مجاهدات بدويات من سيناء

"موقع محيط" يفتح ملف تعاون بدويات سيناء مع "المخابرات المصرية"

هدى إمام

تمردت على قيم قبيلتها التي تحذر الإختلاط بالرجال ، ووافقت على التعاون مع رجال المخابرات المصرية البواسل ، الذين أرادو أن تكون بمثابة أعينهم في سيناء تنقل لهم تحركات العدو الإسرائيلى لحظة بلحظة ، فلم تكتفي بذلك بل أرادت أن تقهر هذا العدو ليكون عبرة لكل محتل غائر، فنسفت القطارات المحملة بالجنود الإسرائيلين، ودمرت الدوريات الإسرائيلية ، وأحرقت قلب "عزرا وايزمان" الحاكم العسكرى في سيناء لتقول للعالم أن المرأة السيناوية ليست فقط راعية غنم ولكن أيضا مجاهدة ومكافحة كأشجع الرجال ونذرت نفسها لوطن لم يعشق قلبها حبيب سواه .

"فرحانة" تفجر قطار العدو

في إحدى قرى شمال سيناء تقابلت مع " فرحانة" ، والتي عرفت بين أهالى سيناء بقائدة المقاومة الشعبية.
بعد أن اضطرت تحت وطأة ضربات الإحتلال الإسرائيلى فيلا أعقاب حرب1967 ، إلى الهجرة للقاهرة ، وجدت "فرحانة حسين سلامة" ، البدوية البسيطة البالغة من العمر الأن 84 عاما , لنفسها مأوى في إمبابة ، وهناك شارت عليها أبنة عمها بالطريق الصحيح للجهاد ضد العدو الصهيوني الذي سلب منهم الأرض ، وشرد أولادهم فكانت رحلات الشتاء والصيف من إمبابة إلى سيناء ومن سيناء إلى إمبابة.

سيارة تابعة لجهاز المخابرات كانت تأتي إليها صباحاً لتأخذها للتدريب على العمليات القتالية ، الأمر الذي استغرق مددا طويلة ، ولكي لاتبدأ تساؤلات الجيران كانت "فرحانة" تقول إنها تذهب لشراء وبيع الأقمشة لتوفير احتياجات أبنائها بعد انفصالها عن زوجها ، وتروي عن ذلك "كان الجيران يتعاطفون معي ويتولونرعاية أولادى خلال فترة سفري إلى سيناء وفي السويس تحديدا تلقيت القسط الأكبر من التدريب على فك القنبلة وإشعال الفتيل.

وتكشف فرحانة عن أولى عملياتها الفدائية بعد أن دربها رجال منظمة "سيناء العربية" ،التي أسسها جهاز المخابرات ، على حمل القنابل وطرق تفجيرها وإشعال الفتيل ، وتفجير الديناميت قائلة "كانت أولى عملياتى تفجير قطار في العريش ، فقد قمت بزرع قنبلة قبل لحظات من قدوم القطار الذي كان محملا ببضائع لخدمة الجيش الإسرائيلي ، وبعض الأسلحة ، وعدد من الجنود الإسرائيليين ، وفي دقائق معدودة كان القطار مدمرا بالكامل.

ولم تكن تلك نهاية المطاف، حيث توالت العمليات بعد ذلك وكنت أترقب سيارات الجنود الإسرائيليين ، التي كانت منتشرة في سيناء وقبل قدوم السيارة كنت أشعل فتيل القنبلة وأتركها بسرعة أمام السيارة التي تتحول فى لحظات إلى أشلاء صغيرة محترقة ، لقد أعطينا الجنود الإسرائيليين دروسا لن ينسوها طوال حياتهم ، ولم يتوقع أحد أن تخرج السيدة البدوية لميدان المعركة ناسفة كل التقاليد والأعراف والتقاليد التي تحرم على البدويات حتى مجرد الخروج أمام الرجال.

وتروى "فرحانة" قائلة "إننى تعودت على المجازفة وصارت أعصابي حديد ، وقمت بتهريب القنابل والرسائل عشرات المرات بعد أن تم تدريبى جيدا عبر عمليات تدريب كانت تتم بدقة شديدة محاطة بالسرية التامة ، حتى أننا كنا لانعرف زميلاتنا المجاهدات وإذا صادف أن تواجدنا معا في مكان التدريب في وقت واحد يتم إخفاء كل مجاهدة عن الأخرى حتى لا ترى إحدانا الأخرى، وقد عرفت بعد انتهاء حرب أكتوبر وانتصارنا على العدو الإسرائيلي أن بعض أقاربي كانوا يقومون كذلك بتنفيذ عمليات فدائية وتم تدريبهم في نفس المعسكرات التي تدربت فيها.

