طرابلس8

شــي لله


على مستوى المجتمعات الإنسانية، تعتبر الأزمات فترات اختبار جيدة لقياس قوة ترابطها، وسعيها لتجاوز المحن والابتلاءات. وفي المجتمعات التي تعتمد ثقافتها على التقاليد والموروثات العقائدية، تحاول البحث في جذورها المعرفية وثقافتها، عما يمكنه مساعدتها على تجاوز المحنة، أو انتظار ما يمكن للغيب أن يأتي به، إنه الرغبة في البحث عن بطل يمكنه أن يعيد للشمس إشراقتها الحقيقية. ومع مشروعية هذا الإجراء، البحث في المعتقد والإرث الثقافي عن مخلص أو ما يمكنه تفسير ما يحدث، كمحاولة دفاعية من المجتمع، إلا السلبي في المسألة ما قد يقوم به البعض من محاولة استغلال له، بنية تمرير ما يريد. كما حدث من قبل إعلام النظام، عندما مرر قصصه السخيفة؛ البيض الأخضر، وممارسة الشعوذة علانية.

يميل علي أحد الأصدقاء:
- زعمة تُصدق نبوءة سيدي عبدالسلام.
-.....؟
- طرابلس يا حفرة الدم/ جنزور هي الأمارة // وبشر الزاوية بالهم/ وجاك الخلا يا زوارة

يقال إن هذه النبوءة عمرها أكثر من 400 عام، وأنها تتنبأ بالوقت الذي نعيشه، ولقد وجدت أكثر من شخص يدعم هذا القولفي أحد الجلسات، أطلق أحد الأصدقاء يحكي حلماً عن جدته التي وافتها المنية قبل عامين، تقول الجدة: (شفت روحي في وادي (نسيت اسمه)، والشمس مَخَنوبَه (محجوبة، مدرقة)، ومعاي الحاج (زوجها) وسلفاتي التلاتة، أنا بروحي في الوادي وهما فاتوني يجروا في ايديهم عضام ميتين، والسيل فايض بالدم)، تعلق جدته: ليبيا جايها وقت عصيب، والدم فيه للركاب، وإنها بتلاقي ربها قبل ما تنقلب الدنيا. توفت الجدة، وبقى هذا الحفيد ليحكي رؤياها. لم أعول كثيراً على ما يقول، لأترك المجلس باكراً. وفي إحدى الأمسيات تفاجئني زوجتي بنبوءة أخرى، منسوبة لسيدي الصيد:
يحكم ليبيا ذيب أربعين عام/ عشره عمار، وعشره دمار/ عشره هـم، وعشرة دم.

علقت على قولها، بأنها أشبه ما تكون بنبوءة مركبة على الواقع الذي نعيش (مفصلة بالزبط!!!). فقد يلجأ الإنسان في لحظات الخوف والضعف، إلى ابتكار قصصاً وخيالات يدس فيها أمنياته، وقراءته للواقع الذي يعيشه.

بطريقة ما –غير مفهومة-، قفز إلى رأسي "نوستراداموس" الطبيب الفرنسي والمنجم صاحب النبوءات الشهيرة. وتذكرت إني كنت قد حملت بعض الكتب الخاصة، فاتجهت مباشرة لجاهز الحاسوب باحثاً عنها. وجدت خمس كتب أربعة باللغة العربية، وخامس باللغة الإنجليزية، وهكذا بدأت بقراءته أولاً. عنوان الكتاب (شفرة نوستراداموس، الحرب العالمية الثالثة 2006-2012) لـ"ميشيل راذفور"، والكتاب صادر في 2005. قضيت وقتاً طويلاَ بعض الشيء مع الكتاب، ربما لصعوبة اللغة أو عدم استيعابي للصور والمجازات. ثم اتجهت على الكتب العربية. هل تحدث "نوستراداموس عن ليبيا؟. الإجابة، نعم ولا!!!، كيف؟، ثم ذكر صريح لليبيا في نبوءاته، كما في الرباعية 4/المئوية الرابعة، ثمة أكثر من إشارة غيرها كالتي تتحدث عن (الأسطول الليبي) الذي يقف عند حدود مالطا (الرباعية 9/ المئوية الأولى). وثمة بعض الإشارات لأحداث مرت ونعايشها، كما في (الرباعية 5/المئوية الثانية) والتي تتحدث عن: الرجل الذي سيكون سبباً في الحرب بعد إنتهاء الأسلحة والمستندات في الأسماك، والذي يظهر أسطوله عند شواطئ إيطاليا. قد لا أكون بارعاً في الترجمة لكن الصورة العامة لهذا المقطع قد تعطي –أو أعطتني- إلماحة لما حدث، أو يحدث. وتتحدث أحد الرباعيات عن قائدٍ مجنون سيمضي بعيداً في جنونه. أنا هنا لا أؤكد نبوءات هذا المنجم، ولكنها فكرة قفزت، ولحالة الفراغ، تتبعتها حتى نهايتها، أنا لا أؤمن بالعرافة ولا التنجيم، فالغيب بيد الله وحده.

خاطر قفز إلى رأسي الآن، وكنت أريد أن أختم. هل سمعتم بـ"قويدر بن مغلية" يقال إنه درويش (مرفوع عنه الحجاب) كما أخبرني أحد الشيوخ، يخبرني: راجل قديم ياسر، هايم من بلاد لبلاد. ومما لا زلت أذكره من كلام الشيخ عن "قويدر": (يجي زنتيت منتيت، يهرب ويخلي دولته لشر وتفريت). لا أعرف لماذا حشرتُ هذه القصة هنا. وأهل طرابلس الطيبون، يخاتلون خيالاتهم ليلاً عن حلم، يكون عند نهايته فجر جديد.
______________
تنويه: سلسلة المقالات هذه كتبت خلال الفترة من شهر مارس وحتى سبتمبر 2011. في محاولة لرصد أحوال طرابلس الحبيبة.

نشر في صحيفة فبراير_ 23-11-2011