضفة الغربية او قطاع غزة او مع اخواننا داخل الخظ الاخضر او مع الخارج اذا ما استطاع اليه سبيلا فكان بوصلة معشر الكتاب والادباء دائم التفكير بهم وفي تجميعهم في وحدة ثقافية تواجه التحديات الفروضة على شعبنا فأسس دائرة الكتاب ضمن جمعية الملتقى الفكري العربي في القدس وقد توج هذا التـأسيس بعقد المهرجان الوطني الاول للادب الفلسطيني في الارض المحتلة في الخامس عشر من اب عام 1981 واستمر لمدة ثلاثة ايام وفي كلمة الافتتاح قال الخليلي لا نبدأمن الصفر ولا ننطلق من فراغ وانما نضيف بالمهرجان الوطني الاول للادب الفلسطيني فرعا جديدا للشجرة الضخمة يتماسك ويصمد ويتحدى في مرحلة صعبة وفي مواجهة عنيفة ضد هذه المرحاة ذاتها ، وليست الكلمة وحدها اذن ولكنه الفعل الادبي الجذري الجماعي الذي اصبح جزءا حاسما من ارادة ووعي التغيير الثوري في مجتمعنا العربي الفلسطيني تحت الاحتلال ، واننا نلتزم بضرورة حماية مواهبنا وقدراتنا الادبية والفكرية وتطويرها وتشجيعها وتكريسها في طريق ثورتنا الوطنية التحررية من جهة وحماية ادبائنا في الارض المحتلة ليتمكنوا من الاستمرار في العطاء والتضحية ، وفي هذا المجال فانني اوثق حجم الموقف المبدئي الذي اتخذه علي الخليلي بالاضافة الى الدعم المعنوي الذي قدمه لي شخصيا عندما اقدمت على تأسيس دار منشورات الوحدة في نابلس عام 1981 ، حيث كان لهذا الموقف ان استمرت دار النشر لعدة سنوات رغم بطش سلطات الاحتلال ، وكان لنفس علي الخليلي دور في هذا الاستمرار حيث كنا على تواصل معه يوميا وخاصة عندما يعود الى نابلس مساء كل يوم بعد انتهاء يوم عمله في جريدة الفجر المقدسية ، وهو الذي شكل محورا لنا في التواصل مع مثقفي الاراضي المحتلة والداخل بالاضافة الى انه كان سفيرا للكلمة الفلسطينية رغم كل اشكال القمع والحصار .
ولد علي الخليلي في مدينة نابلس عام 1943. وأنهى دراسته الثانوية فيها، لينتقل عام 1962 إلى بيروت، حيث درس في جامعتها العربية وتخرج من كلية التجارة، ليقفل عائداً إلى وطنه فيدير جريدة الفجر المقدسية ويترأس تحرير مجلة الفجر الأدبي. قضى سنوات من عمره في ليبيا لم ينقطع خلالها بطبيعة الحال عن الشعر والأدب. واكتشف في نفسه، منذ وقت مبكر، باحثاً في الأدب الشعبي، ولم يغفل عن كتابة الرواية، والسيرة الذاتية، والنقد الأدبي، فضلاً عن اهتماماته التراثية والفكرية وزاويته المشرقة الدائمة في صحيفة القدس المقدسية.
وعلي الخليلي أديب غزير الإنتاج، ولهذا سأورد قائمة أعماله حسب موسوعة المرحوم أحمد عمر شاهين التي صدرت طبعتها الثانية عام 2000، ومن المؤكد أن كتب علي الخليلي قد ازدادت منذ ذلك التاريخ، أما القائمة فتبلغنا بالعناوين التالية "في الشعر: جدلية الوطن، 1972 ـ تضاريس من الذاكرة 1977 ـ تكوين للوردة، 1989 ـ هات لي عين الرضا هات لي عين السخط ـ 1996" في دراسة التراث والموروث الشعبي "التراث الفلسطيني والطبقات، 1977 ـ البطل الفلسطيني في الحكاية الشعبية ـ أغاني الأطفال في فلسطين 1979 ـ أغاني العمل والعمال في فلسطين ـ الغول: مدخل إلى الخرافة العربية ـ النكتة العربية". وفي الإبداع السردي له "الكتابة بالأصابع المقيدة: حكايات وجدانية، 1979 ـ المفاتيح تدور في الأقفال: رواية، 1979 ـ عايش تلين: وهي حكايات للأطفال". ومن كتبه النقدية "شروط وظواهر في أدب الأرض المحتلة" وقد تضيف الذاكرة مما لم يرد في الموسوعة: "موسيقى الأرغفة" و"النص الموارب". و مختارات من الشعر الفلسطيني .