ووصل نضال"فرحانة" لدرجة أن أولادها أنفسهم لم يعرفوا شيئا عن بطولات والدتهم ،كما يؤكد أبنها شوقي سلامة "50 عاما" ويعمل موظفا، مشيرا إلى أن أمه كانت تغيب عنهم وهم صغار لمدة طويلة قد تصل إلى أكثر من شهر وتقول لهم إنها كانت تشترى قماشا، وتسافر لبيعه فى سيناء لكى توفر لهم المصاريف وتلبى احتياجاتنا.

ويقول شوقي ابن المجاهدة فرحانة "كنا لاندري عنها شيئا فكنا نقطن في إمبابة بجوار بعض أفراد أسرتنا ، وكانوا يقومون برعايتنا ونحن صغار، ويتناوبون على إعداد الطعام لنا ظنا منهم أن أمى تتاجر في القماش بسيناء ،لكي تلبى احتياجاتنا وذلك بعد ما انفصلت عن والدي ، وأصبحت هي المسئولة عنا ، ولم نعلم بما كانت تقوم به من عمليات فدائية إلا من خلال حفل تكريمها من الرئيس الراحل أنور السادات الذى منحها الأنواط والأوسمة وكذلك الفريق أحمد بدوى وعرفنا بعدها أن أمى كانت تضحى بنفسها وبصغارها من أجل تحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي .

وتعبر فرحانة عن سعادتها وهي تكشف لنا عن أسرار لم تكشفها من قبل، قائلة: "أحمد الله على أنه منحنى فرصة مشاركةرجالنا الأبطال فى الدفاع عن بلدنا".

فوزية والدورية الاسرائيلية

فوزية محمد أحمد الهشة نموذج آخر من المجاهدات السيناويات ممن تقابلنا معهم ، تقول إن الشيخ محمد الهشة ابن عمها كان هو همزة الوصل بينها وبين رجال المخابرات الذين قاموا بتدريبها ، فكانوا يعطوني الرسائل في القاهرة لتوصيلها للقيادات في سيناء بطريقتنا الخاصة حتى عجزت وحدات جنود التفتيش الإسرائيلية عن كشفها ، برغم أنها طرق بسيطة لكننا تغلبنا على أجهزة التفتيش التي كانوا يمتلكونها آنذاك.

وتوضح الحاجة فوزية أن زوجها الراحل الشيخ سعيد أبو زرعى كان يقوم أيضاً بعمليات فدائية ضد الجيش الإسرائيلى ، فكنا نحمل رسائل ومفرقعات ونعبر بها قناة السويس بقوارب بسيطة حتى نصل إلى العريش وسيناء ، وكنا نركب السيارة من عين شمس متوجهين للسويس ثم نركب اللنش ونعبر القناة ثم نقابل المجاهدين الرجال ، ونسلمهم ما لدينا من رسائل ومفرقعات ، فيتولى هؤلاء توصيلها بطريقتهم الخاصة لرجالنا في العريش لاستخدامها في العمليات الفدائية، وقد استطعنا تدمير عدد من السيارات الخاصة بالقوات الإسرائيلية التى كانت تحتل سيناء.

تعترف فوزية أنها أمضت أياما طويلة بعيدة عن أولادها السبعة "أربعة ذكور وثلاث إناث" حبا في الوطن ، وهى تنتمى لعائلات كلها من المناضلين فعائلتها "الهشة" وعائلة زوجها "أبوزرعى" كانوا مجاهدين ، سواء من السيدات أو الرجال ، فكانت النساء تأتي بالرسائل والقنابل من القاهرة ليتسلمها على الشط الآخر من القناة رجالنا الأبطال ، ليقوموا بالتفجيرات التى استهدفت الكثير من منشآت قوات الاحتلال الإسرائيلي.

تقول فوزية إن أولادها السبعة كانت تتركهم هي وزوجها فى رعاية جيرانها فى العريش وأقاربهما ، وكان الجيران يقومون برعاية بعضهم البعض ويوزعون على بعض الأطعمة والدقيق ، وكان هناك تعاون يقوم على المحبة فكان المجاهدون والمجاهدات يتركون أولادهم شهوراً طويلة وهم مطمئنون عليهم.

الديناميت يجمع الآسرة

تكشف فوزية عن إحدى العمليات الفدائية التي جمعت بينها وبين أخيها أحمد الهشة وزوجها سعيد أبوزرعى ، حينما قاموا بزرع عدد من الألغام والديناميت في طريق الجورة، فجاءت سيارة الدورية الإسرائيلية فمرت على الألغام فانفجرت في الحال ، وتحولت فى دقائق معدودة إلى حطام ، فقامت القوات الإسرائيلية بالقبض على زوجها وشقيقها واحتجزوهما في إحدى الوحدات العسكرية لمدة شهرين ، وأذاقوهما أشد ألوان العذاب ، حتى تحولوا إلى حطام رجال ، ولم يستسلما ويكشفا عن سرهما في الجهاد والنضال.

هند ورسائل النقيب جميل:

في بئر العبد تقابلنا مع هند ، والتي كان لها دور عظيم في إيواء الجنود المصريين الجرحى ، كانت وقت حرب67 لم تبلغ العشرين ربيعا ، استطاعت أن تجوب الصحراء إبان حرب 67 و حتى انتصارات أكتوبر 1973 بحثا عن الجنود المصريين المصابين والجرحى لتأخذهم لخيمتها لتداوي جراحهم، وكانت تستغل أغنامها للتجول فى الصحراء لتضليل قوات الاحتلال الإسرائيلي ، ولكي لايكتشفوا ما تقوم به بالبحث عن الجنود المصريين وذات يوم وجدت هند النقيب جميل وهبة وهو ضابط مسيحى وجدته مصابا في الصحراء ودمه ينزف بغزارة ، وكاد يفقد حياته من شدة الحرارة وخطورة الجراح فحملته هند وذهبت به إلى خيمتها ، وقامت مع أفراد قبيلتها بمعالجته حتى استعاد صحته وعافيته ، فطلب منهم أن يستمر في الإقامة معهم حتى يقوم بدوره فى مقاومة جنود الاحتلال ، فساعدته هند وكانت تصطحبه وهو متنكر فى الزى البدوي من سيناء إلى الإسماعيلية ، وكان يرجع محملا بالمعلومات لمرافقيه لتنفيذ عملياتهم العسكرية ضد قوات الاحتلال ، وظل جميل وهبة يعيش مع أسرة هند السيناوية شهورا طويلة ، وهو يؤدى مهمته المكلف بها بمساعدة قبيلة هند وعشيرتها، وفي الوقت الذى كانت فيه قوات الاحتلال الإسرائيلى تجوب الصحراء للبحث عن جميل وهبة وباقي الجنود المصريين كان معظم هؤلاء يعيشون وسط قبائل البدو في بيوتهم وخيامهم البسيطة كأنهم أفراد من أسرهم وكان البدو يساندونهم في الوصول إلى قادتهم والرجوع مرة أخرى لسيناء لتنفيذ مهامهم ضد العدو الإسرائيلي.


وداد.. تخدع وايزمان

وداد حجاب إحدى المجاهدات اللاتي قمن بدور فعال في مقاومة قوات الاحتلال الإسرائيلى ، تقول إنها بدأت الجهاد ضد العدو الإسرائيلي في سن مبكرة جدا ، بعد أن حصلت على شهادة الإعدادية وكان عمرها لم يتجاوز السادسة عشرة ، وقد بدأت وداد طريقها في الجهاد بتعلم الإسعافات الأولية ومداواة الجرحى كخطوة أولى لأن أهل العريش استشعروا أن المعركة كانت على الأبواب وذلك منذ عام 1968 ، وتعلمت وداد علاج الجرحى على يد أطباء متخصصين وأثناء قيام حرب أكتوبر 1973 حاصرت النيران كل مدن قرى شمال سيناء والطرق المؤدية للعريش فتركت وداد منزلها الكائن بوسط العريش ، وذهبت للمستشفى العام بالعريش، وبمساعدة "أبلة خديجة عودة" المدرسة فى المدرسة الإعدادية بالعريش استطاعت وداد أن تجتذب فتيات العريش وبنات البدو للتوجه للمستشفى لمساعدة الجرحى والمصابين.

وتقول وداد تعلمت على يد "أبلة خديجة" معنى مقاومة الإحتلال والصمود والقوة والتحدى، فقد كانت أبلة خديجة بالنسبة لفتيات العريش نموذجاً مثاليا للمدرسة الوطنية الرافضة لكل أنواع الاحتلال وكانت تلقن الفتيات فى مدرسة العريش الإعدادية دروسا على مقاومة الاحتلال وتحرير الأرض.

