آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: "ثقافة الموت" التي يجب تغييرها!

  1. #1
    عـضــو الصورة الرمزية جواد البشيتي
    تاريخ التسجيل
    23/12/2006
    العمر
    68
    المشاركات
    272
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي "ثقافة الموت" التي يجب تغييرها!



    "ثقافة الموت" التي يجب تغييرها!

    جواد البشيتي

    يسمُّونها "غريزة حُبِّ البقاء"، أو "غريزة البقاء"، التي هي في الإنسان (الحي) دافعا ذاتيا في منتهى القوَّة، يَدْفعه إلى الصراع ضد كل ما يمكن أن يَجْعَل حياته عُرْضة للخطر، الذي أعْظَمَه خطر الموت.

    لقد ظلَّ خوف الإنسان من الموت، الذي هو العاقبة الطبيعية الحتمية لحياته، وممَّا قد يتسبَّب في حدوثه، أو في تعجيل حدوثه، مَصْدرا مهمِّا لتطوُّره الثقافي والحضاري؛ وطالما رأيْنا الخوف من الموت، مع بقائه، أي الموت، لغزا محيِّرا للألباب، لجهة ماهيِّته ووقت حدوثه، مَصْدَر قوَّة وتغذية لبعضٍ من الثقافة الإنسانية، فالحاجة إلى الحرب دَفَعَت إلى إنتاج وتطوير (ونشر) ثقافة للتغلُّب على الخوف من الموت في نفوس المحاربين، ولإظهار الموت في أثناء القتال على أنَّه انتقال حتمي إلى حياة لا تَعْدلها أبدا "الحياة الواقعية"، جمالاً وجاذبيةً وإيجابيةً.

    وفي لُغْز "ما بَعْد (أو ما بُعَيْد) حدوث الموت"، بُذِلَ كثير من الجهد الفكري لإنشاء وتطوير ثقافة موت متناقضة، فتلك اللحظة، أي لحظة حدوث الموت، وذاك الموضع، أي القبر، صُوِّرا، في "ثقافة الموت"، تصويرا متناقضا، تلبية لحاجة متناقضة، فإمَّا عذاب لا مثيل له يذوقه الميِّت، وإمَّا عذوبة لا مثيل لها.

    إنني أرى في خفض منسوف الخوف من الموت في نفوس البشر مقياساً من أهم المقاييس التي بها يمكن قياس تطوُّرنا الحضاري والثقافي، على أن يُتَّخَذ تطوُّرنا الحضاري والثقافي (والعلمي) ذاته وسيلة لتحقيق ذلك، فمنسوب الحياة، بأوجهها ومعانيها كافة، في الإنسان يعلو مع كل هبوط في منسوب الخوف من الموت في نفسه.

    ونرى ضررا مشابها يصيب حياة الإنسان الذي يعاني عُقْدَة "الخوف من الفشل"، فهذا الإنسان يُحْجِم عن القيام بكثير من الأعمال، التي يحتاج إلى القيام بها، مخافة أن يفشل. لقد أقعده الخوف من الفشل فأَقْعِدَ، أي أصيب بالقُعاد، وهو داء يمنع من المشي.

    وليس للخوف من الفشل من سبب سوى الفشل الثقافي والتربوي في إنشاء وتطوير موقف واقعي وعقلاني من الفشل، الذي هو تجربة يمكن ويجب أن نتعلَّم منها كيفية جَعْلِه سببا للنجاح.

    ولا شكَّ في أنَّ استبداد الخوف من الموت بنفوسنا هو مصيبة أدهى وأمر؛ لأنَّه يُحَوِّلنا إلى أموات ونحن على قيد الحياة، ويَحْول بيننا وبين أن نكون أبناء للحياة بكل أوجهها وعانيها.

    "ثقافة الموت" عندنا يجب أن تتغيَّر بما يجعلها مَصْدَر قوَّة وتغذية لـ "ثقافة الحياة". وهذا التغيير لا يمكن أن يَظْهَر ويتأكَّد إلا بخوض صراع ضد كل تلك الجوانب من "ثقافة الموت" التي تَرْفَع في النفوس منسوب الخوف من الموت، والتي نراها واضحة جلية في كثير من طقوس، وعادات، وتقاليد، الموت السائدة في مجتمعنا؛ ونراها في منتهى الوضوح والجلاء في "خُطَب الرعب"، التي يلقيها "متخصِّصون"، في المقابر، في أثناء دفن موتى، وكأنَّهم يعلمون عِلْم اليقين كل ما سيتعرَّض له الميِّت في قبره.

