الفصل الأخير


كانت القرية هاجعة ، تحت ظل أشجارها الوارفة ، بلغ الحر حده ، شوارعها خالية ، يطارد الصيف الجميع ، بعض الأعراب يخرجون ، يحملون حاجياتهم في عربات تجرها الجرارات ، ينقلون فيها نسائهم وأطفالهم ، وحيواناتهم أيام السوق ، ومنتوجاتهم ، تلك هي تضاريس الهضاب العليا ، جبلية وعرة المسالك ، لا تقهرها الا الآليات، وأهلها أصعب مراس ، يظهر جليا في حركاتهم قبل أن يتكلموا ، كالحة وجوههم من الكد ، يعتمدون على القوة في كل شيء ، ولما ينتهي العمل يضحك العقل ساخرا من هذه الأجساد التي لا تشير ولا تستشير ، كل يضحك على نفسه ، وفي كل حركة نكتة ظاهرة كالبديهيات عندهم ، يبتسم منها عابر السبيل ويسخر . الغريب نقطة بيضاء في ثور أسود . تفوح منهم رائحة العرق الممزوج بفيح الغنم والبقر والماعز ، تمر عليهم فايزة مر الكرام ، يجب أن يعرفوا أين تنزل ، ومن هي ، ولماذا جاءت هنا ، و .. و ... ، يتراجمون بالكلمات في اتجاهها ، تواصل طريقها غير آبهة بهم ، بعض المستمدنين يحاولون عبثا جذب انتباهها ، بالنسبة اليها هي التي قضت عشر سنوات في السجن ، هم مجرد قراقوز تافهة ، أخيرا وجدت عجوزا متنقبة ، فاتجهت نحوها مباشرة تسألها:
فايزة: طاب يومك ، أين منزل الحاج لشرف ؟ كانت أمامه ، فأشارت اليها بالنفي .
فقال أحد المارة: هذا هو بيت الحاج لشرف
فايزة: شكرا
كان الزوال قد أخذ حظه حين رن الجرس
ثورة: هذا كريم ، لقد تأخر اليوم كثيرا ، أسرعت الى الباب ، فتحت ، ليس كريم ، انها امرأة تتجاوز الثلاثين على الظاهر ، أنيقة ، جميلة ، بادية عليها الجرأة ، غطت الموقف بقوة شخصيتها ، واثقة من نفسها ، ظهرت ثورة أمامها مراهقة
فايزة: هذا بيت الحاج لشرف ؟
ثورة: نعم ، مرحبا
فايزة: لا تقولي تفضلي ، لا أظن أنك تنطوي على هذا القدر من البخل
ثورة: العفو ، سيدتي ، تفضلي ... مرحبا ، قالتها مرتبكة وبخجل
أدخلتها الى قاعة الاستقبال واختفت ، أرائك على اليمين حول مائدة كبيرة ، وراءهم خزانة صغيرة فيها بعض المجلدات والكتب ، على اليسار زرابي مفروشة ووسائد صوفية مزخرفة ، في الجهة الأمامية جهاز تلفزيون وأجهزة صوتية أخرى ، فوقها صورة لمنظر طبيعي جميل ، ينقل المتذوق الى عمق الخريف ، فوق التلفاز صورة لرجل يرتدي الزي الرسمي لقادة فرنسا ، غريب ! يشبه خضراء تماما ، قامت ، وقفت أمامه ، نعم خضراء ، يا للعجب !
ثورة: امرأة تبحث عنك يا أبي
الأب: امرأة ؟ من تكون هذه ؟ يأتون دائما في الوقت الغير مناسب
ثورة: لا أعرفها ولا رأيتها من قبل ، حسب لهجتها تظهر من نواحي العاصمة ، أخشى أن تكون من أعوان الشرطة ... نظرتها مريبة
الأب: ماذا يريدون منا ؟ وقد انتحرت خضراء وانتهى أمرها ، سامحك الله يا بنيتي انك تقتصين منا وأنت ميتة .