وللاديب علي الخليلي حضور بارز في مشهدنا الثقافي الراهن تؤكده شواهد كثيرة، وهو علم من أعلام ثقافتنا المعاصرة، يوزع إبداعه ونشاطه العقلي على عدد من أجناس الكتابة وحقولها. يكتب الشعر في شكل أساسي، ثم تتعدد اهتماماته، يكتب الرواية والسيرة الذاتية والقصة المكرسة للأطفال والبحث الأدبي والدراسة الفولكلورية والمقالة النقدية الأدبية علاوة على المقالة السياسية.
ولعل الميزة التي تسم النشاط الثقافي والإبداعي لعلي الخليلي، أن تتمثل في انخراطه الحي في قلب حركة الثقافة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، مسؤولاً في مؤسسات ثقافية شعبية ورسمية، وفي مجلة أدبية لعبت دوراً مرموقاً في بلورة جيل من الكتاب الجدد. وعلى يدي علي الخليلي تعلم هؤلاء الكتاب دروسهم الأولى، وثمة من تعلموا على يديه دون أن ينشروا كتاباتهم في الفجر الأدبي، لأنه ظل يضرب في أرض الإبداع طوال السنوات الخمس والأربعين الماضية بلا كلل، وكان بين الحين والآخر يتوقف متأملاً حصاد التجربة، محاولاً الخروج بتنظير نقدي مناسب، من خلال استقرائه لمجمل النتاج الثقافي والإبداعي في مرحلة من المراحل، وأبرز مثال على ذلك، الاستخلاصات التي توصل إليها وهو يلاحظ انتقال أدبنا في مرحلة ما بعد أوسلو وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية، من أدب المقاومة إلى أدب الضحية. وهو لم يستصغر شأن هذا الأدب المعبر عن الضحية، ولم يصطنع تناقضاً وهمياً بينه وبين أدب المقاومة، ولم ينظر إليه باعتباره رجعة إلى الوراء، لأنه رأى فيه "أدب الضحية التي لا تخاف الهزيمة والخسارة، طالما هي واعية لهذه الهزيمة في معنى عدم التسليم لها، وفي بلاغة التعبير عنها بشجاعة وصدق، ومدركة للخسارة، فلا تفقد معها قدرتها على مواصلة التعبير"! بما يعني أن علي الخليلي يوسع في استخلاصه هذا، مفهوم أدب المقاومة، مضفياً عليه أبعاداً إنسانية جديدة، متيحاً في الوقت نفسه للمبدعين فرصة التحرك في فضاء أوسع، وبما يساعد على إنتاج نماذج أدبية بعيدة من النمطية والتكرار ومن التشابه والصيغ الجاهزة، وبما يسمح للمبدعين بصهر ذواتهم الفردية في مادة إبداعهم، فيكون من ذلك كله نقلة جديدة في الأدب الفلسطيني لا بد منها لكي يظل أدبنا مواكباً لروح العصر ولما يعتمل في داخل إنساننا الفلسطيني من مشاعر إنسانية نبيلة ينبغي التعبير عنها بعيداً من التأطير المسبق والمواقف المعلبة.
وقد صدر حديثاً عن الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين الديوان الجديد للشاعر الفلسطيني الكبير علي الخليلي، والذي جاء بعنوان : "شرفات الكلام"، ويقع في (130) صفحة من القطع المتوسط واشتمل على عشرين قصيدة .. توزّعت بين التأمّل الذاتي والبوحي .. والتذكّر والحيرة والنبرة المقاومة المحمولة على الحرية باتساعها .
