زُبَيْدَة ُ - زَوجَة ُهارون الرشيد



زبيدة هي زوجة الخليفة العباسي هارون الرشيد، وحفيدة مؤسس الدولة العباسية الخليفة أبوجعفر المنصور من خلال إبنه جعفر. تعتبر من أهم نساء الدولة العباسية وأكثرهم شهره مما كان لها من دور في دور الخلافة فهي أم الخليفة الأمين الذي قتل على يد أخيه المأمون بعد نزاع على السلطة. من أهم أعمالها بناء أحواض للسقاية للحجاج في دربهم من بغداد إلى مكة فما عرف بدرب زبيدة تكريماً لها.

سيدة عظيمة وراء خليفة عظيم

بعد أن امتدت الدولة الإسلامية في العصر الأموي إلى إسبانيا غرباً والصين شرقاً، جاء العصر العباسي ليقطف ثمار تلك العمليات العسكرية الكبرى التي نشرت لواء الدين الجديد فوق أصقاع لم يكن أحد يحلم بالوصول إليها. في تلك الأيام، وقف الخليفة الشهير هارون الرشيد، خامس خلفاء بني العباس، على شرفة قصره في بغداد ينظر إلى سحابة عابرة، متوقعاً أن تجود بالغيث. وعندما عبرت دون أن تمطر، خاطبها بقوله: أمطري حيث شئت، فإن خراجك سيعود إلي. ولم يكن الخليفة هارون الرشيد إنساناً عادياً. فقد اشتهر بغزواته للروم وبلوغه أبواب القسطنطينية حتى وهو حاكم للمقاطعات الغربية، وقبل أن يعينه أبوه المهدي ولياً لعهده. وإذا كان المثل يقول: وراء كل رجل عظيم امرأة، فلقد كان وراء هارون امرأتان: أمه الخيزران، تلك السيدة المهيبة التي يعتقد كثير من المؤرخين أنها هي التي كانت تسير أمور الدولة إبان حكم زوجها المهدي، والثانية زوجته أمة العزيز بنت جعفر بن أبى جعفر المنصور أم الخليفة محمد الأمين، وهي التي لقبها جدها أبو جعفر المنصور زبيدة لبضاضتها ونضارتها وبياض بشرتها. وزبيدة – وكنيتها أم جعفر - ابنة عم هارون وابنة خالته في الوقت نفسه، فأمها هي سلسل شقيقة الخيزران. تزوّج الاثنان في عهد المهدي والد هارون الرشيد سنة 165 هـ. وكانت زبيدة حسبما تنقل لنا كتب التاريخ سيدة بارعة الجمال، فاتنة الحديث، رزينة ذات عقل ورأي وفصاحة وبلاغة، تنظِم الشعر وتناظر الرجال في شتى نواحي الثقافة، إلى جانب جمالها وسمو خلقها. وقد أحبّها الرشيد حبًا جمًا ومنحها مكانة رفيعة ونفوذًا كبيراً، بحيث كانت على الدوام السيدة الأولى بين نسائه. كما عُرف عنها أنها كانت تشير على زوجها في كثير من المناسبات والأحداث بالآراء الصائبة، وأنها كانت في حقيقة الأمر تمسك بيديها زمام الأمور أثناء غياب زوجها في غزواته الكثيرة. وقد خلفت وراءها آثاراً عديدة في مجالات متنوعة ما زالت تحمل اسمها حتى الآن.


الصراع على الخلافة

ويشاء القدر أن تختلف زُبيدة مع زوجها الخليفة هارون الرشيد على من يتولى الخلافة من بعده. فهي أم أولاً وأخيراً، وابنها محمد الأمين هو الأصلح من وجهة نظرها لتولي الخلافة، رغم أنه كان أصغر من أخيه المأمون بستة أشهر. فالأمين هاشمي الأب والأم، وهو ما لم يجتمع لغيره من قبل، سوى للإمام علي بن أبي طالب (ر). أما المأمون، فأمه جارية من جواري القصر تدعى مراجل. وكان هارون الرشيد يميل لتعيين المأمون ولياً للعهد لعلمه برجاحة عقله وأدبه والتزامه بأدب السلاطين والخلفاء، على عكس الأمين الذي كان الطيش يغلب عليه. وقد كان من النتائج المباشرة للصراع من أجل تعيبين ولي للعهد وقوع نكبة البرامكة. وهؤلاء كانوا وزراء العباسيين منذ أوائل أيام قيام دولتهم. وكان كبيرهم، في عهد الرشيد، جعفر بن يحيى البرمكي، شقيق الخليفة بالرضاعة، حيث إن الخيزران، أم هارون أرضعت جعفراً الذي يكبر ابنها بأيام معدودات.