ساعدته ثورة على الوقوف ، وذهب اليها يجر في جسده جرا
الأب: مرحبا يا بنيتي ، اجلسي ، هذه صورة أبي ، هكذا نحن ، نولد سادة القوم وسدنة العز ، ثورة ! آتينا بمشروبات باردة ، يظهر أن ضيفتنا أرهقها الحر ، الجو عندنا حار جدا في الصيف ، وبارد جدا في الشتاء ، كانت هذه المنطقة جنة في عهد مضى والآن وكأن حية نفخت فيها .. مرحبا بك
فايزة: جئت لأكلمك في أمر مهم ... ونظرت الى ثورة التي كانت تصب العصير .. فأشار اليها فانصرفت وأغلقت الباب وراءها
الأب: تفضلي
فايزة: اسمي فايزة ، أنا أصلا من الجنوب وأسكن العاصمة ...
الأب: مرحبا بك ، جمعت كل خيرات الوطن فيك ، البترول والكرم والقيادة ..
فايزة: شكرا .. خضراء ابنتك بالتبني أليس كذلك ؟
كان منحنيا فاستوى ، نظر اليها جيدا ، تغير وجهه ، عض على شفتيه بأسنانه ، قبض وقال:
والآن ماذا تريدين مني ، خضراء انتحرت ، والبيت ربما يكون مازال مراقبا ، وأنا لا أعرفك ... ان كنت من العصابة مهما كان الأمر الذي أتيت من أجله ، رجاءا أعفينا ، لقد نلنا من الهم والغم ما يكفينا ، ماتت خضراء ولا تزال روحها تنتقم منا ، ان كنت من الشرطة ، ليس لنا أي معلومات عنها ، خبر انتحارها جاءنا بواسطة زميلتها في العمل .. رجاءا يا بنيتي ارحمينا وانصرفي ...
كانت فايزة تنظر اليه وهي تبتسم ، تستمع اليه بشفقة الذي ينظر الى من يعذبه الضمير ، لقد وجدت نفسه ممهدة ، تستطيع أن تفجر قنبلة الندم في صدره ، لا يهمها ما تخلفه من دمار ...
فايزة: يا حاج ، أنا لست من العصابة ولا من الشرطة ، الشرطة لا تأتيك متخفية ، والعصابة لا تأتيك أمام الجميع ، أنا صديقة خضراء ، بل قل أنا أختها ، جئت هنا فقط لأرى من هم هؤلاء الذين تسببوا في بؤسها ، في تدميرها ، في تحطيمها فقط لأنها لقيطة ..
الأب: أرجوك ، توقفي ، لا تحاولي أكثر ، خضراء ليست لقيطة ، خضراء ابنتي ، من لحمي ودمي ، كانت تظن أننا تبنيناها لظروف قاهرة لا تعرفها هي ، الآن أتركيها ترتاح .. أظن أن زيارتك انتهت ، تفضلي ، لست مستعدا لأسمع المزيد ..
وقف ينتظرها أن تقوم وتذهب ، الا أن فايزة اختلط عليها الأمر ، وضاع منها حبل الحديث الذي جاءت من أجله ، وفرض عليها الافصاح أكثر ..
الأب: أرجوك يا سيدتي ، لسنا بحاجة الى دروس في الاخلاق ، ولا من يوقظ ضمائرنا ، خضراء ابنتنا ان أخطأنا في حقها هذا أمر لا يعنيك فقاطعته قائلة :
خضراء لم تنتحر ، لا زالت على قيد الحياة ، وأنا جئت بدون علمها ولا استشارتها .
كانت الصدمة أكبر ، بهت الأب ، لا يكاد يصدق لولا برودة أعصاب فايزة واتزانها وهدوئها ، بلغ الخبر عقر التصديق واستقر ، عاد الى الوراء وجلس ، أفحمته ، ماذا عساه أن يفعل ؟ خضراء لم تنتحر ، خضراء هذا الواقع المر ، خضراء الحقيقة التي قتلت من أراد أن يغتالها ، والآن يا لشرف ماذا أنت فاعل والمجرمة من صلبك ، من لحمك ودمك ، هل تبلغ عنها الشرطة أم تتستر عليها ، في كلتا الحالتين تضيع حقا ... وجد نفسه في وضع لا يحسد عليه
الأب: أين هي الآن ؟
فايزة: في بيتنا
الأب: انها في حالة فرار
فايزة: خضراء بريئة ياحاج
اختلطت عليه الأوراق ، توقفت عملية التفكير في ذاته .. ينظر اليها وكأنها من كوكب آخر ، أعاد ترتيب الأمور في نفسه من جديد ، في انتظار خبر آخر ، يخلط ما سبق
الأب: انتظري قليلا ، سيأتي كريم ونتحدث ، لقد تجاوزتني معالجة هذا الواقع ... ارتاحي أنت ، أستأذنك ، أذهب لأتناول الدواء وأعود اليك في انتظار كريم .