ومما كتبه الشاعر علي الخليلي على غلاف المجموعة : "شعرنا لا يطلق الرصاص. ولكنه يطلق ضمير المقاومة من خناق الأسلحة، في مواجهة أعداءٍ مدججين بكل أنواع الأسلحة، أعداءٍ، غزاة، قراصنة، غاصبين، يكرهون الشعر، ويقتلون الشعراء، والأدباء والفنانين. هم قتلوا الشاعر الزجّال نوح إبراهيم، وهم قتلوا الكاتب الروائي غسان كنفاني وهم قتلوا الشاعر كمال ناصر وهم قتلوا الرسام الفنان ناجي العلي وهم قتلوا القاص ماجد أبو شرار وهم يواصلون القتل والتدمير والسلب والنهب، في حروبهم العدوانية، من إسرائيل إلى الولايات المتحدة، وما بينهما من أتباع وعملاء وجبناء".
واضاف "نحن نواصل الحياة، نحبُّ الشعر ونكتبه وننصت إليه، ونطوّق أعناق الشعراء بالبنفسج البريّ والامتنان. ونحبُّ القصة والرواية والمسرحية واللوحة التشكيلية والرقص والموسيقى والسينما، وكل أشكال الفنون والآداب، ونجعل من عيوننا وقلوبنا منازل ومنابر لكل المبدعين. ونحن ننتصر".
الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين في بيان اليوم، إن اصداره لمجموعة الخليلي يأتي انحيازاً لدور الخليلي ورياديته في المشروع الثقافي الفلسطيني، فقد لحق بالشاعر والكاتب علي الخليلي ظلم كبير، وقد أغنى المكتبة الفلسطينية والعربية بما يزيد على خمسين إصداراً ولم يحظ بالتكريم والاهتمام الواجب، وهذا الإصدار هو للتأكيد على مقولة الشاعر والكاتب علي الخليلي ودوره الناجز
ورغم قيام وزارة الثقافة الأديب بتكريم الشاعر علي الخليلي شخصية العام الثقافية لعام 2011 ، حيث جاء في بيان الوزارة أن اختيار الخليلي جاء "لما له من دورٍ ومساهمةٍ في المشهد الثقافي والإبداعي، وكونه شاعراً متجدّداً وحداثياً من جيل الآباء الذين أسسوا للشعر الفلسطيني الحديث، ودفاعه من خلال منجزه الثقافي عن القيم الإنسانية المبنية على التعددية الفكرية والثقافية، وترسيخه القيم الديمقراطية النبيلة".
واعترف الخليلي في حديث مع "الأيام": بصدق فاجأني هذا التكريم.. اعتدت منذ قيام السلطة الوطنية حتى الآن على الغياب أو التغييب، خاصة ما يتعلق بالجوائز والتكريم، لكن ها هي وزارة الثقافة تفاجئني هذه المرة، وتشعرني بأن ثمة من يتذكرني ويعترف بما قدمت.. أتمنى أن تستمر الوزارة على هذه الطريق، وتكرم أكثر من شخصية في العام الواحد، خاصة من أبناء جيلي ذكوراً وإناثاً ممن بلغوا السبعين أو يكادون.
ويتابع الخليلي: ينتابني إحساس بالحزن هذه الأيام.. في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، أيام الجمر، وإن كنا لا نزال في أيام الجمر المختبئ تحت الرماد، كنا نكتب ونكتب، ونواجه الرقابة العسكرية الإسرائيلية.. بعضنا استشهد كحسن إبراهيم الفقي، وبعضنا أبعد، أو طورد، وجميعنا اعتقل أو ضرب بشراسة من جنود الاحتلال.. لكن كانت لدينا دور نشر، ومجلات عديدة وإن كانت بورق رديء ولا تخلو من أخطاء مطبعية، لكنها كانت رائجة وتباع بالآلاف.. اليوم لا مجلات ثقافية، ولا ألحظ أن ثمة مراكز ثقافية نشطة.. مسرح السراج تحول إلى القصبة وبات داراً للسينما، وقصر رام الله الثقافي بات مكاناً لاحتضان معظم الفعاليات الرسمية، أما مركز خليل السكاكيني فغائب، لكن رغم ذلك لا زلت أتسلح بالأمل.. "نحن نربي الأمل"، كما قال درويش.. مهمتنا أن نربي الأمل.
الا انني اقول ورغم هذا التأخر في تكريم علي الخليلي الا انه يستحق منا اكثر ، فمفاتيحه هي التي حركت اقفال ابواب العقول الفلسطينية على امتداد معاقل الوطن.