المرجع : العقد الفريد ( ابن عبد ربه )

كان الفاكه بن المغيرة المخزومي _ عم خالد بن الوليد _ أحد فتيان قريش وكان قد تزوج هند بنت عتبة وكان له بيت للضيافة يغشاه الناس فيه بلا إذن فقام يوماً في ذلك البيت وهند معه ثم خرج عنها وتركها نائمة فجاء بعض من كان يغشى البيت فلما وجد المرأة نائمة ًولى عنها‏.‏

فاستقبله الفاكه بن المغيرة فدخل على هند وأنبهها وقال‏:‏ من هذا الخارج من عندك قالت‏:‏ والله ما انتبهت حتى أنبهتني وما رأيت أحداً قط‏.‏

قال‏:‏ الحقي بأبيك‏.‏

وخاض الناس في أمرهم‏.‏

فقال لها أبوها‏:‏ يا بنية‏:‏ أنبئيني شأنك فإن كان الرجل صادقاً دسست عليه من يقتله فينقطع عنك العار وإن كان كاذباً حاكمته إلى بعض كهان اليمن‏:‏ قالت‏:‏ والله يا أبت إنه لكاذب‏.‏

فخرج عتبة فقال‏:‏ إنك رميت ابنتي بشيء عظيم فإما أن تبين ما قلت وإلا فحاكمني إلى بعض كهان اليمن‏.‏

قال‏:‏ ذلك لك‏.‏

فخرج الفاكه في جماعة من رجال قريش ونسوة من بني مخزوم وخرج عتبة في رجال ونسوة من بني عبد مناف فلما شارفوا بلاد الكاهن تغير وجه هند وكسف بالها‏.‏

فقال لها أبوها‏:‏ أي بنية ألا كان هذا قبل أن يشتهر في الناس خروجنا قالت‏:‏ يا أبت والله ما ذلك لمكروه قبلي ولكنكم تأتون بشراً يخطئ ويصيب ولعله أن يسمني بسمة تبقى على ألسنة العرب‏.‏

فقال لها أبوها‏:‏ صدقت ولكني سأخبره لك‏.‏

فصفر بفرسه فلما أدلى عمد إلى حبة بر فأدخلها في إحليله ثم أوكى عليها وسار‏.‏

فلما نزلوا على الكاهن أكرمهم ونحر لهم‏.‏

فقال له عتبة‏:‏ إنا أتيناك في أمر قد خبأنا لك خبية فما هي قال‏:‏ ثمرة في كمرة‏.‏

قال‏:‏ أريد أبين من هذا‏.‏

قال‏:‏ حبة بر في إحليل مهر‏.‏

قال‏:‏ صدقت فانتظر في أمر هؤلاء النسوة فجعل يمسح رأس كل واحدة منهن ويقول‏:‏ قومي لشأنك حتى إذا بلغ إلى هند مسح يده على رأسها وقال‏:‏ قومي غير رسحاء ولا زانية وستلدين ملكاً سمى معاوية‏.‏

فلما خرجت أخذ الفاكه بيدها فنترت يده من يدها وقالت‏:‏ والله لأحرصن أن يكون ذلك الولد من غيرك‏.‏

فتزوجها أبو سفيان فولدت معاوية‏.‏

وذكروا أن هند بنت عتبة بن ربيعة قالت لأبيها‏:‏ يا أبت إنك زوجتني من هذا الرجل ولم تؤامرني في نفسي فعرض لي معه ما عرض فلا تزوجني من أحد حتى تعرض علي أمره وتبين لي خصاله‏.‏

فخطبها سهيل بن عمرو وأبو سفيان بن حرب فدخل عليها أبوها وهو يقول‏:‏ أتاك سهيل وابن حرب وفيهما رضاً لك يا هند الهنود ومقنع وما منهما إلا يعاش بفضله وما منهما إلا يضر وينفع فدونك فاختاري فأنت بصيرةٌ ولا تخدعي إن المخادع يخدع قالت‏:‏ يا أبت والله ما أصنع بهذا شيئاً ولكن فسر لي أمرهما وبين لي خصالهما حتى أختار لنفسي أشدهما موافقة لي‏.‏

فبدأ يذكر سهيل بن عمرو فقال‏:‏ أما أحدهما ففي سطةٍ من العشيرة وثروة من العيش إن تابعته تابعك وإن ملت عنه حط عليك تحكمين عليه في أهله وماله‏.‏

وأما الآخر فموسع عليه منظور إليه في الحسب والحسيب والرأي الأريب مدره أرومته وعز عشيرته شديد الغيرة كثير الطيرة لا ينام على ضعة ولا يرفع عصاه عن أهله‏.‏

فقالت‏:‏ يا أبت الأول سيد مضياع للحرة فما عست أن تلين بعد إبائها وتصنع تحت جناحه إذا تابعها بعلها فأشرت وخافها أهلها فأمنت فساءت عند ذلك حالها وقبح عند ذلك دلالها فإن جاءت بولد أحمقت وإن أنجبت فعن خطأ ما أنجبت فاطو ذكر هذا عني ولا تسمه لي‏.‏

وأما الآخر فبعل الفتاة الخريدة الحرة العفيفة وإني للتي لا أريب له عشيرة فتغيره ولا تصيبه بذعر فتضيره وإني لأخلاق مثل هذا لموافقة فزوجنيه‏.‏

فزوجها من أبي سفيان‏.‏

فولدت له معاوية وقبله يزيد

فقال في ذلك سهيل بن عمرو‏:‏



نبئـت هـنـداً تـبـر الله سعيـهـا
تأبت وقالـت وصـف أهـوج مائـق
ومـا هوجـي يـا هنـد إلا سجـيـة
أجـر لهـا ذيلـي بحسـن الخلائـق
ولكننـي أكرمـت نفـسـي تكـرمـاً
ورافعت عنهـا الـذم عنـد الخلائـق
وإنـي إذا مـا حـرة سـاء خلقـهـا
صبرت عليهـا صبـر آخـر عاشـق
فإن هي قالـت خـل عنهـا تركتهـا
وأقلـل بتـرك مـن حبيـبٍ مفـارق
فإن سامحونـي قلـت أمـري إليكـمو
إن أبعدوني كنـت فـي رأس حالـق
فلـم تنكحـي يــا هـنـد مثـلـي
وإنني لمن لم تمقني فاعلمي غير وامق

فبلغ أبا سفيان فقال‏:‏ والله لو أعلم شيئاً يرضي أبا زيد سوى طلاق هند لفعلته‏.