تركها في قاعة الاستقبال وخرج ، وجدهم على أحر من الجمر ، ينتظرون ما وراء هذه المرأة العاصمية ، كان متعبا جدا ، احمرت عيناه ، يبتلع ريقه بصعوبة ، أسرعت ثورة اليه بالدواء ، وكأس من الماء البارد
العمة: ماذا تريد هذه المرأة ؟ هل هي من العصابة ؟
الأب: قالت أنها صديقة خضراء
العمة: عرفتها ، انها من العصابة ، هون عليك ، اتركها ، سنبلغ عنها الشرطة
الأب: لا ، ليست من العصابة ، قالت ان خضراء لم تنتحر ، انها في بيتهم
ثورة: ماذا ؟! خضراء لم تنتحر ، يعني كذبت علينا ، كانت تريد أن تستعطفنا للتستر عليها
الأب: قالت انها بريئة
العمة: مستحيل .. مستحيل .. وهم كذلك حتى دخل كريم ، وجدهم في الرواق أمام المطبخ
ثورة: أدركنا يا كريم ، أسرع ...
كريم: ماذا حصل ؟ مابك يا أبي ؟
الأب: لا ، لا بأس ... مد له يده ، ساعده على الوقوف وذهب به الى قاعة الاستقبال .
كانت فايزة تنظر الى صورة الجد من جديد تتأكد من التشابه.
كريم: مرحبا سيدتي
نظرت اليه ، فيه شيء من خضراء ، حدثتها عنه كثيرا ، شعرت بالارتياح ، أجلس الأب وجلس .
الأب: عندها أخبار جديدة عن خضراء
كريم: يرحمها الله
الأب: خضراء لم تنتحر ، لا تزال على قيد الحياة
كريم: صحيح ؟ لا أصدق ... عظيم !
فايزة: لا تزال على قيد الحياة ، وأنا هنا لأطلب مساعدتكم ، يا كريم ، خضراء تحبك كثيرا ، وهي الآن يائسة ، وجودك بجانبها يقوي عزيمتها ويبعث فيها حب الحياة ...
وبدأت تقص عليه سيرة خضراء منذ خرجت من هذا البيت الى اليوم ...
قصة أغرب من الخيال ، تلاحق الجميع ، ينظرون الى بعضهم بعضا ... خضراء لا تزال حية ترزق .. كانت العمة بجانب ثورة ، تبتلع حسرة وألما فيه من الشبهة ما يطابق المثل القائل : أنت أطيب من أن تكون نزيها ، تظاهرت بالتأثر وانصرفت .
تبعتها ثورة ، وجدتها في المطبخ
العمة: ستأتي الخادمة لتقاسمنا كل شيء ، حتى الارث ، ولما تستوي ، لا أعرف كيف ستنتقم ، وبمن تبدأ ؟ ما فعلناه فيها ليس بقليل ، يجب أن تكون في طيبة ملاك حتى تنسى الجحيم الذي عاشته معنا ، ولو علي أنا نتغذى عليها قبل أن تتعشى علينا ، لن تسمح لي كرامتي وعزتي أن أنكسر أمامها وأستسمحها ، حتى الآن أنا لست متأكدة من صحة هذا الخليط ، يا ثورة ، يا بنيتي ، خضراء بنت المبروك ، هذه هي الحقيقة ، ما هذا الهراء ؟ جدتنا سوداء ، والعرق دساس ، .و .. ، هذه خرافات أنا لا أصدقها
ثورة: حرام يا عمتي ، تتهمين أمي ؟ ، تطعنين شرفها وعفافها وطهارتها ؟ .. حرام ...أنت وحش ، همك الوحيد انتظار موت أبي وتطردينا من السكن لأن أبي كتبه باسمك خوفا عليك من الضياع
العمة: السكن هذا رزق أبي قبل أن يكون لأبيك ، كتبه له أبي ، كل شيء باسمه ، المساكن ، المحلات والأراضي ، أعطاه كل شيء وتركني تحت رحمة وصايته ، مثلي مثل هذا الأثاث ، ومنعني من الزواج من ابن عمي ،
وها أنا اليوم عانس ، أبوك أخذ مني كل شيء ، وأفسد علي كل شيء ، ولم تدافع عني أمك ولو بكلمة ، بالعكس كانت تتشفى في ، كانت هي السيدة في ملك أبي ، ما كان لي الحق حتى في الكلام ، كم كان يؤلمني تبخترها وغنجها في أجنحة هذا البيت ، تفعل ما تشاء ، تلبس ما تشاء ، تأكل ما تشاء ، كان ذلك ينحرني ، والآن تأتي السوداء النتنة تقاسمني حتى الملح ؟! الا هذا ، اذا حملت أنت الأغنية ، أنا لا يزال ضجيجها يؤلمني في أذني ، سأخير لشرف ، اما أنا أو الكلبة السوداء ، سترين يا ثورة ، وهم الآن يشعرون بالذنب ، وكأنهم السبب في مأساتها كلها ، سيتوجونها على البيت وتستعبدنا وترد لنا الكيل أكيال
ثورة: مهما يكن ، انها أختي شقيقتي ، لها علي كل الحقوق ، أخدمها اذا اقتضى الأمر وأستسمحها ، يكفي ما عانت أمي من أجلها ، أما أنت يا عمة الشر ، لن أنسى لك هذه الطعنة أبدا ، وسأردها لك في الوقت المناسب ... حتى الأموات لم ترحميهم ، كفانا الله شرك .. يا لطيف ..
مسحت وجهها من الدموع ، غسلته ، حاولت أن تستعيد بسمتها ، تركتها ودخلت ، تصب الشاي للجميع
الأب: أستأذن يا ابنتي ، لا أتحمل السهر كثيرا
فايزة: هون عليك ، الرجوع الى الحق فضيلة ، أنت رجل شهم وطيب ، خضراء تشبه هذه الصورة كثيرا
الأب: انه جدها ، انه أبي ، أنظري الى ذلك الشنب ، كان عريض الصدر طويل القامة ، هيبة تمشي بين الناس ، أنفة وعزة ... والرجل الشجاع يقتله دائما النذل ، كان قائد قومه عند فرنسا ... مرحبا بك يا بنيتي ، الحقيقة عندما تأتي متأخرة تكون أمر من الحنظل .
أخذه أحمد من يده وانصرفا
كريم: الحقيقة لا يغتالها الا الجبناء
جلست ثورة بجانبه وساد الصمت ، تنظر الى فايزة تبتسم وتنظر الى كريم
كريم: هذه أختي ثورة ، اسم على مسمى ، لا تزال تواصل دراستها شعبة علوم وتكنولوجيا ، لا تحب العلوم الانسانية والاجتماعية ...
فايزة: تحصلت على شهادة ليسانس حقوق وعمري ثلاث وعشرون سنة ، اشتغلت أربعة أشهر ، وسجنت لمدة عشر سنوات ، أطمح الى مواصلة الدراسة في نفس التخصص
كريم: يعجبني هذا الصنف من الناس الذي لا يعرف اليأس ، أحترمه كثيرا ... أنا كذلك يعجبني تخصصي ، المحاماة عمل انساني محض .
واستوت الجلسة الى الحديث ، وتطابقت وجهات النظر ، وتشابهت الأذواق والميولات ، وتقاربت النفوس والتحمت المشاعر ، وفي هذا الجو الرومنسي الشاعري ، انسلت ثورة بخبث وانصرفت وهي تبتسم دون أن يشعر بها أحد ، وقفت قليلا تستمع الى شجون الحديث كأنه يأتي من عشرة بلغت جذورها عمق الوصل ...
ولما انتبه كريم وجد نفسه وحده مع فايزة ، في حديث دون قيود ، تدفعه التلقائية التي لا تعرف التكلف ، وجد نفسه قد قال لها كل شيء ، وعرف عنها كل شيء ... كان الحديث مطعم بمأساة خضراء ، بسلوكها وأخلاقها ، مازاد متعته ، وبلغ التشويق حد الرغبة ، وسمح للأفكار أن تتلاقح برفق ، وسقطت المجاملات واختفت عباراتها ، لما بلغ الأنس منتهاه ، كان الليل قد تأخر كثيرا ، ولا بد من أخذ قسط راحة ، استعدادا لسفر الغد ..
رافقها الى باب الغرفة ، تمنى لها ليلة سعيدة وانصرف
كانت الساعة الثانية بعد الزوال ، حين وصل الأستاذ كريم وفايزة الى بيت العجوز زهرة ، وجدوا خضراء بالباب ، والعجوز تنتظر في الصالون ، قابعة تخفي ملامح الحزن والأسى ، كأنها أدركت أنه حان وقت الفراق .
احتضن كريم أخته بكل قوة :
سامحينا يا خضراء يا أختي ، لقد ظلمناك كثيرا
خضراء: المهم أنت بخير ، نظرت اليه بعمق ، ثم تراجعت قليلا الى الوراء وقالت: لم يبق لك في شيء يحفظ ماء وجهي ، لقد خسرتك بخسارة نفسي ، وأعرف أنك لن تقبل بي في بيتك حتى بصفة خادمة
كريم: كيف هذا يا خضراء ؟ أنت أختي ، نعم أختي
خضراء: كنت أطمح أن أكون أكثر من ذلك
فايزة: يا خضراء ، أنت أخت كريم ، شقيقته من أمه وأبيه ، لست ابنتهم بالتبني كما كانوا يدعون ، لقد كشفت أمك الحقيقة والقابلة ، كل العائلة الآن على علم بذلك
خضراء: أنا ؟ أنا ؟ كيف هذا ؟ ولماذا ؟ ولماذا يا كريم ؟
كريم: لا تقولي تفضل ؟
الحاجة زهرة: تفضل يا بني ، البيت بيتك ، وعلى فناجين القهوة قص عليها كريم كل التفاصيل بأسلوب المرافعات ، فواصله تأسف وتنهدات ..
- هذه قصتك يا خضراء يا أختي ، أيها الرخام الأسود لا تتعجلي ولا تقولي شيئا ، دعينا الآن نثبت برائتك رسميا ونعود الى البيت ، وهناك لك أن تفعلي أو تقولي ما تريدين .. أرجوك لا تطيلي فصول هذه الدراما .
عادت خضراء الى سجن أروان وبعد ستة أشهر قدمت الى المحاكمة ، فحكمت لها المحكمة بالبراءة دون تعويض ولا اعادة اعتبار ، أثارت فايزة قضيتها في الجريدة التي كانت تعمل بها ، وبعض الجرائد الزميلة ، ويوم خروجها ، كان الجميع عند باب السجن ينتظرونها ، الأب ، كريم ، فايزة ، ثورة ، أحمد الامام ، سائق الشاحنة ، مساعد كريم ، ، الطبيبتان ، بعض السجينات اللاتي خرجن ، الرجل الذي أنقذها من الانتحار ، المحامي ، المبروك ، جميعا جاءوا يشاهدون ظلم العصر
تقدم صحفي يسألها ، فنظرت اليه وقالت :
- صحيفة حرة أم بوق ؟
- حرة يا آنسة ، طليقة كالريح ، أنظري ، كانت صورتها في الصفحة الأولى ، تحت عنوان مثير: عندما يدفع الأبرياء الثمن وثمن العصا
خضراء: أخفيها حتى لا يراها البوليس ، ضحكت وضحك الجميع ، اجتمع حولها الفضوليون ، وزوار المساجين الذين جاءوا من كل جهات الوطن ، صنعوا الحدث ، وكتبت عنها كل الصحف ، فسجلت على صفحة التاريخ بحروف الغبن والمهانة .
ولما عادوا الى البيت ، وجدوا العمة قد انتحرت في غيابهم شنقا ، أيام بعدها ، تقدم مساعد كريم يطلب يد خضراء ، وطلب كريم من العجوز يد فايزة ، وذهبوا جميعا لقضاء شهر العسل في وجهة لم يعرفها أحد .
أحمد الشيخ الامام تحصل على شهادة الباكلوريا و ذهب الى جامعة أم القرى ليواصل دراسته في الشريعة الاسلامية .و ثورة سجلت في جامعة العلوم التكنولوجيا ، أما الحاج لشرف تزوج عروسا من القبيلة في سن ثورة تداعبه و تمرضه ، هكذا اقسمت قبل ان يتزوجها نكالا في ابن عمها الذي خان عهده و تزوج في الخارج بفرنسية .
أما أنا فأمضيت عقدا مع خضراء لكتابة قصتها وحققت الحلم الذي كان يراودني ... تحطيم جدار الصمت .
فما رأيك يا صاحبي ؟
قلت: لا تقل عشرة ، حتى يصل العاشر الى مكانه .

مختار سعيدي