تروي وداد أنها أثناء تواجدها فى مستشفى العريش سمعت بوجود منظمة جديدة اسمها منظمة سيناء العربية وذلك عقب حرب 67 مباشرة ، قررت الإنضمام لمنظمة سيناء العربية ، وكان ذلك يستدعي سفري للقاهرة، فقلت للحاكم العسكرى "عزرا وايزمان" آنذاك "إننى أريد السفر للقاهرة لأقدم واجب العزاء في الرئيس جمال عبدالناصر ، لكنه رفض ان يغادر أي شخص العريش.
ومن كثرة بكائى أمام الحاكم العسكرى وإلحاحي على السفر للقاهرة لم يجد "عزرا وايزمان" أمامه سوى السماح لي بالسفر برفقة 99 رجلا من أبناء العريش ، وسافرنا للقاهرة عن طريق عمان ، وقابلنا المشير أحمد إسماعيل والرئيس السادات ، وأثناء فترة تواجدي في القاهرة استطعت أن أتوصل إلى مؤسسي منظمة سيناء العربية ، وعرفت أنها تضم شخصيات كبيرة لها قدر من الاهتمام السياسى ، فانضممت إليها وقلت لهم إننى أقدم إليكم روحى فداء لبلدنا مصر ، وأى شيء ستطلبونه سأنفذه بدون مناقشة .
تستطرد وداد قائلة "أول ما قمت به من خلال مشاركتي في منظمة سيناء العربية توزيع منشورات تحث على الجهاد والمقاومة."

تعذيب وتهديد بالإغتصاب

سافرت وداد بنفسها إلى غزة من أجل الحصول على الورق وعلى المنشورات التي كانت توزعها ، وانتبهت لذلك الشرطة العسكرية الإسرائيلية وبدأت في مراقبة أهالي العريش ، ونجحوا في القبض عليها مع أسرتها.

تقول وداد "لقد تعرضت للتعذيب على أيديهم وقاموا بتعذيب والدي وأخي من أجل الكشف عن أية معلومات تفيدهم بخصوص منظمة سيناء العربية وأعضائها ، ومع إصرارى على رفض الاعتراف هددونى بالاغتصاب وانتهاك حرمتى ، مستغلين العادات والتقاليد البدوية التى أخضع لها ، ومع تمسكي بالرفض أطلقوا سراحى بعد أن صدقوا أننى لا أعرف شيئاً ،واستطعت خداع الميجور عزرا بأنني سافرت للقاهرة من أجل العزاء في جمال عبدالناصر فقط ولم أنضم لمنظمة سيناء العربية.

أضافت وداد أن التهديدات التي تلقتها على أيدى الشرطة الإسرائيلية لم تؤثر عليها ، وأن الله أعطاها في هذا الوقت قوة وإصرارا كبيرا على التحدي والصمود أمام كل التهديدات والتعذيب التي تعرضت له ، ولم تتأثر بالتهديد باغتصابها على الرغم أنها كانت غير متزوجة ، وربما كانت ستفقد أعز ما تملكه كل فتاة في شبابها ، وتقول: بعد خروجي من الحجز استمررت في توزيع المنشورات التي تدعو للجهاد والكفاح ،وكنت متنقلة بين القاهرة والإسماعيلية وسيناء من أجل نقل المعلومات لخدمة قواتنا المسلحة ،وجعلنا سيناء كتاباً مفتوحاً أمام قادتنا من القوات المسلحة حتى حقننا الانتصار فى حرب 1973.

عائشة ورسائل التفجير

وقبيل مغادرتنا لمحافظة شمال سيناء إلتقينا بالمجاهدة عائشة الهشة ، والتي تقول إنها شاركت زميلاتها البدويات في توصيل عدد من الرسائل من القادة فى القاهرة لرجالهم في العريش ، وتتذكر عائشة أنها تعرضت ذات يوم لعمليات تفتيش دقيقة عند مدخل مدينة العريش ، وكانت تحمل عدة رسائل خطيرة قادمة بها من القاهرة للقادة فى سيناء ولم تتمكن المفتشة الإسرائيلية عن كشف المكان الذي كانت عائشة تخبئ فيه الرسائل ، وتضيف عائشة أنها شاركت زميلاتها البدويات فى العريش ، ماأسفر عن تفجير عدد من سيارات العدو.

لم تكشف عائشة لأولادها الأربعة عن العمليات التى قامت بها فى سيناء إلا عندما كرمها الرئيس الراحل أنور السادات مع زميلاتها البطلات.

عن موقع محيط