وكان سبب المذبحة أن جعفر وآل برمك أيدوا رأي هارون بتعيين ابنه المأمون ولياً للعهد. ولربما كان دافعهم الأول أن أم المأمون كانت جارية فارسية، وهم أيضاً من سراة العجم. وعندما علمت زبيدة بموقفهم، أبلغت زوجها أنهم يتآمرون عليه للقضاء على دولته والاستقلال بفارس، ويبدو أيضاً أنها كانت تمتلك بعض الأدلة التي تؤكد تورطهم. وهكذا أعمل هارون في آل برمك السيف، فلم ينجُ منهم أحداً، حتى جعفر. ولعل ما حدث يؤكد مدى الحظوة والنفوذ الذين كانت زبيدة تحظى بهما لدى زوجها.

وعندما قالت للخليفة: ابني الأمين خير من ابنك المأمون سخاء قلب وشجاعة نفس (علماً بأنها هي التي ربت المأمون لأن أمه ماتت بحمى النفاس بعد ثلاثة أيام من ولادته)، رد عليها بقوله: إن ابنك يزيّنه في عينيك ما يُزين الولد في عين الأبوين، فاتقيِ الله، فوالله إن ابنك لأحب إليّ، إلا أنها الخلافة لا تصلح إلا لمن كان لها أهلاً، وبها مستحقًا. ونحن مسؤولون عن هذا الخلق، ومأخوذون بهذا الأنام، فما أغنانا أن نلقى الله بوزرهم، وننقلب إلى الله بإثمهم. واستدعى ولديه واحدًا تلو الآخر، ودار حوار أسفر عن خطيئة ثانية كان لها أثر كبير في مستقبل الدولة فيما بعد، ألا وهي تعيين المأمون ولياً لعهد الأمين – الذي هو بدوره ولي عهد – ومن ثم تعيين ابن ثالث، هو القاسم، ولياً لعهد المأمون.

وقد أثبت التاريخ فشل الأمين في الحكم منذ أول يوم اعتلى فيه سدة الخلافة، ودارت الدوائر عليه بعد أن أساء لطوائف كبيرة من الأتباع ولعدد من كبار القادة، فانقلب الجميع ضده، وكانت نهايته مأساوية، إذ قتل في معركة دارت بين أنصار الأخوين، حيث وقفت القبائل العربية يومها مع الأمين بينما كان معظم أنصار المأمون من العجم. وقد برزت رجاحة عقلها ورزانتها مرة ثانية، لما جاءها نبأ مقتل ولدها، عندما وأدت مساعي أهل الفتنة لتحريضها على الثأر من المأمون، الذي كان بمكان ولدها وقد أرسل إليها يبرئ نفسه بعد أن أرسلت إليه أبياتاً من الشعر أبكته. وفي رواية الخطيب البغدادي: إن زُبيدة أرسلت للمأمون قائلة: "أهنئك بخلافة قد هنأت نفسي بها عنك قبل أن أراك، ولئن كنت قد فقدتُ ابنًا خليفة، فقد عُوضت ابنًا خليفة لم ألده، وأسأل الله أجرًا على ما أخذ، وإمتاعًا بما عوَّض". وأخذ المأمون بعد ذلك في إكرامها ومودتها ورضاها.


وفاتها

عاشت السيدة زبيدة 32 عاماً بعد وفاة هارون الرشيد، وتُوفيت في بغداد سنة 216 هـ الموافق 831م بعد أن عاشت في ظل المأمون معزّزة مكرّمة كما كانت في عهد أبيه. وكان المأمون يعاملها معاملة الأم، وكثيراً ما كان يلجأ إلى مشورتها في أمور الدولة، ويقبل برأيها، حتى لو كان مخالفاً لما يراه هو شخصياً.وقد رثاها مسلم بن عمرو الخاسر الشاعر البصري، بعد رحيلها ظلت باقية حية في أذهان بني العباس، يتذكرون أخبارها وأخلاقها وثقافتها المميزة، وظلوا يتناقلون أفعالها في أرجاء الجزيرة العربية.




منقول بتصرف