    وأحسب أنَّ الخوف من الموت هو الخوف الوحيد الذي لا مبرِّر له، والذي ينبغي للإنسان، بالتالي، أن يَجْتَثَّه من نفسه؛ لأنَّ الموت ذاته هو الحدث الذي عنده ينتهي الخوف من الموت. إنَّ هذا الخوف لا يعرفه إلا الأحياء.

    لقد أنشأت الفلسفة وطوَّرت بعضا من الأفكار التي يمكنها أن تؤسِّس لثقافة موت جديدة، ومنها أنَّ الإنسان لا يذهب إلى قبره وهو محتفظا بكل قواه العقلية والنفسية حتى يخشى الموت، ويرتعد خوفا منه، فإذا كان الغائب عن الوعي لا يَذْكُر شيئا مما حَدَث عندما يفيق من غيبوبته فكيف الميِّت؟!

    إنَّ الموت الذي ينبغي للإنسان أن يخشاه حقَّاً هو أن يصبح ابناً للموت وهو على قيد الحياة، وأن يموت، بَعْد موته، ذِكْراً، واسماً، وعملاً.


  2. #2
    مترجم
    تاريخ التسجيل
    27/09/2006
    المشاركات
    1,119
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي

    السلام عليكم أستاذ جواد
    إن الخوف من الموت وترقب حدوثه لا ينبغي أن يكون مانعًا للمؤمن من السعي في عمارة الكون وتحصيل رزقه ومصالحه، ولا يعتبر هذا تعلّقًا بالدنيا وعدمَ اهتمامٍ بأحوال المسلمين. والنبي وجّه بعمارة الأرض حتى آخر لحظة من عمر الدنيا إذ يقول : ((إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها)) رواه الإمام أحمد.
    والمسلم عليه أن يوقن أن الحياة مرحلة لابد منها، لكنها لابد أن تنتهي بالموت، حينما يأتي الموت المؤمن يرحب به، كما قال يحي بن معاذ: لا يكره الموت إلا مريب، فهو الذي يقرب الحبيب من الحبيب. القرآن يقول (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم…) لو كان الموت عدماً لم يخلق، الموت مرحلة انتقال، وكما قال الشاعر:
    -وما الموت إلا رحلة غير أنها من المنزل الفاني إلى المنزل الباقي
    ويتميز الإنسان المسلم المؤمن بإيجابيته مهما كانت التحديات ، حتى إن كان التحدي هو الموت ... لأنه ببساطة لا يمثل نهاية بل بداية لحياة أبدية يتمناها الصالحون ويخشاها من خاب عملهم في الحياة . والإيجابية المسلمة في رأيي تستلزم المزيد من العمل الصالح في الدنيا وإتقان الصنعة لتحصيل النتيجة يوم الحساب الأكبر وهي الحياة الأبدية في جنات عدن . حتى في الموت المؤمن إيجابي لأنه يتطلع لحياة أفضل بعد الموت .
    اورد ماذكره المناوي في شرح الجامع الصغير أن الحافظ بن حجر لما كان قاضيا مرَّ يوماً بالسوق في موكب عظيم وهيئة جميلة فهجم عليه يهودي يبيع الزيت الحار وأثوابه (أي اليهودي) متلطخة بالزيت وهو في غاية من الرثاثة والشناعة فقبض على لجام بغلته وقال: يا شيخ الإسلام تزعم أن نبيكم قال: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فأي سجن أنت فيه وأي جنة أنا فيها؟ فقال: أنا بالنسبة لما أعد الله لي في الآخرة من النعيم كأني الآن في السجن وأنت بالنسبة لما أعد الله لك في الآخرة من العذاب الأليم كأنك في جنة فأسلم اليهودي. (انظر كشف الخفاء للعجلوني 410).


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •